مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
التدين والحركات الدينية
التدين والحركات الدينية ـ د. رفيق حبيب


د. رفيق حبيب (المصريون)
: بتاريخ 10 - 2 - 2009
العلاقة بين التدين وانتشاره في المجتمع والانتماء إلى الحركات الدينية، علاقة متغيرة أخذت أشكالا مختلفة في المجتمع المصري، عبر العقود الماضية، وهي العقود التي شهدت ظاهرة الإحياء الديني. وعموما تتنوع علاقة التدين والانتماء للحركات الدينية، بين تزايد الرابط الذي يجعل من الانتماء للحركة الدينية وكأنه شرط مهم للتدين، وما بين فك الروابط بين التدين وبين الانتماء للحركات الدينية، حيث يصبح بعض المتدينين يميلون إلى الارتباط بالحركات الدينية، والبعض الآخر لا يميل لذلك. وفي كل الأحوال، تمثل العلاقة بين التدين والحركات الدينية، مؤشرا على دور الدين في المجتمع، والمرحلة التي تصل لها ظاهرة الإحياء الديني، ومدى التفاعل بين الرؤى الدينية السائدة في المجتمع، وتلك الرؤى السائدة لدى الحركات الدينية، وأثر هذا التفاعل. ونعتقد أن العلاقة بين تصورات المجتمع الدينية وتصورات الحركات الدينية، والتفاعل الحادث بينهما، هو أهم ما في هذه الظاهرة، وهو جانب له تأثيره الكبير على مستقبل ظاهرة الإحياء الديني، وبالتالي على مستقبل الحركة الإسلامية، ومستقبل مشروعها للإصلاح والتغيير.
وبالنظر إلى سبعينات القرن العشرين، وهي الفترة التي شهدت ميلاد عملية الإحياء الديني، يمكنا ملاحظة قدر التنوع والاختلاف الحادث في تلك الفترة بين العديد من الاتجاهات والتيارات الدينية، والتي كانت تبدو متعارضة أو مختلفة، وكان بعض منها يذهب مذاهب في الفكر والرؤية، تصل إلى حد الغلو أحيانا. وهذا الأمر نراه واضحا بالنسبة للحركات الإسلامية والمسيحية على حد سواء. وقد ظهر هذا المشهد، وهو قيام حركات دينية متعددة ومختلفة، في بيئة مجتمعية كانت تميل لنوع من التفكك، وكانت تبدو في ذلك الوقت وكأنها مؤهلة لعملية تغريب واسعة. أي أن الحركات الدينية نشأت في مجتمع يغيب الدين نسبيا، وفي بعض المساحات ولدى البعض، ولا نقول أنه يغيبه كليا، فهذا غير صحيح. وكانت تلك الحركات دعوة للمجتمع ليغير موقفه، أي أنها مثلت دعوة الإحياء الديني للمجتمع، والتي تدعو المجتمع لتغيير موقفه الأساسي من الدين. وبهذا يبدو التقابل واضح بين تلك الحركات والحالة العامة للمجتمع في ذلك الوقت.
وكان ظهور مجموعات أو حركات دينية، تحمل فكرة الإحياء الديني وتدعو المجتمع للعودة إلى الدين، يمثل الملامح الأولى لظاهرة الإحياء الديني، والتي تمثلت في دعوة المجتمع للعودة إلى هويته الأصلية. وكان المجتمع يميل عموما للبحث عن هويته، وإلى اللجوء للدين. فكانت الحركات الدينية، بمختلف اتجاهاتها، تمثل الإجابة على تلك الحاجة المجتمعية. فالغالب أن تلك الحركات لم تصنع ظاهرة الإحياء الديني، ولكنها ظهرت كنتاج لظروف مجتمعية مهدت لظهور الإحياء الديني، وتمثلت تلك الظروف في حاجة مجتمعية عامة للجوء للدين، بوصفه منبع الهوية في المجتمع المصري. ولهذا نتصور أن الحركات والاتجاهات الدينية الناشئة في ذلك الوقت، كانت المحرك العملي لعملية الإحياء الديني. وظلت هذه الظاهرة لفترة من الزمن، ولكن مظاهر أخرى باتت تتشكل مع الوقت، وهي تلك الظواهر المتمثلة في انتشار التدين عموما في المجتمع المصري. وبهذا يمكن ملاحظة مدى انتشار التدين بسبب الحركات الدينية، أو من خلال الانتماء لها، ثم نلاحظ مدى توسع ظاهرة انتشار التدين خارج إطار الحركات الدينية، وهو في تصورنا ظاهرة طبيعية، بل هو النتاج النهائي لعملية الإحياء الديني.
