المواطن العربي يسأل: على أي شيء يختلف القادة؟
فرصة تاريخية أمام العرب للتصالح مع أنفسهم
الأنظمة العربية تؤكد أنها ديمقراطية حتى ’’النخاع’’ فلماذا لا تستمع إلى رأي الشارع؟
تنعقد القمة العربية الحادية والعشرون في ظروف بالغة الدقة يمر بها العالم العربي، بعد ’’العواصف’’ التي ضربت النظام العربي خلال الفترة الأخيرة، والتي كادت تذهب به الى الهاوية، بعد ان خلقت اجواء غير صحية، واوجدت شروخا اكبر في النظام العربي، الذي اصلا يعاني الكثير منها، بعد ان وصل الى مرحلة من ’’الترهل’’ بالغة الخطورة.
اليوم تنعقد قمة الدوحة العربية وسط امل بتحقيق اختراقات نوعية على صعيد تصحيح العلاقات العربية ـ العربية، واعادة المسار الى الطريق الصحيح، خاصة في ظل ’’مصالحات’’ حدثت بين عدد من الاطراف العربية، التي ظلت علاقاتها لسنوات في ’’نفور’’ و’’صراع’’ معلن او خفي، وان كانت في حقيقة الامر ليست ’’مصالحات’’ بالمعنى الصحيح، بقدر ما هي ’’تهدئة’’ لاوضاع ’’متوترة’’، على امل نقلها الى مرحلة ’’تصالح’’ فيما بين هذه الاطراف العربية.
اضافة الى ذلك، هناك متغيرات اقليمية ودولية، تفرض على العرب مراجعة حقيقية لواقعنا المؤلم، ومراجعة للاولويات خلال المرحلة المقبلة، وهناك تحديات كبرى تواجه مستقبل العرب، ومستقبل كيانات عربية، وانظمة عربية، بل وزعامات عربية، وهو ما يعني ان الامر بات بالغ الخطورة، فـ ’’نظرية’’ نفسي نفسي لم تعد تحمي الانظمة العربية، فاذا لم يتفق العرب اليوم على قاعدة من المصالح، وايجاد ارضية مشتركة من التعاون الجاد والفعلي، فان مستقبلهم مهدد بمزيد من التصدع والتآكل، وتكالب دول كبرى عليهم.
وسط هذه الاجواء تنعقد قمة الدوحة العربية، واعتقد ان انعقادها بالدوحة سيوفر لها نجاحا ربما لا تجده في عواصم اخرى، ليس تقليلا من شأن تلك العواصم، او انتقاصا من دور تلك القيادات العربية، التي لها مكانتها الكبيرة، واحترامها المقدر رسميا وشعبيا، خاصة في قطر، التي تنظر للعرب على انهم جسد واحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى، الا ان ما يميز قطر انها تقف على مسافة واحدة من جميع الاطراف، وليست لديها اجندة خاصة، بقدر ما هي مصلحة عربية عليا تعمل من اجلها، ومن اجل مستقبل عربي يكون اكثر اقتدارا على مواجهة هذه التحديات التي تعصف بأمتنا من مشرقها الى مغربها.
اليوم مطلوب من العرب الارتقاء الى حجم التحديات التي تواجه امتنا، وتحمل المسؤولية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا، والترفع عن الصغائر التي طالما عكرت العلاقات العربية ـ العربية.
اليوم اذا سألت أي مواطن عربي، بل اي قيادة عربية، ما الخلاف الحقيقي الذي يستحق بسببه مقاطعة عربية، او خوض ’’حرب’’ سرية، وبكل الوسائل قد تصل الى ’’تأليب’’ العدو على دولة عربية؟!
لن تجد اجابة مقنعة نخرج بها امام الرأي العام العربي، الذي يطالب الدول العربية بضرورة التقارب والتكامل والتعاون فيما بينها، ونبذ كل الخلافات ’’الوهمية’’، التي طالما حالت دون تحقيق مصالح هذه الامة وشعوبها المغلوبة على امرها.
اوروبا التي بينها حروب استمرت عقودا من الزمن، سالت خلالها انهار من الدماء، نجدها اليوم تشكل اكبر تجمع وحدوي، وليس هذا فقط، بل هي ـ اوروبا ـ ثقافات مختلفة، ولغات متفرقة، وتباعد فكري وروحي..، وعلى الرغم من ذلك اوجدت لها كيانا متوحدا، ولغة تخاطب بها من هو خارجها، وقبل هذا وذاك اصبحت تمثل كتلة اقتصادية وسياسية كبرى، بينما نحن ـ الدول العربية ـ كل العناصر تجمعنا، فليست هناك فوارق فكرية او لغوية او دينية او ثقافية او اجتماعية...، بل وليس هناك عداء او دماء بين دولنا العربية، تدفع الى كل هذا العداء المفتعل القائم بين عدد من الدول العربية.
