مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
قراءة في مآلات الوضع السوداني .
قراءة في مآلات الوضع السوداني ..

تحت الضوء
على أسماعيل العتبانى

دعوة للتأمل والتدبر وحصد التعاطف مع الرئيس ..
ماذا بعد تعيين المبعوث الأمريكي.. وعلى ماذا يراهن الغرب..

في الأيام الماضية حدثت ثورة تراوحت بين الصامت والثائر.. أما الثورة الصامتة فقرأناها في الإجماع التام في صفوف الشعب السوداني على قيادة الرئيس البشير والإلتفاف حوله ونصرته قولاً وفعلاً.أما الثورة أو الانتفاضة الثائرة فقد برزت في تظاهرات الجماهير رجالاً ونساء والذين ملأوا الشوارع والطرقات والمؤسسات.. على امتداد الولايات كافة.. كما برزت في استجابات أهل دارفور في الفاشر ونيالا وفي سبدو والضعين.ومن الغريب ان النازحين في المعسكرات والمتضررين من حرب دارفور ووقود حرب دارفور لم يلتفتوا الى نداءات «أوكامبو».. فلماذا لم يتجاوب حتى نازحي دارفور مع تهويمات محكمة الجنايات الدولية.. لماذا لم يبرز صوت ممالٍ للمحكمة حتى داخل ما يسمى بالمناطق المحررة التي تتحرك داخلها الفضائيات المعادية للسودان.أين ذهبت مزاعم خليل إبراهيم بأنه سيسلم الرئيس الى محكمة الجنايات.. ولماذا كان صوته نشازاً وأخرق . وهو الذي لم يحترم ضيافة دولة قطر ومساعيها للوفاق والسلام في السودان.. كما لم يحترم إتفاقية النوايا الحسنة حينما جهر بمكره ذاك والذي ليس أبشع منه إلا حربه على الأبرياء.. وبتصريحاته تلك لم يحرج فقط أعوانه، ولكنه أحرج حكومة قطر التي دعته وآوته.
ماذا تريد؟
والسؤال الآن: ماذا يريدون للسودان؟.. بل وماذا وراء دعوة المؤتمر الدولي التي أطلقتها الشقيقة مصر حول السودان وبالأصح حول دارفور.. هل هي مجرد محاولة لاستعادة دور مصر أم قراءة غير ناضجة لتطورات الأوضاع في السودان أم أنها نتيجة لضغوط أمريكية وغربية؟
ومهما يكن فيجب علينا ان لا نكون بعيدين عن مصر لأنها أصبحت شريكاً في الحال السودانية.. فجنودها في دارفور وعمالها يعملون في السودان في إطار إتفاقية الحريات الاربع.. ولكن السؤال لماذا تهاجم بعض الصحف المصرية الرئيس البشير والنظام السوداني وتبدو مبتهجة بقرارات المحكمة الجنائية؟
صحيح أن في مصر حرية صحافة.. ولكن المسار العام للصحافة المصرية كان ضد إسرائيل والهيمنة الأمريكية.. وكذلك هناك نقد كثيف لتخلي السلطة المصرية عن مسؤولياتها تجاه قضايا العالمين العربي والاسلامي.. إذاً، ماذا وراء هذه الحملة.. حملة التشهير التي تبدو ذات أجندة ومطلوبات، ولذلك على العقل السياسي السوداني ان يقرأ كل ذلك بين السطور.. وأن يرى هل هذه الحملة هي فقط حملة مدفوعة الأجر أم ان الأمر اكبر من ذلك؟
حصد التعاطف
وكذلك على أهل المؤتمر الوطني ان يستثمروا ويحصدوا التعاطف السياسي الواسع مع الرئيس البشير.. لأنه ليس في السودان الآن قوة قادرة على التشكل والقيادة سوى نخب الحركة الاسلامية التي هي صمام أمان وسلامة الوطن والمؤتمر الوطني.
