لم تتفق دول الاتحاد الأوروبي بعد على سياسةٍ موحدة للتعامل مع قضية اللجوء والهجرة. كل ما أمكنها التوصل إليه يتعلق بمسائل جزئية، ولا يُعد أساساً لسياسةٍ كلية، مثل ميثاق الهجرة الذي اعتُمد في يونيو الماضي.
مازالت الإجراءات الأحادية التي تنفذها كل دولة حسب ظروفها غالبةً في التعامل مع هذا الملف، والذي صار أحد أكثر الملفات إثارةً لقلق الأوروبيين، وحيرتهم أيضاً. وفي تداخل القلق والحيرة ما يدلُ على مدى تعقيد الملف الذي يضعهم في مأزقٍ كبير.
وربما نجد أهم تجليات هذا المأزق في التعارض بين حاجة كثيرٍ من الدول الأوروبية إلى مهاجرين لملء فراغٍ يَنتج عن تناقص عدد السكان، وخوفها من تدفق أعداد كبيرة من طالبي اللجوء الذين لا تجدُ بينهم غير القليل ممن تحتاجهم أسواقُ العمل. وفي هذا التدفق غير المنضبط، حين يحدث، ما يُمثل عبئاً يُفاقم أزمتي التضخم والطاقة اللتين تؤرقان بلدان الاتحاد حالياً.
لقد أصبح تناقص عدد السكان أحدَ المعطيات الثابتة في معظم هذه البلدان، إذ بلغ متوسط معدل الخصوبة فيها نحو 1.53 مولود لكل سيدة، في حين أن المتوسط اللازم لمعادلة أعداد الوفيات يجب أن يكون 2.1 مولود لكي يبقى عدد السكان كما هو. ويقل معدل الخصوبة عن هذا المتوسط في عددٍ من البلدان مثل إسبانيا (1.23 مولود)، وإيطاليا (1.26 مولود)، والبرتغال (1.27 مولود)، واليونان (1.28 مولود)، وألمانيا (1.32 مولود). ويعود هذا التناقص إلى نوعين من الأسباب، يتعلق أولهما بالتطور الذي حدث في الثقافة المجتمعية، حيث يزداد الميل إلى الاكتفاء بمولودٍ واحد أو اثنين، في الوقت الذي يقل فيه الإقبال على الزواج بشكلٍ مطرد.
أما النوع الثاني فيرتبط بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مثل عدم الاستقرار الوظيفي نتيجةَ التوسع في عقود العمل المؤقتة، وبالتالي القلق من إنجاب عدد أكبر من الأطفال. ورغم أن هذا التناقص السكاني يتطلب استقبالَ طالبي لجوء ومنحهم تصاريحَ إقامة وعمل، إلا أن تدفقهم العشوائي بأعدادٍ كبيرة يجعلهم مشكلةً وليس حلاً أو جزءاً من حل، إذ يقلُ بينهم عدد مَن يعملون في مجالاتٍ وتخصصات مطلوبة، فيما يزيد عدد من لا يُجيدون أعمالاً نافعة.
وهذا ما حدث في العام الماضي، الذي كان معدل دخول طالبي اللجوء إلى دول الاتحاد خلاله هو الأعلى منذ عام 2016، حسب تقدير وكالة الحدود الأوروبية Frontex، التي سجَّلت دخول نحو 330 ألفاً طلبوا منحَهم حقَّ اللجوء.
وقد تبين أن مَن تحتاجهم أسواقُ العمل في بلدان الاتحاد يمثلون نسبةً محدودةً جداً بينهم، رغم أن هذه الأسواق تحتاج إلى أعدادٍ كبيرة، كما هو الحال في ألمانيا مثلاً. ومع ذلك لم تستطع دول الاتحاد التوافق على سياسةٍ موحدة لتنظيم عمليتي اللجوء والهجرة بطريقةٍ تفيد في تجاوز هذا المأزق. ولهذا تستمر حيرة الأوروبيين تجاه قضية اللجوء والهجرة، وقلقهم أيضاً.
**نقلاًعن صحيفة الإتحاد