مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
إستراتيجية النصر
إستراتيجية النصر

أسماء بنت راشد الرويشد(*)

تحت ضغط الواقع المؤلم الذي تعيشه الأمة، وتعرُّضها لصنوف الإبادة والإذلال على أيدي من ضُربت عليهم الذلة والمسكنة؛ أصبحنا في حالة من الاضطرار إلى المبادرة بوضع خطط عملية وجادة تحرِّرنا من رقِّ الهوان وتخلِّصنا من أغلال الوهن، في مرحلة هي الأصعب على الأمة، ولعلها مرحلة الغثائية التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أَوَ من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: كلَّا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليوشكنَّ الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا وكراهية الموت»[1].
إن تداعي الأحداث وإحاطة الأزمات بنا؛ ليدفعنا إلى إيجاد استراتيجيات للتعامل معها قبل حدوثها وبعده، حيث إن مشكلتنا أننا نتفاعل مع تحركات الكيد والعدوان بحماس مؤقت، وحلول سطحية تخضع لردود الأفعال والمواقف الآنية، التي تفرزها بادرات الآراء وانفعالات المشاعر والتي تزول بزوال الحدث، مع أن المواجهة والعداء في الحقيقة لم ينته، إنما الذي انتهى حلقة من حلقات مسلسل الصراع المستمر بين الإيمان والكفر، كما قال - تعالى -: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا}
[البقرة: ٧١٢].
نعم! لا يزالون.. فالصراع مستمر، والعدوان قائم، سواء كان هناك زحف وقصف عسكري أو لم يكن.
إن النصر المنتظر لا بدَّ له من تفعيل خطط إستراتيجية سارية المفعول، وبعيدة المدى، يُحَدَّد فيها توصيف الأعمال والمهام على مستوى الأفراد والجماعات والشعوب والقيادات في جميع الظروف السلمية والحربية، بوصف ذلك أسلوباً منظماً لتثبيت دعائم الأمن والتمكين، وتحقيق أسباب النصر والغلبة.
ومما يُسهِّل لنا طريقَ البدء أن الله الذي أخبرنا أن القتال معهم مستمر – جلَّ في علاه - لم يتركنا نتخبط أمام الهجمات المباغتة بحثاً عن الحلول المؤدية إلى دفع العدوان ومواجهة الموقف، بل رسم لنا استراتيجيات النصر في السلم قبل الحرب، وفي الحرب وما بعد الحرب، بلا غاية ولا توقف، إلا غاية: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِـمِينَ} [البقرة: ٣٩١].
ويا ليتنا نتعلم ونعمل في حياتنا السلمية قبل الحربية باستراتيجية النصر في سورة (البقرة) وسورة (آل عمران) وسورة (الأنفال) وسورة (التوبة) وسورة (الأحزاب) وسورة (محمد) وسورة (الفتح) وسورة (الممتحنة) وسورة (الحشر) وسورة (الصف) وغيرها من سور القرآن العظيم التي حبكت لنا أسباب النصر، ونسجت لنا دثار العزة.
وكأني بقائلٍ يقول لنا: أما آن الأوان يا أمة النصر؟! دونكم موعود النصر.. وَفْق خطط النصر في كتاب الله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج: ٠٤] ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧].
فإذا كنا على مستوى نصر ديننا، وعندما نكون أنصار الله حقاً؛ حينها سينصرنا الله.. فالقضية ليست انفعالات وشعارات واعتصامات وحماساً مؤقتاً.. كل ذلك لا يندرج ضمن مخطط مشروع النصر.
إن إستراتيجية النصر هي في الحقيقة (منهج حياة) قائم على عبادة الخالق، والإخلاص للمعبود، كما رسمه لنا ربنا - جل وعلا - في دستور النصر {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٥٥].
جاءت تلك الآيات لتؤكد أن انطلاقة النصر تبدأ من أنفسنا، عندما ننتصر في تلك المعارك التي يدور رحاها في أعماق ذواتنا وفي واقع حياتنا، حينها تتحقق لنا البشارة {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْـمُؤْمِنِينَ} [الصف: ٣١].
ويبقى أن أؤكد على أن (أسباب) و (نتائج) إستراتيجية هذه الانتصارات ليست من صناعة البشر، بل هي تدابير ربانية وقدرات إلهية، وعلى ذلك فمقاييسها ليست مادية، ونتائجــها لا يمكن حسابها بالحسابات الأرضية، وإن أردتم دليلاً فاقرؤوا معي هذه الآيات:
- {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: ٩٤٢].
- {فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: ٤٧١].
- {إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال: ١١].
- {إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى الْـمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: ٢١].
- {وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}
[الأنفال: ٧١].
- {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}
[الأنفال: ٨١].
- {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْـخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْـخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْـخَاسِرُونَ}
[الأنفال: ٧٣].
- {إذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْـمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}
[الأنفال: ٢٤].
- {وَإذْ يُرِيكُمُوهُمْ إذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}
[الأنفال: ٤٤].
- {إن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} [الأنفال: ٥٦].
- {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْـمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ}
[الحشر: ٢].
- {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
[آل عمران: ٣٢١].
- {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: ٥٢].
وأخيراً:
فإن ما يصنعه اليهود اليوم هو حلقة في سلسلة مما صنعه أسلافهم من قبلُ في عهد النبوات، وهذا يعطينا نذيراً بالغ الخطورة، كيما نأخذ حذرنا ونلزم الجادة في حياتنا، فنأخذ كتاب ربنا بقوة، ونحكم فيه تطبيق خطوات مشروع النصر الكبير والقادم بموعود الله - تعالى - وموعود رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وعسى أن يكون قريباً.


(*) المشرفة العامة على موقع آسية الإلكتروني. www.asyeh.com
[1] أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما بسند صحيح.
.مجلة البيان
أضافة تعليق