هل تفرق السياسة الإخوان المسلمين؟
د. رفيق حبيب
نواب كتلة الأخوان يعترضون على الطوارئ
موقف جماعة الإخوان المسلمين من العمل السياسي، أو موقفها في المجال السياسي، يمثل أحد أهم الجوانب التي تلقى متابعة واسعة من أجهزة الإعلام، كما يمثل أحد أهم الجوانب التي تلقى جدلا واسعا داخل الجماعة وخارجها، وهناك العديد من وجهات النظر التي تخص عمل الجماعة في المجال السياسي، والتي ثار حولها الكثير من الجدل، بل يغلب على العديد من ناقدي الجماعة ومتابعيها، توجيه الكثير من النقد لمواقفها وقراراتها السياسية، وبعض المتابعين يرون وجود فروق جوهرية مؤثرة بين قيادات الجماعة في المسائل السياسية.
السياسة مدخلا للفهم
لهذا يمكن اعتبار المجال السياسي النقطة المثيرة لحوارات داخل الجماعة وخارجها، برغم أن بعض الجوانب الأخرى -مثل الجانب التربوي والتنظيمي- تحظى بقدر ما من المتابعة والتعليق؛ إذ يكتسب دور جماعة الإخوان وتأثيرها في المجال السياسي بعدا مهما، سواء في مصر أو في غيرها من الدول العربية والإسلامية، فهو يمثل واحدًا من المتغيرات المهمة في معادلة الوضع الراهن، وفي معادلة المستقبل السياسي للدول التي تحظى فيها الجماعة بتواجد واضح ومؤثر.
والوقائع الراهنة تؤكد أن جماعة الإخوان، وبرغم أنها لم تصل للحكم عبر تاريخها الطويل، إلا في تجربة حركة حماس وفوزها بالأغلبية في المجلس التشريعي عام 2006، باتت عاملا مهما في المعادلة السياسية، محليا وإقليميا ودوليا؛ لهذا بات موقفها وقراراتها السياسية من ضمن العناصر المؤثرة على الوضع العام في المنطقة، وحيث إن الجماعة هي كبرى الجماعات الإسلامية الوسطية، والتي تتبنى المنهج الإصلاحي التدريجي؛ لهذا يصبح دورها مؤثرًا على المشروع الوسطي الإسلامي، بجانب تأثيرها على الحالة الإسلامية عامة.
وإذا كانت القضية السياسية تحظى بقدر واضح من التباين والنقاش داخل الجماعة، يكون التباين الداخلي، ليس مجرد اختلاف في الرأي له تأثيره داخليا على الجماعة، ولكنه اختلاف في الرأي يؤثر على الإخوان وكل جماعاتهم، كما يؤثر على الحركة الإسلامية عامة، والوسطية منها خاصة، كما يؤثر على المستقبل السياسي للمنطقة، ومن هنا يكون من الضروري تحليل المواقف السياسية للجماعة، والاتجاهات المختلفة بداخلها في الموضوع السياسي، للوصول إلى مقاربة تساعد على كشف أفضل نهج يمكن أن يحقق الفائدة للأمة، وللجماعة ودورها أيضا.
البحث عن معيار
أحد أهم مشكلاتنا في التحليل والرصد، سواء لجماعة الإخوان المسلمين أو غيرها من الحركات الإسلامية، يكمن في عدم تحديد المعيار الذي يتم على أساسه التحليل، وهنا علينا التميز بين عملية التحليل السياسي والاجتماعي، والتي تهدف إلى تحديد الواقع وتحليله بنظرة علمية، وبين عملية التقييم التي تهدف إلى تقييم ما تم رصده من واقع، وإلصاق أوصاف إيجابية أو سلبية به، وبرغم أن تلك المشكلة متكررة في أدبياتنا الفكرية والسياسية، فإنها تحظى بأهمية أكبر عند تناول النشاط السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، والغالب على معظم الكتابات التي تتعرض للجماعة بالتقييم السياسي، أنها تقيم رؤيتها على معيار ومحك من رؤى سياسية مختلفة عن رؤية الإخوان، خاصة الرؤية العلمانية الليبرالية، وكثيرا ما نجد نقدا للمواقف والرؤى السياسية للجماعة، ينبع في الواقع من اختلافها مع الرؤية العلمانية الليبرالية السياسية، برغم أن اختلافها هذا حتمي ومنطقي؛ لأنها تقدم رؤية سياسية إسلامية، تختلف في أسسها عن الرؤية العلمانية الليبرالية، برغم الكثير من المشتركات في أدوات وأساليب العمل السياسي.
لهذا يصبح من المهم معرفة المعيار الذي يستخدمه كل كاتب أو محلل، لتقييم الخلاصة التي يصل لها، ومعرفة مدى مناسبتها للجماعة من عدمه، وبالطبع يوجد معيار موضوعي لتحليل المواقف والرؤى السياسية للجماعة، وتقييم أثرها على الجماعة وعلى الأمة، وهذا المعيار ينبع من الانتماء الفكري للجماعة نفسه واختياراتها المنهجية، فتقيم باعتبارها هيئة إسلامية جامعة، تهدف لتحقيق النهضة الحضارية الإسلامية، وتتبع المنهج الإصلاحي التدريجي؛ لأننا إذا قيمنا الجماعة بوصفها حزبا سياسيا، فسنجد أنها ارتكبت العديد من الأخطاء السياسية، ولكنها في الأساس ليست فقط حزبا سياسيا، وبالتالي لا يمكن أن تقيَّم إلا من خلال الطريق الذي اختارته لنفسها، وبعد ذلك يمكن تقييم هذا الطريق في مقابل طرق واختيارات أخرى، إذا أراد المحلل أن يقارن بين الاختيارات المختلفة.
