مع بدئه فترة رئاسية ثانية : جوكوي يواجه تحديات اقتصادية وبيئية وقانونية و حراكا انفصاليا
جاكرتا- صهيب جاسم
ارتبط يوم العشرين من أكتوبر منذ عشرين عاما بأداء الروؤساء الإندونيسيين اليمين الدستورية، أي منذ التحول الديمقراطي الذي بدأت مسيرته الثانية عام 1998، فالرئيس الإندوينسي الأسبق عبد الرحمن وحيد تسلم الرئاسة في هذا التاريخ عام 1999، وكذلك الرئيس السادس سوسيلو بامبانغ يوديونو عام 2004 وجدد له عام 2009، ثم تسلم الرئيس جوكوي الرئاسة عام 2014.
واليوم ( 20/10/2019) أدى الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو ( المشهور باسم جوكوي ) اليمين الدستورية لفترة رئاسية ثانية ومعه نائبه معروف أمين ( 76 عاما ) رئيس مجلس العلماء الإندونيسي والقيادي في جمعية نهضة العلماء وهو البرلماني السابق في حزبي التنمية المتحدة والنهضة القومية، بعد أن قضى نائبه الحالي السياسي ورجل الأعمال المعروف يوسف كالا ( 77 عاما) فترتين كنائب للرئيس إحداها مع الرئيس الأسبق يوديونو.
تراجع لشعبية جوكوي
يأتي هذا بعد مسار انتخابي استمر عامين قد يكون الأطول زمنا في ديمقراطيات العالم، فالمرشحون في الانتخابات التشريعية التي تزامن الإقتراع فيها مع الرئاسية يوم 17 أبريل الماضي بدأوا التسجيل للترشح وما تلا ذلك من إجراءات في أكتوبر من عام 2017، بينما سجل المرشحون للرئاسة أنفسهم وبدأوا بعد ذلك الحملات الدعائية قبل 14 شهرا، من ذلك 40 يوما قضاها العاملون في فرز الأصوات وعدها حتى أعلنت مفوضية الإنتخابات الإندونيسية فوز جوكوي بفترة رئاسية ثانية بنسبة 55.5% من الأصوات ( 85.6 مليون صوت ) مقابل حصول المرشح المعارض برابوو سوبيانتو على 44.5% ( 68.6 مليون صوت ).
واللافت أن وحدة الأبحاث في صحيفة كومباس إحدى اشهر الصحف الإندونيسية أجرت استطلاعا للرأي نشرت نتائجه قبل يومين يظهر أن مستوى قبول ورضا الشارع الإندونيسي على أداء الرئيس جوكوي هي 58.8% بزيادة طفيفة عما حصل عليه في اقتراع أبريل الماضي، مع تراجع مستمر لشعبيته من ذروتها –حسب استطلاعات صحيفة كومباس- حينما بلغت 72% في أبريل الماضي، وهذا يذكر بالانقسام المجتمعي الواضح الذي برز خلال فترة الإنتخابات وما بعدها واتهامات المعارضة بحدوث تلاعب أو وقوع أخطاء في العملية الإنتخابية وسجلات الناخبين.
معارضة ضعيفة ؟
لكن موجة غضب التيار المعارض انتهت بقبول قادة المعارضة بقرار المحكمة الدستورية في يونيو الماضي- رغم كل الجدل الذي دار حوله، حيث رفضت طعون المعارضة كلها وثبتت فوز جوكوي، ليتجه معظم قادة المعارضة إلى التصالح مع الرئيس جوكوي ووقف المواجهة، بل إن جوكوي يسعى لكسب أحزاب المعارضة كلها بمناصب وزارية وهو ما أزعج حلفاءه من الأحزاب التي دعمته في الحملة الإنتخابية على اعتبار أن ذلك سيقلل من نصيب كل حزب في التركيبة الوزارية التي يفترض الإعلان عنها خلال أيام.
هذا المشهد دفع صحيفة تمبو الليبرالية وفي كلمتها التحريرية قبل أيام – رغم ميلها في شهور سابقة للرئيس جوكوي- إلى وصف التركيبة الوزارية المرتقبة بـ"التحالف المميت للمعارضة"، معتبرة سعي جوكوي لاحتواء كل المعارضين لهو مؤشر سلبي بالنسبة للحياة الديمقراطية مؤكدة على حاجة النظام الديمقراطي لمعارضة قوية تراقب وتوازن وتحاسب وتنتقد لا أن يكون البرلمان مثنيا ومادحا للحكومة، وتسود فيه الأقلية الغنية المسيطرة على حد قول محرر الصحيفة.
