أسباب حياة القلب وأغذيته النافعة (4-4)
د: أحمد فريد
6- الزهد فى الدنيا وبيان حقارتها
الزهد: هو انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه، وأما العلم المثمر لهذه الحال فهو العلم بكون المتروك حقيراً بالإضافة إلى المأخوذ فما عرف أن ما عند الله باقٍ، وأن الآخرة خير وأبقى كما أن الجوهر خير وأبقى من الثلج، فالدنيا كالثلج الموضوع في الشمس لا يزال في الذوبان إلى الانقراض ،والآخرة كالجوهر الذي لإفناء له، وبقدر اليقين بالتفاوت بين الدنيا والآخرة تقوى الرغبة في البيع، وقد مدح القرآن الزهد في الدنيا وذم الرغبة فيها.
فقال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[1].
وقال تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ}[2].
وقال تعالى: {وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ}[3].
والأحاديث في ذم الدنيا وبيان حقارتها عند الله كثيرة جداً.
عن جابر – رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ بالسوق والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت فتناوله فاخذ بأذنه، فقال: ’’أيكم يحب أن هذا له بدرهم’’ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به ؟ قال: ’’ أتحبون أنه لكم’’ قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه أنه أسكّ فكيف وهو ميت؟ فقال:’’والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم’’[4].
وعن المستورد بن شداد الفهري عن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ’’ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع’’[5].
وعن سهل بن سعد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :’’لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء’’[6].
فالزهد: هو الإعراض عن الشيء لاستقلاله، واحتقاره، وارتفاع الهمة عنه، يقال: شيء زهيد أي قليل حقير.
قال يونس بن ميسرة : ’’ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء وأن يكون مادحكم وذامّكم في الحق سواء’’.
ففسر الزهد في الدنيا بثلاثة أشياء كلها من أعمال القلوب لا من أعمال الجوارح، ولهذا كان أبو سليمان يقول: لا تشهد لأحد بالزهد.
أحدها: أن يكون العبد بما في يد الله أوثق منه بما في يد نفسه، وهذا ينشأ من صحة اليقين وقوته، قيل لأبى حازم الزاهد: ما مالك ؟ قال: ’’ مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس’’.
وقيل له: أما تخاف الفقر؟ فقال: ’’ أنا أخاف الفقر ومولاي له ما في السموات، وما في الأرض، وما بينهما، وما تحت الثرى؟’’ .
قال الفضيل: أصل الزهد: الرضى عن الله عزّ وجلّ.
وقال: القنوع هو الزاهد، وهو الغنى، فمن حقق اليقين، وثق بالله في أموره كلها، ورضي بتدبيره له، وانقطع عن التعلق بالمخلوقين رجاءاً وخوفاً، ووضعه ذلك من طلب الدنيا بالأسباب المكروهة، ومن كان كذلك كان زاهداً حقاً، وكان من أغنى الناس، وإن لم يكن له شيء من الدنيا، كما قال عمار – رضي الله عنه - : كفى بالموت واعظاً، وكفى باليقين غنى، وكفى بالعبادة شغلاً ’’.
وقال ابن مسعود – رضي الله عنه - : ’’اليقين أن لا تُرضى الناس بسخط الله، ولا تحسد أحداً على رزق الله، ولا تلم أحداً على ما لم يؤتك الله، فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، فإن الله بقسطه، وعلمه، وحكمته، جعل الروح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن فى السخط والشك’’.
الثاني: أن يكون العبد إذا أصيب بمصيبة فى دنياه: من ذهاب مال، أو ولد، أو غير ذلك، أرغب في ثواب ذلك مما ذهب منه من الدنيا أن يبقى له، وهذا أيضاً ينشأ من كمال اليقين.
قال علي - رضي الله عنه - : ’’من زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات’’. وقال بعض السلف : لولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة من المفاليس .
الثالث: أن يستوي عند العبد مادحه وذامه في الحق، وإذا عظمت الدنيا في قلب العبد اختار المدح وكره الذم، وربما حمله ذلك على ترك كثير من الحق خشية الذم، على فعل كثير من الباطل رجاء المدح.
فمن استوى عنده حامده وذامه في الحق دلّ على سقوط منزلة المخلوقين من قلبه وامتلاه من محبة الحق، وما فيه رضى مولاه، كما قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : ’’اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله’’.