المشروع الحضاري كمعيار مقترح
المؤتمر الصحفي للإخوان في المحليات
لهذا نتصور معيارا محددا عند تحليل مواقف الجماعة السياسية، وهذا المعيار يتعلق بمدى قدرة الجماعة على تحقيق هدفها النهائي وهو النهوض الحضاري الإسلامي، ومدى قدرتها على تحقيق غايتها بالمنهج الإصلاحي التدريجي، ومدى قدرتها على الموازنة بين عملها السياسي وأعمالها الأخرى، وهذا المعيار يدور حول مدى نجاح الجماعة في تحقيق ما رسمته لنفسها من أهداف، وعليه تقيم مسألة التباين في وجهات النظر السياسية على هذا المعيار.
يضاف لهذا معيار آخر مهم، وهو الجانب المتحيز من أي عملية تحليل، فكل رؤية علمية تنبع من خلفية فكرية أو فلسفية، فالبعض يحلل مواقف الجماعة على معيار مدى تأثيرها على مشروع إقامة الدولة القومية الحديثة على النمط الغربي، ليرى إذا كانت تعرقل هذا المشروع أم لا، ولكن في المقابل نجد معيارًا آخر متحيزا، ولكنه موضوعي في الوقت نفسه، وهو معيار يستمد من الأمة نفسها، ويتحيز لها، فيكون بذلك موضوعيًّا؛ لأنه يقيم الجماعة على معيار مستمد من أمتها، وهنا نرى أهمية معرفة دور الجماعة وتأثيرها على تحقيق المستقبل الذي تختاره الأمة بإرادتها، ويحقق لها النهضة التي تنشدها.
وعلى هذا سنطرح بعض جوانب التباين في الآراء، على تلك المعايير، لنرى إن كان من الممكن الانتقال مرحليا من الآراء المتباينة إلى رؤية إستراتيجية واحدة فيما يخص العمل في المجال السياسي، أم أن هناك رؤى متعارضة.
الاجتماعي قبل السياسي:
ما دام الهدف النهائي لجماعة الإخوان المسلمين هو النهضة الحضارية الشاملة، إذن يصبح إصلاح الأمة هو الأولوية الأولى لها؛ لأن النهضة هي فعل الأمة كلها، وليس فعل النظام السياسي وحدة، كما أن فعل النهضة يقوم أساسًا على مجمل جهود كل أبناء الأمة معا، وأيضا يتوقف فعل النهضة على اختيار الأمة لهويتها ومرجعيتها، والتي تبني على أساسها نهضتها.
والحاصل أن هناك نقاشا حول مدى انخراط جماعة الإخوان في العمل السياسي ومدى انخراطها في العمل الاجتماعي، والبعض يرى غلبة السياسي على الاجتماعي، ويعتبر ذلك أمرا سلبيا، والبعض الآخر يرى ضعف العمل السياسي، ويعتبر ذلك أمرا سلبيا أيضا.
فإذا سلمنا بأن هدف الجماعة الأساسي هو النهوض بالأمة، فسيصبح عملها الاجتماعي أي عملها الدعوي والديني والاجتماعي، سابقا لعملها السياسي؛ لأن فعل النهضة يبدأ بالأمة وينتهي بالدولة، أي يبدأ بأن تختار الأمة طريق نهضتها، ثم يتبنى النظام السياسي ما اختارته الأمة، وعليه يكون على جماعة الإخوان بناء قاعدة اجتماعية مؤمنة برؤيتها، ثم ترجمة ذلك إلى حضور سياسي معبر عن تلك القاعدة، فلا يمكن أن تجمع الجماعة من حولها قاعدة مؤيدة لمشروعها، ولا تعبر عنها سياسيا، وبهذا يكون دور الجماعة السياسي مرتبطا بما حققته من قاعدة اجتماعية، فإذا توسعت القاعدة الاجتماعية للجماعة دون توسع دورها السياسي، كان ذلك تقصيرا في المجال السياسي، وإذا توسع الدور السياسي للجماعة بدرجة أكبر من حجم قاعدتها الاجتماعية، كان ذلك تركيزا على الجانب السياسي بدرجة أكبر مما تتطلبه عملية بناء مشروع نهضة، تقوم على قاعدة الارتكاز على الأمة.
ما هي الأغلبية؟!
إذا كان منهج الجماعة هو الإصلاح الشامل، فلا يمكن تصور إنجاز هذا الإصلاح الشامل مجتمعيا، دون إنجازه على مستوى النظام السياسي، فلا يمكن استكمال مشروع النهضة دون إصلاح النظام السياسي، وإذا كان الإصلاح المجتمعي هو الأساس، فإن الإصلاح السياسي هو أساس مكمل، لا يمكن التغاضي عنه؛ لأن قدرة الأمة على النهوض لا تكتمل بدون نظام سياسي يعبر عنها وينبع من مرجعيتها.
وتتباين الآراء حول اللحظة التي يكون فيها الإصلاح السياسي حتميا وضروريا، والتي يصبح فيها العمل السياسي المباشر، بما في ذلك الوصول للحكم، أمرا ضروريا، سواء كان ذلك بوصول الجماعة نفسها للحكم، أو بتأييدها لحزب أو نخبة تحمل مشروعها وتدعم وصولها للحكم، والبعض يرى أن الجماعة تتأخر في عملية الإصلاح السياسي وتؤجلها كثيرا، أما البعض الآخر فيرى أهمية عدم استعجال الجماعة في مسألة تغيير الحكم، وهنا نجد من يعتمد على الأغلبية السياسية، ويعتبر حصول الجماعة عليها كافيا لتوليها أمر الحكم بأي صورة من الصور، والبعض الآخر يرى أهمية عدم الاعتماد على الأغلبية السياسية فقط، بل على مدى تمسك الأمة بمشروع النهضة الحضارية الإسلامية.