لقد تفاءلنا خيرا بدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز في قمة الكويت الاقتصادية، واللقاءات التي حدثت على هامشها، والقمة ’’التصالحية’’ التي عقدت فيما بعد بالرياض، والامل بأن تستكمل هذه الخطوات في قمة الدوحة، التي تعقد عليها آمال عريضة في اعادة بث الروح في جسد الامة من جديد، وان تكون نقلة نوعية في تاريخ القمم العربية، وان تؤرخ لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك، المبني على اسس راسخة، تتصدرها مصلحة الامة فوق اي اعتبار.
ان الشعوب العربية ما زالت تأمل من قادتها الالتفات الى القضايا المصيرية، والإجماع على ما يجمع بين دولنا، وترك الاختلافات جانبا، والبناء على العناصر المشتركة، من مبدأ ’’فلنجتمع على ما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه’’.
ان الانظمة العربية تؤكد ليل نهار انها ديمقراطية حتى النخاع، وانها تبحث عن مصالح الشعب اينما كانت، فاذا كان الامر كذلك فلتستمع الى رأي الشارع، فلتستمع الى رأي شعوبها فيما يتعلق بالعلاقات العربية ـ العربية، وما هو المطلوب منها في تعاملها مع اشقائها العرب، لماذا لا يتم الالتفات الى الرأي العام العربي في صياغة علاقة عربية ـ عربية صحية، بدلا من التناحر والمشاحنات التي نراها تخيم على العلاقات العربية الرسمية.
ان قمة الدوحة فرصة تاريخية امام العرب للتصالح مع انفسهم، وصياغة نظام عربي جديد قائم على الاحترام المتبادل، والحرص على المصالح الاخوية فيما بين دولنا، والنظر الى ما يجمع بين هذه الدول وشعوبها في الماضي والحاضر والمستقبل.
اليوم لا مكان للكيانات الصغيرة، ولا وجود للعناصر الضعيفة، ولا احترام للدول التي تستجدي الآخرين،...، اذا لم تخلق دولنا العربية مكانة لها تعتمد على قوة كيانها، وتكاتفها ووحدتها وتعاونها...، فانها لن تجد من الاعداء اي تعاطف او احترام، وفي المقابل لن تعود الى هذه الامة حقوقها المغتصبة ما دامت هناك خلافات عربية، وما دام هناك شقاق وتناحر وتآمر بعضنا على بعض.
لا اريد العودة الى الوراء، ونبش الماضي، نريد ان نبدأ من قمة الدوحة، صحيح انها قمة دورية، لكنها تأتي في ظرف عصيب تمر به الامة، يتطلب وعيا بالمخاطر التي تهدد كيان امتنا وبقاءها، وهو ما يعني التخلص من اي ضغوط خارجية تؤثر على القرار العربي، والعمل على بناء نظام عربي جديد يعيد الامل الى المؤسسة العربية، وانها قادرة على الدفاع عن ذاتها وكيانها وابنائها،...، لا نريد ان تأتي الاجيال القادمة لتحمل تبعات اخفاقاتنا الكثيرة، بل نريد ان نترك للاجيال ارثا مضيئا يسترشدون به نحو المزيد من الوحدة والتكامل.
قطر ستقود خلال عام قادم العمل العربي، ولكن كما يقول المثل ’’اليد الواحدة لا تصفق’’، بمعنى انه مطلوب من جميع الدول التعاون مع القيادة القطرية نحو ترسيخ المصالحات العربية التي شهدتها الساحة خلال الفترة الماضية، وان تضع جميع القيادات العربية يدها بيد القيادة القطرية لايجاد حلول لقضايانا العربية، بدلا من ان تُفرض علينا حلول من الخارج.
لقد عرف عن القيادة القطرية طوال السنوات الماضية مساعيها الحميدة والجادة تجاه القضايا العربية، واستطاعت ان تحل عددا من هذه القضايا، وما الملف اللبناني الا خير شاهد على الجهد القطري، عدا الملفات الاخرى، سواء في فلسطين او الصومال او السودان...، واليوم تقود جهدا لايجاد حل لقضية دارفور.
ان الامل ان تؤرخ قمة الدوحة لمرحلة جديدة من العمل العربي، وان تؤسس لبناء جديد في العلاقات العربية ـ العربية، بعيدا عن التجاذبات والخلافات، فهل تتحقق هذه الاماني لدى الشارع العربي؟.