علماً بأن كل ما هو سوى المؤتمر الوطني في تقديرنا في حالة بيات.. فالمعارضة ليس لديها برنامج جاذب للحراك السياسي.. والمعارضة باتت أشبه بالمعارضة «السريرية».. لأن الأحزاب التاريخية والكبيرة ماتت منذ رفع العلم.. ولأنها ومع تقديرنا واحترامنا لها أنجزت مهمتها بالاستقلال ورفع العلم ولم يكن لها رأي أو برنامج بعد رفع العلم في ظل بيات سياسي حتى انقضت عليها الانقلابات العسكرية في «8591 - 9691 - 9891».. ولكنها رغم هذه القراءات لم تتعلم شيئاً ولم تستيقظ لأنها من ناحية التشخيص باتت في حكم الميت تأكل من سنام تاريخها السياسي والوطني.. وظلت تفشل في تجديد قياداتها وتكرر ذاتها وأخطاءها.. ولم تتعلم شيئاً.. فالحركة السياسية السودانية الأبوية لا يزال رموزها في «الوسط» هم خريجو دفعة العمل السياسي بعد «اكتوبر».. ومن ولدوا بعد اكتوبر الآن بلغت متوسط أعمارهم فوق الثلاثين ولامسوا الاربعين.. ولا يحسون بأي قواسم مشتركة بينهم وبين هذه القيادات القديمة.. أما الحركات الجهوية التي باضت وأفرخت جنوباً وغرباً وشرقاً، فليس في قدرتها جذب نخب الوسط.. أو مخاطبة قضايا الشارع والمسار العام.. لأنها حركات «بيئوية» بيئة جهوية وإثنية.. ومحكومة بظروف انتقالية أو مصنوعة.. وكذلك هي صناعة الفضائيات... وارتباطاتها بالخارج ظلت أكبر من ارتباطاتها بالداخل، وتوظف الداخل لمصالح ذاتية، ولم تبرز بروزاً منطقياً وطبيعياً..
طلاب وظائف
والسؤال: هل من قادة الجهويات من يملك مرشحات الصعود للأفق القومي.. للأسف الشديد لا يوجد.. وهنالك شبه إنسداد تاريخي.. هل يمكن مقارنة صوت قادة الجهويات بصورة الازهري والبشير.. وهل فيهم من يملك مؤهلات الزعامة ومخاطبة القضايا القومية.. للأسف لا.. لا جنوباً ولا غرباً ولا شرقاً.. وهم في أحسن أحوالهم طلاب وظائف سياسية.. ومع احترامنا وتقديرنا الكبير لرئيس الحركة الشعبية والنائب الأول للرئيس ورئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت ولكننا نظن أنه أيضاً لا يملك وصحبه مقومات نهضة سياسية.. صحيح انه أحد الستة المؤسسين لمشروع حركة تحرير السودان، وهو الوحيد الذي بقى بعد موت القائد جون قرنق.. ولكنه لا يزال منطوياً على نفسه وعلى جنوبه.. وليس كل محارب زعيماً.. كما أن وضعه جاء بناء على اتفاق قادة الجيش الشعبي، والتفافهم حوله حينما اختلطت الأوراق، وحين اهتز وضع الجنوب بموت قرنق.. وهذا يختلف عن الزعامة التي تأتي نتاجاً لمشروع ولفكر، ونتاجاً لتفاعل خلاق.. ولكن مع ذلك ليس «أنا» من يحدد لأهل الجنوب أو لأهل دارفور خياراتهم.. ولكن من خلال المشروع والقراءة الموضوعية لتاريخ السودان السياسي ولحركة الجدل السياسي الدائر في البلاد ليس هناك من هو مستوف للنصاب لقيادة الشعب السوداني الآن سوى المؤتمر الوطني.. وسوى قيادته المتمثلة في الرئيس البشير.
المبعوث الأمريكي
إذاً، كيف يمكن ان نقرأ خارطة طريق للمستقبل.. في المرحلة المقبلة؟.. خصوصاً بعد ان قام الرئيس «أوباما» بتعيين مبعوث له للسودان، وهو جنرال متقاعد يدعى «سكوت غرايشن» ولعلنا نقرأ تعيين مبعوث للسودان من قبل القيادة الامريكية في أن القيادة الأمريكية تريد ان تمنح السودان وقتاً، ولاتريد ان تعتمد على «سوزان رايس» و«هيلاري كلينتون» و«برندر قاست» وعلى ما قالوه وصرحوا به.. ولأن الرئيس «أوباما» الآن عين مبعوثاً لأفغانستان وهو «هولبروك» وهو شخص متطرف، وعين مبعوثاً آخر للشرق الأوسط وقضية فلسطين وهو شخص نصف عربي.. وعين شخصاً آخر لإيران والشرق الأدني.. والآن اكتملت خارطة طريقه بتعيين هذه الشخصية المولودة في الكونغو الديمقراطية ويتحدث اللغة السواحلية بطلاقة، وهو بذلك ليس بعيداً عن المنطقة.. ولكننا لا نعلم عنه تطرفاً، فأوباما لم يعين شخصاً كـ«بندر قاست» أو «كولن باول» أو غيره.. ولذلك نعتقد أنه يريد أن يمنح نفسه والسودان وقتاً، هذا من ناحية.