وفي هذا الشأن، وما دام هدف الجماعة ليس فقط تغيير الأوضاع السياسية، بل تحقيق النهضة وإصلاح الأوضاع السياسية بما يحقق النهضة، فإن معيار الأغلبية يأخذ بعدا آخر، ويصبح متعلقا بالأغلبية المجتمعية قبل الأغلبية السياسية، والفرق بينهما مهم، فالأغلبية المجتمعية تعني أن أغلبية شرائح المجتمع أصبحت تتبنى المشروع الإسلامي، أما الأغلبية السياسية فهي الحصول على أغلبية الأصوات في انتخابات ما، وهنا يصبح من الضروري رصد الواقع الاجتماعي، فعندما تناصر أغلبية المجتمع المشروع الإسلامي الوسطي، حتى إن كان جزء من هذه الأغلبية لا يؤيد جماعة الإخوان برغم تبنيه لنفس رؤيتها، يصبح على الجماعة العمل على الحصول على الأغلبية السياسية، والوصول للحكم أو البحث عن النخبة السياسية التي تعبر عن فكرها ودعمها لتصل للحكم، نقصد من هذا، أن وقت وأوان إصلاح النظام السياسي، هو عندما يتحقق للمشروع الحضاري الإسلامي، أغلبية مجتمعية تؤيده.
جماعة وليست حزبا:
إخوانيات خلال مظاهرة للتنديد باعتقال أعضاء داخل الجماعة
بما أن جماعة الإخوان المسلمين تعمل على إصلاح الأمة، وتقوم بالإحياء الديني والإصلاح المجتمعي، وهي ترى أن كل تلك الجوانب لازمة لفعل النهضة، وهذا حقيقي، إذن الجماعة اختارت أن تحمل نفسها بالعديد من أعباء ومسئوليات مشروع النهضة، ولم تكلف نفسها بدور واحد في أحد الجوانب، لذلك أصبحت الجماعة متعددة الأدوار، ليس لأن هذا هو الطريق الوحيد للمساهمة في عملية النهوض، ولكن لأن هذا هو الطريق المناسب لمن اختار تحمل مسئولية قيام النهضة.وفي أوضاع يحكمها التخصص، وقوانين تميز بين المؤسسات بحكم مجال عملها، يدور النقاش حول كيفية تكيف الجماعة مع الأوضاع القانونية القائمة على التخصص في عمل المؤسسات، ويرى البعض أهمية تحويل الجماعة إلى حزب، والبعض الآخر يفضل بقاء الجماعة وإقامة حزب يكون جناحا سياسيا لها.
والحقيقة أن مشروع النهضة يقوم أساسا على حركة اجتماعية، تبني قاعدة الأمة وتؤسس لهويتها ومرجعيتها، وتجعلها قادرة على حمل مسئولية النهوض، وبهذا تكون الحركة الاجتماعية هي أساس الإصلاح الشامل المفضي للنهضة، أما الحركة السياسية، فهي تقوم بالإصلاح السياسي المساعد لقيام النهضة ولكنه ليس كافيا لتحقيقها، وما دامت الجماعة قد اختارت لنفسها العمل من أجل الإصلاح الشامل، إذن فهي تمثل حركة اجتماعية أساسا، وهي جماعة أكثر من كونها حزبا سياسيا، وبهذا فلا يجوز لها التحول لحزب سياسي، وإلا ستكون قد حصرت نفسها في مجال من مجالات الإصلاح، فالحركة الاجتماعية أي الجماعة، لها تواجد وتأثير واسع في العديد من المجالات، والحزب السياسي يحد من هذا التواجد ويحصره في مسألة الوصول للحكم.
جمعية وحزب:
ما دامت جماعة الإخوان المسلمين قد اختارت العمل من أجل الإصلاح الشامل، وتحقيق وحدة الأمة الإسلامية ثم تحقيق نهضتها؛ لذلك سيكون عليها العمل في مختلف المجالات العامة، كما سيكون عليها العمل في المجال السياسي، وأيضا سيكون على الجماعة العمل من أجل إصلاح المجتمع، ثم يكون عليها العمل من أجل الإصلاح السياسي.
لهذا يرى البعض الحفاظ على الجماعة، وإنشاء حزب سياسي يكون بمثابة الذراع السياسية لها، ويرى البعض الآخر، أن مسألة إنشاء الحزب مؤجلة وليس لها الأولوية، والبعض يرى أن لها الأولوية، والبعض بالطبع يناقش مسألة الحزب، وهل يكون ذراعا سياسية للجماعة، أم يكون حزبا كامل الاستقلال عنها، والبعض يؤكد في المقابل على أن الجماعة سوف تؤيد من يعبر عن رؤيتها سياسيا، فإن لم تجده فسوف تسعى لتأسيس حزب والوصول للسلطة.
في كل الأحوال نرى أن جماعة الإخوان المسلمين سيكون عليها التعامل مع مسألة الحكم بصورة مباشرة؛ وبهذا يكون تأسيس حزب للجماعة أمرا حتميا وضروريا، سواء في مصر أو غيرها من الدول؛ ولأن الجماعة لها نشاطها السياسي، وكما قلنا: عليها التواجد في المجال السياسي بحجم تواجدها الاجتماعي، وأيضا عليها التعامل مع مسألة الحكم إذا وصلت فكرتها إلى الأغلبية المجتمعية؛ لذا نقول: إن على الجماعة الدخول رسميا في المجال السياسي كحزب يسعى للسلطة عندما تصل إلى الأغلبية المجتمعية، ويصبح الوصول للسلطة فرضا عليها لا يمكن أن تعتذر عنه، وأيضا على الجماعة تأسيس حزب سياسي يضم نشاطها السياسي، عندما يسمح المناخ السياسي بقبول الحركات الإسلامية، ويكون عليها التكيف مع الأوضاع القانونية، حتى إن كان هذا الحزب لن يسعى للسلطة قبل وصول الجماعة إلى الأغلبية المجتمعية.
