إنكار الواقع لن يغيره؛ بل ستتضاعف صعوبة مواجهته وسيُجبر من ينكره على ذلك ولو بعد حين؛ هذا ما سيتعرض له رئيس وزراء الصهاينة نتنياهو الذي "يختار" التمادي في إنكار واقع تعرض جيشه ومخابراته وقوته التكنولوجية إلى تراجع شديد في القوة المعنوية لكل من الجيش والشعب وتزايد "حدة" الإعلام الصهيوني في مهاجمته يوميًا مع تنامي "غضب" أسر المحتجزين لدى رجال المقاومة الفلسطينية ونفاد صبرهم ومطالبتهم مع الكثيرين في استقالته فورا..
صرح وزير الدفاع "الإسرائيلي" بأن هزيمة حماس ستسغرق عدة أشهر؛ وهو ما يؤكد الهزيمة الإستراتيجية لإسرائيل في سابقة لم تحدث من قبل؛ إذ إنها أول مرة تخوض فيها حربًا أكثر من 70 يومًا على أرض فلسطينية، ولا تحقق أي انتصار، ولم تحظ حتى بصورة تستطيع الزعم والكذب أنها صورة للنصر؛ كإجبار بعض الأسرى على خلع ملابسهم والكذب بالزعم أنهم مقاتلون وافتضح كذبهم فأعمار البعض تتجاوز الستين، فضلًا عن أجساد معظمهم لا تنتمي للقتال ومنهم من ثبت أنه صحفي!!
صورة النصر لا يمكن أن تكون في احتلال جنود صهاينة لمسجد في جنين بالضفة الغربية، وكتابة كلمات مسيئة على جدرانه وإقامة تلاوات من نصوص "توراتية" عبر مكبرات الصوت في المسجد!!
كما فشلوا في محاولاتهم الرد على الفيديوهات الكثيرة لكتائب القسام وكتائب القدس التي تظهر عمليات بطولية من قنص لجنود الصهاينة من مسافة صفر، وأخرى لوضع مقاتلين بأيديهم قنابل على متفجرات وثالثة لاشتباكات مع جنود الصهاينة وكمائن أعدتها لهم المقاومة ونجحت في "اصطيادهم" وقتلهم بعد استدراجهم وعشرات الفيديوهات.
جاء الرد الصهيوني الساذج بإظهار جنود صهاينة يطلقون النيران بكثافة على جدران خاوية بلا أي ردود من أي جهة، مما أثار سخرية شديدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأظهرت فيديوهات أخرى جنود الصهاينة وهم يتضاحكون "بصيبانية" واضحة وهم يقودون سيارات سرقوها من أنقاض بيوت غزة بعد قصفها بطيرانهم، كما سرقوا ألعاب الأطفال أيضًا، ومن المقزز نشر فيديو لجنود صهاينة "يتبولون" على علم فلسطين!!
لم يحقق الإفراط في استخدام العنف والقوة الغاشمة أي انتصار، بل كان "مقدمة" حتمية لصنع هزائم إستراتيجية؛ وهو ما يفعله بعناد نتنياهو؛ فلغة الانتقام من الصفعات التي تلقاها وجيشه ومخابراته في السابع من أكتوبر ومحاولاته "اليائسة" لاسترداد قوة الردع أو الهيبة "وبقايا" الأسطورة الكاذبة للجيش الذي لا يقهر، لن تجدي شيئًا؛ فقد تعرض للهزيمة الإستراتيجية وكيف لا؛ وقد حاولت الولايات المتحدة "إنقاذه" بالإمدادات العاجلة والكثيرة من الأسلحة وإرسال الأساطيل "لتخويف" حزب الله من الانضمام للمقاومة في فلسطين، وإذا به يتجاهلها ويتحداها ويعترف الصهاينة "علنًا" أنهم أرسلوا الكثير من الوسطاء للحيلولة دون شن حزب الله الحرب على "إسرائيل"؛ وإذا بهم يفاجأون بالصفعات القادمة من اليمن وتهديد "كل" السفن المتوجهة للصهاينة حتى ترضخ وتسمح بدخول الغذاء والدواء، وأصدر مجلس الأمن القومي الصهيوني تعليمات عاجلة للموانئ بإزالة المعلومات المتعلقة بوصول ومغادرة السفن!!