أوباما وتركيا
ومن ناحية اخرى، فإننا نعلم ان الرئيس «أوباما» سيبدأ الشهر المقبل زيارة لتركيا ونرجو ملحين ان تنسق الحكومة السودانية مع «تركيا» في ذلك.. فتركيا صديق.. وجزء من حلف «الناتو».. ومجلس الأمن.. ولأن تركيا ستقيم مؤتمراً حول دارفور في منتصف شهر أبريل، وقد بدأ معهد الدراسات الافريقية التركي في دعوة بعض الشخصيات السودانية لهذا المؤتمر.. إذاً، على القيادة السياسية السودانية ان لا تكتفي فقط بالسنارة في أمر زيارة«أوباما» ولقائه مع عبدالله غول وأوردوغان.. حيث لابد ان تُعد الدراسات وتوضع خارطة طريق للمستقبل وتملك للأخوة الأتراك، وتملك كذلك للأخوة السعوديين والمصريين والليبيين والقطريين والصينيين والروس.. وتملك كذلك لمبعوث الرئيس «أوباما» حينما يجيء في زيارته الى هذه المناطق والسودان.
أولويات المرحلة
ولعل من أولويات المرحلة المقبلة هي استكمال سلام دارفور مع حركة العدل والمساواة وهي مجموعة عبدالواحد رغم تطرفه ونشوزه.. ومع كل المجموعات الاخرى إلا من أبى.
ومن أبى ستكشفه الخبرات التفاوضية وسيكتشفه كذلك أهل دارفور لأن بصرهم حديد في ظل الفضائيات والمتابعات والوعي المبثوث.
الأمر الآخر ان تسير خيارات التنمية وإعادة التوطين، وحينما يأتي مبعوث الرئيس «أوباما» يجب ان يجد ان مناطق المعسكرات قد رتب أمرها.. وكذلك نحن نريد من كبار المسؤولين ان يذهبوا في الاسبوعين القادمين الى ولايات دارفور، ويقضوا كل تلك الفترة لمتابعة تنفيذ قرارات وتوجيهات الرئيس عند زيارته لولايات دارفور.. وليس ذلك لأن مبعوث الرئيس «أوباما» سيصل، ولكن لأنها باتت مسؤولية وطنية.. ولأنها مسؤولية دينية.. ولأن الرئيس البشير جزم واعداً بأنه سيسخر كل الإمكانات. إذاً، فلابد ان يحدث هذا.
قبائل دارفور
الأمر الثالث.. على قبائل دارفور وحركاتها وعلى الأخص رافعي السلاح ضد الحكومة ان يُجبروا من قبل القبائل والمجموعات وكل من هم شركاء في مصير دارفور للدخول في حوار مع العناصر القاعدية ويدفعوهم دفعاً الى السلام.. كما حدث في تجربة الصومال.. حيث رأينا ان القبائل اتحدت ضد الحزب الإسلامي بل وطالبتهم بدفع الدية عن الدماء التي سالت في مقديشو حتى أجبروا رافعي السلاح في مقديشو على الإنخراط في محطة السلام.
ونريد شيئاً من ذلك ان يحدث في دارفور.. ولذلك نقول إنه لا يمكن أبداً تجاوز رؤساء القبائل في دارفور.. وتجاوز أهل الرأي في دارفور.. ولا يمكن تجاوز هؤلاء بالجيوش الأجنبية التي جاءت من الخارج.