بهذا تكون صيغة الجماعة والحزب، أي الجمعية الاجتماعية والحزب السياسي، هي الصيغة الأنسب لجماعة الإخوان المسلمين، وهي تحقق لها التكيف القانوني، في ظل مسألة تخصص المؤسسات في مجال العمل، وتحافظ على دورها في عملية الإصلاح الشامل، وربما تؤيد الجماعة حزبا قائما، إذا عبر عن مشروعها، ولكن هذا الاحتمال أصبح ضعيفا، وقد يناسب الجماعة تشكيل حزب كذراع سياسية لها، لمعالجة الأوضاع القانونية، ولكن عندما تحين مرحلة تغيير النظام السياسي والوصول للحكم، سيكون من الضروري تحويل هذا الحزب إلى كيان مستقل، يمثل مؤسسة تعبر عن القاعدة الاجتماعية للجماعة، والقاعدة الاجتماعية لمشروعها السياسي، نقصد من هذا، أن الجماعة في مرحلة تغيير الحكم، سوف تؤيد حزبا يعبر عنها، وهذا احتمال ليس كبيرا، أو تؤيد حزبا قامت هي بإنشائه وانتمى له أعضاؤها، وهذا هو الاحتمال الأغلب.
رؤية الجماعة ورؤية الحزب:
منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا، والجماعة تحمل رؤية شاملة، تسمح بالعديد من الاختلافات والتباين في تفاصيلها، ولكن لا تسمح بأي تغيير في أسسها، وتلك الأسس هي التي مثلت ثوابت الجماعة، والتي تستمدها الجماعة من رؤيتها لثوابت الإسلام؛ ولهذا يصبح التكامل بين كل أعمال الجماعة في المجالات المختلفة ضروريا، حتى تكون رسالتها واضحة ومتكاملة، مما يعني أهمية التكامل والاتساق بين عمل الجماعة الإصلاحي المجتمعي، وبين عملها الإصلاحي السياسي، حتى يكون ما ينجز اجتماعيا يتراكم ويتكامل مع ما ينجز سياسيا.
هناك العديد من الرؤى في تلك القضية، فهناك مخاوف حقيقية من قيام حزب يعبر عن جماعة الإخوان، ثم يحدث انفصال فكري بين الجماعة والحزب، والخوف ليس من المشكلات أو الانفصال التنظيمي، قدر ما هي تتعلق بمسار الخطاب الدعوي والسياسي، وهناك من يرى أهمية التفريق بين رؤية الجماعة الكلية، وخطاب الحزب التفصيلي، مما يثير مخاوف الآخرين، أن يكون الحزب مرنا أكثر من اللازم، والبعض الآخر يتخوف من ميل الجماعة إلى التقليدية، بسبب بعدها عن العمل السياسي.
والحقيقة أننا بصدد مشكلة المرونة في العمل السياسي، وكيفية تحقيق الممكن، حيث إن السياسة هي فن تحقيق الممكن، وفي مقابل ذلك، فإن العمل الدعوي أو الفكري أو الفلسفي، يمثل تحديدا لما يجب أن يكون، وبهذا تكون المقابلة بين ما يجب أن يكون، وما يمكن أن يكون، هي جوهر مشكلة العلاقة بين الجماعة والحزب، ولحل تلك المسألة نرى أهمية التفريق بين الثوابت والرؤية العامة، وبين التفاصيل والإجراءات، أي بين ثوابت الرؤية السياسية للجماعة، ومتغيرات هذه الرؤية، والنجاح في التمييز بين الثابت والمتغير يرتبط بالقدرة على تحديد ثوابت الرؤية السياسية للجماعة، وهي التي تلتزم بها الجماعة، وتؤسس على أساسها حزبا سياسيا، أما المتغيرات والتفاصيل، فلا محل لاتفاق حولها، بل هي في المجال السياسي، من عمل الحزب وليس الجماعة، وبهذا يكون الحزب ممثلا للرؤية السياسية للجماعة، ويقوم بما يمكن أن يكون تحقيقا لهذه الرؤية، والتي يدعو لها الحزب والجماعة، وتظل هي الرباط الأهم بينهما، وهنا تظهر أهمية التفرقة بين المرونة والتنازل، فالحزب يحتاج إلى أكبر قدر من المرونة دون تنازل، والجماعة تحتاج لأكبر قدر من الثبات دون تعنت.
موقع السياسة في المشروع الإصلاحي
نخلص من هذا، إلى أهمية تحديد موقع الإصلاح السياسي، من المشروع الإصلاحي الشامل للجماعة، وهو ما يتطلب تعريفًا بالمراحل والمهام التي تقوم بها الجماعة، والاتفاق حول متطلبات كل مرحلة، وتحديد المعايير التي تختارها الجماعة للانتقال من مرحلة إلى أخرى، كما يتطلب الأمر تأسيس الأدوات اللازمة للعمل السياسي، خاصة عندما تقترب من مسألة حسم قضية الحكم، والإصلاح السياسي، فالتأسيس الجيد للمراحل والأدوات اللازمة لكل مرحلة، والتوافق على موقف الجماعة وخطتها في كل مرحلة، هو ما يوحد بين الآراء المتباينة ويستفيد من ثرائها، ويحقق للجماعة توافقا في كل مرحلة تمر بها، ومع استمرار التباين في الرأي، والقدرة على التوافق على خطة العمل، تستفيد الجماعة من التباين والتنوع الداخلي، وبقدر ما تحدد الجماعة لنفسها معايير محددة لدخولها المجال السياسي، بقدر ما يكون الوصول لمرحلة تغيير الحكم مرتبطا بإرادة الأمة، وبهذا تصبح الجماعة مفوضة منها.
