مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أسباب حياة القلب وأغذيته النافعة (3-4)
أسباب حياة القلب وأغذيته النافعة (3-4)
د: أحمد فريد
4- الصلاة على النبي:

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[1].

قال ابن كثير - رحمه الله-: المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثنى عليه في الملأ الأعلى عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلى عليه، ثم أمر تعالى العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً .

وقال ابن القيّم: والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسوله فصلوا أنتم أيضاً عليه لما نالكم ببركة رسالته ويُمن سفارته من خير شرف الدنيا والآخرة، والصلاة من الله - عزّ وجل- هي الثناء وإظهار الشرف، وإرادة التكريم، وصلاة المخلوقين الدعاء بمزيد من الشرف والتكريم.

عن أبى هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: ’’من صلىّ علىّ واحدة صلّى الله عليه عشراً’’[2].

أي: عشر صلوات وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم- من أعظم الحسنات.

قال ابن العربي: ’’إن قيل: قال الله تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[3]. فما فائدة هذا الحديث؟ قلنا: أعظم فائدة وذلك أن القرآن اقتضى أن من جاء بحسنة تضاعف عشرة، والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم- حسنة بمقتضى القرآن أن يعطى عشر درجات في الجنة، فأخبر أن الله تعالى يصلّي على من صلى على رسوله عشراً، وذكْرُ الله للعبد أعظم من الحسنة مضاعفة، ويحقق ذلك أن الله تعالى لم يجعل جزاء ذكره إلا ذكره، وكذلك جعل جزاء ذكر نبيه ذكر من ذكره’’ أ. هـ .

قال العراقى: ولم يقتصر على ذلك حتى زاده كتابة عشر حسنات، وحط عنه عشر سيئات، ورفعه عشر درجات، كما ورد في الأحاديث .

وعن أبى هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ’’رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلّ عليّّ، ورغم أنف رجل أدرك أبويه عنده الكبر فلم يدخلاه الجنة، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له’’[4] .

وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: ’’إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام’’[5].

وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ’’ من صلى عليّّ أو سأل لي الوسيلة حقت عليه شفاعتي يوم القيامة ’’[6].

وعن أبى هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ’’ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيهم إلا كان مجلسهم عليهم ترة يوم القيامة، إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم ’’[7].

ويستحب كثرة الصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة لحديث أوس ابن أوس – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ’’من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ. قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت[8] يعنى بليت ؟ فقال: ’’ إن الله عز وجل حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء’’[9].

أما صيغة الصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: فعن ابن مسعود الأنصاري قال: ’’ أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك ؟ قال: فسكت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ’’قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد، والسلام كما قد علمتم’’.

5 - قيام الليل

الآيات في فضيلة قيام الليل :

قال الله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِاللأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[10]. وهى في وصف المحسنين .

عن قتادة ومجاهد قالا: كانوا لا ينامون ليلة حتى الصباح .

وعن ابن عباس: لم تكن تمضى عليهم ليلة إلا يأخذوا منها شيئاً.

وقال تعالى في وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}[11].

وذكر الله تعالى هذه العبادة الجليلة ثم عقبها بالجزاء فقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[12].

ثم عقب بقوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[13].

ولما أخفوا العمل واستتروا بجنح الظلام أخفى الله عز وجل لهم الأجر.

أما الأخبار فقوله – صلى الله عليه وسلم-: ’’أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل’’[14].

وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: ’’كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يصلى ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشر ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة ’’[15].

وفى الخبر إنه ذكر عنده الرجل ينام كل الليل حتى يصبح فقال – صلى الله عليه وسلم-: ’’ذاك رجل بال الشيطان فى أذنيه’’[16].

وعن أبى هريرة – رضي الله عنه- قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ’’يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإذا استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان’’[17].

الآثـار:

كان ابن مسعود – رضي الله عنه-إذا هدأت العيون قام فيسمع له دوىّ كدوىّ النحل حتى يصبح.

قيل للحسن: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوهاً ؟ قال: ’’لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره’’.

وقال: ’’إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل’’.

وقال رجل لأحد الصالحين: لا أستطيع قيام الليل فصف لي دواءاً، فقال: لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه بالليل .

ويروى عن سفيان الثوري أنه قال: ’’حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أصبته’’.

وقال ابن المبارك:

إذا ما الليل أظلم كابـدوه …فيسفر عنهم وهم هجـوع

أطار الخوف نومهم فقاموا… وأهل الأمن فى الدنيا هجوع

وقال أبو سليمان: ’’أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا’’.

قال ابن المنكدر: ’’ما بقى من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، وصلاة الجماعة’’.

[1] الأحزاب: الآية : 56

[2] رواه مسلم (/128) الصلاة، والترمذي (2/270) الصلاة، وأبو داود (1516) الصلاة، والنسائي (3/50) السهو.

[3] الأنعام: من الآية: 160

[4] رواه الترمذي (6413 تحفة) الدعاء، وقال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه والحاكم (1/549) الدعاء مقتصراً على الفقرة الأولى، وقال الألباني : إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح.

[5] رواه النسائي (3/43) السهو، والحاكم (2/421) التفسير، وصححه ووافقه الذهبي، وقال الألباني : إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح .

[6] رواه مسلم (4/85) الصلاة، وأبو داود (519) الصلاة، والترمذي (13/102) المناقب، والنسائي (2 /25، 26) الأذان .

[7] رواه الترمذي (3440 تحفة) الدعاء، وحسنه وصححه الألباني في الصحيحة، ومعنى ترة : أى حسرة.

[8] رواه أبوداود (1034) الصلاة، والنسائي (3/91، 92) الجمعة، وابن ماجه (1085) الصلاة، والحاكم (1/278) الجمعة، وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي على شرط البخاري، وصححه الألباني .

[9] رواه مسلم (4/124، 125) الصلاة، ومالك فى الموطأ (1/ 165، 166)، والترمذي (12/95) السهو، والنسائي (3 /45، 46) .

[10] الذاريات: الآية: 17- 18

[11] الفرقان: الآية: 64

[12] السجدة: الآية: 16

[13] السجدة: الآية: 17

[14] رواه مسلم (8/55) الصيام، وأبو داود (2412) الصوم، والترمذي (2/227) الصلاة، والنسائي (3 /207) قيام الليل .

[15] رواه البخاري (3/7) التهجد، ومسلم (6/ 16)، الصلاة .

[16] رواه البخاري (3/34) التهجد، ومسلم (6/63، 64) صلاة المسافرين

[17] رواه البخاري (3/30) التهجد، ومسلم (6/65، 66) صلاة المسافرين .
أضافة تعليق