رؤية ابن باديس للإصلاح
أ. د. بركات محمد مراد(*)
ما أظلمت دنيا المسلمين يوماً إلا وارتفع في سمائها نجم يتألق؛ ليهدي التائهين سواء السبيل، وما اشتدت الخطوب في عالم العرب والمسلمين إلا وظهر رائد يصدق قومه الهداية، ويسير بهم نحو الدرب القويم، ومن تلكم النجوم الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي يعتبر أبرز المفكرين والعلماء الجزائريين الذين عملوا على صياغة الأسس النظرية لحركة الإصلاح الجزائرية في ذلك الوقت المبكر من تاريخ الأمة العربية في عصر النهضة. وقد اتجهت هذه الحركة إلى تنظيم عملية المواجهة التي قصد منها الوقوف أمام التحدي المتعاظم للحضارة الأوروبية وللوجود الاستعماري في المغرب العربي. وقد كانت فترة ما بين الحربين العالميتين فترة البعث الجزائري الكبرى إبان مقاومتها للمستعمر الفرنسي، وكان نجم هذه الفترة الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي قُدر له أن يخوض معركة التأكيد على الذات في جميع الميادين وبمختلف الوسائل.
لقد كان التعليم وسيلته؛ فقام بما يشبه (الثورة الثقافية)، وحارب الطُرُقية الصوفية وما قدمته من بدع، ودعا إلى تنقية الإسلام من الشوائب وما لحقه من مظاهر الشرك، متجاوزاً المذاهب، وعاملاً على تعزيز إسلام سلفيٍّ منفتح على معطيات العصر الحديث، جاعلاً التربية الخلقية والدينية هي منهجه في هذا السبيل الذي لا غنى عنه في مواجهة أخلاق وأفكار غريبة، أراد المستعمر بها اجتياح الشخصية العربية والإسلامية في غرب أفريقيا.
وقد أدرك ابن باديس خطورة المهمة التي أخذ بإنجازها، ولذا اختار نخبة من خيار العلماء والمثقفين في الجزائر ليشكلوا معاً (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) مقتدين بدعاة الإصلاح الذين سبقوهم في المشرق العربي، أمثال: محمد عبده ورشيد رضا. وإذا كانت حركة الإصلاح الشرقي عملاً يستند إلى مبادرة فردية، فإننا نجد حركة ابن باديس حركةً جماعيةً تستند إلى جمعية منظمة، أُتيح لها الاستمرار في رسالتها برئاسة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي.
وكان على الشيخ عبد الحميد بن باديس وصحبه أن يواجـهوا المخططات الفرنسية في تغريب المجتمع الجزائري وما اقتضته تلك السياسة من اعتبار اللغة العربية لغة أجنبية، واعتبار الجزائر جزءاً من فرنسا، والضغط على السكان بمصادرة ممتلكاتهم بغية اقتلاعهم من أرضهم، ومحاولة اجتثاث عقيدتهم.
ولا شك أنّ جهود ابن باديس في الإصلاح والتجديد، وعـمله الدؤوب لإحـياء المعنـى الاجتـماعـي للديـن وبـث المشـاعـر الدينـية في نفوس مواطنيه ـ قد أثمرت في نهاية المطاف؛ حيث قامت الـثورة الجزائرية المسلمة، كما أثبتت أنَّ الثورة لا تُستورد أداتها؛ فقد كان النور الذي هدى هذه الثورة إلى النصر والتحرير، ومن ثم الاستقلال؛ هو نور الإسلام، كما كان الفكر الديني المتجدد أساسَها الثقافي وسلاحَها المؤثر، ولم يكن في الميدان غيره عند انطلاقتها الأولى.
من هذه الزاوية اكتسب ابنُ باديس مكانته في نفوس الجزائريين، واعتبره الكثيرون أباً لليقظة الوطنية في الجزائر؛ فعمله خارج الدائرة الاستعمارية ورفضه لكل المحاولات التي أرادت إغراءه بالرفاهية والطموح عن طريق ربطه بالمؤسسات الوظـيفية، وتفـانيـه لمبادئه وإخلاصه لزملائه في جمعية العلماء، كل هذه العلامات جعلت الشعب الجزائري يرى فيه الإمام الذي ينـتمي إلى الرعيل الأول من المسـلمـين، ويـرى فـيه بحق قـائداً من قادة الإسلام العظام.
ولا شك أن البيئة الثقافية والاجتماعية التي احتكّ بها ابن باديس والعلاقات التي كانت له مع بعض العلماء أثّرت في تكوينه وشخصيته واتجاهه العقلي، لا سيما تأثره بالشيخ الطاهر ابن عاشور والشيخ النخلي اللذين يعتبران زعيمي النهضة الفكرية والعلمية والإصلاحية في جامع الزيتونة بتونس؛ التي استكمل فيها ابن باديس دراسته، وقد كانا من أنصار اليقظة الإسلامية.