ــــــــــــــــــت
باحث مصري
.إسلام اون لاين
د. رفيق حبيب
نواب كتلة الأخوان يعترضون على الطوارئ
موقف جماعة الإخوان المسلمين من العمل السياسي، أو موقفها في المجال السياسي، يمثل أحد أهم الجوانب التي تلقى متابعة واسعة من أجهزة الإعلام، كما يمثل أحد أهم الجوانب التي تلقى جدلا واسعا داخل الجماعة وخارجها، وهناك العديد من وجهات النظر التي تخص عمل الجماعة في المجال السياسي، والتي ثار حولها الكثير من الجدل، بل يغلب على العديد من ناقدي الجماعة ومتابعيها، توجيه الكثير من النقد لمواقفها وقراراتها السياسية، وبعض المتابعين يرون وجود فروق جوهرية مؤثرة بين قيادات الجماعة في المسائل السياسية.
السياسة مدخلا للفهم
لهذا يمكن اعتبار المجال السياسي النقطة المثيرة لحوارات داخل الجماعة وخارجها، برغم أن بعض الجوانب الأخرى -مثل الجانب التربوي والتنظيمي- تحظى بقدر ما من المتابعة والتعليق؛ إذ يكتسب دور جماعة الإخوان وتأثيرها في المجال السياسي بعدا مهما، سواء في مصر أو في غيرها من الدول العربية والإسلامية، فهو يمثل واحدًا من المتغيرات المهمة في معادلة الوضع الراهن، وفي معادلة المستقبل السياسي للدول التي تحظى فيها الجماعة بتواجد واضح ومؤثر.
والوقائع الراهنة تؤكد أن جماعة الإخوان، وبرغم أنها لم تصل للحكم عبر تاريخها الطويل، إلا في تجربة حركة حماس وفوزها بالأغلبية في المجلس التشريعي عام 2006، باتت عاملا مهما في المعادلة السياسية، محليا وإقليميا ودوليا؛ لهذا بات موقفها وقراراتها السياسية من ضمن العناصر المؤثرة على الوضع العام في المنطقة، وحيث إن الجماعة هي كبرى الجماعات الإسلامية الوسطية، والتي تتبنى المنهج الإصلاحي التدريجي؛ لهذا يصبح دورها مؤثرًا على المشروع الوسطي الإسلامي، بجانب تأثيرها على الحالة الإسلامية عامة.
وإذا كانت القضية السياسية تحظى بقدر واضح من التباين والنقاش داخل الجماعة، يكون التباين الداخلي، ليس مجرد اختلاف في الرأي له تأثيره داخليا على الجماعة، ولكنه اختلاف في الرأي يؤثر على الإخوان وكل جماعاتهم، كما يؤثر على الحركة الإسلامية عامة، والوسطية منها خاصة، كما يؤثر على المستقبل السياسي للمنطقة، ومن هنا يكون من الضروري تحليل المواقف السياسية للجماعة، والاتجاهات المختلفة بداخلها في الموضوع السياسي، للوصول إلى مقاربة تساعد على كشف أفضل نهج يمكن أن يحقق الفائدة للأمة، وللجماعة ودورها أيضا.
البحث عن معيار
أحد أهم مشكلاتنا في التحليل والرصد، سواء لجماعة الإخوان المسلمين أو غيرها من الحركات الإسلامية، يكمن في عدم تحديد المعيار الذي يتم على أساسه التحليل، وهنا علينا التميز بين عملية التحليل السياسي والاجتماعي، والتي تهدف إلى تحديد الواقع وتحليله بنظرة علمية، وبين عملية التقييم التي تهدف إلى تقييم ما تم رصده من واقع، وإلصاق أوصاف إيجابية أو سلبية به، وبرغم أن تلك المشكلة متكررة في أدبياتنا الفكرية والسياسية، فإنها تحظى بأهمية أكبر عند تناول النشاط السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، والغالب على معظم الكتابات التي تتعرض للجماعة بالتقييم السياسي، أنها تقيم رؤيتها على معيار ومحك من رؤى سياسية مختلفة عن رؤية الإخوان، خاصة الرؤية العلمانية الليبرالية، وكثيرا ما نجد نقدا للمواقف والرؤى السياسية للجماعة، ينبع في الواقع من اختلافها مع الرؤية العلمانية الليبرالية السياسية، برغم أن اختلافها هذا حتمي ومنطقي؛ لأنها تقدم رؤية سياسية إسلامية، تختلف في أسسها عن الرؤية العلمانية الليبرالية، برغم الكثير من المشتركات في أدوات وأساليب العمل السياسي.
لهذا يصبح من المهم معرفة المعيار الذي يستخدمه كل كاتب أو محلل، لتقييم الخلاصة التي يصل لها، ومعرفة مدى مناسبتها للجماعة من عدمه، وبالطبع يوجد معيار موضوعي لتحليل المواقف والرؤى السياسية للجماعة، وتقييم أثرها على الجماعة وعلى الأمة، وهذا المعيار ينبع من الانتماء الفكري للجماعة نفسه واختياراتها المنهجية، فتقيم باعتبارها هيئة إسلامية جامعة، تهدف لتحقيق النهضة الحضارية الإسلامية، وتتبع المنهج الإصلاحي التدريجي؛ لأننا إذا قيمنا الجماعة بوصفها حزبا سياسيا، فسنجد أنها ارتكبت العديد من الأخطاء السياسية، ولكنها في الأساس ليست فقط حزبا سياسيا، وبالتالي لا يمكن أن تقيَّم إلا من خلال الطريق الذي اختارته لنفسها، وبعد ذلك يمكن تقييم هذا الطريق في مقابل طرق واختيارات أخرى، إذا أراد المحلل أن يقارن بين الاختيارات المختلفة.
