تتطلع كوريا الجنوبية المشهورة بصنع الأجهزة الإلكترونية الصغيرة بدلاً من الأسلحة، إلى تبوء المركز الرابع في سوق الدفاع العالمية. والواقع أن هذا الهدف بات في المتناول، ولكنها تحتاج للاعتماد بشكل أكبر على تفوقها التكنولوجي. حينما بدأ مخزون أوكرانيا من الذخائر في الانخفاض العام الماضي جراء استمرار الحرب الأوكرانية، لجأت كييف إلى حلفائها من أجل الحصول على المزيد منها. والمقصود بذلك هنا شركاء غربيون مثل الولايات المتحدة. والحال أن حتى القوة العسكرية الأكبر في العالم لا تمتلك إمدادات غير محدودة. وهنا يأتي دور كوريا الجنوبية، التي شرعت في تصدير الآلاف من قذائف المدفعية لإعادة تعبئة المخزونات الأميركية - بدلاً من إرسالها مباشرة إلى أوكرانيا - وذلك تجنباً للظهور بمظهر المنحاز إلى أحد طرفي النزاع.
وكانت عقود من مواجهة كوريا الشمالية التي تقترب من أن تصبح قوة نووية، قد أجبرت سيئول على بناء قدراتها الخاصة تدريجياً بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة بشكل كبير. وهكذا، انتقلت كوريا الجنوبية من الاكتفاء الذاتي والتخزين إلى التصدير العالمي للأسلحة. وقد ساعدت الحربُ في أوروبا الشرقية البلاد على مضاعفة مبيعاتها من الأسلحة العام الماضي، ليس للولايات المتحدة وأوكرانيا فقط، ولكن أيضاً للدول المجاورة التي باتت تخشى القوة الروسية على نحو متزايد. فالعام الماضي، مثلاً، أبرمت شركة «هيونداي روتم» وشركة «هانوا ديفانس سيستمز» عقوداً مع بولندا بقيمة إجمالية تبلغ 5.8 مليار دولار لتزويدها بدبابات ومدافع «هاوتزر».
والواقع أن السبيل إلى دخول المراتب العليا يكمن في التركيز على المهارات التي تجعل كوريا الجنوبية متفردة بين منافسيها. فهي بلد الشركات الرائدة عالمياً في صناعة شرائح الذاكرة والتخزين والشاشات والهواتف الذكية. هذه المنتجات قد لا تبدو أنشطة تتعلق بالأسلحة، ولكن الوجه المتغيّر للصراعات العسكرية والأهمية المتزايدة للتكنولوجيا في كل شيء، من الأسلحة اليدوية وحتى الطائرات المسيّرة والصواريخ، تجعلها أساساً جيداً للنمو المستقبلي.
هناك القنابل الذكية حيث تُعد كوريا الجنوبية في مقدمة البلدان المصنّعة والمطوّرة لهذه الأنظمة الدقيقة، ذلك أن معظم أجهزة الاستشعار والرقائق الضرورية في الأسلحة المتقدمة يمكن العثور عليها في الأجهزة والمكوّنات التي تصنعها شركات مثل«سامسونج إيليكترونيكس» و«إس كي هاينيكس» و«إل جي إيليكترونيكس». وقد احتلت كوريا المرتبة التاسعة في صادرات الأسلحة العالمية الرئيسية خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2022، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وكان معدل نموها الذي بلغ 74% مقارنة مع فترة الخمس سنوات السابقة من بين الأسرع في العالم. وتضاف تلك العقود الموقعة مع بولندا إلى مبيعات مدفعية الهاوتزر مؤخراً إلى مصر وإستونيا وفنلندا والنرويج، إضافة إلى سفن إلى البيرو، الأمر الذي يجعل من كوريا مورداً عالمياً حقيقياً للأسلحة. وسيتعين عليها أن تتجاوز المملكة المتحدة وإيطاليا وألمانيا والصين إن أرادت الوصول إلى هدف الرئيس يون سوك يول المتمثّل في الارتقاء إلى المركز الرابع عالمياً.
وحتى الآن، يقع أكبر سوق لكوريا الجنوبية في فنائها الخلفي. فبشكل عام، شكّلت آسيا وأوقيانوسيا 63% من إجمالي صادرات البلاد خلال فترة الخمس سنوات من 2018 إلى 2022، وفقاً لمعهد ستوكهولم. وتُعد الفلبين والهند وتايلاند وإندونيسيا من أبرز عملائها.
