مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2018/02/14 11:44
الإعلام العربي طبخة غربية بتوابل عربية والمتسمم الهوية الإسلامية(جـ3)
بقلم الأستاذ الكاتب عباس أعومري.
كاتب في الفكر الإسلامي.
    نعود مرة أخرى في جزئنا الثالث لنفكك الطبخة التي نحوم حولها بل إن رائحتها تتعقبنا ليل نهار فهي تنام معنا وتختلي بنا بل و تسلبنا عقولنا ومشاعرنا فهاهي قصعة الطبخة الإجتماعية وهاي طبخة القصعة الإقتصادية ومن هناك قصعة الطبخة السياسية ولعل هذه الطبخة تجسدت بشكل كبير في الخطابات السياسية خاصة في دول الربيع العربي من خلال ذلك الغياب الشبه تام لمفهوم التعايش بين الأيديولوجيات المختلفة فهذا يكفر هذا وذاك يقتل هذا لدواع وأسباب لا علاقة لها لا بالدين و لا بالإنسانية وقد ظهر ذلك بشكل كبير في الثورة المصرية في المنابر الإعلامية التي عجت بهذه الخطب المحرضة على كره واقصاء تيار الاخوان المسلمين بعدما تم الاحتفاء بهم أيما احتفاء اول صعودهم للسلطة وهو ما أدى إلى الخروج عن مسار الانسانية لتدخل تلك الثورة في متاهات سفك الدماء والتخريب، لتفقد بعدها تلك الثورة المباركة كل مقومات النهوض بالبلاد كل هذا قام بتغذيته الاعلام الذي لا يم بأي صلة لأخلاقيات العمل الإعلامي الذي تتحكم فيه أياد خفية لا تود الخير للأمة العربية وهو إن دل على شيء فإنما يدل على فقدان ثقافة الأمة بمجتمعاتنا العربية، فالأمة كما يراها المؤرخ والفيلسوف الفرنسي ارنست رينان Renan Ernest  (1823_1892) في محاضرته التي ألقاها سنة 1882 تحت عنوان "ماهي الأمة ؟" قائلا بأن الأمة هي: "تضامن قوي يكمن محتواه في الإحساس بالتضحيات التي حققناها أو في تلك التي نحن على استعداد لتحقيقها. فهي تفترض وجود ماض وتختزل في الحاضر من خلال واقع ملموس يتمثل في الاتفاق، والرغبة الواضحة في التعبير عن حياة مشتركة دائمة"(3).
    إذن  أمام هذا الخطاب نقف على مدى فقداننا لذلك التضامن بين أفراد المجتمع ذاك التضامن الذي عبر عنه رسولنا الأكرم انه إذا اشتك عضو ببلاد المشرق تداع له عضور من بلاد المغرب لا بل كامل الأعضاء تهب له مفزوعة مذعورة تلبي نجدته، فرغم الكثير من الشهداء الذين قدموا دمائهم قربانا لهذه الثورة المباركة وقد شاهدنا ذلك عبر مختلف وسائل الإعلام، إلا أنه بعد حين دخلنا في صراع ودوامة القتل والنهب متناسينا بأن هناك أمرا أكبر يجمعنا وهو الوطن الذي يختزل تاريخا عريقا مفعما بالتنوع الثقافي البناء من مسلمين ومسيحيين كل هذا ذهب مهب الريح لتعلو بدل ذلك صوت الخطابات الأيديولوجية المدمرة لقيم المواطنة والتعايش كل هذا بايعاز من وسائل العلام الهدامة التي مازالت لحد اليوم تشجع على الحقد و الكره لكل ما يمت للإخوان المسلمين بصلة.
    فغياب ثقافة الأمة على اختلاف طوائفها وتونع توجهات أصحابها يعتبر أبرز الأسباب التي زادت من انتشار ثقافة التخريب والتفرقة وعدم تقبل بعضنا لبعض فنحن أمام مرحلة تاريخية تعكس مدى تغلغل الصراع الحضاري والثقافي داخل نسيج بنية مجتمعاتنا العربية، وهو ما تجلى على مستوى الخطابات السياسية التي تقوم بتغذيتها مختلف وسائل الإعلام تحت غطاء الاستشراق الاعلامي الجديد المحكوم بشيفرة الصراع الإيديولوجي الذي تديره قوى الشر العالمية فكنا نحن كمى الكرغوز نتحرك على خشبة المسرح وفق أهواء الايادي الخفية من الخارج لا بل أن الامر تعدى مرحلة الأهواء الخارجية فقد أصبحنا نستمتع بما نحن عليه و راضين به تمام الرضى نتيجة تغلغل تلك الشفرات المروجة عبر مختلف وسائل الإعلام.
    فأدى ذلك إلى ما أدى إليه من خراب في دول الربيع العربي فما  "تعيشه الأمة العربية في ظروف العولمة والنظام العالمي الجديد، وبالذات منذ أوائل عقد التسعينات للقرن الماضي هو محاولة افراغ قصري لمخزون ذاكرة الأمة...فغياب أو فقدان الذاكرة الجمعية عند الأمم والشعوب طوعا أو قسرا من الممكن أن يقود إلى اضطرابات خطيرة وحادة"(4) . وهو حال ما نشهده من انسداد تاريخي وتشويه عمدي لتاريخ الأمة العربية الإسلامية، فمن يكتبون التاريخ الحقيقي بدمائهم عاشوا على هامش الحياة ولا زالوا كذلك والامثلة كثيرة و متنوعة في هذا الصدد لعل أبرزهم الشيخ العلامة سيد قطب حينما تم التنكيل به على الملأ لكن كلمته الاخيرة وهو يشارف على الموت اثر اعدامه حينما قال له الرجل تشهد فرد عليه في مام معناه اننا نحن دفعنا حياتنا لأجل إعلائها فبهت الرجل و لم يجد ما يقول غير ان يعم الصمت داخله لترتفع روحه في السماء عالية رحمة الله عليه.
   ليصبح اثر ذلك أشهر من نار على علم فانتشرت أقواله بين الناس انتشار النار في الهشيم بل باتت مختلف وسائل الإعلام تنشره هنا و هناك لعل أبرز هذه الأقوال قوله:" "وليست الحياة بعدد السنين ولكنها بعدد المشاعر … لأن الحياة ليست شيئا آخر غير شعور الإنسان بالحياة" فضلا عن مقولة: "إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية"  هكذا يموت العظماء ويخلدهم التاريخ الحقيقي لا المزيف، في حين يبرز على ساحاته كأبطال من كانوا له خائنين، كل هذا يطبخ على نار هادئة في الإعلام ليصبحوا أعلامًا تاريخية وقدوات للشباب من خلال التلميع المستمر لصورهم في الإعلام مصورين إياهم على أنهم أبطال حفظهم التاريخ في حين أن الحقيقة المغيبة عكس ذلك تماما.
 
 

أضافة تعليق