والأمر الأخير، على قبائل دارفور وحركاتها وعلى الأخص تلك الرافعة للسلاح ضد الحكومة أن تنظر الى شركائها وجوارها من القبائل العربية التي ستظل شريكة في مصير دارفور.. وهم كذلك.. ولا يمكن ان تنظر الى دارفور بدون تسلسلها التاريخي، قبائل عربية وقبائل زنجية.. ولا يمكن تجاوز اكبر القبائل في أمر دارفور بالجيوش الأجنبية التي جاءت من الخارج لأنها تعلم ان حركة القوة والبأس مع حركة القبائل العربية.. ولو انسحب الجيش السوداني الآن فإن أمر دارفور ربما يؤول الى هذه القبائل.. وحينما اختطفت بعض عناصر هذه القبائل بعض العاملين في الإغاثة كان ذلك مجرد رسالة بأنها موجودة وحاضرة وجاهزة ويمكن ان تكون سيدة الموقف.. لذا ليس من المصلحة إخراجها عن طورها أو استفزازها أو حتى تجاهلها.
وفي انتخابات حزب الأمة الأخيرة فرضت هذه القبائل مرشحها كأمين عام.. وإن جاءت الانتخابات القومية قد تكون قوة لأنها ظلت حاضرة بالعدد والسلاح وبالثراء.. لذا فإن السلام لا يكون إلا بها وبضمانها.. لأنها قوة موجودة سواء بقيت الحكومة أو ذهبت.
رهان خاسر
وإذا كان «الغرب» يراهن على تكرار سيناريو الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حينما تم عزله في «رام الله» وإحاطته بالدبابات، فإن هذا السيناريو غير قابل للتكرار في السودان.. لأن «الغرب» رأى من خلال الفضائيات وتقارير السفارات هذا الالتفاف الرائع من الشعب السوداني حول رمزه ورئيسه، أما إذا كان الغرب يراهن على سيناريو الدولة الفاشلة أو الدولة الشريرة أوالمارقة.. كما يراهن على فكرة السودان الجديد.. وأن كتلة الهامش ستحكم الخرطوم بضرب المركز. فالحقيقة ان الحكومة الآن تقودها كتلة متماسكة.. وهذه الكتلة المتماسكة ليست فقط الرئيس البشير وأعوانه المقربين.. ولكنها عشرات الآلاف من القيادات المبثوثة على مستوى الأحياء وعلى مستوى القوى المالية والاقتصادية وعلى مستوى النخب العسكرية والأمنية وعلى مستوى النقابات والاتحادات المهنية والعمال.. وعلى مستوى خارطة ولايات السودان.
وحتى المعارضة، فمن يقود المعارضة الآن ضد الرئيس البشير.. ألا يقودها «إسلامي» مرفوض حتى في الغرب.. ومن المؤكد ان «الغرب» يعرف أنه من الأفضل ان يقود الحكومة إسلامي معتدل لأنه يعرف ان صناعة «كرزاي» صعبة في الخرطوم.. والغرب لن يقبل الترابي بديلاً.. والرئيس البشير الذي يقود أهل السودان الآن ويوحدهم، يختلف عن الرئيس البشير الذي يتكلم في المنتديات والمحافل الشعبية.. فالرئيس البشير معروف عنه أنه ذكي ولماح ويعرف أن أهل السودان على اعتاب مرحلة مركبة ومعقدة ومطلوباتها مختلفة عن المرحلة السابقة.. وتصريحات الحكومة احياناً قد تختلف عما تضمره.. وتنظيرها قد يكون شيئاً وتنزيلها آخر.. لأن الحرب «خدعة» بمثلما الحرب «حكمة».
قطع الطريق
ولكن بعض النخب السودانية الحاكمة والمعارضة تبدو محرجة ومهانة من مشروع «أوكامبو».. لأن مشروع أوكامبو في اعتقادهم جاء ليقطع الطريق على الإصلاح الداخلي.. والإصلاح الذي يأتي عبر الفوضى الخلاقة وعبر التدخل الخارجي.. وعبر إذلال محكمة الجنايات.. والإصلاح الذي يريده السودانيون في المعارضة شيء آخر، ولذلك التف السودانيون حول الرئيس البشير.. ولو أفلح «أوكامبو» في شيء فإنه أفلح في تماسك وتعاضد السودانيين حول الرئيس البشير.. ولكن هذه المحبة والالتفاف يجب ان لا يصرفنا ولا يثنينا عن التأمل والتدبر في إعداد العدة للمرحلة المقبلة التي لامسنا بعض تحدياتها.
.المركزالسوداني
أضافة تعليق