وقد كان ابن باديس مَعِيناً لا ينضب من الذكاء والقدرة على الصبر والجَلَد في مواصلة الدرس والبحث، وقد كانت دروسه في مساجد قسنطينة تتجاوز في اليوم عشر ساعات، عامرة بمختلف علوم الدين، كما أن طريقته في الحياة منذ بداية شبابه، واختياره البساطة كقاعدة للحياة، هما اللذان دعما مركزه الديني والاجتماعي. وإن تفانيه أمام تلاميذه والمصلين في (الجامع الأخضر)، وإخلاصه لأصدقائه ثم لجمعية العلماء، كل هذه علامات جعلت الشعب الجزائري يرى فيه الإمام الذي ينتمي إلى الرعيل الأول من المسلمين، وخاصة أنَّ ابن باديس قد طبّق تلك الفضائل الخلقية التي كان يدعو إليها، وجعلها مبادئ إسلامية يجب الاسترشاد بها.
وقد كان له نشاط صحفي رائع تمثَّلَ في تأسيسه كثيراً من الجرائد والمجلات الثقافية خاصة (المنتقد) و (الشهاب)، وكذلك ساهم في إنشاء جمعية العلماء المسلمين، فضلاً عن الدروس والمحاضرات التي كان يلقيها طوال أكثر من ثلاثين عاماً في مساجد قسنطينة العلمية، والتي كانت تشبه المعاهد والجامعات في عصرنا الراهن.
واستقراؤنا لكتابات ابن باديس يجعلنا نعثر على مواطن الشبه والتأثر بالمدارس الإصلاحية الشرقية، واستفادته من تجربتها استفادة كبيرة، غير أنه كان صاحب نهج خاص انتهجه في دعوته الإصلاحية والبعد السياسي الواضح الذي أعطاه لحركته، وخاصة أنَّ جهوده الإصلاحية، وعلى الرغم من أنه كان عنصراً بارزاً بين النخبة المثقفة العربية، تجاوزت حدود محيطه، ليبادل الحوار والتأثير مع النخبة المثقفة الفرنسية، فلم يكن ذلك النموذج المنغلق الذي يجمد على النصوص، والذي يفقد إمكانية الحوار والتواصل مع الآخرين. ولذلك كانت له مراسلات مع بعضهم، ومناظرات ومجادلات فكرية انتقد فيها البعض الآخر، تذكرنا بما وقع بين الإمام محمد عبده وبعض المستشرقين المعاصرين له والمهتمين بقضايا الشرق الفكرية والسياسية. وتبين لنا من دراسة مؤلفاته أنه كان يجمع بين النهضة الثقافية والاجتماعية والنهضة السياسية؛ بين التربية الإسلامية والصحافة، وكثيراً ما كان يقول: «لا بد لنا من الجمع بين السـياسة والعـلم، ولا ينـهـض العـلم والدين حق النهوض إلا إذا نهضت السياسة بحق».
ويعتبر الحديث النبوي الشريف وتفسير القرآن الكريم أهم مجالين ثقافيين برع فيهما ابن باديس بالإضافة إلى كتاباته الصحفية ومحاضراته ودروسه التعليمية، وقد كان بتفسيره العظيم مجدداً دينياً، ومصلحاً اجتماعياً من الطراز الأول، ذلك لأن دعوته استقت مبادئها من منبعين رئيسيين: القرآن، والسنة، أو ما سمي بـ (العودة إلى الينابيع) أي: الأصول. وهذا أيضاً ما توخاه المصلحون الذين خلفوه وتأثروا به؛ كالشيخ الإبراهيمي الذي أكد في مؤتمر جمعية العلماء استناد الإصلاح الديني إلى تعاليم القرآن الكريم والسنة الشريفة.
لقـد اهـتم ابن بـاديس بتوضيح المنهج الذي ينبغي اتباعه في فـهم العـقـائـد الدينـية وفي الاستدلال عليها، وطبق هذا في تفسـيره وفي دروسه، وهذا المنهج يمكن اعتباره منهجاً قرآنيـاً؛ لأنـه يحــث على العـودة إلى النـبع الأول للإسـلام؛ وهو القرآن الكريم الذي بدوره يحث على العلم وطلبـه، ويـدعو إلى نبذ التقليد. ومن هنا كان العلم عنـد ابن بـاديـس، ليـس مجـرد قيـمة مـن قـيـم الحـيـاة؛ بل هو فريضة وعبادة ووسيلة أساسية من وسائل الدعوة إلى الله. والعلم الذي يعنيه الإسلام ـ في نظـره ـ علـم شامل للدنيا والآخرة، وهو ما تعلق بعالم المادة أو الظواهر، أو مـا كـان مرتبـطاً بالنفس الإنسانية والشعور الإنساني، أو ما تعلق بأمور العقيدة الدينية والأخلاقية.