فشل نتنياهو في استخدام التجويع والعطش وندرة المياه الصالحة للشرب، ولم يساعده الجسر الجوي الأمريكي الذي وصل ل60 طائرة يوميًا، وألقى 29 ألف قنبلة على غزة، باعتراف أمريكا، وادعت أن بعضها غبي، وثبت أن 20% من قتلى الصهاينة من النيران الصديقة، كما أعلنوا، في اعتراف منهم بضعفهم وسوء تدريبهم واضطرابهم أيضًا.
من الهزيمة الاستراتيجية الآلاف من الجرحى والمعاقين والمرضى النفسيين من جنود الصهاينة والتناقض الشديد بين ما يعلنه المتحدث باسم جيشهم وبين بيانات المستشفيات ووسائل الإعلام رغم التضييق والرقابة عليهم في نشر ما يتعلق بالحرب، وكذلك
محاولات نتنياهو اليائسة والبائسة والفاشلة لإخفاء توتره وعصبيته "وخوفه" أثناء أحاديثه ومؤتمراته الصحفية التي كثرت حتى أصبحت شبه يومية في إشارة واضحة لاستماتته للبقاء في منصبه، ولرعبه من مغادرته قسرًا، وما يتبع ذلك من فتح حتمي لكل ملفاته في الفساد وتحميله مسئولية الهزيمة وانكسار الهيبة والخسائر الفادحة الراهنة والمستقبلية السياسية والاقتصادية والنفسية والقتال يشتد من المقاومة وزيادة إلحاق الخسائر بجيش الصهاينة.
قال وزير الدفاع الأمريكي: "إسرائيل قد تواجه هزيمة إستراتيجية في غزة؛ وهو تحذير يجب التوقف عنده جيدا؛ لصدوره عن دولة تعرضت لأكثر من هزيمة إستراتيجية في تاريخها رغم الاستخدام المفرط للقوة في كل من فيتنام والعراق وأفغانستان..
وأضاف وزير الدفاع الأمريكي: "في هذا النوع من القتال يكون السكان المدنيون هم مركز الثقل، وإذا دفعتهم إلى أحضان العدو؛ فسوف تستبدل النصر التكتيكي بهزيمة عسكرية"؛ نتأمل النصيحة العلنية للصهاينة فمن المؤكد أنها جاءت بعد نصائح كثيرة في السر ويبدو أن نتنياهو "أصم" أذنيه عنها.
النصر الحقيقي والإستراتيجي لا يتوقف أبدًا عند الدمار وعدد القتلى والجرحى ويركز على الإرادة والتغييرات التي طرأت عليها؛ هل ضعفت وهل تخلى الشعب عن مقاومة الاحتلال؟ أم تضاعف "احتضانه" لها وجدد بإصرار اختياره لها ما بقيت له أنفاس في الحياة..
الإجابة نعرفها من قول المؤرخ الصهيوني "إيلان بابيه" معظم الصهاينة لا يؤمنون بوجود الإله؛ لكنهم يؤمنون أنه وعدهم بإسرائيل"، أما الفلسطينيون فرزقهم الرحمن الإيمان الصادق واليقين بانتصارهم واستردادهم لكل فلسطين وإلا كيف نفسر الفتى الذي خرج من أنقاض بيته بغزة بعد تعرضه للقصف والتراب يغمر وجهه وكل جسده وبعض الدماء أيضًا!! وأعلن بقوة وعزة وشموخ "فخره" باستشهاد أمه وإخوته ومتوعدًا الاحتلال بمقاومته حتى النصر!!
*تقلاً عن بوابة الأهرام