المشروع الوحيد الغائب
غسان شربل
الإثنين - 30/03/09//
في الطريق من صنعاء الى الدوحة تذكرت ما سمعته في عاصمة عربية قبل أسابيع. قال المسؤول إن العرب يقيمون بين ثلاثة أخطار أو تحديات أو مشاريع ويمكن القول إنهم اللاعب الوحيد في الاقليم الذي لا يملك مشروعاً.
وأضاف: «هناك المشروع الاسرائيلي الذي بات الآن في عهدة بنيامين نتانياهو مع كل ما يعنيه ذلك من تبديد لآمال السلام. وهناك مشروع «القاعدة» الذي يجب عدم الاستخفاف به على رغم الانتكاسة التي مني بها في العراق. وهناك المشروع الايراني الذي يرمي الى تكريس ايران دولة كبرى في الاقليم وصاحبة الدور الأكبر فيه». واعتبر أن من الخطأ تصنيف ايران في خانة العداء الطبيعي للعرب لكن من الخطأ تجاهل أن التفكك العربي جعل الدور الايراني ينمو على حساب الدور العربي.
لاحظ المسؤول العربي أن العرب يدركون أخطار وجود نتانياهو على عملية السلام برمتها وهم لا يملكون في مواجهة المشروع الاسرائيلي إلا المبادرة العربية للسلام. لكنه لاحظ أن رقصة التانغو تحتاج الى اثنين وان الرقص مع نتانياهو مستحيل من دون موقف عربي موحد يدفع ادارة باراك أوباما الى الضغط جدياً على اسرائيل. واعترف أن لا خيار أمام العرب الآن غير الاستمرار في طرح المبادرة لكن مع بلورة خطة للتخاطب مع العالم ترتكز الى الثوابت وضمن آليات متفق عليها.
ورأى أن الارتباك الذي يعيشه العالم العربي الآن ناجم عن الفشل في بلورة رد موحد على معنى اسقاط نظام صدام حسين والذي كان يحتل موقعاً مركزياً في نظام الأمن العربي السابق. وقال إن ذلك الفشل تحول انقساماً عميقاً غداة الحرب الاسرائيلية على لبنان وغداة الحرب الاسرائيلية على غزة. وفي حين بدت ايران في المحطات الثلاث تملك مشروعاً وبرنامجاً بلغ الانقسام العربي أقصاه وبلغ الضياع العربي في الاقليم حداً غير مسبوق.
لا يحتاج الصحافي المواكب للقمة العربية في الدوحة الى جهد ليلمس شعوراً عميقاً بتصاعد الخطر على أمن العرب ومصالحهم وموقعهم. كل الوفود بلا استثناء تتحدث عن غياب المشروع العربي، فيما تتقدم المشاريع الأخرى على الأرض العربية وتسجل نقاطاً. جديد قمة الدوحة هو هذا التبدل في المناخ الذي أحدثته مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الكويت حين أعلن طي صفحة الخلافات داعياً الى المصالحة والمصارحة. وكانت ثمرة المبادرة مصالحة سعودية - سورية ومصافحة سورية - مصرية على طريق المصالحة.
لم تكن الخلافات العربية وليدة سوء تفاهم عابر. كانت ثمرة تباين في القراءات وفي تحديد الأولويات من دون ان ننسى التنازع على الأدوار وحساسيات قديمة ومستجدة. لهذا بدا ان اللمسة السحرية متعذرة وان استكمال المصالحة وتعميقها وتحويلها مظلة حامية للعمل العربي يحتاج الى الخوض في عمق المشكلات والخروج منها بخلاصات توسع المساحات المشتركة وتكرس حق الاختلاف تحت المظلة الجامعة من دون الخروج على المصلحة العربية. وقد أعاد غياب الرئيس حسني مبارك عن قمة الدوحة التذكير بأن معالجة التفكك العربي تحتاج الى «خريطة طريق» ونقاش عميق للأولويات والأدوار ولغة التخاطب وعدم البناء على ما تكرس في مرحلة الانشقاق العربي.
ان اقصى ما يمكن ان تحققه قمة الدوحة هو ان تكون خطوة على طريق مراجعة عربية جادة تؤسس لمشروع عربي يتفق العرب على خطوطه العريضة كي لا يستمروا في الإقامة منقسمين بين مشاريع الآخرين. وعودة الروح الى الجسد العربي يمكن أن تبعث برسالة الى أصحاب المشاريع في الاقليم وكذلك الى اللاعبين الكبار المعنيين بمصير الاقليم وثرواته واستقراره.
إن المطروح على القمة يتجاوز وبكثير سعي الرئيس عمر حسن البشير الى الحصول على عرس تضامني معه يسرق الأضواء من المكان الذي تشغله عادة خيمة العقيد معمر القذافي.