ولكن هذا النهج القرآني لا يلغي مهمة العقل؛ بل يعطيه دوراً فعالاً في البحث والتأمل والاستنباط والاجتهاد. وقد طبق هذا المنهج فيما يتصل بالتوحيد؛ حيث كان يدلل على وجوب تطور علم التوحيد بوجه عام بأن يجدد في أساليبه وأدلته ومشكلاته، وبالاعتماد أساساً على المصادر الأساسية له، وتجنب استخدام أساليب الكلام القديمة التي أصبحت لا تواكب العصر، ولا يستسيغها عامة المسلمين، والتي أضرت بالعقل المسلم أكثر من إفادتها له. والعقل السليم في العصر الحديث يحتاج إلى الصدق المبشر، والبداهة الضرورية التي لا يمكن توفرهما إلا في نصوص القرآن الكريم مباشرة؛ لأن فيه إقناع العقل وإرضاء الوجدان دون أن يستخدم الأساليب الجدلية؛ حيث اعتبر التجربة الدينية تجربة حية، تفيدها متابعة القرآن الكريم ومباشرة آياته، دون وسيط من منطق أو فلسفة.
كـذلك كانـت العبادة عـنـد ابـن باديـس مـنهـجاً، فهي لا تنحصر في الصلاة والتسبيح والتهليل، وبقية الشعائر التي تؤدى كلها، فهـذه كلـها وسـائل ضـرورية لا غنى عنها للوصول للعبادة الرئيسية التي يكون فيها المؤمن خاضعاً لمولاه، مخلصاً وفياً له، لا يكتفي بمجرد الأقوال دون العمل، ولا يستغني عن مظاهر العبادة دون بواطنها؛ حيث إنَّ الخشوع هو أساس العبادة القلبية، والخضوع هو جوهر التدين الصحيح.
وقد كان لابن باديس منهج نقدي جدير بالاعتبار؛ فقد أمعن النظر في الطرق المتبعة لتدريس مادة الفقه الإسلامي، وفي الوسائل الشاملة لتطبيق الأحكام الإسلامية في الحياة العامة؛ فوجد انحرافاً منشؤه الاعتماد بشكل أساسي على الفروع المقطوعة عن أصولها، والإعراض عن الاستدلال والتعـليل والقياس والنظر، مما اعتبره هجراً لكتاب الله وبعداً عنه. وكان يرى أن التخلف الذي لحق بالفقه وبعلوم الدين عامة سببه غياب المنهج العلمي الذي أخذ به العلماء والفقهاء. وهذا يؤدي إلى تخبـطهم في الفـروع، وكثـرة اختـلافهم فـيما تشـعب عنها، وإلا فيمكن تلافي ذلك الاختلاف بالعودة إلى المنابع الأولى من القرآن والسنة، ثم استخدام النظر والاستدلال اعتماداً على القياس والاستنباط، وإعمال الفكر والنظر في حدود شروط الاجتهاد الصحيح والذي كفله الدين للفقهاء والعلماء.
ومن هنا كان اهتمام ابن باديس بالاجتهاد ودعوته إليه، ومحاربته التقليد ومهاجمته المقلدين، وعلى الرغم من اعتـزازه بمـذهـبه المالكي ـ وقـد كـان مذهباً سائداً في المغـرب العربـي ـ فقد كان يعود إلى كثير من المذاهب الفقهية الأخرى؛ كمؤلفات المذهب الشافعي وعلى رأسها كتاب (الأم)، ومؤلفات جلال الدين السيوطي، وابن العربي والقرطبي، ويستحسن كثيراً من توجيهاتهم، وكان يرى في بعضها ثروة فقهية هائلة يمكننا الاستفادة منها في إيجاد الحلول الكفيلة لمواجهة التحديات التي تفرض نفسها علينا. من هنا كان إرشاده إلى إمكانية الاستعانة بمختلف المذاهب الفقهية، وتخير ما نراه مناسباً وملائماً لظروف حياتنا ومتطلبات تقدمنا؛ حيث إن الاقتصار على مذهب معين دون غيره أو جملة مذاهب محصورة في دنياها وآخرتها يحرمنا من كثير من الخير.
وكانت ميزة ابن باديس العقلية أنه يجمع بين الفكر والعمل، وبين النظر والتطبيق، ولذلك أدخل الصناعات التطبيقية في منهاج التعليم وخصوصاً الصناعات اليدوية، والانقلاب الأساس الذي حدث في التربية عنده هو التوحيد بين العلم النظري والعمل اليدوي أو التطبيقي، باعتبار أن العلم نشاط قائم على أساس المعرفة، وعلى أساس إدراك المرء لما سيعمله.
وللحـفاظ على الشخصية العربية والإسلامية، كان يوجه لومه وانتقاده وتقريعه لأولئك الذين بهرتهم المدنية الغربية، ويرى أن متابعة الغرب في كل شيء ضياع للشخصـية وإفـناء للهوية، وخاصـةً أن المدنية الغربية هي ـ حسب تعبيره ـ مادية في منهجها وغايتها ونتائجها.
