ذكر عن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنه كان له مجلس علم يُعقدكل يوم بالمسجد النبوي -على صاحبه أفضل الصلاة والسلام- كما تعقد المجالس العلمية لكثير من المشائخ في المسجد ذاته كل يوم، وفي يوم من الأيام جاءه أحد الطلاب -بعد انتهاءه من إلقاء درسه- فقال يا شيخ عبد العزيز، هل تأذن لي بسؤال؟ فقال الشيخ: نعم تفضّل، فقال الطالب: يا شيخ أنت رئيس الجامعة الإسلامية وشيخ مشائخها، وقد رأيت بعض مجالس العلم لبعض المشائخ يحضرها طلاب أكثر مما يحضر مجلسك، فما السبب!، فأجابه الشيخ رحمه الله بقوله يابني: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، فاكتفى بذلك الجواب، وكان هو الجواب الكافي الشافي بحق، فالرضى بما كتب الله للإنسان هو سر سعادته، وليعلم كل أحد أنه قد يفتح الله عليه بأمر ما، لا يفتح به على غيره، ويفتح على غيره بأمر ما، لا يفتح عليه به هو، فليس للإنسان إلا أن يرضى بما كتبه الله واختاره له، وأن يستثمر فيما وهبه الله، ولا يرهق نفسه بما ليس له، وبذلك سيجد إن شاء الله الراحة والسعادة والعون والتوفيق، لأنه استسلم لأمر الله أولا، ثم لأنه باشر أمرا ذلل الله السبيل إليه، وجعله من نصيبه، وهذا هو شأن العاقل الفطن الذكي، يريح نفسه، ويجنبها العنت والإرهاق، ويَسْلَم من متاعب هو في غنى عنها، وقد قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: كما في حديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن ؟ ) قلت : أنا يا رسول الله ! فأخذ يدي فعدَّ خمسا ، وذكر منها: وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ) رواه أحمد، والترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
ولا يعنى الرضا بما قَسَمَه الله وكَتَبَه تَركُ بذل الأسباب لاكتساب مهارات جديدة، أو تعلُّم علوم نافعة، أو التعرُّف على طرق وأساليب لجني الأرباح، بل القصد أن تبذل كل الأسباب المتاحة لجلب أنواع الخير الكثيرة، وبذل كل سببٍ يمكن الوصول إليه لغرض تحقيق الغاية المرجوَّة، والاستفادة من كل المتاحات التي هيَّأَها الله تعالى ويسَّرها، ثم والاطمئنان لاختيار الله تعالى، واستغلاله الاستغلال الأمثل، واليقين بأنه الخير كل الخير.
قال الشاعر:
الـرِّضـا يـخفِّف أثقا لي * * * ويُلقي على المآسي سُدولا
والـذي أُلـهـم الـرِّضا لا تراهُ *** أبـدَ الـدهـر حـاسداً أو عَذولا
أنـا راضٍ بـكـل مـا كتب الله *** ومُـزْجٍ إلـيـه حَـمْـداً جَزيلا
أنـا راضٍ بـكل صِنفٍ من النا سِ * * * لـئـيـمـاً ألـفيتُه أو نبيلا
لـسـتُ أخـشـى من اللئيم أذاه *** لا، ولـن أسـألَ الـنـبيلَ فتيلا
ضلَّ من يحسب الرضا عن هَوان *** أو يـراه عـلـى الـنِّفاق دليلا
فـالـرضا نعمةٌ من الله لم يسعـد * * * بـهـا في العباد إلا القليلا
والـرضـا آيـةُ البراءة والإيــ * * * ـمان بالله نـاصـراً ووكـيلا
عـلـمـتني الحياةُ أنَّ لها طعـ* * * ـمَين، مُـراً، وسائغاً معسولا
فـتـعـوَّدتُ حـالَـتَـيْها قريراً *** وألـفـتُ الـتـغـيير والتبديلا
فـذلـيـلٌ بالأمس صار عزيزاً *** وعـزيـزٌ بـالأمس صار ذليلا
ولـقـد يـنـهض العليلُ سليماً *** ولـقـد يـسـقـطُ السليمُ عليلا
عـلـمـتني الحياة أني إن عشـ* * *ـتُ لـنفسي أعِشْ حقيراً هزيلا
عـلـمـتـنـي الحياةُ أنيَ مهما *** أتـعـلَّـمْ فـلا أزالُ جَهولا