المشروع الحضاري كمعيار مقترح
المؤتمر الصحفي للإخوان في المحليات
لهذا نتصور معيارا محددا عند تحليل مواقف الجماعة السياسية، وهذا المعيار يتعلق بمدى قدرة الجماعة على تحقيق هدفها النهائي وهو النهوض الحضاري الإسلامي، ومدى قدرتها على تحقيق غايتها بالمنهج الإصلاحي التدريجي، ومدى قدرتها على الموازنة بين عملها السياسي وأعمالها الأخرى، وهذا المعيار يدور حول مدى نجاح الجماعة في تحقيق ما رسمته لنفسها من أهداف، وعليه تقيم مسألة التباين في وجهات النظر السياسية على هذا المعيار.
يضاف لهذا معيار آخر مهم، وهو الجانب المتحيز من أي عملية تحليل، فكل رؤية علمية تنبع من خلفية فكرية أو فلسفية، فالبعض يحلل مواقف الجماعة على معيار مدى تأثيرها على مشروع إقامة الدولة القومية الحديثة على النمط الغربي، ليرى إذا كانت تعرقل هذا المشروع أم لا، ولكن في المقابل نجد معيارًا آخر متحيزا، ولكنه موضوعي في الوقت نفسه، وهو معيار يستمد من الأمة نفسها، ويتحيز لها، فيكون بذلك موضوعيًّا؛ لأنه يقيم الجماعة على معيار مستمد من أمتها، وهنا نرى أهمية معرفة دور الجماعة وتأثيرها على تحقيق المستقبل الذي تختاره الأمة بإرادتها، ويحقق لها النهضة التي تنشدها.
وعلى هذا سنطرح بعض جوانب التباين في الآراء، على تلك المعايير، لنرى إن كان من الممكن الانتقال مرحليا من الآراء المتباينة إلى رؤية إستراتيجية واحدة فيما يخص العمل في المجال السياسي، أم أن هناك رؤى متعارضة.
الاجتماعي قبل السياسي:
ما دام الهدف النهائي لجماعة الإخوان المسلمين هو النهضة الحضارية الشاملة، إذن يصبح إصلاح الأمة هو الأولوية الأولى لها؛ لأن النهضة هي فعل الأمة كلها، وليس فعل النظام السياسي وحدة، كما أن فعل النهضة يقوم أساسًا على مجمل جهود كل أبناء الأمة معا، وأيضا يتوقف فعل النهضة على اختيار الأمة لهويتها ومرجعيتها، والتي تبني على أساسها نهضتها.
والحاصل أن هناك نقاشا حول مدى انخراط جماعة الإخوان في العمل السياسي ومدى انخراطها في العمل الاجتماعي، والبعض يرى غلبة السياسي على الاجتماعي، ويعتبر ذلك أمرا سلبيا، والبعض الآخر يرى ضعف العمل السياسي، ويعتبر ذلك أمرا سلبيا أيضا.
فإذا سلمنا بأن هدف الجماعة الأساسي هو النهوض بالأمة، فسيصبح عملها الاجتماعي أي عملها الدعوي والديني والاجتماعي، سابقا لعملها السياسي؛ لأن فعل النهضة يبدأ بالأمة وينتهي بالدولة، أي يبدأ بأن تختار الأمة طريق نهضتها، ثم يتبنى النظام السياسي ما اختارته الأمة، وعليه يكون على جماعة الإخوان بناء قاعدة اجتماعية مؤمنة برؤيتها، ثم ترجمة ذلك إلى حضور سياسي معبر عن تلك القاعدة، فلا يمكن أن تجمع الجماعة من حولها قاعدة مؤيدة لمشروعها، ولا تعبر عنها سياسيا، وبهذا يكون دور الجماعة السياسي مرتبطا بما حققته من قاعدة اجتماعية، فإذا توسعت القاعدة الاجتماعية للجماعة دون توسع دورها السياسي، كان ذلك تقصيرا في المجال السياسي، وإذا توسع الدور السياسي للجماعة بدرجة أكبر من حجم قاعدتها الاجتماعية، كان ذلك تركيزا على الجانب السياسي بدرجة أكبر مما تتطلبه عملية بناء مشروع نهضة، تقوم على قاعدة الارتكاز على الأمة.
ما هي الأغلبية؟!
إذا كان منهج الجماعة هو الإصلاح الشامل، فلا يمكن تصور إنجاز هذا الإصلاح الشامل مجتمعيا، دون إنجازه على مستوى النظام السياسي، فلا يمكن استكمال مشروع النهضة دون إصلاح النظام السياسي، وإذا كان الإصلاح المجتمعي هو الأساس، فإن الإصلاح السياسي هو أساس مكمل، لا يمكن التغاضي عنه؛ لأن قدرة الأمة على النهوض لا تكتمل بدون نظام سياسي يعبر عنها وينبع من مرجعيتها.
وتتباين الآراء حول اللحظة التي يكون فيها الإصلاح السياسي حتميا وضروريا، والتي يصبح فيها العمل السياسي المباشر، بما في ذلك الوصول للحكم، أمرا ضروريا، سواء كان ذلك بوصول الجماعة نفسها للحكم، أو بتأييدها لحزب أو نخبة تحمل مشروعها وتدعم وصولها للحكم، والبعض يرى أن الجماعة تتأخر في عملية الإصلاح السياسي وتؤجلها كثيرا، أما البعض الآخر فيرى أهمية عدم استعجال الجماعة في مسألة تغيير الحكم، وهنا نجد من يعتمد على الأغلبية السياسية، ويعتبر حصول الجماعة عليها كافيا لتوليها أمر الحكم بأي صورة من الصور، والبعض الآخر يرى أهمية عدم الاعتماد على الأغلبية السياسية فقط، بل على مدى تمسك الأمة بمشروع النهضة الحضارية الإسلامية.