وانتشار التدين يحدث من خلال الانتماء لحركة دينية ثم تركها، أو التأثر بحركة دينية في مراحل معينة من العمر، كما يحدث بسبب توسع حالة الإحياء الديني نفسها، والتي تتحول إلى حالة عامة، تشمل حركات ومجموعات، كما تشمل المؤسسة الدينية نفسها، وتشمل أيضا رجال الوعظ والدعوة. ولا يمكن تصور استمرار انتشار عملية الإحياء الديني داخل الحركات الدينية فقط. بمعنى أن الانتماء لحركات معينة، يمثل حالة خاصة لفئة من الناس، أو حالة ترتبط بمرحلة عمرية معينة، أو ترتبط بالفترة التي ارتبطت فيها عملية الإحياء الديني، بالحركات أو المجموعات التي بدأت تلك العملية. ويلاحظ أيضا، أن دور كل الفاعلين في عملية الإحياء الديني، يتمثل في دعوة المجتمع للتمسك بالدين، مما يترتب عليه انتشار التمسك بالدين في نطاق أوسع من حدود الرموز والمجموعات والحركات الفاعلة في عملية الإحياء الديني. ويمثل هذا في الواقع نجاحا لحركات الإحياء الديني، لأن فكرتها لم تعد قاصرة على أعضائها، بل توسعت وشملت غالب المجتمع. وعليه نتوقع أن المنتمين لعملية الإحياء الديني في البداية أقل عددا من المنتمين لتلك العملية مع بداية القرن الحادي والعشرين. وهنا يلاحظ أن استيعاب الحركات الدينية للعضوية محدود، ولا يمكن أن يستوعب غالب المجتمع في حركات دينية، ولا يمكن أن يحدث هذا لغالب الناس في أغلب الوقت. ولهذا يمكن النظر إلى حالة التدين في سبعينات القرن الماضي، فنجد أنها تتركز أكثر في الحركات الدينية، أما الآن فنجدها حالة عامة للمجتمع. وفي خلال تلك العملية، يلاحظ استمرار بعض الحركات في الوجود الفاعل مع تزايد عضويتها، وغياب حركات أخرى، وظهور حركات جديدة. فيصبح غالب الناس منتمون لحالة التدين العام، وبعض منهم منتمي للحركات الدينية.
نظن أن هذا هو التطور الاجتماعي الطبيعي، والذي يجعل حالة التدين حالة عامة في المجتمع، مما يجعل الاتجاهات الدينية المختلفة تظهر لدى عامة الناس، وبهذا تصبح مرجعية الدين متمثلة أساسا في المجتمع، وليس في الحركات الدينية، مما يجعل المجتمع هو المرجعية العليا للدين. وهذا هو الوضع الصحيح، والذي يجعل على الحركات الدينية نشر فكرتها بين الناس، ولكن يجعل المرجعية المتفق عليها تتشكل داخل المجتمع، من خلال ما ينتشر بين أغلب الناس. وبهذا تتشكل مرجعية المجتمع وهويته الحضارية والدينية، والتي تمثل الإطار الحاكم. وكلما اتفقت مرجعية حركة دينية مع المرجعية السائدة في المجتمع، كلما كانت تلك الحركة هي الممثلة للمرجعية العامة للمجتمع، وأصبحت تمثل الطليعة المعبرة عن المجتمع.
عن: المصريون
أضافة تعليق