الاعداء الاخفياء
بقلم: إسلام رمضان
لا يملك المسلم في هذه الحياة أغلى ولا أعظم من هذا القلب الذي جعله الله عز وجل حياة الإنسان، فهو محل الإيمان أو الكفر كما هو موطن السعادة أو الحزن، وهو كذلك موضع الأحاسيس الجميلة أو السيئة.
لذلك عنى الإسلام بهذه القلوب عنايةً خاصةً وجعلها أهم عضو من أعضاء الإنسان، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: ’’.... ألا إنَّ في الجسد مضغةً إذا صلُحت صلُح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب’’ (متفق عليه).
وأعلى الإسلام كذلك من شأن القلوب وعرَّف بأهميتها بل جعلها محل الإيمان وموطن التقوى فيقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: ’’.... التقوى ها هنا التقوى ها هنا، وأشار إلى صدره’’ يعني القلب.
لذلك فالمسلم مطالب دائمًا بالحِفاظ على هذا القلب وحمايته من الذنوب والمعاصي التي تعرض عليه حتى يظل دائمًا متيقظًا مضيئًا متعلقًا بالله عز وجل، فعليه إذا عرضت عليه الفتنة أن يردها حمايةً لقلبه، وفي الحديث يقول- صلى الله عليه وسلم-: ’’تُعرض الفتن على القلوب كعرضِ الحصير عودًا عودًا، فأيما قلب أُشربها- أي وقع فيها- نُكت فيه نكتة- علامة- سوداء، وأيما قلب أنكرها نُكت فيه نكتةً بيضاء، حتى تصير القلوب على أحد قلبين قلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة وقلب أسود مرباد كالكوز مجخيًا لا يُنكر منكرًا ولا يقر معروفًا’’ .
والمسلم يحمي قلبه من هذه الذنوب والمعاصي التي تفتك به حتى يصل إلى الله عزوجل بقلبٍ سليمٍ، فماذا يبقى له إذا مرض قلبه أو مات والله تعالى يقول: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾ (الشعراء).
واعلم يا أخي أن ضرر الذنوب بالقلوب كضرر السموم بالأبدان، إما أن تُمرضها أو تُقعدها، وإما أن تقضي عليها تمامًا فتُميتها، ويمكننا أن نحدد أخطر الآثار التي تتعرض لها القلوب التي يقع أصحابها في المعاصي والذنوب، وهي تعتبر مراحل متتالية تحدث الواحدة تلو الآخرى كالتالي:
(1)- مرحلة طلاء القلب بالسواد
وهي المرحلة الأولى وتشبه فعل البكتريا في الأسنان، فتجد أن البكتريا حينما تقع على الأسنان بسبب أنواع الأطعمة والمشروبات فإنها أول ما تفعل تُغطي الأسنان بطبقاتٍ من الجير الأبيض ثم تسوَّد، بعد ذلك يبدأ السوس في نخر الأسنان من الداخل بعدما جعل لنفسه حمايةً في الخارج بهذه الطبقة، وكذلك الذنوب تبدأ في التراكم على القلوب ذنبًا بعد ذنب حتى يسوَّد القلب’’.. قلب أسود مرباد كالكوز مجخيًا..’’.
وفي فعلها هذا يأتي حديث النبي- صلى الله عليه وسلم- الذي يقول فيه: ’’إن المؤمن إذا أذنب ذنبًا نُكت فيه نكتة سوداء فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك هو الران الذي ذكره الله عز وجل .. ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)﴾ (المطففين).
(2)- مرحلة إظلام القلب من الداخل
بعد أن تم طلاء القلب بالسواد وتكوَّنت طبقة الران الأسود وغلفت القلب وحجبت عنه النور القادم الخارج تأتي المرحلة الثانية، وهي مرحلة إظلام القلب من الداخل، فإن الله تبارك وتعالى خلق في كل إنسانٍ نورًا داخل قلبه يهديه ويرشده.. ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ (النور: من الآية 40)، والإنسان هو مَن يُطفئ هذا النور أو يحافظ عليه تبعًا لأفعاله.
ويُروى أن الإمام الشافعي- وكان حدثًا صغيرًا- لما جلس بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه، قال له: ’’إني أرى الله قد ألقى في قلبك نورًا فلا تُطفئه بظلمةِ المعصية’’.
(3)- مرحلة عمى القلوب
لك أن تتخيل معي قلبًا أسود من الخارج وأُطفئ نور الله فيه وأُظلم من الداخل.. فهل يستطيع أن يرى الحقَّ وأن يميز بينه وبين الباطل؟ بالطبع لا، فهذا القلب سيتحول إلى قلبٍ أعمى لا يستطيع التمييز، وهذا العمى هو العمى الحقيقي وليس عمى العيون فقد يفقد الإنسان بصر عينيه ولكنه ببصيرة قلبه يستطيع أن يُميِّز بين الحقِّ والباطل، يقول الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج: من الآية 46).. ويقول الإمام الحسن: ’’هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب’’.