وقد مدح الله - عزّ وجلّ - الذين يجاهدون في سبيله، ولا يخافون لومة لائم، وقد ورد عن السلف روايات أخرى في تفسير الزهد.
قال الحسن: ’’الزاهد الذي إذا رأى أحداً قال: هو أزهد منى’’. وسئل بعضهم - أظنه الإمام أحمد عمن معه مال هل يكون زاهداً ؟ قال: ’’إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصه فهو زاهد’’.
وقال إبراهيم بن أدهم: ’’الزهد ثلاثة أقسام: فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة: فأما الزهد الفرض: فالزهد في الحرام، والزهد الفضل: فالزهد في الحلال، والزهد السلامة: فالزهد في الشبهات.
وكل من باع الدنيا بالآخرة فهو زاهد في الدنيا، وكل من باع الآخرة بالدنيا فهو زاهد أيضاً، ولكن في الآخرة.
قال رجل لأحد الصالحين: ما رأيت أزهد منك، قال: أنت أزهد مني لقد زهدت في دنيا لا بقاء لها، ولا وفاء، وأنت زهدت في الآخرة، فمن أزهد منك؟.
ولكن العادة جارية على تخصيص اسم الزهد على الزهد في الدنيا، الزهد يكون فيما هو مقدور عليه ولذا قيل لابن المبارك: يا زاهد، قال:’’الزاهد هو عمر بن عبد العزيز إذ جائته الدنيا راغمة فتركها وأما أنا ففي ماذا زهدت’’.
قال الحسن البصري: ’’أدركت أقواماً وصحبت طوائف، ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل، ولا يأسفون على شيء منها أدبر، ولهي كانت في أعينهم أهون من التراب، كان أحدهم يعيش خمسين سنة أو ستين سنة لم يُطوَ له ثوبٌ، ولم يُنصب له قدرٌ، ولم يجعل بينه وبين الأرض شيئاً، ولا أمَرَ مَنْ في بيته بصنعة طعام قط، فإذا كان الليل، فقيام على أقدامهم يفترشون وجوههم، تجري دموعهم على خدودهم يناجون ربهم في فكاك رقابهم، كانوا إذا عملوا الحسنة دأبوا في شكرها، وسألوا الله أن يقبلها، وإذا عملوا السيئة أحزنتهم، وسألوا الله أن يغفرها، فلم يزالوا على ذلك، ووالله: ما سلموا من الذنوب ولا نجوا إلا بالمغفرة، فرحمة الله عليهم ورضوانه’’.
درجات الزهد:
الدرجة الأولى:
أن يزهده في الدنيا وهو لها مُشتَهٍ، وقلبه إليها مائل، ونفسه إليها ملتفتة، ولكن يجاهدها ويكفيها، وهذا يسمى: متزهد .
الدرجة الثانية:
الذي يترك الدنيا طوعاً لاستحقاره إياها، بالإضافة إلى ما طمع فيه، ولكنه يرى زهده، ويلتفت إليه، كالذي يترك درهماً لأجل درهمين.
الدرجة الثالثة :
أن يزهد في الدنيا طوعاً، ويزهد في زهده ، فلا يرى أنه ترك شيئا فيكون كمن ترك خَزَفَةَ وأخذ جوهرةٌ.
ويمثل صاحب هذه الدرجة بمن منعه من الدخول على الملك كلبُ على بابه، فألقى إليه لقمة من خبز فشغله بها، ودخل على الملك، ونال القرب منه. فالشيطان كلبٌ على باب الله عز وجل، يمنع الناس من الدخول، مع أن الباب مفتوح والحجاب مرفوعٌ، والدنيا كلقمة فمن تركها لينال عز الملك فكيف يلتفت إليها.
[1] الأعلى: الآية: (16-17).
[2] الأنفال: من الآية: (67).
[3] الرعد: من الآية: (26).
[4] رواه مسلم (18/93) الزهد، وأبو داود (184) الطهارة ، وقوله : ’’والناس كنفتيه’’ أي حوله وفيه أدب سير طلاب العلم مع العالم ، وقوله: ’’ أسك ’’ أي صغير الأذنين .
[5] رواه مسلم (18/93) الجنة وصفة نعيمها ، والترمذي ( 9/199) الزهد ، ابن ماجه ( 4108) .
[6] رواه الترمذي ( 9/198) الزهد، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي: زكريا ضعفوه، وقال الألباني : والصواب أن الحديث صحيح لغيره فإن له شواهد تقويه وانظر شواهده في الصحيحة رقم 943.
