قبل عامين، راهنت الولايات المتحدة ومعها الغرب على أن "أوكرانيا" ستكون جوادهما الرابح لتوجيه ضربة قاضية وماحقة لخصمهما اللدود والعنيد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، وتوقعوا أن تتحول إلى مستنقع تغرق فيه "روسيا" حتى أذنيها، ولن تقدر على الخروج منه، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر بحدوث العكس، وأضحت ورطة أمريكية وغربية كبرى يبحث الطرفان عن مخرج آمن ينقذهما منها، بعدما أرهقهما وأتعبهما مساعدة "كييف" للانتصار في معركتها بالغة الصعوبة والتعقيد مع "الدب الروسي" المتفوق عليها حتى حينه.
الغرب يقف متفرجًا ومتابعًا لانتصارات "بوتين" المتتالية عسكريًا وسياسيًا، بينما يضرب الانقسام والاختلاف صفوفه، وسط تأكيد الأحداث والتطورات الجارية، وآخرها كان سقوط مدينة "أفدييفكا" الإستراتيجية شرق أوكرانيا في يد الجيش الروسي، أن الرئيس الروسي يحقق المكسب تلو الآخر بفضل تحليه بطول النفس والمثابرة، وأن الوقت سيثبت حتمًا صحة موقف موسكو من الأزمة الأوكرانية، منذ اندلاعها، وأن كل أساليب الضغط الأمريكية والغربية من فرض عقوبات اقتصادية وتأليب الجبهة الداخلية الروسية ستتداعى أمام أسوار الكرملين، وهو ما حدث حتى الآن.
فالوقت ليس في صالحهما بالمرة، فالجيش الأوكراني يبدو تائهًا ومشوشًا وعاجزًا عن مواجهة الهجمات الروسية، ويفقد مراكزه ومناطقه تباعًا، على الرغم مما زوده به الغرب من أسلحة متطورة وذخائر واستشارات قدمها خبراء عسكريون غربيون وأمريكيون شاركوا في إعداد خططه الحربية، وتباطؤ المساعدات الأمريكية، بسبب عرقلة الجمهوريين حزمة مساعدات قيمتها ٦٠ مليار دولار لاقتناعهم بأنه لا جدوى من إهدار هذه الأموال على بلد مهزوم ميدانيًا، ويجب وقف ما يسببه الصراع الأوكراني الروسي من استنزاف للخزانة الأمريكية.
وما يزيد من مخاوف وتشاؤم الغربيين حيال الحرب الأوكرانية الروسية احتمال إقدام الناخبين الأمريكيين على إعادة "دونالد ترامب"، ثانية إلى البيت الأبيض، خلال الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام الحالي، والذي لا يخفي إعجابه ببوتين، وأنه يستطيع إنهاء الحرب الأوكرانية الروسية في غضون ٢٤ ساعة، إذا أعيد انتخابه.
كذلك فإن القوى الغربية تلمس عن قرب تنامي رفض شعوبها لتورط حكوماتهم أكثر في النزاع الروسي الأوكراني الذي بات عبثيًا ومصدرًا لإرهاق دولهم ماليًا واستحواذه على ما يوجد بترسانتهم العسكرية من أسلحة ومعدات وذخيرة، وأن الاقتصاد العالمي لا يحتمل هزات وتقلبات أكثر، بعد أن تفجرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وألقت بظلالها القاتمة على حركة التجارة والملاحة الدولية وسلاسل الإمداد، مما ضاعف من مواضع الضغط على اقتصاداتهم وحياتهم اليومية ومعدلات التضخم الاقتصادي وغيرها من الأمور السلبية الأخرى.
فضلا عن فتور حماس هذه القوى، بما فيهم حلفاء قريبون لواشنطن لمواصلة دعم أوكرانيا بدون سقف حاكم، في حين يتابع "بوتين" تمدده باتجاه القارة العجوز ومناطق نفوذ حلف شمال الأطلنطي "الناتو"، وعدم امتلاكهم لأوراق مساومة قوية في علاقاتهم المتوترة مع "موسكو" التي تجبرهم على الاعتراف والإقرار بمكاسبها الميدانية، وأنها الطرف القادر على فرض شروطه على طاولة المفاوضات، ويقينهم من أن روسيا ليست بالطرف السهل هزيمته وليّ ذراعه، وأنه لا مهرب من التفاوض معه، مهما طال الزمن، توخيًا لحماية الأمن القومي لأوروبا.
هذه التحولات في مجملها تقود إلى أن ما يمكننا تسميته بالمشروع الغربي، أو قل المقامرة، في أوكرانيا قد فشل فشلًا ذريعًا ولن تقوم له قائمة، مهما يحاول الغربيون الإيحاء بغير ذلك، لأنهم يعرفون أن حساباتهم وتقديراتهم أسست على شفا جرف يوشك على الانهيار، وأن "بوتين" أثبت عمليًا كونه منافسًا لا يشق له غبار، ويجيد فنون إدارة الصراعات بإتقان.
*نقلاً عن بوابة الأهرام