(4)- مرحلة موت القلب
هي المرحلة الأخيرة من تدمير الذنوب للقلوب فبعد أن ضعُف القلب وانهارت قواه بعد استسلامه لهذه الذنوب.. فإذا بها تضربه الضربةَ القاضيةَ فتُجهز عليه مرةً واحدةً حتى تقضي عليه فيموت، فيفقد الإحساس والشعور وتستوي عنده الحسنة والسيئة، وتختلط لديه الأمور فيرى الحق باطلاً والباطل حقًّا.
قيل لسعيد بن المسيب إن عبد الملك بن مروان يقول: ’’أصبحتُ لا أفرح بالحسنة أعملها ولا بالسيئة اقترفها’’ فقال: ’’الآن موت القلب’’.
(5)- وحشة مع الصالحين
بعد أن مات القلب وفقد الإحساس والشعور، تجده يشعر بوحشةٍ ووحدةٍ إذا دخل مسجدًا أو جلس مع بعض الصالحين، فإحساس الصالحين بالطاعات يختلف عن إحساس أصحاب المعاصي لذلك لا يتوافقوا.
قال أبو الدرداء: ’’ليحذر أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر’’ ثم قال: أتدرون مم هذا؟ قال: ’’إن العبد ليخلو بمعاصي الله، فيلقي الله ببغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر’’.
وفي النهاية..........................
هذه هي الآثار المدمرة التي تُخلفها الذنوب في القلوب فتدمرها وتقضي عليها، إذا استسلم الإنسان لغواية الشيطان وسار في طريقه، أما إذا صان نفسه عن الذنوب والمعاصي وسار في طريق الله فإنه يحظى بمجموعةٍ أخرى من الآثار الطيبة.
يقول فيها عبد الله بن عباس: ’’إن للحسنة ضياءً في الوجه ونورًا في القلب، وسعةً في الرزق وقوةً في البدن ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه وظلمةً قي القبر والقلب، ووهنًا في البدن ونقصًا في الرزق وبغضًا في قلوب الخلق’’.
وفي كل الأحوال دائمًا هناك باب لتطهير القلوب ومحو آثار الذنوب، وهو باب التوبة والرجوع إلى الله، فالتوبة تطهر قلب التائب وتمسحه، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: ’’إن المؤمن إذا أذنب ذنبًا نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه...’’ أي مسح وطهر وأزيلت آثار الذنوب.
فليحذر كل منا من هذه الأعداء الخفية المتربصة بقلوبنا تريد الفضاء عليها وتدميرها، فهذه القلوب هي أساس الإيمان وباب الوصول إلى الله ومحل التقوى والقرب من الله.
.ينابيع
بقلم: إسلام رمضان
لا يملك المسلم في هذه الحياة أغلى ولا أعظم من هذا القلب الذي جعله الله عز وجل حياة الإنسان، فهو محل الإيمان أو الكفر كما هو موطن السعادة أو الحزن، وهو كذلك موضع الأحاسيس الجميلة أو السيئة.
لذلك عنى الإسلام بهذه القلوب عنايةً خاصةً وجعلها أهم عضو من أعضاء الإنسان، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: ’’.... ألا إنَّ في الجسد مضغةً إذا صلُحت صلُح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب’’ (متفق عليه).
وأعلى الإسلام كذلك من شأن القلوب وعرَّف بأهميتها بل جعلها محل الإيمان وموطن التقوى فيقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: ’’.... التقوى ها هنا التقوى ها هنا، وأشار إلى صدره’’ يعني القلب.
لذلك فالمسلم مطالب دائمًا بالحِفاظ على هذا القلب وحمايته من الذنوب والمعاصي التي تعرض عليه حتى يظل دائمًا متيقظًا مضيئًا متعلقًا بالله عز وجل، فعليه إذا عرضت عليه الفتنة أن يردها حمايةً لقلبه، وفي الحديث يقول- صلى الله عليه وسلم-: ’’تُعرض الفتن على القلوب كعرضِ الحصير عودًا عودًا، فأيما قلب أُشربها- أي وقع فيها- نُكت فيه نكتة- علامة- سوداء، وأيما قلب أنكرها نُكت فيه نكتةً بيضاء، حتى تصير القلوب على أحد قلبين قلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة وقلب أسود مرباد كالكوز مجخيًا لا يُنكر منكرًا ولا يقر معروفًا’’ .
والمسلم يحمي قلبه من هذه الذنوب والمعاصي التي تفتك به حتى يصل إلى الله عزوجل بقلبٍ سليمٍ، فماذا يبقى له إذا مرض قلبه أو مات والله تعالى يقول: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾ (الشعراء).
