بعد سنين عجاف تذوقنا خلالها مرارة الذل والهوان والهزائم المتلاحقة ونحن نرفع شعار العروبة والقومية، التي أثبتت سقوطها المهين، عندما ابتعدنا عن منهاج رب العالمين الذي أراد لنا النصر والتمكين بالتمسك بدينه القويم والاعتصام بحبله المتين، وبينما ظل زعماؤنا يتقلبون بين معسكري الشرق والغرب باحثين عن تحالفات (استراتيجية) وموازين قوى، دون أن تلوح في الأفق بوادر العزة والكرامة التي افتقدناها طويلا، هنا تنهض غزة الكرامة والعزة رغم جراحاتها الأليمة ومصائبها الجسيمة وقد تكالبت عليها أمم الأرض إثما وعدوانا، فانتفضت في وجه الظلم والعدوان وسجلت ملحمة كبرى من ملاحم النصر والمجد لتعيد لأمتنا مجددا ترتيب أولوياتها وتلقن العالم دروسا في التضحية والفداء والثبات على الحق، فانتصرت بصمود وصبر أهلها وعزيمة رجالها وبسالة شبابها، وتجاوزت آثار بطش آلة الإجرام الصهيوني، الذي تلاشت أحلامه وتحطمت على صخرة الصمود والثبات وقوة الإرادة الإيمانية لدى أهلنا واخواننا المجاهدين على أرض الرباط المقدس في غزة الأبية، التي تأبى الخضوع والركوع لغير الله عز وجل.
نعم لقد أضحى انتصارغزة الصامدة حقيقة واقعة، في تلك الحرب الظالمة، ليهتف صوت الحق مجلجلا:
هنا غزة رمز الكرامة والعزة، هنا معراج الشهداء، وموطن الشرفاء، هنا تستميت النساء الحرائر في بسالة استعصت على أشباه الرجال من خارج القطاع المحاصر. وليخسأ الكاذبون وهم يتحدثون عن أخلاقيات الحروب، إذ يمدون العدو الصهيوني بأعتى انواع الأسلحة وأشدها فتكا ليقتل بها الأطفال والنساء، بطائراته وراجماته من فوق المباني، ولا يجرؤ على مواجهة المقاومين الأبطال على أرض المعركة، بينما يتدرع جنود الصهاينة بالواقيات والسترات الحصينة، لكن الذعر والجبن يملأ قلوبهم، فيواصلون قتل المدنيين وتدمير العمران باستخدام أجهزة التحكم عن بعد، لأن صفات الغدر والحقد متأصلة في جيناتهم الوراثية، لكن المزري المعيب أن ينقسم الفرقاء المنضوون تحت لواء العروبة والقومية وحقوق الإنسان، وبعض المنتسبين للإسلام، بين شامت ومنحاز للعدو، ومحايد مستبطن، أو مشارك في جريمة حصار أهلنا في مدينة غزة، أما انتم يا أبطال غزة ومجاهديها المرابطين، فهنيئا لكم جمعكم بين النصر والشهادة في سبيل الله، ونحن والعالم مدينون لكم بما قدمتم لنا من دروس عملية بليغة في التضحية والفداء ومقارعة العدو، بل إنكم ثلة مؤمنة في مدينة واحدة تواجه دولا باكملها فتجبر قادتها المتغطرسين على طلب هدنة بعد أن مرغتم أنوفهم في تراب العار والهزيمة، والمنطق الحربي يؤكد أن الجيش القوي إذا لم ينتصر فهو مهزوم، والجيش الضعيف إذا لم ينهزم فهو منتصر، وقد تمكنت جماعة من المجاهدين من إلحاق الهزيمة بأقوى جيش مزعوم في العالم تسانده جيوش وأسلحة دول بأكملها، وأرغموه على التقهقر، فماذا تبقى من مجد أو فخار لدى اولئك الرؤساء والحكام الذين صافحوا اليهود الصهاينة موقعين معهم معاهدات الخزي والخذلان ؟!.
إنها الحقيقة الإيمانية التي غابت عن عقول وتحليلات كثير من كبراء الساسة والمحللين عبر وسائل تشكيل الرأي العام، فلم يرتقوا لشرف التصريح بأن المجاهدين في كتائب القسام وسرايا القدس وإخوانهم في بقية فصائل المقاومة يقاتلون لإعلاء كلمة الله وتحرير المقدسات، والدفاع عن أعراضهم وأوطانهم، وهذا سر صمودهم المستمر ونصرهم المؤزر، مهما اشتدت الأزمات أو طالت المحن.
*نقلاً عن صحيفة الشرق*