جابر الحرمي
[email protected]
فرصة تاريخية أمام العرب للتصالح مع أنفسهم
الأنظمة العربية تؤكد أنها ديمقراطية حتى ’’النخاع’’ فلماذا لا تستمع إلى رأي الشارع؟
تنعقد القمة العربية الحادية والعشرون في ظروف بالغة الدقة يمر بها العالم العربي، بعد ’’العواصف’’ التي ضربت النظام العربي خلال الفترة الأخيرة، والتي كادت تذهب به الى الهاوية، بعد ان خلقت اجواء غير صحية، واوجدت شروخا اكبر في النظام العربي، الذي اصلا يعاني الكثير منها، بعد ان وصل الى مرحلة من ’’الترهل’’ بالغة الخطورة.
اليوم تنعقد قمة الدوحة العربية وسط امل بتحقيق اختراقات نوعية على صعيد تصحيح العلاقات العربية ـ العربية، واعادة المسار الى الطريق الصحيح، خاصة في ظل ’’مصالحات’’ حدثت بين عدد من الاطراف العربية، التي ظلت علاقاتها لسنوات في ’’نفور’’ و’’صراع’’ معلن او خفي، وان كانت في حقيقة الامر ليست ’’مصالحات’’ بالمعنى الصحيح، بقدر ما هي ’’تهدئة’’ لاوضاع ’’متوترة’’، على امل نقلها الى مرحلة ’’تصالح’’ فيما بين هذه الاطراف العربية.
اضافة الى ذلك، هناك متغيرات اقليمية ودولية، تفرض على العرب مراجعة حقيقية لواقعنا المؤلم، ومراجعة للاولويات خلال المرحلة المقبلة، وهناك تحديات كبرى تواجه مستقبل العرب، ومستقبل كيانات عربية، وانظمة عربية، بل وزعامات عربية، وهو ما يعني ان الامر بات بالغ الخطورة، فـ ’’نظرية’’ نفسي نفسي لم تعد تحمي الانظمة العربية، فاذا لم يتفق العرب اليوم على قاعدة من المصالح، وايجاد ارضية مشتركة من التعاون الجاد والفعلي، فان مستقبلهم مهدد بمزيد من التصدع والتآكل، وتكالب دول كبرى عليهم.
وسط هذه الاجواء تنعقد قمة الدوحة العربية، واعتقد ان انعقادها بالدوحة سيوفر لها نجاحا ربما لا تجده في عواصم اخرى، ليس تقليلا من شأن تلك العواصم، او انتقاصا من دور تلك القيادات العربية، التي لها مكانتها الكبيرة، واحترامها المقدر رسميا وشعبيا، خاصة في قطر، التي تنظر للعرب على انهم جسد واحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى، الا ان ما يميز قطر انها تقف على مسافة واحدة من جميع الاطراف، وليست لديها اجندة خاصة، بقدر ما هي مصلحة عربية عليا تعمل من اجلها، ومن اجل مستقبل عربي يكون اكثر اقتدارا على مواجهة هذه التحديات التي تعصف بأمتنا من مشرقها الى مغربها.
اليوم مطلوب من العرب الارتقاء الى حجم التحديات التي تواجه امتنا، وتحمل المسؤولية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا، والترفع عن الصغائر التي طالما عكرت العلاقات العربية ـ العربية.
اليوم اذا سألت أي مواطن عربي، بل اي قيادة عربية، ما الخلاف الحقيقي الذي يستحق بسببه مقاطعة عربية، او خوض ’’حرب’’ سرية، وبكل الوسائل قد تصل الى ’’تأليب’’ العدو على دولة عربية؟!
لن تجد اجابة مقنعة نخرج بها امام الرأي العام العربي، الذي يطالب الدول العربية بضرورة التقارب والتكامل والتعاون فيما بينها، ونبذ كل الخلافات ’’الوهمية’’، التي طالما حالت دون تحقيق مصالح هذه الامة وشعوبها المغلوبة على امرها.
اوروبا التي بينها حروب استمرت عقودا من الزمن، سالت خلالها انهار من الدماء، نجدها اليوم تشكل اكبر تجمع وحدوي، وليس هذا فقط، بل هي ـ اوروبا ـ ثقافات مختلفة، ولغات متفرقة، وتباعد فكري وروحي..، وعلى الرغم من ذلك اوجدت لها كيانا متوحدا، ولغة تخاطب بها من هو خارجها، وقبل هذا وذاك اصبحت تمثل كتلة اقتصادية وسياسية كبرى، بينما نحن ـ الدول العربية ـ كل العناصر تجمعنا، فليست هناك فوارق فكرية او لغوية او دينية او ثقافية او اجتماعية...، بل وليس هناك عداء او دماء بين دولنا العربية، تدفع الى كل هذا العداء المفتعل القائم بين عدد من الدول العربية.
