مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
ملاسنة على مستوى القمة
ملاسنة على مستوى القمة
عبد الباري عطوان
31/03/2009

من يتابع ما جرى ويجري في اجتماعات قمة الدوحة العربية العادية التي اختتمت اعمالها بشكل مفاجئ مساء امس، اي يوم انعقادها نفسه، يشعر بالحزن لما آلت اليه هذه المؤسسة التي من المفترض ان تكون المرجعية العربية الأكثر تنظيماً وجدية، بحكم تمثيلها للنظام الرسمي، ودورها في ترتيب اوضاع البيت الداخلي، ووضع استراتيجيات مشتركة حول كيفية التعامل مع القضايا والتحديات الرئيسية.
القمة بدأت بقنبلة ’غير موقوتة’، وان كان جرى الاعداد لها بشكل جيد، فجّرها الزعيم الليبي معمر القذافي في ساعتها الاولى، عندما حاول ’الثأر’ لملاسنة سابقة، في قمة سابقة (قبل ست سنوات) مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، وتحولت الى النقطة الأبرز، ان لم تكن الوحيدة على جدول الأعمال، حيث انشغل معظم المشاركين في كيفية تطويق هذه الأزمة الجديدة، وتقليص آثارها الى حدودها الدنيا.
القضايا الأساسية التي انعقدت القمة من اجل بحثها، وايجاد حلول لها، مثل ملف العلاقات العربية الايرانية، والانقسامات المنبثقة عنها، وقضية الصراع العربي الاسرائيلي وكيفية التعامل معها في ظل ادارة امريكية جديدة، وحكومة اسرائيلية يمينية متطرفة في طور التشكيل، هذه القضايا اصبحت ثانوية، او جرت تنحيتها جانباً، فلم يعد هناك وقت للتعاطي معها، فرئيس القمة مشغول بمطاردة الزعيم الليبي واقناعه بعدم المغادرة، وزعماء آخرون يتدخلون لتهدئة العاهل السعودي، اما البعض الآخر فاكتفى بالتفرج وضرب الكف بالآخر تحسراً، فالاهتمام بخطاباتهم التي كانوا يلقونها تباعاً انحسر الى حدوده الدنيا. رجال الصحافة والاعلام وجدوا موضوعاً دسماً للتغطية، وباتوا يبحثون عن اي معلومة جديدة حول تطورات مسرحية المصالحة الجديدة، وآخر فصولها المثيرة، وتبادل التنبؤات حول النهاية المتوقعة لها، وما اذا ستكون سعيدة على طريقة الافلام الهندية، ام مغرقة في التراجيديا مثل مسرحيات شكسبير.
المواطن العربي المثخن بجراح البطالة والأمية وسوء الخدمات الأساسية يراقب هذا المشهد المأساوي عبر شاشات التلفزة عن بعد، ويزداد اكتئاباً ويأساً، فهو لا ينكر مدى سوء اوضاع حكامه وأنظمتهم، ولكنه لم يتوقع مطلقاً ان يكون هذا السوء بلا قاع.

مفارقات غريبة تحدث يصعب ايجاد تفسير لها، فالزعيم السوري الذي تصالح قبل اسبوعين فقط مع العاهل السعودي، تحوّل فجأة الى وسيط لاصلاح البيْن بين الأخير والزعيم الليبي، والجمع بينهما لتصفية الخلافات، والعودة الى قاعة المؤتمر متشابكي الأيدي. كيف يتم هذا التطور الذي يستعصي على الفهم؟. الله وحده اعلم.. فمثل هذه الأمور لا تحدث الا في وطننا العربي، وبين زعمائنا فقط.
الغالبية الساحقة من الخلافات العربية التي تنعقد القمم المصغرة او الموسعة لتسويتها شخصية الطابع، وبين الزعماء انفسهم، لسبب بسيط وهو وجودهم في الحكم لعقود، واستمرارهم فيه لعقود اخرى دون انقطاع، اللهم الا اذا تدخل الموت لتغيير الأوضاع، وفي هذه الحالة التوريث جاهز والاستمرارية بدواعي الاستقرار مضمونة، وعملية التوريث تشمل الخلافات ايضاً او معظمها.
ندرك جيداً ان القارئ العربي ملّ من هذا الموضوع المكرر، ومعه كل الحق، فالقمم العربية باتت نسخة كربونية عن سابقاتها، والجديد الوحيد الذي تحمله هو فصل جديد من الخلافات او المقاطعات.
القوى الاقليمية الصاعدة في المنطقة، مثل ايران وتركيا ستفرك يديها فرحاً وهي تتابع هذا الوضع العربي، فأمامها فرصة ذهبية لتعزيز نفوذها، واقتسام تركة النظام الرسمي العربي الذي يمر في مرحلة من الاحتضار تكاد تقترب من نهايتها.
بنيامين نتنياهو الذي يستعد اليوم لتقديم حكومته اليمينية المتطرفة الى الكنيست لنيل الثقة لن يعبأ بالفقرة التي تضمنها البيان الختامي وتؤكد مجدداً بأن المبادرة العربية للسلام لن تظل موضوعة على الطاولة الى الابد، وسيزداد تمسكاً برفضه حل الدولتين، واصراره على السلام الاقتصادي كبديل، مع المضي قدماً في التوسع الاستيطاني وتهويد ما تبقى من القدس المحتلة.

