«شئتم أم أبيتم، التاريخ فى صالحنا، وسوف ندفنكم»، هكذا تكلم الزعيم السوفيتى الأسبق نيكيتا خرشوف، عن أعداء روسيا المفترضين فى الماضى، استعارها دميترى مدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومى الروسى فى رده على سماح الغرب لأوكرانيا بضرب القرم!
كتب مدفيديف على تطبيق تليجرام: «إنه أمر محزن مع الأسف، فإن نهاية العالم تقترب»، يعنى أن من حق روسيا أن تهاجم الجميع، وكل دولة معادية على حدة، وهذا يعنى حربا نووية ينتهى معها العالم.
يبدو أن الرجل غارق فى عالم قديم يراه آتيا من المجهول، فهو يقتبس من العهد الجديد، تحديدا من سفر الرؤيا ليوحنا الإنجيلى عن نهاية العالم، ومقولات من لينين، الزعيم التاريخى للاتحاد السوفيتى، والمنظر والفيلسوف الماركسى القديم.
استعارة الماضى، الدينى والفلسفى، حالة متكررة عند مدفيديف منذ اندلاع الحرب الأوكرانية – الروسية، فى الرابع والعشرين من فبراير 2022، فالرجل الذى كان رئيسا سابقا، ورئيسا للوزراء، ويحتل مكانة نائب رئيس الأمن القومى الروسي، لا يتكلم من فراغ، فهو يرى أن الحرب النووية تقترب، ومعها ينتهى العالم الذى نعرفه الآن.
هل هذا تهديد أم تخويف من مصير مظلم؟ وهل يبحث مدفيديف عن عاقل رشيد حكيم فى الغرب يمنع هذا الانفجار العظيم المرتقب؟ ولماذا يستخدم تعبير ولاية “ستيبان بانديرا” بدلا من أوكرانيا؟
لاشك أن مدفيديف يحتل موقعا رسميا، وتصريحاته وخطاباته النارية تلك هى انعكاس للموقف الروسى الرسمى، ويجب أن تؤخذ على محمل الجدية، وسيكون خطأ فادحا لو نظرنا إليها بوصفها تصريحات إعلامية، أو حربا نفسية، فالرئيس الروسى فلاديمير بوتين: قال إنه لا يمكن أن نتصور وجود عالم ونظام دولى دون روسيا، وهو نفس المعنى الذى يعنيه مدفيديف فى كل تصريحاته الخشنة الصريحة.
من جانب آخر، إنه يعيد كلماته الواضحة تلك بأساليب مختلفة، يهدد ويتوعد، لعله يجد من يسمع ويعى، ويتخذ قرارا بالسلام قبل لحظات من “نهاية العالم”.
ثمة أصوات غربية مثل هنرى كيسنجر، وزير خارجية أمريكا التاريخى، ونيقولا ساركوزى رئيس فرنسا الأسبق، تطالب بالنظر إلى حاجة روسيا فى الأمن، وعدم الاحتكاك المباشر بالقرب من حدودها، وتقترح أن تكون أوكرانيا بلدا محايدا، مع الاعتراف بأن منطقة القرم وغيرها أراض روسية.
أما استخدامه الدائم لتعبير ولاية”ستيبان بانديرا”، فهو يعنى ذلك الرجل الأوكرانى القومى، الذى اغتاله الاتحاد السوفيتى، برش سم السيانيد عليه فى العاصمة الألمانية ميونخ فى ذلك الوقت من عام 1959، ويدعى ستيبان بانديرا.
بعض الأوكرانيين يعتبرونه بطلا قوميا داعيا إلى استقلال أوكرانيا، وبعضهم الآخر يعتبره متعاونا مع النازية، وهو بالفعل تعاون مع ألمانيا النازية ضد الاتحاد السوفيتى، وحارب البولنديين، وكان مسئولا عن مذابح المدنيين البولنديين، ثم اختلف مع الرايخ الثالث بقيادة هتلر، وتحول إلى بريطانيا، وأصبح تحت حمايتها، وهكذا كان اسمه يتردد فى البرقيات السرية، حتى تم اغتياله على يد عميل روسى يدعى بوهدان ستاشينسكى.
كان بانديرا مؤثرا فى تاريخ أوكرانيا، ولديه أتباع، كانوا مسئولين عن الاحتجاجات ضد الرئيس الأسبق يانكوفيتش، الذى كان قد ألغى مرسوما جمهوريا سابقا يعتبره بطلا قوميا، فاندلعت الاحتجاجات الملونة، تلك الاحتجاجات التى أطلق عليها الغرب ”ثورة الميدان” ورعتها دول أوروبا الغربية، ودعمتها أمريكا فى سياق إدمانها لحالة الثورات الملونة.
فهل ستجد تهديدات أو نداءات مدفيديف بنهاية العالم، صدى فى واشنطن وعواصم الناتو الغربية، أم نبوءته الأسطورية ستتحقق وينتهى العالم؟
نتمنى إلا تتحقق هذه النبوءة، ونجد عاقلا يمنع الإنزلاق إلى النهاية.
**نقلاً عن بوابة الأهرام