وشكّلت المدفعيةُ الدعامة الأساسية لصادرات الأسلحة الكورية الجنوبية خلال العقدين الماضيين. ويفترض أن تمثّل التحدياتُ الجديدة التي تطرحها بيونغ يانغ حافزاً للجمع أكثر بين الأسلحة والتكنولوجيا، واقتطاع حصة سوق أكبر لها. ففي ديسمبر الماضي، عبرت 5 طائرات من دون طيار من كوريا الشمالية المجالَ الجوي لكوريا الجنوبية، حيث ظلت تحلّق لساعات بينما سارعت سيئول لاعتراضها ولكن بدون جدوى. ومن بين الردود التي صدرت عن سيئول للرد على ذلك، وعلى غيره من التهديدات، كان هناك تعهدٌ في أبريل الماضي برفع حجم الإنفاق المخصص للبحث والتطوير العسكري إلى 10% من ميزانية الدفاع الوطني في غضون خمس سنوات، مقارنة مع 8% في 2021. وفي هذا الصدد، تنكب البلاد حاليا على بناء نسخة كورية جنوبية من نظام «القبة الحديدية» الإسرائيلي للدفاع ضد الصواريخ الكورية الشمالية، في حين طوّرت الشركات المحلية أنظمة رادار وتوجيه بالليزر وأنظمة تتبع باستخدام الأشعة تحت الحمراء لاستخدامها في عمليات الانتشار الجوية والبرية والبحرية.
وبشكل عام، وقّعت الشركاتُ الكورية الجنوبية صفقات تزيد قيمتها على 8 مليارات دولار لتزويد عملاء في جنوب شرق آسيا بأنظمة دفاعية معقدة، مثل الغواصات والمقاتلات النفاثة، وفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن. ولكن هناك المزيد الذي ينبغي القيام به. إذ ما زال القطاع يعتمد بشكل كبير على الخبرة الأجنبية، بما في ذلك التكنولوجيا المستوردة التي تستخدم في أنظمة الصواريخ والتوجيه. كما أن محركات طائراتها المقاتلة المصنوعة محلياً تأتي من الولايات المتحدة.
والواقع أن هذه المشكلة ليست عصية عن الحل. فقبل عشرين عاما فقط، كانت كوريا الجنوبية في مستوى الولايات المتحدة واليابان وتايوان نفسه في مجال أشباه الموصلات والإلكترونيات؛ ولكنها تمكنت الآن من اللحاق بمعظم هذه الدول وتجاوزها. وتتمثل خطوتها التالية في استغلال هذا الزخم التكنولوجي وتطبيقه على صناعة الأسلحة العالمية، التي سيكون هناك دائماً طلب عليها.
*نقلاً عن صحيفة الإتحاد *
وكانت عقود من مواجهة كوريا الشمالية التي تقترب من أن تصبح قوة نووية، قد أجبرت سيئول على بناء قدراتها الخاصة تدريجياً بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة بشكل كبير. وهكذا، انتقلت كوريا الجنوبية من الاكتفاء الذاتي والتخزين إلى التصدير العالمي للأسلحة. وقد ساعدت الحربُ في أوروبا الشرقية البلاد على مضاعفة مبيعاتها من الأسلحة العام الماضي، ليس للولايات المتحدة وأوكرانيا فقط، ولكن أيضاً للدول المجاورة التي باتت تخشى القوة الروسية على نحو متزايد. فالعام الماضي، مثلاً، أبرمت شركة «هيونداي روتم» وشركة «هانوا ديفانس سيستمز» عقوداً مع بولندا بقيمة إجمالية تبلغ 5.8 مليار دولار لتزويدها بدبابات ومدافع «هاوتزر».
والواقع أن السبيل إلى دخول المراتب العليا يكمن في التركيز على المهارات التي تجعل كوريا الجنوبية متفردة بين منافسيها. فهي بلد الشركات الرائدة عالمياً في صناعة شرائح الذاكرة والتخزين والشاشات والهواتف الذكية. هذه المنتجات قد لا تبدو أنشطة تتعلق بالأسلحة، ولكن الوجه المتغيّر للصراعات العسكرية والأهمية المتزايدة للتكنولوجيا في كل شيء، من الأسلحة اليدوية وحتى الطائرات المسيّرة والصواريخ، تجعلها أساساً جيداً للنمو المستقبلي.
