بقلم الأستاذ الكاتب عباس أعومري.
باحث في الفكر الإسلامي.
كلنا منذ الصغر كنا ولازلنا لحد الآن نجلس أمام تلك الشاشات لنشاهد تلك الرسوم المتحركة التي لطالما أبهرتنا بذاك الشاب الشجاع المغوار الذي يدافع عن المظلومين حسب ما صور لنا كلنا عشنا أيام سنان وعالم لوز وسكر وغيرها من الرسوم المتحركة القليلة التوجيه الأيديولوجي إن لم تكن خالية تماما، يمر الزمن قليلا وتظهر الرسوم المتحركة الجديدة المشبعة بالخطابات العدائية الحاثة على العنف لا بل المتنافية تماما مع قيمنا وهويتها الإسلامية ...لا بل تتعدى ذلك بأشواط كبيرة لتخالف ما فطر عليه الإنسان بطبعه والسياق هنا يبق مفتوح على مختلف التأويلات والتحليلات لما يتلقاه أطفالنا يوميا من رسائل مشفرة تنسف قيما وتزرع قيما أخرى تماما.. نذهب قليلا لعالم المسلسلات فها هن الفتيات اجتمعنا على مسلسلهن المفضل والحديث يزداد حرارة حول ذاك الشاب الوسيم أبو شعر ناعم والذي تتهافت عليه الفتيات من كل صوب وحدب في حين أن الصورة مجرد لقطة خيالية نسجها لنا وهم وزيف الإعلام من خلال خطابات تسوق وتروج لبيع الوهم لفتياتنا وشبابنا المغرر بعقولهم.
إذن هي هكذا الطبخة يتم إعدادها على مهل فكثيرة تلك الملابسات الخفية التي تطرحها البهارات والتي تكتنف هذه الشيفرة لا بل مجموعة الشفرات المتغلغلة في نسيج بنية الخطابات الإعلامية، فميكانيزمات تشكلها وزرعها ماثلة أمامنا، عملاً على التخريب والتدمير الاستراتيجي والخلاق للفكر والهوية الإسلامية، فرسوم الكرتون كالسوبرمان الذي يهيم فيه أطفالنا حبا والفتاة باربي وكل ما يمت بصلة للديجتال تعج بإيحاءات جنسية تغرس في أذهان أطفالنا، بل وصل الأمر إلى حد التشكيك في كثير من المعتقدات الدينية الأساسية يتلقاها يوميًا أطفالنا فأي صلة لذلك الرجل السوبرماني بهويتنا وهو يمثل الخليفة الذي صاغه نيتشه في نظريته الموهومة في ان الله قد أعلن تخليه على الإنسان آن أوان الرجل الغربي أو الرجل الأبيض كما يسمونه ليكون مسؤولا عن البشر في الأرض... !!!، أيعقل أن هذه الطبخة يتم تغذية عقول أطفالنا بها من حيث لا ندري، فيتم العصف بهوية الأمة من داخل بيوتنا من خلال تلك الصور الذهنية التي يتلقاها أطفالنا يوميًا لتعشش بأذهانهم وتنمو مشكلة ثقافة ذاك الطفل فيصير شابًا فرجلاً فكهلا وهو على تلك الصور والايحاءات التي غرست فيه منذ الصغر لتكون نموذجه الفكري الذي يقرر خياراته المصيرية ونظرته للحياة عامة.
إن الحديث عن الإعلام في عصرنا اليوم سواء الصحافة المكتوبة أو مختلف الأدوات الإعلامية الأخرى أحد أبرز السلط التي تمارس نوعا من الدكتاتورية إن جاز التعبير على عقول البشر وتوجيهها وفق معطيات معينة وقد ساهم كل هذا في الحراك السياسي والمعرفي طوال مسيرة ثقافتنا العربية ايجابا وسلبا منذ أن وجدت هذه المنابر الإعلامية ليكون لها الدور الفاعل في الخاطب السياسي ولعل ثورات الربيع العربي أبرز شاهد على ذلك حيث امتزجت الخطابات بنوع من الفبركة أحيانا والتزييف الفاضح أحايين أخرى لتنشر أخبارا كاذبة وزائفة، إنها بشكل أدق عبارة عن مرآة تعكس ذاك التشوه الفاضح لعلاقة المعرفي بالسياسي الموجه من خلال هذه الوسائل الاستعمارية خدمة لمصالح جهات معينة لا بل تعكس مدى عفونة تلك الطبخة في أعماقها وهنا تبرز تلك القضية التي طفت على السطح الأيام الفارطة و هاد قد بدت تخبو جذوتها ولعلها في طريقها إلى ان تنسى و العياذ بالله كما نسيت الاندلس الحديث يا سادة عن أقدس مقدساتنا القضية الفلسطينية فهاهي الطبخة تعد على مهل منذ زمن بعيد فنذكر كلنا كيف كان يقال بالإعلام مثلا ارتقاء عدد كذا من الشهداء...بعدها بسنوات أستبدل المصطلح ليصبح سهود عدد من الضحايا ليتم تجاهل قدسية الشهيد بعد سيناريوهات كثيرة وارتفاع لفاعلية البهارات أصبح الحديث عن دولة إسرائيل التي كانت سابقا تلقب بالكيان الصهيوني... !!! لتمح كلمة فلسطين من الخارطة وتستبدل بكلمة تلك الجرثومة التي تنخر أعمام هويتنا "اسرائيل" لتكون الطبخة في أعلى مستويات تسميمها لعقولنا واحكاما للسيطرة على هذه الأنفس الضعيفة مثلما أحكمت القبضة على تلك الانفس أيام سقوط الاندلس والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم في ظل هذه التحولات العالمية الخطيرة تجاه الأقصى هل ستكون القدس أندلسا أخرى... !!!.
لقد أحدثت هذه الوسائل الإعلامية بما تملكه من سلطة ظاهرة وخفية العديد من المشاكل والأزمات بين الدول وهو ما أذكى الصراعات العدائية بين الشعوب والحكومات وهو ما أدى بدوره إلى خلق نوع من القلق العميق ولذلك صرح آدام مشنك: "إني خائف من عالم قد تحكمه عقلانية بدون حدود وثقافة بدون مقدس، لأن ذلك معناه عالم بلا أخلاقية وبلا ثقافة"(1). أمام هذا الخطاب الذي يدعون وبصدق للقلق ودق ناقوس الخطر عن ما وصل له العالم العربي من فتن طائفية تقوم بتغطيتها وسائل اعلامية لا علاقة لها بالمصداقية وأبجديات الأخلاق الاعلامية لا من قريب أو بعيد كون القائمين على ادارتها أغلبهم يعملون وفق ايديولوجية معينة يسممون عقولنا بتلك البهارات السامة المتداولة بأياد عربية فلا يملكون الوعي الكافي بحقيقة المجريات الحاصلة بدولنا العربية فهم مثلهم مثل مريض في غيبوبة فهو يهذي ببعض الكلمات منها الصحيح ومنها الخاطئ، فكلاهما لا يوصل الحقيقة التي تبق دومًا مخفية عن الجمهور المغشي على بصره إن لم تكن بصيرته قد طمست ليدخل شبابنا بشكل خاص في دوامة تغذيها تلك الخطابات الأيديولوجية المغرضة ودائما المتسمم الهوية الإسلامية التي تشهد غزوا رهيبا على الصعيد الإعلامي.