حاجتنا إلى الواقعية - عدنان عرعور
إن من أجمل ما اتصفَتْ به دعوة الإسلام وأعظمِه: الواقعية في التصور.. الواقعية في الطرح.. الواقعية في المعالجة.. الواقعية في التعبد.
وكيف لا يكون ذلك، وقد أنزله مَنْ خلق الخلق، ويعلم حالهم وما يحتاجون إليه.
قال تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ}. [الملك: 14] أي: لا يأمر المخلوق إلا بما يناسبه، وبما يناسب واقعه، لما يعلم من طبيعته.
وقال تعالى: {لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا..} الآية. [البقرة: 286]
والمقصود بالواقعية هاهنا: فهم الواقع على حقيقته، ومعالجة ذلك معالجة شرعية متوافقة مع كل ظرف، ومتجانسة مع كل حدث، ومتلائمة مع كل حال وواقع.
والواقعية تعني كذلك: أن لا نكون خيالين في أذهاننا، حتى إذا ما نزلنا ساحة الواقع صُدمنا.. ثم فشلنا.
إن بعض الدعاة يريد كمالاً في الإيمان.. فلا أحد يعصي.. كمالاً في التعبد.. فلا أحد يُقصِّر.. كمالاً في الفهم.. فلا خلاف في الاجتهاد.. كمالاً في الأخلاق.. فلا أحد يخطئ.[1]
وإن تزوج فليُصدَمنَّ، فإما يصبرَنّ، وإما يطلقَنَّ.. وسيبقى في خيال وعذاب.. وقِصر.. وتقصير..، قصر نظر في رؤيته، وتقصير في عمله.
إن عدم واقعية بعض دعاتنا، جرَّ عليهم وعلى المسلمين مشكلات كثيرةً، ومصائب جسيمة، وتقصيرًا في الأداء، ثم عجزًا وفشلاً في الدعوة إلى الله.
إن الذي يظن أن يُحكم بعد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بمثلهما فلينتظر.. إنا معه منتظرون.
وإن الذي يدعو قوماً يريد أن يكونوا كالصحابة في الإيمان والعمل.. لن يحصد إلا الخيبة والفشل.
إن الذين يطلبون الكمال في الدعوة، كالمُنْبَتِّ لا أرضاً قطع، ولا ظهرًا أبقى.
إن على الدعاة والناشئة، أن يدركوا أن البشر لن يكونوا ملائكة أبداً، وأنه من ظن أن العباد سيهتدون بموعظة أو موعظتين.. أو بترهيب أو ترهيبين.. فقد أبعد النُّجعة، وطلب المحال.
إن من المعلوم في دين الله، أن الله لم يوجب الكمال على العباد، لا كمالاً في الإيمان، ولا كمالاً في العمل.. ولا في أي شيء آخر.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال ?: ’’والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم’’.[2]
وقد وُجد في الصحابة من وقع في الذنوب، وهم بشهادة القرآن خير أمة أخرجت للناس.
وإذا كان بعض الأنبياء وقع في هفوة، كآدم عليه - الصلاة والسلام - أفنطلب من أبنائه أن يكونوا معصومين؟.. بل يقع منهم هفوات.. بل بليات.
إن محاسبة الناس على التقصير عن الكمال جر على المسلمين عبر تاريخهم ويلات كثيرة، ومصائب جسيمة.. من نقض البيعات، إلى اتهام العلماء، وتكفير الناس، بل وقتلهم.. وما واقعنا اليوم عن ذلك ببعيد.
إن الانطلاق من تصور صحيح واقعي لأحوال الناس وظروفهم، ومعرفة صحيحة لما يريده الله منهم، يجعل المسلم بعامة، والداعية بخاصة موفقاً في خطابه، مُثمراً في دعوته.
إن مثل الذين يطلبون المثالية بعيدين عن الواقعية، كمثل من يطلب زوجة مثالية في جمالها، مثالية في أخلاقها، مثالية في تصرفاتها، مثالية في ثقافتها.. إنه سيبقى أبد الدهر عازباً.
وليس ثمة مانع من أن يسعى الدعاة إلى طلب الكمال المشروع، والمعقول، ولكن عليهم أن يغضوا الطرف عن المحاسبة عن الكمال.
[1] من جميل ما حدث مرة: أن أحد المصلين رنّ جواله (الهاتف المحمول) فما أن انتهت الصلاة حتى رُمي بوابل الألفاظ، وسهام اللوم.. وكان الرجل يعتذر بالنسيان.. وكان المعاتب يشتد في اللوم، ولا يقبل عذراً.. وبينما الموقف كذلك، إذا بجوال المعاتب يرن. وعلى نغمة موسيقية منكرة.. فتلون وجهه، وبدأ يعتذر..؟!؟
[2] رواه مسلم (2749) .