ولا يعني هذا في نظر ابن باديس التقوقع والانكفاء على الذات، بل الانفتاح على التحضر والمدنية مع عدم نسيان الذات ومقوماتها، فليس هناك في نظره تعارض بين أن ننطلق في تقدمنا من تراثنا وقيمنا ومبادئنا التي تشكل عنصر الأصالة فينا، وأيضاً الاستفادة من ثقافة العصر، ومن كل ما يدور حولنا من اتجاهات ثقافية وروافد فكرية، ونحن بهذا نحذو حذو أجدادنا الذين أحيوا عصور علم من كانوا من قبلهم، وأناروا بالعلم عصرهم، ومهدوا الطريق ووضعوا الأسس لمن جاء بعدهم، وذلك بعد أن نجحوا في التوفيق بين مقتضيات العلم ومتطلبات الإيمان، وحافظوا على التوازن القائم بين المادة والروح، وطبقوا عملياً المفهوم الإسلامي العقلي المرتكز على أساس أن الحقيقة هي من عند الله، والأساس المنهجي العقلي للحياة والحضارة هو من عند الإنسان.
وتلك نظـرة فلسـفية عمـيقة وتجربة رائدة كانت أحق في نظـره بالاحتذاء من تجربة الغرب المستمدة من ظروفه التاريخــية والاجتـماعية الخـاصــة، التي تغاير ظروفنا وقـيمنا وأوضـاعـنا الاجتـمـاعية والفكرية، والتي ستؤدي بنا ـ لو اتبعناها ومشينا على هديها ـ إلى الانفصال التام عن تراثنا، ومن ثم الانفصال عن مصادر الإبداع والأصالة في أنفسنا، إذ ليس التقدم والرقـي شـكلاً، ولا أدوات تستعار وتستورد، وإنما هي روح تسري في ضمير المجتمع، وتسـتمد نضـارتها وحـيويتها وانطـلاقها من مبادئه ومعتقداته وقيمه.
إن تفكير ابن باديس لم يكن تفكيراً سكونياً جامداً يؤدي بصاحبه إلى مجافاة الواقع أو الهروب منه؛ بل هو تفكير متحرك نشط ينتقل بالإنسان من طور إلى طور، ويسير في خط متصاعد نحو التقدم والرقي، وخاصة أنه في عمليته الإصلاحية آمن بأن النهضة الإصلاحية لا تقوم على الارتجال والفوضى، وإنما تقوم على الفكر والتخطيط والتنظيم والانضباط.
وقد نجح ابن باديس في أن يحدث تزاوجاً بين ما هو ديني وما هو مادي اجتماعي؛ فوجدناه يعطي لكل ما له طابع روحي ظلاً اجتماعياً واقعياً، ولهذا عمل على تحقيق التوازن بين فهم الواقع ونقـده من جهة، والحفاظ على سمـة الفـكر والعقـيدة من جـهة أخرى؛ فهو يربط في معظم مواقفه وآرائه ربطـاً وثيـقاً بين الفكر والواقع، ظهر هذا بوضـوح في تـناوله لمسائل الفقه والأحكام واستنباطها، كما ظـهر فـي إصلاحه الخلقي والتربوي، الذي صنع به كل تلك المؤسسات العلمية والثقافية التي شارك في تأسيسها؛ مثل الجمعيات الإسلامية المتعددة، والأندية المتنوعة، والمدارس الحرة، وجمعيات الكشافة، والصحافة الإسلامية التي قامت بدور طليعي في بذر الوعي الثقافي في الجزائر خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم.
وقد أعاد ابن باديس في القرن العشرين إلى المسجد مكانته الروحية والتربوية والتوجيهية التي كان يتمتع بها في عصور الإسلام الأولى؛ فقد رابط في الجامع الأخضر بقسنطينة أكثر من ربع قرن يعلم ويربي الشبيبة بالنهار، ويعظ ويرشد، ويفسر القرآن الكريم، ويشرح الحديث النبـوي الشـريـف للمـواطنين الكبار بالمساء بصبر ومثابرة لا تعرف الكلل؛ من أجل إيجاد الجماعة القائدة المفكرة التي تقود المجتمع إلى الحضارة والتقدم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر ومراجع:
ـ ابن باديس: التفسير، دار الفكر، بيروت، عام 1971م.
ـ ابن باديس: العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والسنة النبوية، تحقيق محمد صالح رمضان، مطابع الكيلاني، القاهرة، بدون تاريخ.
ـ ابن باديس: جريدة المنتقد، قسنطينة، عام 1925م.
ـ ابن باديس: مجلة الشهاب، قسنطينة، عام 1929م.
ـ جب هـ: الاتجاهات الحديثة في الإسلام، ترجمة هاشم حسين، دار الحياة، بيروت عام 1966م.
ـ د. رابح تركي: الشيخ عبد الحميد بن باديس، الشركة الوطنية الجزائرية، عام 1970م
ـ د. بركات محمد مراد: فلسفة ابن باديس في الإصلاح والتجديد، الصدر للطباعة والنشر، القاهرة، عام 1992م.
ـ د. عمر طالبي: ابن باديس حياته وآثاره، دار اليقظة العربية، دمشق عام 1968م.