د: أحمد فريد
6- الزهد فى الدنيا وبيان حقارتها
الزهد: هو انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه، وأما العلم المثمر لهذه الحال فهو العلم بكون المتروك حقيراً بالإضافة إلى المأخوذ فما عرف أن ما عند الله باقٍ، وأن الآخرة خير وأبقى كما أن الجوهر خير وأبقى من الثلج، فالدنيا كالثلج الموضوع في الشمس لا يزال في الذوبان إلى الانقراض ،والآخرة كالجوهر الذي لإفناء له، وبقدر اليقين بالتفاوت بين الدنيا والآخرة تقوى الرغبة في البيع، وقد مدح القرآن الزهد في الدنيا وذم الرغبة فيها.
فقال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[1].
وقال تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ}[2].
وقال تعالى: {وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ}[3].
والأحاديث في ذم الدنيا وبيان حقارتها عند الله كثيرة جداً.
عن جابر – رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ بالسوق والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت فتناوله فاخذ بأذنه، فقال: ’’أيكم يحب أن هذا له بدرهم’’ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به ؟ قال: ’’ أتحبون أنه لكم’’ قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه أنه أسكّ فكيف وهو ميت؟ فقال:’’والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم’’[4].
وعن المستورد بن شداد الفهري عن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ’’ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع’’[5].
وعن سهل بن سعد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :’’لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء’’[6].
فالزهد: هو الإعراض عن الشيء لاستقلاله، واحتقاره، وارتفاع الهمة عنه، يقال: شيء زهيد أي قليل حقير.
قال يونس بن ميسرة : ’’ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء وأن يكون مادحكم وذامّكم في الحق سواء’’.
ففسر الزهد في الدنيا بثلاثة أشياء كلها من أعمال القلوب لا من أعمال الجوارح، ولهذا كان أبو سليمان يقول: لا تشهد لأحد بالزهد.
أحدها: أن يكون العبد بما في يد الله أوثق منه بما في يد نفسه، وهذا ينشأ من صحة اليقين وقوته، قيل لأبى حازم الزاهد: ما مالك ؟ قال: ’’ مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس’’.
وقيل له: أما تخاف الفقر؟ فقال: ’’ أنا أخاف الفقر ومولاي له ما في السموات، وما في الأرض، وما بينهما، وما تحت الثرى؟’’ .
قال الفضيل: أصل الزهد: الرضى عن الله عزّ وجلّ.
وقال: القنوع هو الزاهد، وهو الغنى، فمن حقق اليقين، وثق بالله في أموره كلها، ورضي بتدبيره له، وانقطع عن التعلق بالمخلوقين رجاءاً وخوفاً، ووضعه ذلك من طلب الدنيا بالأسباب المكروهة، ومن كان كذلك كان زاهداً حقاً، وكان من أغنى الناس، وإن لم يكن له شيء من الدنيا، كما قال عمار – رضي الله عنه - : كفى بالموت واعظاً، وكفى باليقين غنى، وكفى بالعبادة شغلاً ’’.
وقال ابن مسعود – رضي الله عنه - : ’’اليقين أن لا تُرضى الناس بسخط الله، ولا تحسد أحداً على رزق الله، ولا تلم أحداً على ما لم يؤتك الله، فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، فإن الله بقسطه، وعلمه، وحكمته، جعل الروح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن فى السخط والشك’’.
الثاني: أن يكون العبد إذا أصيب بمصيبة فى دنياه: من ذهاب مال، أو ولد، أو غير ذلك، أرغب في ثواب ذلك مما ذهب منه من الدنيا أن يبقى له، وهذا أيضاً ينشأ من كمال اليقين.
قال علي - رضي الله عنه - : ’’من زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات’’. وقال بعض السلف : لولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة من المفاليس .
الثالث: أن يستوي عند العبد مادحه وذامه في الحق، وإذا عظمت الدنيا في قلب العبد اختار المدح وكره الذم، وربما حمله ذلك على ترك كثير من الحق خشية الذم، على فعل كثير من الباطل رجاء المدح.
فمن استوى عنده حامده وذامه في الحق دلّ على سقوط منزلة المخلوقين من قلبه وامتلاه من محبة الحق، وما فيه رضى مولاه، كما قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : ’’اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله’’.
وقد مدح الله - عزّ وجلّ - الذين يجاهدون في سبيله، ولا يخافون لومة لائم، وقد ورد عن السلف روايات أخرى في تفسير الزهد.