لقد تفاءلنا خيرا بدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز في قمة الكويت الاقتصادية، واللقاءات التي حدثت على هامشها، والقمة ’’التصالحية’’ التي عقدت فيما بعد بالرياض، والامل بأن تستكمل هذه الخطوات في قمة الدوحة، التي تعقد عليها آمال عريضة في اعادة بث الروح في جسد الامة من جديد، وان تكون نقلة نوعية في تاريخ القمم العربية، وان تؤرخ لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك، المبني على اسس راسخة، تتصدرها مصلحة الامة فوق اي اعتبار.
ان الشعوب العربية ما زالت تأمل من قادتها الالتفات الى القضايا المصيرية، والإجماع على ما يجمع بين دولنا، وترك الاختلافات جانبا، والبناء على العناصر المشتركة، من مبدأ ’’فلنجتمع على ما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه’’.
ان الانظمة العربية تؤكد ليل نهار انها ديمقراطية حتى النخاع، وانها تبحث عن مصالح الشعب اينما كانت، فاذا كان الامر كذلك فلتستمع الى رأي الشارع، فلتستمع الى رأي شعوبها فيما يتعلق بالعلاقات العربية ـ العربية، وما هو المطلوب منها في تعاملها مع اشقائها العرب، لماذا لا يتم الالتفات الى الرأي العام العربي في صياغة علاقة عربية ـ عربية صحية، بدلا من التناحر والمشاحنات التي نراها تخيم على العلاقات العربية الرسمية.
ان قمة الدوحة فرصة تاريخية امام العرب للتصالح مع انفسهم، وصياغة نظام عربي جديد قائم على الاحترام المتبادل، والحرص على المصالح الاخوية فيما بين دولنا، والنظر الى ما يجمع بين هذه الدول وشعوبها في الماضي والحاضر والمستقبل.
اليوم لا مكان للكيانات الصغيرة، ولا وجود للعناصر الضعيفة، ولا احترام للدول التي تستجدي الآخرين،...، اذا لم تخلق دولنا العربية مكانة لها تعتمد على قوة كيانها، وتكاتفها ووحدتها وتعاونها...، فانها لن تجد من الاعداء اي تعاطف او احترام، وفي المقابل لن تعود الى هذه الامة حقوقها المغتصبة ما دامت هناك خلافات عربية، وما دام هناك شقاق وتناحر وتآمر بعضنا على بعض.
لا اريد العودة الى الوراء، ونبش الماضي، نريد ان نبدأ من قمة الدوحة، صحيح انها قمة دورية، لكنها تأتي في ظرف عصيب تمر به الامة، يتطلب وعيا بالمخاطر التي تهدد كيان امتنا وبقاءها، وهو ما يعني التخلص من اي ضغوط خارجية تؤثر على القرار العربي، والعمل على بناء نظام عربي جديد يعيد الامل الى المؤسسة العربية، وانها قادرة على الدفاع عن ذاتها وكيانها وابنائها،...، لا نريد ان تأتي الاجيال القادمة لتحمل تبعات اخفاقاتنا الكثيرة، بل نريد ان نترك للاجيال ارثا مضيئا يسترشدون به نحو المزيد من الوحدة والتكامل.
قطر ستقود خلال عام قادم العمل العربي، ولكن كما يقول المثل ’’اليد الواحدة لا تصفق’’، بمعنى انه مطلوب من جميع الدول التعاون مع القيادة القطرية نحو ترسيخ المصالحات العربية التي شهدتها الساحة خلال الفترة الماضية، وان تضع جميع القيادات العربية يدها بيد القيادة القطرية لايجاد حلول لقضايانا العربية، بدلا من ان تُفرض علينا حلول من الخارج.
لقد عرف عن القيادة القطرية طوال السنوات الماضية مساعيها الحميدة والجادة تجاه القضايا العربية، واستطاعت ان تحل عددا من هذه القضايا، وما الملف اللبناني الا خير شاهد على الجهد القطري، عدا الملفات الاخرى، سواء في فلسطين او الصومال او السودان...، واليوم تقود جهدا لايجاد حل لقضية دارفور.
ان الامل ان تؤرخ قمة الدوحة لمرحلة جديدة من العمل العربي، وان تؤسس لبناء جديد في العلاقات العربية ـ العربية، بعيدا عن التجاذبات والخلافات، فهل تتحقق هذه الاماني لدى الشارع العربي؟.
جابر الحرمي
[email protected]