.البيان
أ. د. بركات محمد مراد(*)
ما أظلمت دنيا المسلمين يوماً إلا وارتفع في سمائها نجم يتألق؛ ليهدي التائهين سواء السبيل، وما اشتدت الخطوب في عالم العرب والمسلمين إلا وظهر رائد يصدق قومه الهداية، ويسير بهم نحو الدرب القويم، ومن تلكم النجوم الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي يعتبر أبرز المفكرين والعلماء الجزائريين الذين عملوا على صياغة الأسس النظرية لحركة الإصلاح الجزائرية في ذلك الوقت المبكر من تاريخ الأمة العربية في عصر النهضة. وقد اتجهت هذه الحركة إلى تنظيم عملية المواجهة التي قصد منها الوقوف أمام التحدي المتعاظم للحضارة الأوروبية وللوجود الاستعماري في المغرب العربي. وقد كانت فترة ما بين الحربين العالميتين فترة البعث الجزائري الكبرى إبان مقاومتها للمستعمر الفرنسي، وكان نجم هذه الفترة الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي قُدر له أن يخوض معركة التأكيد على الذات في جميع الميادين وبمختلف الوسائل.
لقد كان التعليم وسيلته؛ فقام بما يشبه (الثورة الثقافية)، وحارب الطُرُقية الصوفية وما قدمته من بدع، ودعا إلى تنقية الإسلام من الشوائب وما لحقه من مظاهر الشرك، متجاوزاً المذاهب، وعاملاً على تعزيز إسلام سلفيٍّ منفتح على معطيات العصر الحديث، جاعلاً التربية الخلقية والدينية هي منهجه في هذا السبيل الذي لا غنى عنه في مواجهة أخلاق وأفكار غريبة، أراد المستعمر بها اجتياح الشخصية العربية والإسلامية في غرب أفريقيا.
وقد أدرك ابن باديس خطورة المهمة التي أخذ بإنجازها، ولذا اختار نخبة من خيار العلماء والمثقفين في الجزائر ليشكلوا معاً (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) مقتدين بدعاة الإصلاح الذين سبقوهم في المشرق العربي، أمثال: محمد عبده ورشيد رضا. وإذا كانت حركة الإصلاح الشرقي عملاً يستند إلى مبادرة فردية، فإننا نجد حركة ابن باديس حركةً جماعيةً تستند إلى جمعية منظمة، أُتيح لها الاستمرار في رسالتها برئاسة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي.
وكان على الشيخ عبد الحميد بن باديس وصحبه أن يواجـهوا المخططات الفرنسية في تغريب المجتمع الجزائري وما اقتضته تلك السياسة من اعتبار اللغة العربية لغة أجنبية، واعتبار الجزائر جزءاً من فرنسا، والضغط على السكان بمصادرة ممتلكاتهم بغية اقتلاعهم من أرضهم، ومحاولة اجتثاث عقيدتهم.
ولا شك أنّ جهود ابن باديس في الإصلاح والتجديد، وعـمله الدؤوب لإحـياء المعنـى الاجتـماعـي للديـن وبـث المشـاعـر الدينـية في نفوس مواطنيه ـ قد أثمرت في نهاية المطاف؛ حيث قامت الـثورة الجزائرية المسلمة، كما أثبتت أنَّ الثورة لا تُستورد أداتها؛ فقد كان النور الذي هدى هذه الثورة إلى النصر والتحرير، ومن ثم الاستقلال؛ هو نور الإسلام، كما كان الفكر الديني المتجدد أساسَها الثقافي وسلاحَها المؤثر، ولم يكن في الميدان غيره عند انطلاقتها الأولى.
من هذه الزاوية اكتسب ابنُ باديس مكانته في نفوس الجزائريين، واعتبره الكثيرون أباً لليقظة الوطنية في الجزائر؛ فعمله خارج الدائرة الاستعمارية ورفضه لكل المحاولات التي أرادت إغراءه بالرفاهية والطموح عن طريق ربطه بالمؤسسات الوظـيفية، وتفـانيـه لمبادئه وإخلاصه لزملائه في جمعية العلماء، كل هذه العلامات جعلت الشعب الجزائري يرى فيه الإمام الذي ينـتمي إلى الرعيل الأول من المسـلمـين، ويـرى فـيه بحق قـائداً من قادة الإسلام العظام.
ولا شك أن البيئة الثقافية والاجتماعية التي احتكّ بها ابن باديس والعلاقات التي كانت له مع بعض العلماء أثّرت في تكوينه وشخصيته واتجاهه العقلي، لا سيما تأثره بالشيخ الطاهر ابن عاشور والشيخ النخلي اللذين يعتبران زعيمي النهضة الفكرية والعلمية والإصلاحية في جامع الزيتونة بتونس؛ التي استكمل فيها ابن باديس دراسته، وقد كانا من أنصار اليقظة الإسلامية.