هناك القنابل الذكية حيث تُعد كوريا الجنوبية في مقدمة البلدان المصنّعة والمطوّرة لهذه الأنظمة الدقيقة، ذلك أن معظم أجهزة الاستشعار والرقائق الضرورية في الأسلحة المتقدمة يمكن العثور عليها في الأجهزة والمكوّنات التي تصنعها شركات مثل«سامسونج إيليكترونيكس» و«إس كي هاينيكس» و«إل جي إيليكترونيكس». وقد احتلت كوريا المرتبة التاسعة في صادرات الأسلحة العالمية الرئيسية خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2022، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وكان معدل نموها الذي بلغ 74% مقارنة مع فترة الخمس سنوات السابقة من بين الأسرع في العالم. وتضاف تلك العقود الموقعة مع بولندا إلى مبيعات مدفعية الهاوتزر مؤخراً إلى مصر وإستونيا وفنلندا والنرويج، إضافة إلى سفن إلى البيرو، الأمر الذي يجعل من كوريا مورداً عالمياً حقيقياً للأسلحة. وسيتعين عليها أن تتجاوز المملكة المتحدة وإيطاليا وألمانيا والصين إن أرادت الوصول إلى هدف الرئيس يون سوك يول المتمثّل في الارتقاء إلى المركز الرابع عالمياً.
وحتى الآن، يقع أكبر سوق لكوريا الجنوبية في فنائها الخلفي. فبشكل عام، شكّلت آسيا وأوقيانوسيا 63% من إجمالي صادرات البلاد خلال فترة الخمس سنوات من 2018 إلى 2022، وفقاً لمعهد ستوكهولم. وتُعد الفلبين والهند وتايلاند وإندونيسيا من أبرز عملائها.
وشكّلت المدفعيةُ الدعامة الأساسية لصادرات الأسلحة الكورية الجنوبية خلال العقدين الماضيين. ويفترض أن تمثّل التحدياتُ الجديدة التي تطرحها بيونغ يانغ حافزاً للجمع أكثر بين الأسلحة والتكنولوجيا، واقتطاع حصة سوق أكبر لها. ففي ديسمبر الماضي، عبرت 5 طائرات من دون طيار من كوريا الشمالية المجالَ الجوي لكوريا الجنوبية، حيث ظلت تحلّق لساعات بينما سارعت سيئول لاعتراضها ولكن بدون جدوى. ومن بين الردود التي صدرت عن سيئول للرد على ذلك، وعلى غيره من التهديدات، كان هناك تعهدٌ في أبريل الماضي برفع حجم الإنفاق المخصص للبحث والتطوير العسكري إلى 10% من ميزانية الدفاع الوطني في غضون خمس سنوات، مقارنة مع 8% في 2021. وفي هذا الصدد، تنكب البلاد حاليا على بناء نسخة كورية جنوبية من نظام «القبة الحديدية» الإسرائيلي للدفاع ضد الصواريخ الكورية الشمالية، في حين طوّرت الشركات المحلية أنظمة رادار وتوجيه بالليزر وأنظمة تتبع باستخدام الأشعة تحت الحمراء لاستخدامها في عمليات الانتشار الجوية والبرية والبحرية.
وبشكل عام، وقّعت الشركاتُ الكورية الجنوبية صفقات تزيد قيمتها على 8 مليارات دولار لتزويد عملاء في جنوب شرق آسيا بأنظمة دفاعية معقدة، مثل الغواصات والمقاتلات النفاثة، وفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن. ولكن هناك المزيد الذي ينبغي القيام به. إذ ما زال القطاع يعتمد بشكل كبير على الخبرة الأجنبية، بما في ذلك التكنولوجيا المستوردة التي تستخدم في أنظمة الصواريخ والتوجيه. كما أن محركات طائراتها المقاتلة المصنوعة محلياً تأتي من الولايات المتحدة.
والواقع أن هذه المشكلة ليست عصية عن الحل. فقبل عشرين عاما فقط، كانت كوريا الجنوبية في مستوى الولايات المتحدة واليابان وتايوان نفسه في مجال أشباه الموصلات والإلكترونيات؛ ولكنها تمكنت الآن من اللحاق بمعظم هذه الدول وتجاوزها. وتتمثل خطوتها التالية في استغلال هذا الزخم التكنولوجي وتطبيقه على صناعة الأسلحة العالمية، التي سيكون هناك دائماً طلب عليها.
*نقلاً عن صحيفة الإتحاد *