الادارة الامريكية الجديدة لن تكون في عجلة من امرها لبلورة سياسة جديدة في المنطقة العربية، وستركز على قضايا اكثر اهمية والحاحاً مثل الأزمة المالية العالمية، والاوضاع في أفغانستان، وقضايا البيئة، والانبعاث الحراري وغيرها. فلا يمكن ان تصبح اكثر حرصاً على قضايا هؤلاء الحكام من انفسهم، ثم لماذا تصطدم باسرائيل وحكومتها الجديدة في ظل نظام عربي غير قادر على التصالح مع نفسه.
لا نعرف كيف سيجلس الحكام العرب وهم على هذه الحالة المزرية مع نظرائهم القادمين مع امريكا الجنوبية للمشاركة في القمة التي ستجمعهم فور انتهاء القمة العربية. فالفوارق بين الجانبين كبيرة جداً، والمقارنة في غير مكانها على الاطلاق.
حكام امريكا الجنوبية مثل تشافيز وموراليس منتخبون من قبل شعوبهم في انتخابات حرة نزيهة، ويعيشون حياة متقشفة، ويركزون على رفاهية شعوبهم، وتعزيز كرامتهم الوطنية، والتصدي بقوة لأساليب الهيمنة الامريكية.
السؤال المحيّر هو كيف سيجيب زعماء عرب على هوغو تشافيز رئيس فنزويلا الذي قطع علاقات بلاده مع اسرائيل احتجاجاً على مجازرها في قطاع غزة عندما يسألهم عن اسباب قبولهم بالحصار على مليون ونصف المليون انسان، بل ومشاركتهم الفاعلة في تشريده؟
ولعل السؤال الاكثر احراجاً هو عن ترددهم في سحب مبادرة السلام العربية حتى الآن، بعد ان قوبلت بالاحتقار من قبل الاسرائيليين والامريكان داعميهم منذ تقديمها للمرة الاولى قبل ست سنوات، والبحث في الوقت نفسه عن بدائل قوية، تعيد الحقوق العربية وتوقف مسلسل الاهانات الاسرائيلية.
نشعر بالخجل عندما نقارن بين زعمائنا ونظرائهم الجنوب امريكيين، ونضع ايدينا على قلوبنا خوفاً من ان يكتشف هؤلاء الزعماء حقيقة جوهر نظرائهم العرب، وتتغير نظرتهم تجاهنا، وتجعلهم يندمون على تعاطفهم معنا ومع قضايانا المصيرية، واتخاذ مواقف عدائية مكلفة ضد الولايات المتحدة واسرائيل، مثل تأمين شركات النفط التابعة للأولى، واغلاق السفارة التابعة للثانية.

كنا نتمنى لو ان تحدي الرئيس البشير للتهديدات الفرنسية والامريكية، بل وربما الاسرائيلية، بخطف طائرته واعتقاله استجابة لقرار محكمة الجنايات الدولية، كان العنوان الأبرز لهذه القمة، فالرجل اثبت شجاعة نادرة، وضرب عرض الحائط بكل الفتاوى التي طالبته بالبقاء قيد الاقامة الجبرية الذاتية خوفاً من الخطف، ولكن المفاجأة الليبية حرمته من التمتع بخطوته هذه، وجعلتها قضية اقل اهمية على اهميتها.
من الصعب التكهن بالطريقة التي سيعود من خلالها الرئيس البشير الى الخرطوم، فهذه من الأسرار العسكرية العليا، لكن المأمول ان يعود سالماً، بعد ان اكتشف ان حضور قمة عربية على هذه الصورة المأساوية لا يستحق كل هذه التضحيات.
يخطىء الرئيس البشير اذا عوّل كثيراً على زملائه الزعماء العرب في انقاذه من محنته هذه، فهؤلاء لم ينصروا زميلين لهم، الاول اسمه صدام حسين جرى تعليقه على حبل المشنقة فجر عيد الاضحى المبارك امام اعينهم، اما الآخر واسمه ياسر عرفات فقد حوصر لأكثر من ثلاث سنوات في مقره بمدينة رام الله، دون ان يتصل به، او يهاتفه احد، حتى استشهد مسموماً، دون ان يطالب احد بالتحقيق في اسباب وفاته.
ربما يكون حظ الرئيس البشير افضل من حظ زميليه، او حتى من حظ ابناء قطاع غزة والجنوب اللبناني، ناهيك عن شعب العراق الذي ترك للدبابات والطائرات الامريكية لكي تهرس عظامه وأطفاله وتمزق وحدة بلاده وهويتها الوطنية، وان كنا نشك في ذلك كثيراً.
اسدل الستار امس على قمة عربية أخرى، ويبدأ العد التنازلي لقمة جديدة، قد تكون عادية او طارئة، مكتملة النصاب ام ناقصته، للمصالحة ام للاعمار، الشيء الوحيد شبه المؤكد، هو انها ستشهد المفاجآت نفسها، بل والنتائج نفسها. وكل قمة وأنتم بألف خير.
.
أضافة تعليق