انتقلت الحركة الإسلامية في اليمن عام 1990م من حركة دعوية تعمل في مجال التعليم والوعظ والإرشاد, الى حزب سياسي مدني, وكان ذلك الانتقال السريع والمفاجئ يمثل تحولا كبيرا في بنية الحركة. فعدد من القضايا الفكرية الطارئة على الحياة السياسية اليمنية بالكامل, لم تأخذ حظها من النقاش كمفهوم الديمقراطية وكل ما يتصل بها, ولم تكن هذه مشكلة الإصلاح وحده, بل مشكلة الدولة والنظام أيضا, بمن فيه حزب المؤتمر والاشتراكي أيضا شركاء الوحدة.
لقد انبثق حزب التجمع اليمني للإصلاح في 13سبتمبر/ أيلول 1990م من هذا الفضاء الجديد, وكانت المساحة الدعوية - حينها - غالبة على مساره, وهذا طبيعي جداً بسبب البيئة التي عمل فيها لسنوات, يضاف إليه طبيعة الانتقال ذاتها, كما أن رجال الدعوة تحولوا - مع هذا الانتقال السريع- الى رجال سياسة.
بدأ الإصلاح كحزب سياسي يتقدم خطوات إلى الأمام, ويرشد مساره السياسي والثقافي والفكري نفسه بنفسه, ورغم أن التحول من الدعوة نحو الحياة المدنية والسياسية كان بطيئاً -حسب المفكر الإصلاحي محمد قحطان-, إلا أن الإصلاح كانت خطواته مدروسة, وينفتح شيئاً فشيئا على الحياة السياسية, ويلاحظ ذلك كل متابع بإنصاف, ابتداءً من الموقف من الديمقراطية, مروراً بالفنون ومن الحريات العامة والخاصة, ومن مفهوم المعارضة السياسية, ومن المرأة, وصولاً الى تبني مفهوم الدولة المدنية - أو مقاربات في هذا الجانب - والتي عكست رؤاه في مؤتمر الحوار الوطني ذلك بوضوح.
تعرض الإصلاح خلال مسيرته السياسية الفريدة, لعمليات تشويه واستهداف لا حدود لها, بالتشكيك تارة وبالاغتيال المعنوي تارات أخرى, وزايدت عليه أغلب القوى السياسية داخل البلاد, تربع النظام السابق على رأس الهرم في الاستهداف وخاصة في العقدين الأخيرين, وأثبتت الأيام خطأهم جميعاً. فالإصلاح يتطور ويتقدم باستمرار، وهذه باتت حقيقة لا يستطيع أن ينفيها احد, في اللحظة التي يتراجع فيها الموقف الحزبي لدى أحزاب ومكونات وشخصيات أخرى, كانت الى الأمس تزايد على الحزب بأنه تقليدي وماضوي, ولا يؤمن بقيم الديمقراطية ولا بمفاهيم الدولة المدنية..الخ
صحيح أن الإصلاح لم يصل الى الطور المنشود الذي يتطلع إليه كوادره ومحبوه وأنصاره والمعجبون به, والمراقبون له, إلا أن ذلك لن يعفيه من استحقاقات التغيير والتي يتحين الحزب أقرب فرصة لعقد مؤتمره الخامس, والذي يعول الجميع عليه آمالا عريضة قيادة وقواعد.
وخلال السنوات الماضية قطع الإصلاح أشواطاً كبيرة في التحديث الفكري والثقافي والسياسي, داخل أطره التنظيمية, وعلى مستوى مساره الثقافي والسياسي, وقدم تجارب سياسية ناضجة على مستوى الداخل والخارج, ولولا أن الأحداث الجارية في البلاد دفعته الى مربعات الدفاع عن الوطن ومواجهة الانقلاب, لكان الحزب قد أنجز الكثير, وتفرغ لذاته, واستمر في التحديث بشكل أعمق, والذي بات يؤمن به كواقع لا فكاك عنه.ِ