وقد كان ابن باديس مَعِيناً لا ينضب من الذكاء والقدرة على الصبر والجَلَد في مواصلة الدرس والبحث، وقد كانت دروسه في مساجد قسنطينة تتجاوز في اليوم عشر ساعات، عامرة بمختلف علوم الدين، كما أن طريقته في الحياة منذ بداية شبابه، واختياره البساطة كقاعدة للحياة، هما اللذان دعما مركزه الديني والاجتماعي. وإن تفانيه أمام تلاميذه والمصلين في (الجامع الأخضر)، وإخلاصه لأصدقائه ثم لجمعية العلماء، كل هذه علامات جعلت الشعب الجزائري يرى فيه الإمام الذي ينتمي إلى الرعيل الأول من المسلمين، وخاصة أنَّ ابن باديس قد طبّق تلك الفضائل الخلقية التي كان يدعو إليها، وجعلها مبادئ إسلامية يجب الاسترشاد بها.
وقد كان له نشاط صحفي رائع تمثَّلَ في تأسيسه كثيراً من الجرائد والمجلات الثقافية خاصة (المنتقد) و (الشهاب)، وكذلك ساهم في إنشاء جمعية العلماء المسلمين، فضلاً عن الدروس والمحاضرات التي كان يلقيها طوال أكثر من ثلاثين عاماً في مساجد قسنطينة العلمية، والتي كانت تشبه المعاهد والجامعات في عصرنا الراهن.
واستقراؤنا لكتابات ابن باديس يجعلنا نعثر على مواطن الشبه والتأثر بالمدارس الإصلاحية الشرقية، واستفادته من تجربتها استفادة كبيرة، غير أنه كان صاحب نهج خاص انتهجه في دعوته الإصلاحية والبعد السياسي الواضح الذي أعطاه لحركته، وخاصة أنَّ جهوده الإصلاحية، وعلى الرغم من أنه كان عنصراً بارزاً بين النخبة المثقفة العربية، تجاوزت حدود محيطه، ليبادل الحوار والتأثير مع النخبة المثقفة الفرنسية، فلم يكن ذلك النموذج المنغلق الذي يجمد على النصوص، والذي يفقد إمكانية الحوار والتواصل مع الآخرين. ولذلك كانت له مراسلات مع بعضهم، ومناظرات ومجادلات فكرية انتقد فيها البعض الآخر، تذكرنا بما وقع بين الإمام محمد عبده وبعض المستشرقين المعاصرين له والمهتمين بقضايا الشرق الفكرية والسياسية. وتبين لنا من دراسة مؤلفاته أنه كان يجمع بين النهضة الثقافية والاجتماعية والنهضة السياسية؛ بين التربية الإسلامية والصحافة، وكثيراً ما كان يقول: «لا بد لنا من الجمع بين السـياسة والعـلم، ولا ينـهـض العـلم والدين حق النهوض إلا إذا نهضت السياسة بحق».
ويعتبر الحديث النبوي الشريف وتفسير القرآن الكريم أهم مجالين ثقافيين برع فيهما ابن باديس بالإضافة إلى كتاباته الصحفية ومحاضراته ودروسه التعليمية، وقد كان بتفسيره العظيم مجدداً دينياً، ومصلحاً اجتماعياً من الطراز الأول، ذلك لأن دعوته استقت مبادئها من منبعين رئيسيين: القرآن، والسنة، أو ما سمي بـ (العودة إلى الينابيع) أي: الأصول. وهذا أيضاً ما توخاه المصلحون الذين خلفوه وتأثروا به؛ كالشيخ الإبراهيمي الذي أكد في مؤتمر جمعية العلماء استناد الإصلاح الديني إلى تعاليم القرآن الكريم والسنة الشريفة.
لقـد اهـتم ابن بـاديس بتوضيح المنهج الذي ينبغي اتباعه في فـهم العـقـائـد الدينـية وفي الاستدلال عليها، وطبق هذا في تفسـيره وفي دروسه، وهذا المنهج يمكن اعتباره منهجاً قرآنيـاً؛ لأنـه يحــث على العـودة إلى النـبع الأول للإسـلام؛ وهو القرآن الكريم الذي بدوره يحث على العلم وطلبـه، ويـدعو إلى نبذ التقليد. ومن هنا كان العلم عنـد ابن بـاديـس، ليـس مجـرد قيـمة مـن قـيـم الحـيـاة؛ بل هو فريضة وعبادة ووسيلة أساسية من وسائل الدعوة إلى الله. والعلم الذي يعنيه الإسلام ـ في نظـره ـ علـم شامل للدنيا والآخرة، وهو ما تعلق بعالم المادة أو الظواهر، أو مـا كـان مرتبـطاً بالنفس الإنسانية والشعور الإنساني، أو ما تعلق بأمور العقيدة الدينية والأخلاقية.