.رسالة الإسلام
إن من أجمل ما اتصفَتْ به دعوة الإسلام وأعظمِه: الواقعية في التصور.. الواقعية في الطرح.. الواقعية في المعالجة.. الواقعية في التعبد.
وكيف لا يكون ذلك، وقد أنزله مَنْ خلق الخلق، ويعلم حالهم وما يحتاجون إليه.
قال تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ}. [الملك: 14] أي: لا يأمر المخلوق إلا بما يناسبه، وبما يناسب واقعه، لما يعلم من طبيعته.
وقال تعالى: {لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا..} الآية. [البقرة: 286]
والمقصود بالواقعية هاهنا: فهم الواقع على حقيقته، ومعالجة ذلك معالجة شرعية متوافقة مع كل ظرف، ومتجانسة مع كل حدث، ومتلائمة مع كل حال وواقع.
والواقعية تعني كذلك: أن لا نكون خيالين في أذهاننا، حتى إذا ما نزلنا ساحة الواقع صُدمنا.. ثم فشلنا.
إن بعض الدعاة يريد كمالاً في الإيمان.. فلا أحد يعصي.. كمالاً في التعبد.. فلا أحد يُقصِّر.. كمالاً في الفهم.. فلا خلاف في الاجتهاد.. كمالاً في الأخلاق.. فلا أحد يخطئ.[1]
وإن تزوج فليُصدَمنَّ، فإما يصبرَنّ، وإما يطلقَنَّ.. وسيبقى في خيال وعذاب.. وقِصر.. وتقصير..، قصر نظر في رؤيته، وتقصير في عمله.
إن عدم واقعية بعض دعاتنا، جرَّ عليهم وعلى المسلمين مشكلات كثيرةً، ومصائب جسيمة، وتقصيرًا في الأداء، ثم عجزًا وفشلاً في الدعوة إلى الله.
إن الذي يظن أن يُحكم بعد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بمثلهما فلينتظر.. إنا معه منتظرون.
وإن الذي يدعو قوماً يريد أن يكونوا كالصحابة في الإيمان والعمل.. لن يحصد إلا الخيبة والفشل.
إن الذين يطلبون الكمال في الدعوة، كالمُنْبَتِّ لا أرضاً قطع، ولا ظهرًا أبقى.
إن على الدعاة والناشئة، أن يدركوا أن البشر لن يكونوا ملائكة أبداً، وأنه من ظن أن العباد سيهتدون بموعظة أو موعظتين.. أو بترهيب أو ترهيبين.. فقد أبعد النُّجعة، وطلب المحال.
إن من المعلوم في دين الله، أن الله لم يوجب الكمال على العباد، لا كمالاً في الإيمان، ولا كمالاً في العمل.. ولا في أي شيء آخر.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال ?: ’’والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم’’.[2]
وقد وُجد في الصحابة من وقع في الذنوب، وهم بشهادة القرآن خير أمة أخرجت للناس.
وإذا كان بعض الأنبياء وقع في هفوة، كآدم عليه - الصلاة والسلام - أفنطلب من أبنائه أن يكونوا معصومين؟.. بل يقع منهم هفوات.. بل بليات.
إن محاسبة الناس على التقصير عن الكمال جر على المسلمين عبر تاريخهم ويلات كثيرة، ومصائب جسيمة.. من نقض البيعات، إلى اتهام العلماء، وتكفير الناس، بل وقتلهم.. وما واقعنا اليوم عن ذلك ببعيد.
إن الانطلاق من تصور صحيح واقعي لأحوال الناس وظروفهم، ومعرفة صحيحة لما يريده الله منهم، يجعل المسلم بعامة، والداعية بخاصة موفقاً في خطابه، مُثمراً في دعوته.
إن مثل الذين يطلبون المثالية بعيدين عن الواقعية، كمثل من يطلب زوجة مثالية في جمالها، مثالية في أخلاقها، مثالية في تصرفاتها، مثالية في ثقافتها.. إنه سيبقى أبد الدهر عازباً.
وليس ثمة مانع من أن يسعى الدعاة إلى طلب الكمال المشروع، والمعقول، ولكن عليهم أن يغضوا الطرف عن المحاسبة عن الكمال.
[1] من جميل ما حدث مرة: أن أحد المصلين رنّ جواله (الهاتف المحمول) فما أن انتهت الصلاة حتى رُمي بوابل الألفاظ، وسهام اللوم.. وكان الرجل يعتذر بالنسيان.. وكان المعاتب يشتد في اللوم، ولا يقبل عذراً.. وبينما الموقف كذلك، إذا بجوال المعاتب يرن. وعلى نغمة موسيقية منكرة.. فتلون وجهه، وبدأ يعتذر..؟!؟
[2] رواه مسلم (2749) .
.رسالة الإسلام