حراك انفصالي وتراجع النمو وإشكالات بيئية
ويواجه الرئيس جوكوي مطلع فترته الرئاسية الثانية عددا من التحديات التي تتزايد حدتها، حسب تقديرات عديدة، وأول تلك التحديات وأحدثها ظهورا صعود صوت التيار الإنفصالي في إقليم بابوا وبابوا الغربية عبر ما يعرف بالحركة المتحدة لتحرير بابوا الغربية التي تنشط خارج البلاد، ومن خلال ذراعها المحلية المعروفة باسم الهيئة الوطنية لبابوا الغربية وما يتبعها مما يسمى بمنظمة استقلال بابوا، التي تطالب بإجراء استفتاء لتقرير مصير بابوا وحتى بالإنفصال، ووهو ما يجد تأييدا من أصوات في دول غربية وباسيفيكية.
ويمثل هذا أخطر تهديد لوحدة إندونيسيا خلال 15 عاما أي منذ انتهاء النزاع الإنفصالي المسلح في إقليم آتشيه عند وقوع كارثة التسونامي عام 2004، بل إن حالة بابوا تبدو أوسع خطورة من آتشيه حيث إن مساحة إقليمي بابوا وبابوا الغربية تشكل نحو 22% من مساحة البلاد، ولهذا يطالب قادة بابويون وغيرهم من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات في مختلف جزر إندونيسيا الحكومة بالإسراع في احتواء التوتر في بابوا التي شهدت أعمال عنف وشغب متقطعة تجددت موجتها خلال الشهرين الماضيين و راح ضحيتها العشرات وأُحرقت خلالها منازل ومبان في عدة بلدات، وهناك دعوات وحالة من الترقب لإجراء حوار شامل ووفاق ومصالحة وطنية تلامس آثارها كل فئات المجتمع البابوي.
تراجع النمو والديون قاربت 400 مليار دولار
اقتصاديا تشير توقعات محلية ودولية إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي لإندونيسيا العام المقبل إلى نحو 5% حسب توقعات صندوق النقد الدولي الصادرة الأسبوع الماضي، وتكاد تماثل تقديرات البنك الدولي ومصرف التنمية الآسيوي التي راجعت نسب نمو الإقتصاد الإندونيسي والعالمي في بيانات متتالية الأسبوع الماضي، بل إن نائب الرئيس يوسف كالا الذي انتهت ولايته يوم أمس اعتبر تحدي تراجع النمو الإقتصادي الأصعب بالنسبة للرئيس جوكوي خلال فترته الثانية (2019-2024) مشيرا إلى أن مؤشرات الإقتصاد العالمي والحرب التجارية بين الولايات المتحدة و الصين وكذلك النزاعات والتوترات المستمرة في العالم العربي كلها تدفعه إلى عدم التفاؤل وتوقع أن يكون العامان 2019 و 2020 صعبين اقتصاديا وقال في تصريحات صحفية:" كنا نسعى لنمو بنسبة 7% لكن ما حققناه هو 5% فقط".
ويرتبط بذلك الأرقام الصادرة عن مصرف إندونيسيا المركزي الشهر الماضي التي تشير إلى ارتفاع الديون الخارجية لإندونيسيا لمستوى غير مسبوق، حيث بلغت 395.3 مليار دولار أمريكي مع منتصف شهر يوليو الماضي، نصفها تقريبا ديون حكومية ( 194.5 مليار دولار) وبقية القروض على القطاع الخاص، لكن وهو ما يمثل 36.2 من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.
هذا رغم الإنجازات التي تتحدث عنها المصادر الرسمية مثل ارتفاع في حجم الاستثمارات في بعض المجالات الزراعية، وإطلاق مبادرات للتأمين الصحي والإجتماعي ومشاريع تنمية القرى، وأهم ما أنجزته الحكومة الحالية اهتمامها بمشاريع البنية التحتية الجديدة منها أو إكمال ما بدأه الرئيس السابق يوديونو، مثل مد طرق في مناطق حدودية بطول 3194 كم، وطرق برية سريعة بطول 1387 كم، وخطوط سكك حديدية للقطارات بطول 812 كم، وتشييد 136 ميناء ومرفأً بحريا، و15 مطارا، و65 سدا وبحيرة مياه، وإنجاز شبكة الفايبر أوبتيك بطول 12 ألف كيلومتر للبث الهاتفي والشبكي بين الجزر الإندونيسية.