ولكن هذا النهج القرآني لا يلغي مهمة العقل؛ بل يعطيه دوراً فعالاً في البحث والتأمل والاستنباط والاجتهاد. وقد طبق هذا المنهج فيما يتصل بالتوحيد؛ حيث كان يدلل على وجوب تطور علم التوحيد بوجه عام بأن يجدد في أساليبه وأدلته ومشكلاته، وبالاعتماد أساساً على المصادر الأساسية له، وتجنب استخدام أساليب الكلام القديمة التي أصبحت لا تواكب العصر، ولا يستسيغها عامة المسلمين، والتي أضرت بالعقل المسلم أكثر من إفادتها له. والعقل السليم في العصر الحديث يحتاج إلى الصدق المبشر، والبداهة الضرورية التي لا يمكن توفرهما إلا في نصوص القرآن الكريم مباشرة؛ لأن فيه إقناع العقل وإرضاء الوجدان دون أن يستخدم الأساليب الجدلية؛ حيث اعتبر التجربة الدينية تجربة حية، تفيدها متابعة القرآن الكريم ومباشرة آياته، دون وسيط من منطق أو فلسفة.
كـذلك كانـت العبادة عـنـد ابـن باديـس مـنهـجاً، فهي لا تنحصر في الصلاة والتسبيح والتهليل، وبقية الشعائر التي تؤدى كلها، فهـذه كلـها وسـائل ضـرورية لا غنى عنها للوصول للعبادة الرئيسية التي يكون فيها المؤمن خاضعاً لمولاه، مخلصاً وفياً له، لا يكتفي بمجرد الأقوال دون العمل، ولا يستغني عن مظاهر العبادة دون بواطنها؛ حيث إنَّ الخشوع هو أساس العبادة القلبية، والخضوع هو جوهر التدين الصحيح.
وقد كان لابن باديس منهج نقدي جدير بالاعتبار؛ فقد أمعن النظر في الطرق المتبعة لتدريس مادة الفقه الإسلامي، وفي الوسائل الشاملة لتطبيق الأحكام الإسلامية في الحياة العامة؛ فوجد انحرافاً منشؤه الاعتماد بشكل أساسي على الفروع المقطوعة عن أصولها، والإعراض عن الاستدلال والتعـليل والقياس والنظر، مما اعتبره هجراً لكتاب الله وبعداً عنه. وكان يرى أن التخلف الذي لحق بالفقه وبعلوم الدين عامة سببه غياب المنهج العلمي الذي أخذ به العلماء والفقهاء. وهذا يؤدي إلى تخبـطهم في الفـروع، وكثـرة اختـلافهم فـيما تشـعب عنها، وإلا فيمكن تلافي ذلك الاختلاف بالعودة إلى المنابع الأولى من القرآن والسنة، ثم استخدام النظر والاستدلال اعتماداً على القياس والاستنباط، وإعمال الفكر والنظر في حدود شروط الاجتهاد الصحيح والذي كفله الدين للفقهاء والعلماء.
ومن هنا كان اهتمام ابن باديس بالاجتهاد ودعوته إليه، ومحاربته التقليد ومهاجمته المقلدين، وعلى الرغم من اعتـزازه بمـذهـبه المالكي ـ وقـد كـان مذهباً سائداً في المغـرب العربـي ـ فقد كان يعود إلى كثير من المذاهب الفقهية الأخرى؛ كمؤلفات المذهب الشافعي وعلى رأسها كتاب (الأم)، ومؤلفات جلال الدين السيوطي، وابن العربي والقرطبي، ويستحسن كثيراً من توجيهاتهم، وكان يرى في بعضها ثروة فقهية هائلة يمكننا الاستفادة منها في إيجاد الحلول الكفيلة لمواجهة التحديات التي تفرض نفسها علينا. من هنا كان إرشاده إلى إمكانية الاستعانة بمختلف المذاهب الفقهية، وتخير ما نراه مناسباً وملائماً لظروف حياتنا ومتطلبات تقدمنا؛ حيث إن الاقتصار على مذهب معين دون غيره أو جملة مذاهب محصورة في دنياها وآخرتها يحرمنا من كثير من الخير.
وكانت ميزة ابن باديس العقلية أنه يجمع بين الفكر والعمل، وبين النظر والتطبيق، ولذلك أدخل الصناعات التطبيقية في منهاج التعليم وخصوصاً الصناعات اليدوية، والانقلاب الأساس الذي حدث في التربية عنده هو التوحيد بين العلم النظري والعمل اليدوي أو التطبيقي، باعتبار أن العلم نشاط قائم على أساس المعرفة، وعلى أساس إدراك المرء لما سيعمله.
وللحـفاظ على الشخصية العربية والإسلامية، كان يوجه لومه وانتقاده وتقريعه لأولئك الذين بهرتهم المدنية الغربية، ويرى أن متابعة الغرب في كل شيء ضياع للشخصـية وإفـناء للهوية، وخاصـةً أن المدنية الغربية هي ـ حسب تعبيره ـ مادية في منهجها وغايتها ونتائجها.