وفي هذا الشأن، وما دام هدف الجماعة ليس فقط تغيير الأوضاع السياسية، بل تحقيق النهضة وإصلاح الأوضاع السياسية بما يحقق النهضة، فإن معيار الأغلبية يأخذ بعدا آخر، ويصبح متعلقا بالأغلبية المجتمعية قبل الأغلبية السياسية، والفرق بينهما مهم، فالأغلبية المجتمعية تعني أن أغلبية شرائح المجتمع أصبحت تتبنى المشروع الإسلامي، أما الأغلبية السياسية فهي الحصول على أغلبية الأصوات في انتخابات ما، وهنا يصبح من الضروري رصد الواقع الاجتماعي، فعندما تناصر أغلبية المجتمع المشروع الإسلامي الوسطي، حتى إن كان جزء من هذه الأغلبية لا يؤيد جماعة الإخوان برغم تبنيه لنفس رؤيتها، يصبح على الجماعة العمل على الحصول على الأغلبية السياسية، والوصول للحكم أو البحث عن النخبة السياسية التي تعبر عن فكرها ودعمها لتصل للحكم، نقصد من هذا، أن وقت وأوان إصلاح النظام السياسي، هو عندما يتحقق للمشروع الحضاري الإسلامي، أغلبية مجتمعية تؤيده.
جماعة وليست حزبا:
إخوانيات خلال مظاهرة للتنديد باعتقال أعضاء داخل الجماعة
بما أن جماعة الإخوان المسلمين تعمل على إصلاح الأمة، وتقوم بالإحياء الديني والإصلاح المجتمعي، وهي ترى أن كل تلك الجوانب لازمة لفعل النهضة، وهذا حقيقي، إذن الجماعة اختارت أن تحمل نفسها بالعديد من أعباء ومسئوليات مشروع النهضة، ولم تكلف نفسها بدور واحد في أحد الجوانب، لذلك أصبحت الجماعة متعددة الأدوار، ليس لأن هذا هو الطريق الوحيد للمساهمة في عملية النهوض، ولكن لأن هذا هو الطريق المناسب لمن اختار تحمل مسئولية قيام النهضة.وفي أوضاع يحكمها التخصص، وقوانين تميز بين المؤسسات بحكم مجال عملها، يدور النقاش حول كيفية تكيف الجماعة مع الأوضاع القانونية القائمة على التخصص في عمل المؤسسات، ويرى البعض أهمية تحويل الجماعة إلى حزب، والبعض الآخر يفضل بقاء الجماعة وإقامة حزب يكون جناحا سياسيا لها.
والحقيقة أن مشروع النهضة يقوم أساسا على حركة اجتماعية، تبني قاعدة الأمة وتؤسس لهويتها ومرجعيتها، وتجعلها قادرة على حمل مسئولية النهوض، وبهذا تكون الحركة الاجتماعية هي أساس الإصلاح الشامل المفضي للنهضة، أما الحركة السياسية، فهي تقوم بالإصلاح السياسي المساعد لقيام النهضة ولكنه ليس كافيا لتحقيقها، وما دامت الجماعة قد اختارت لنفسها العمل من أجل الإصلاح الشامل، إذن فهي تمثل حركة اجتماعية أساسا، وهي جماعة أكثر من كونها حزبا سياسيا، وبهذا فلا يجوز لها التحول لحزب سياسي، وإلا ستكون قد حصرت نفسها في مجال من مجالات الإصلاح، فالحركة الاجتماعية أي الجماعة، لها تواجد وتأثير واسع في العديد من المجالات، والحزب السياسي يحد من هذا التواجد ويحصره في مسألة الوصول للحكم.
جمعية وحزب:
ما دامت جماعة الإخوان المسلمين قد اختارت العمل من أجل الإصلاح الشامل، وتحقيق وحدة الأمة الإسلامية ثم تحقيق نهضتها؛ لذلك سيكون عليها العمل في مختلف المجالات العامة، كما سيكون عليها العمل في المجال السياسي، وأيضا سيكون على الجماعة العمل من أجل إصلاح المجتمع، ثم يكون عليها العمل من أجل الإصلاح السياسي.
لهذا يرى البعض الحفاظ على الجماعة، وإنشاء حزب سياسي يكون بمثابة الذراع السياسية لها، ويرى البعض الآخر، أن مسألة إنشاء الحزب مؤجلة وليس لها الأولوية، والبعض يرى أن لها الأولوية، والبعض بالطبع يناقش مسألة الحزب، وهل يكون ذراعا سياسية للجماعة، أم يكون حزبا كامل الاستقلال عنها، والبعض يؤكد في المقابل على أن الجماعة سوف تؤيد من يعبر عن رؤيتها سياسيا، فإن لم تجده فسوف تسعى لتأسيس حزب والوصول للسلطة.
في كل الأحوال نرى أن جماعة الإخوان المسلمين سيكون عليها التعامل مع مسألة الحكم بصورة مباشرة؛ وبهذا يكون تأسيس حزب للجماعة أمرا حتميا وضروريا، سواء في مصر أو غيرها من الدول؛ ولأن الجماعة لها نشاطها السياسي، وكما قلنا: عليها التواجد في المجال السياسي بحجم تواجدها الاجتماعي، وأيضا عليها التعامل مع مسألة الحكم إذا وصلت فكرتها إلى الأغلبية المجتمعية؛ لذا نقول: إن على الجماعة الدخول رسميا في المجال السياسي كحزب يسعى للسلطة عندما تصل إلى الأغلبية المجتمعية، ويصبح الوصول للسلطة فرضا عليها لا يمكن أن تعتذر عنه، وأيضا على الجماعة تأسيس حزب سياسي يضم نشاطها السياسي، عندما يسمح المناخ السياسي بقبول الحركات الإسلامية، ويكون عليها التكيف مع الأوضاع القانونية، حتى إن كان هذا الحزب لن يسعى للسلطة قبل وصول الجماعة إلى الأغلبية المجتمعية.