حرائق تتجد وتلوث بيئي وجفاف يتفاقهم
وهناك قضايا بيئية يعيشها عشرات الملايين من الإندونيسيين اليوم، أبرزها الجفاف بسبب ندرة الأمطار الذي أدى إلى شح المياه في كثير من محافظات البلاد، مع طول أمد موسم الجفاف هذا العام لقرابة ستة أشهر في سابقة لم تشهده البلاد منذ سنوات طويلة، الأمر الذي أدى إلى سهولة اشتعال الحرائق أو إشعالها عمدا لأهداف تجارية وانتاجية في جزيرتي كاليمنتان وسومطرا، ملتهمة حتى يوم أمس 328 ألف هكتار حسب أرقام اللجنة الوطنية للتعامل مع آثار الكوارث.
وهي بذلك ثاني أكبر موجة حرائق تشهدها إندونيسيا خلال عهد جوكوي، حيث التهمت الحرائق 2.7 مليون هتكارمن الغابات والغطاء الأخضر بين شهري يوليو وأكتوبر من عام 2015، حسب أرقام هيئة الفضاء والطيران الإندونيسية، وكانت من من أوسع الحرائق وأسرعها خلال العقود الماضية.
ويذكر ناشطون بيئيون مثل العاملين في منظمة والهي لحماية البيئة بأنه طالما ارتبط حرق الغابات المتعمد بزراعتها لاحقا من قبل شركات إنتاج زيت النخيل، وهو ما أسهم في عائد مادي جيد لأصحاب تلك الشركات لكنه عاد بالتلوث البيئي وارتفاع درجة الحرارة و وجفاف مصادر المياه الجوفية بالنسبة لسكان الأرياف المحيطة بمزارع زيت النخيل.
ويضاف إلى كل ذلك ومع إعلان الرئيس جوكوي عزمه على نقل العاصمة من جاكرتا إلى شرقي جزيرة كالمينتان فإن منظمات بيئية طرحت تساؤلات كثيرة حول النظر إلى عامل الحفاظ على البيئة عند تشييد العاصمة الجديدة وكيف يمكن أن يضر ذلك بمساحات خضراء في محافظتين بشرقي كالمينتان.
مطالب الحراك الطلابي وسيطرة الأقلية الثرية
قانونيا تتزايد مطالب الحراك الطلابي خلال الأسابيع الماضية – وهو الأبرز منذ نحو عقدين- بإصدار قرار رئاسي يلغي أو يعدل قانون مكافحة الفساد المعدل الذي أقر في نهاية الدورة التشريعية السابقة للبرلمان الشهر الماضي، والذي يصفه قادة الحراك الطلابي وخبراء قانونين بأنه أضعف دور هيئة مكافحة الفساد.
ويلاحظ ارتفاع حالات الفساد المالي والإداري خلال السنوات الماضية بين المسؤولين المحليين – من حكام أقاليم ومحافظين وولاة مدن وأعضاء مجالس تشريعية وغيرهم- من 62 حالة عام 2015 إلى 260 حالة العام الماضي، ونحو ستين قضية خلال النصف الأول من هذا العام، هذا إلى جانب مطالب طلابية بعدم إقرار عدد من التعديلات القانونية ومسودات قوانين هي قيد البحث أمام البرلمان الجديد لما تحويه من فقرات مثيرة للجدل والنقد الشعبي والطلابي، حيث تمس الحريات وملكية الأراضي والمعادن والأمن السايبري وحقوق العمال وغير ذلك، والمطالبة بإشراك فئات المجتمع المختلفة في حوار حول تلك التعديلات ومشاريع القوانين الجديدة.
كما يطالب الطلاب في حراكهم الحالي الذي يظهر للشارع في مظاهرات متقطعة بوقف ملاحقة وتجريم الناشطين من معارضين وطلبة وغيرهم، وإجراء تحقيق كامل في الانتهاكات الحقوقية في إقليمي بابوا وبابوا الغربية بل وفي كل قضايا انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى بما في ذلك مقتل عدد من الطلبة في مظاهرات بعدد من المدن، ومحاكمة كل المتورطين في التسبب في كوارث بيئية بسبب الاستغلال المفرط للغابات.
بل إن "تحالف المجتمع المدني" في لقاء لنشطائه الأسبوع الماضي أصدر نداء تحذيريا من أن الديمقراطية الإندونيسية خلال السنوات الخمسة الماضية من عهد الرئيس جوكوي قد شهدت ترسيخا لقوة الأقلية الغنية المؤثرة في إدارة الدولة والعملية الإنتخابية، وانتقد التحالف قانون الإنتخابات المعمول به حاليا، والعنف الذي قوبل به الصحفيون أو أصحاب الرأي الناقد، ومساعي البرلمان والحكومة الحالية إلى إجراء تعديل في الدستور لإعادة العمل بما يعرف بتوجهات الدولة.