ولا يعني هذا في نظر ابن باديس التقوقع والانكفاء على الذات، بل الانفتاح على التحضر والمدنية مع عدم نسيان الذات ومقوماتها، فليس هناك في نظره تعارض بين أن ننطلق في تقدمنا من تراثنا وقيمنا ومبادئنا التي تشكل عنصر الأصالة فينا، وأيضاً الاستفادة من ثقافة العصر، ومن كل ما يدور حولنا من اتجاهات ثقافية وروافد فكرية، ونحن بهذا نحذو حذو أجدادنا الذين أحيوا عصور علم من كانوا من قبلهم، وأناروا بالعلم عصرهم، ومهدوا الطريق ووضعوا الأسس لمن جاء بعدهم، وذلك بعد أن نجحوا في التوفيق بين مقتضيات العلم ومتطلبات الإيمان، وحافظوا على التوازن القائم بين المادة والروح، وطبقوا عملياً المفهوم الإسلامي العقلي المرتكز على أساس أن الحقيقة هي من عند الله، والأساس المنهجي العقلي للحياة والحضارة هو من عند الإنسان.
وتلك نظـرة فلسـفية عمـيقة وتجربة رائدة كانت أحق في نظـره بالاحتذاء من تجربة الغرب المستمدة من ظروفه التاريخــية والاجتـماعية الخـاصــة، التي تغاير ظروفنا وقـيمنا وأوضـاعـنا الاجتـمـاعية والفكرية، والتي ستؤدي بنا ـ لو اتبعناها ومشينا على هديها ـ إلى الانفصال التام عن تراثنا، ومن ثم الانفصال عن مصادر الإبداع والأصالة في أنفسنا، إذ ليس التقدم والرقـي شـكلاً، ولا أدوات تستعار وتستورد، وإنما هي روح تسري في ضمير المجتمع، وتسـتمد نضـارتها وحـيويتها وانطـلاقها من مبادئه ومعتقداته وقيمه.
إن تفكير ابن باديس لم يكن تفكيراً سكونياً جامداً يؤدي بصاحبه إلى مجافاة الواقع أو الهروب منه؛ بل هو تفكير متحرك نشط ينتقل بالإنسان من طور إلى طور، ويسير في خط متصاعد نحو التقدم والرقي، وخاصة أنه في عمليته الإصلاحية آمن بأن النهضة الإصلاحية لا تقوم على الارتجال والفوضى، وإنما تقوم على الفكر والتخطيط والتنظيم والانضباط.
وقد نجح ابن باديس في أن يحدث تزاوجاً بين ما هو ديني وما هو مادي اجتماعي؛ فوجدناه يعطي لكل ما له طابع روحي ظلاً اجتماعياً واقعياً، ولهذا عمل على تحقيق التوازن بين فهم الواقع ونقـده من جهة، والحفاظ على سمـة الفـكر والعقـيدة من جـهة أخرى؛ فهو يربط في معظم مواقفه وآرائه ربطـاً وثيـقاً بين الفكر والواقع، ظهر هذا بوضـوح في تـناوله لمسائل الفقه والأحكام واستنباطها، كما ظـهر فـي إصلاحه الخلقي والتربوي، الذي صنع به كل تلك المؤسسات العلمية والثقافية التي شارك في تأسيسها؛ مثل الجمعيات الإسلامية المتعددة، والأندية المتنوعة، والمدارس الحرة، وجمعيات الكشافة، والصحافة الإسلامية التي قامت بدور طليعي في بذر الوعي الثقافي في الجزائر خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم.
وقد أعاد ابن باديس في القرن العشرين إلى المسجد مكانته الروحية والتربوية والتوجيهية التي كان يتمتع بها في عصور الإسلام الأولى؛ فقد رابط في الجامع الأخضر بقسنطينة أكثر من ربع قرن يعلم ويربي الشبيبة بالنهار، ويعظ ويرشد، ويفسر القرآن الكريم، ويشرح الحديث النبـوي الشـريـف للمـواطنين الكبار بالمساء بصبر ومثابرة لا تعرف الكلل؛ من أجل إيجاد الجماعة القائدة المفكرة التي تقود المجتمع إلى الحضارة والتقدم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر ومراجع:
ـ ابن باديس: التفسير، دار الفكر، بيروت، عام 1971م.
ـ ابن باديس: العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والسنة النبوية، تحقيق محمد صالح رمضان، مطابع الكيلاني، القاهرة، بدون تاريخ.
ـ ابن باديس: جريدة المنتقد، قسنطينة، عام 1925م.
ـ ابن باديس: مجلة الشهاب، قسنطينة، عام 1929م.
ـ جب هـ: الاتجاهات الحديثة في الإسلام، ترجمة هاشم حسين، دار الحياة، بيروت عام 1966م.
ـ د. رابح تركي: الشيخ عبد الحميد بن باديس، الشركة الوطنية الجزائرية، عام 1970م
ـ د. بركات محمد مراد: فلسفة ابن باديس في الإصلاح والتجديد، الصدر للطباعة والنشر، القاهرة، عام 1992م.
ـ د. عمر طالبي: ابن باديس حياته وآثاره، دار اليقظة العربية، دمشق عام 1968م.
.البيان