قال الحسن: ’’الزاهد الذي إذا رأى أحداً قال: هو أزهد منى’’. وسئل بعضهم - أظنه الإمام أحمد عمن معه مال هل يكون زاهداً ؟ قال: ’’إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصه فهو زاهد’’.
وقال إبراهيم بن أدهم: ’’الزهد ثلاثة أقسام: فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة: فأما الزهد الفرض: فالزهد في الحرام، والزهد الفضل: فالزهد في الحلال، والزهد السلامة: فالزهد في الشبهات.
وكل من باع الدنيا بالآخرة فهو زاهد في الدنيا، وكل من باع الآخرة بالدنيا فهو زاهد أيضاً، ولكن في الآخرة.
قال رجل لأحد الصالحين: ما رأيت أزهد منك، قال: أنت أزهد مني لقد زهدت في دنيا لا بقاء لها، ولا وفاء، وأنت زهدت في الآخرة، فمن أزهد منك؟.
ولكن العادة جارية على تخصيص اسم الزهد على الزهد في الدنيا، الزهد يكون فيما هو مقدور عليه ولذا قيل لابن المبارك: يا زاهد، قال:’’الزاهد هو عمر بن عبد العزيز إذ جائته الدنيا راغمة فتركها وأما أنا ففي ماذا زهدت’’.
قال الحسن البصري: ’’أدركت أقواماً وصحبت طوائف، ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل، ولا يأسفون على شيء منها أدبر، ولهي كانت في أعينهم أهون من التراب، كان أحدهم يعيش خمسين سنة أو ستين سنة لم يُطوَ له ثوبٌ، ولم يُنصب له قدرٌ، ولم يجعل بينه وبين الأرض شيئاً، ولا أمَرَ مَنْ في بيته بصنعة طعام قط، فإذا كان الليل، فقيام على أقدامهم يفترشون وجوههم، تجري دموعهم على خدودهم يناجون ربهم في فكاك رقابهم، كانوا إذا عملوا الحسنة دأبوا في شكرها، وسألوا الله أن يقبلها، وإذا عملوا السيئة أحزنتهم، وسألوا الله أن يغفرها، فلم يزالوا على ذلك، ووالله: ما سلموا من الذنوب ولا نجوا إلا بالمغفرة، فرحمة الله عليهم ورضوانه’’.
درجات الزهد:
الدرجة الأولى:
أن يزهده في الدنيا وهو لها مُشتَهٍ، وقلبه إليها مائل، ونفسه إليها ملتفتة، ولكن يجاهدها ويكفيها، وهذا يسمى: متزهد .
الدرجة الثانية:
الذي يترك الدنيا طوعاً لاستحقاره إياها، بالإضافة إلى ما طمع فيه، ولكنه يرى زهده، ويلتفت إليه، كالذي يترك درهماً لأجل درهمين.
الدرجة الثالثة :
أن يزهد في الدنيا طوعاً، ويزهد في زهده ، فلا يرى أنه ترك شيئا فيكون كمن ترك خَزَفَةَ وأخذ جوهرةٌ.
ويمثل صاحب هذه الدرجة بمن منعه من الدخول على الملك كلبُ على بابه، فألقى إليه لقمة من خبز فشغله بها، ودخل على الملك، ونال القرب منه. فالشيطان كلبٌ على باب الله عز وجل، يمنع الناس من الدخول، مع أن الباب مفتوح والحجاب مرفوعٌ، والدنيا كلقمة فمن تركها لينال عز الملك فكيف يلتفت إليها.
[1] الأعلى: الآية: (16-17).
[2] الأنفال: من الآية: (67).
[3] الرعد: من الآية: (26).
[4] رواه مسلم (18/93) الزهد، وأبو داود (184) الطهارة ، وقوله : ’’والناس كنفتيه’’ أي حوله وفيه أدب سير طلاب العلم مع العالم ، وقوله: ’’ أسك ’’ أي صغير الأذنين .
[5] رواه مسلم (18/93) الجنة وصفة نعيمها ، والترمذي ( 9/199) الزهد ، ابن ماجه ( 4108) .
[6] رواه الترمذي ( 9/198) الزهد، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي: زكريا ضعفوه، وقال الألباني : والصواب أن الحديث صحيح لغيره فإن له شواهد تقويه وانظر شواهده في الصحيحة رقم 943.