بهذا تكون صيغة الجماعة والحزب، أي الجمعية الاجتماعية والحزب السياسي، هي الصيغة الأنسب لجماعة الإخوان المسلمين، وهي تحقق لها التكيف القانوني، في ظل مسألة تخصص المؤسسات في مجال العمل، وتحافظ على دورها في عملية الإصلاح الشامل، وربما تؤيد الجماعة حزبا قائما، إذا عبر عن مشروعها، ولكن هذا الاحتمال أصبح ضعيفا، وقد يناسب الجماعة تشكيل حزب كذراع سياسية لها، لمعالجة الأوضاع القانونية، ولكن عندما تحين مرحلة تغيير النظام السياسي والوصول للحكم، سيكون من الضروري تحويل هذا الحزب إلى كيان مستقل، يمثل مؤسسة تعبر عن القاعدة الاجتماعية للجماعة، والقاعدة الاجتماعية لمشروعها السياسي، نقصد من هذا، أن الجماعة في مرحلة تغيير الحكم، سوف تؤيد حزبا يعبر عنها، وهذا احتمال ليس كبيرا، أو تؤيد حزبا قامت هي بإنشائه وانتمى له أعضاؤها، وهذا هو الاحتمال الأغلب.
رؤية الجماعة ورؤية الحزب:
منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا، والجماعة تحمل رؤية شاملة، تسمح بالعديد من الاختلافات والتباين في تفاصيلها، ولكن لا تسمح بأي تغيير في أسسها، وتلك الأسس هي التي مثلت ثوابت الجماعة، والتي تستمدها الجماعة من رؤيتها لثوابت الإسلام؛ ولهذا يصبح التكامل بين كل أعمال الجماعة في المجالات المختلفة ضروريا، حتى تكون رسالتها واضحة ومتكاملة، مما يعني أهمية التكامل والاتساق بين عمل الجماعة الإصلاحي المجتمعي، وبين عملها الإصلاحي السياسي، حتى يكون ما ينجز اجتماعيا يتراكم ويتكامل مع ما ينجز سياسيا.
هناك العديد من الرؤى في تلك القضية، فهناك مخاوف حقيقية من قيام حزب يعبر عن جماعة الإخوان، ثم يحدث انفصال فكري بين الجماعة والحزب، والخوف ليس من المشكلات أو الانفصال التنظيمي، قدر ما هي تتعلق بمسار الخطاب الدعوي والسياسي، وهناك من يرى أهمية التفريق بين رؤية الجماعة الكلية، وخطاب الحزب التفصيلي، مما يثير مخاوف الآخرين، أن يكون الحزب مرنا أكثر من اللازم، والبعض الآخر يتخوف من ميل الجماعة إلى التقليدية، بسبب بعدها عن العمل السياسي.
والحقيقة أننا بصدد مشكلة المرونة في العمل السياسي، وكيفية تحقيق الممكن، حيث إن السياسة هي فن تحقيق الممكن، وفي مقابل ذلك، فإن العمل الدعوي أو الفكري أو الفلسفي، يمثل تحديدا لما يجب أن يكون، وبهذا تكون المقابلة بين ما يجب أن يكون، وما يمكن أن يكون، هي جوهر مشكلة العلاقة بين الجماعة والحزب، ولحل تلك المسألة نرى أهمية التفريق بين الثوابت والرؤية العامة، وبين التفاصيل والإجراءات، أي بين ثوابت الرؤية السياسية للجماعة، ومتغيرات هذه الرؤية، والنجاح في التمييز بين الثابت والمتغير يرتبط بالقدرة على تحديد ثوابت الرؤية السياسية للجماعة، وهي التي تلتزم بها الجماعة، وتؤسس على أساسها حزبا سياسيا، أما المتغيرات والتفاصيل، فلا محل لاتفاق حولها، بل هي في المجال السياسي، من عمل الحزب وليس الجماعة، وبهذا يكون الحزب ممثلا للرؤية السياسية للجماعة، ويقوم بما يمكن أن يكون تحقيقا لهذه الرؤية، والتي يدعو لها الحزب والجماعة، وتظل هي الرباط الأهم بينهما، وهنا تظهر أهمية التفرقة بين المرونة والتنازل، فالحزب يحتاج إلى أكبر قدر من المرونة دون تنازل، والجماعة تحتاج لأكبر قدر من الثبات دون تعنت.
موقع السياسة في المشروع الإصلاحي
نخلص من هذا، إلى أهمية تحديد موقع الإصلاح السياسي، من المشروع الإصلاحي الشامل للجماعة، وهو ما يتطلب تعريفًا بالمراحل والمهام التي تقوم بها الجماعة، والاتفاق حول متطلبات كل مرحلة، وتحديد المعايير التي تختارها الجماعة للانتقال من مرحلة إلى أخرى، كما يتطلب الأمر تأسيس الأدوات اللازمة للعمل السياسي، خاصة عندما تقترب من مسألة حسم قضية الحكم، والإصلاح السياسي، فالتأسيس الجيد للمراحل والأدوات اللازمة لكل مرحلة، والتوافق على موقف الجماعة وخطتها في كل مرحلة، هو ما يوحد بين الآراء المتباينة ويستفيد من ثرائها، ويحقق للجماعة توافقا في كل مرحلة تمر بها، ومع استمرار التباين في الرأي، والقدرة على التوافق على خطة العمل، تستفيد الجماعة من التباين والتنوع الداخلي، وبقدر ما تحدد الجماعة لنفسها معايير محددة لدخولها المجال السياسي، بقدر ما يكون الوصول لمرحلة تغيير الحكم مرتبطا بإرادة الأمة، وبهذا تصبح الجماعة مفوضة منها.
ــــــــــــــــــت
باحث مصري
.إسلام اون لاين