.الحياة
غسان شربل
الإثنين - 30/03/09//
في الطريق من صنعاء الى الدوحة تذكرت ما سمعته في عاصمة عربية قبل أسابيع. قال المسؤول إن العرب يقيمون بين ثلاثة أخطار أو تحديات أو مشاريع ويمكن القول إنهم اللاعب الوحيد في الاقليم الذي لا يملك مشروعاً.
وأضاف: «هناك المشروع الاسرائيلي الذي بات الآن في عهدة بنيامين نتانياهو مع كل ما يعنيه ذلك من تبديد لآمال السلام. وهناك مشروع «القاعدة» الذي يجب عدم الاستخفاف به على رغم الانتكاسة التي مني بها في العراق. وهناك المشروع الايراني الذي يرمي الى تكريس ايران دولة كبرى في الاقليم وصاحبة الدور الأكبر فيه». واعتبر أن من الخطأ تصنيف ايران في خانة العداء الطبيعي للعرب لكن من الخطأ تجاهل أن التفكك العربي جعل الدور الايراني ينمو على حساب الدور العربي.
لاحظ المسؤول العربي أن العرب يدركون أخطار وجود نتانياهو على عملية السلام برمتها وهم لا يملكون في مواجهة المشروع الاسرائيلي إلا المبادرة العربية للسلام. لكنه لاحظ أن رقصة التانغو تحتاج الى اثنين وان الرقص مع نتانياهو مستحيل من دون موقف عربي موحد يدفع ادارة باراك أوباما الى الضغط جدياً على اسرائيل. واعترف أن لا خيار أمام العرب الآن غير الاستمرار في طرح المبادرة لكن مع بلورة خطة للتخاطب مع العالم ترتكز الى الثوابت وضمن آليات متفق عليها.
ورأى أن الارتباك الذي يعيشه العالم العربي الآن ناجم عن الفشل في بلورة رد موحد على معنى اسقاط نظام صدام حسين والذي كان يحتل موقعاً مركزياً في نظام الأمن العربي السابق. وقال إن ذلك الفشل تحول انقساماً عميقاً غداة الحرب الاسرائيلية على لبنان وغداة الحرب الاسرائيلية على غزة. وفي حين بدت ايران في المحطات الثلاث تملك مشروعاً وبرنامجاً بلغ الانقسام العربي أقصاه وبلغ الضياع العربي في الاقليم حداً غير مسبوق.
لا يحتاج الصحافي المواكب للقمة العربية في الدوحة الى جهد ليلمس شعوراً عميقاً بتصاعد الخطر على أمن العرب ومصالحهم وموقعهم. كل الوفود بلا استثناء تتحدث عن غياب المشروع العربي، فيما تتقدم المشاريع الأخرى على الأرض العربية وتسجل نقاطاً. جديد قمة الدوحة هو هذا التبدل في المناخ الذي أحدثته مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الكويت حين أعلن طي صفحة الخلافات داعياً الى المصالحة والمصارحة. وكانت ثمرة المبادرة مصالحة سعودية - سورية ومصافحة سورية - مصرية على طريق المصالحة.
لم تكن الخلافات العربية وليدة سوء تفاهم عابر. كانت ثمرة تباين في القراءات وفي تحديد الأولويات من دون ان ننسى التنازع على الأدوار وحساسيات قديمة ومستجدة. لهذا بدا ان اللمسة السحرية متعذرة وان استكمال المصالحة وتعميقها وتحويلها مظلة حامية للعمل العربي يحتاج الى الخوض في عمق المشكلات والخروج منها بخلاصات توسع المساحات المشتركة وتكرس حق الاختلاف تحت المظلة الجامعة من دون الخروج على المصلحة العربية. وقد أعاد غياب الرئيس حسني مبارك عن قمة الدوحة التذكير بأن معالجة التفكك العربي تحتاج الى «خريطة طريق» ونقاش عميق للأولويات والأدوار ولغة التخاطب وعدم البناء على ما تكرس في مرحلة الانشقاق العربي.
ان اقصى ما يمكن ان تحققه قمة الدوحة هو ان تكون خطوة على طريق مراجعة عربية جادة تؤسس لمشروع عربي يتفق العرب على خطوطه العريضة كي لا يستمروا في الإقامة منقسمين بين مشاريع الآخرين. وعودة الروح الى الجسد العربي يمكن أن تبعث برسالة الى أصحاب المشاريع في الاقليم وكذلك الى اللاعبين الكبار المعنيين بمصير الاقليم وثرواته واستقراره.
إن المطروح على القمة يتجاوز وبكثير سعي الرئيس عمر حسن البشير الى الحصول على عرس تضامني معه يسرق الأضواء من المكان الذي تشغله عادة خيمة العقيد معمر القذافي.
.الحياة