واعلم يا أخي أن ضرر الذنوب بالقلوب كضرر السموم بالأبدان، إما أن تُمرضها أو تُقعدها، وإما أن تقضي عليها تمامًا فتُميتها، ويمكننا أن نحدد أخطر الآثار التي تتعرض لها القلوب التي يقع أصحابها في المعاصي والذنوب، وهي تعتبر مراحل متتالية تحدث الواحدة تلو الآخرى كالتالي:
(1)- مرحلة طلاء القلب بالسواد
وهي المرحلة الأولى وتشبه فعل البكتريا في الأسنان، فتجد أن البكتريا حينما تقع على الأسنان بسبب أنواع الأطعمة والمشروبات فإنها أول ما تفعل تُغطي الأسنان بطبقاتٍ من الجير الأبيض ثم تسوَّد، بعد ذلك يبدأ السوس في نخر الأسنان من الداخل بعدما جعل لنفسه حمايةً في الخارج بهذه الطبقة، وكذلك الذنوب تبدأ في التراكم على القلوب ذنبًا بعد ذنب حتى يسوَّد القلب’’.. قلب أسود مرباد كالكوز مجخيًا..’’.
وفي فعلها هذا يأتي حديث النبي- صلى الله عليه وسلم- الذي يقول فيه: ’’إن المؤمن إذا أذنب ذنبًا نُكت فيه نكتة سوداء فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك هو الران الذي ذكره الله عز وجل .. ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)﴾ (المطففين).
(2)- مرحلة إظلام القلب من الداخل
بعد أن تم طلاء القلب بالسواد وتكوَّنت طبقة الران الأسود وغلفت القلب وحجبت عنه النور القادم الخارج تأتي المرحلة الثانية، وهي مرحلة إظلام القلب من الداخل، فإن الله تبارك وتعالى خلق في كل إنسانٍ نورًا داخل قلبه يهديه ويرشده.. ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ (النور: من الآية 40)، والإنسان هو مَن يُطفئ هذا النور أو يحافظ عليه تبعًا لأفعاله.
ويُروى أن الإمام الشافعي- وكان حدثًا صغيرًا- لما جلس بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه، قال له: ’’إني أرى الله قد ألقى في قلبك نورًا فلا تُطفئه بظلمةِ المعصية’’.
(3)- مرحلة عمى القلوب
لك أن تتخيل معي قلبًا أسود من الخارج وأُطفئ نور الله فيه وأُظلم من الداخل.. فهل يستطيع أن يرى الحقَّ وأن يميز بينه وبين الباطل؟ بالطبع لا، فهذا القلب سيتحول إلى قلبٍ أعمى لا يستطيع التمييز، وهذا العمى هو العمى الحقيقي وليس عمى العيون فقد يفقد الإنسان بصر عينيه ولكنه ببصيرة قلبه يستطيع أن يُميِّز بين الحقِّ والباطل، يقول الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج: من الآية 46).. ويقول الإمام الحسن: ’’هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب’’.
(4)- مرحلة موت القلب
هي المرحلة الأخيرة من تدمير الذنوب للقلوب فبعد أن ضعُف القلب وانهارت قواه بعد استسلامه لهذه الذنوب.. فإذا بها تضربه الضربةَ القاضيةَ فتُجهز عليه مرةً واحدةً حتى تقضي عليه فيموت، فيفقد الإحساس والشعور وتستوي عنده الحسنة والسيئة، وتختلط لديه الأمور فيرى الحق باطلاً والباطل حقًّا.
قيل لسعيد بن المسيب إن عبد الملك بن مروان يقول: ’’أصبحتُ لا أفرح بالحسنة أعملها ولا بالسيئة اقترفها’’ فقال: ’’الآن موت القلب’’.
(5)- وحشة مع الصالحين
بعد أن مات القلب وفقد الإحساس والشعور، تجده يشعر بوحشةٍ ووحدةٍ إذا دخل مسجدًا أو جلس مع بعض الصالحين، فإحساس الصالحين بالطاعات يختلف عن إحساس أصحاب المعاصي لذلك لا يتوافقوا.
قال أبو الدرداء: ’’ليحذر أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر’’ ثم قال: أتدرون مم هذا؟ قال: ’’إن العبد ليخلو بمعاصي الله، فيلقي الله ببغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر’’.
وفي النهاية..........................
هذه هي الآثار المدمرة التي تُخلفها الذنوب في القلوب فتدمرها وتقضي عليها، إذا استسلم الإنسان لغواية الشيطان وسار في طريقه، أما إذا صان نفسه عن الذنوب والمعاصي وسار في طريق الله فإنه يحظى بمجموعةٍ أخرى من الآثار الطيبة.
يقول فيها عبد الله بن عباس: ’’إن للحسنة ضياءً في الوجه ونورًا في القلب، وسعةً في الرزق وقوةً في البدن ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه وظلمةً قي القبر والقلب، ووهنًا في البدن ونقصًا في الرزق وبغضًا في قلوب الخلق’’.
وفي كل الأحوال دائمًا هناك باب لتطهير القلوب ومحو آثار الذنوب، وهو باب التوبة والرجوع إلى الله، فالتوبة تطهر قلب التائب وتمسحه، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: ’’إن المؤمن إذا أذنب ذنبًا نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه...’’ أي مسح وطهر وأزيلت آثار الذنوب.
فليحذر كل منا من هذه الأعداء الخفية المتربصة بقلوبنا تريد الفضاء عليها وتدميرها، فهذه القلوب هي أساس الإيمان وباب الوصول إلى الله ومحل التقوى والقرب من الله.
.ينابيع