بقلم الأستاذ الكاتب عباس أعومري.
كاتب في الفكر الإسلامي.
نعود في جزئنا الثاني من المقال لنكشف من جديد عن ملابسات أكثر خطورة وأعمق تجذرا في بنية مجتمعاتنا الإسلامية نتيجة خطورة ذاك التسمم الذي لم نجد له الترياق المناسب إلى اليوم أو بالأحرى تهنا عنه وهو بين أيدينا وامام أعيننا، فها هي طبخة نظرية الغرس الثقافي ببهاراتها الفواحة تضرب بأطنابها أعماق الهوية الإسلامية من خلال "زرع وتنمية مكونات معرفية ونفسية تقوم بها مصادر المعلومات والخبرة لدى من يتعرض لها، وقد أصبح مصطلح الغرس منذ منتصف السبعينيات يرتبط بالنظرية التي تحاول تفسير الآثار الاجتماعية والمعرفية لوسائل الإعلام وبخاصة التليفزيون، والغرس حالة خاصة من عملية أوسع هي التنشئة الاجتماعية وتعتبر عملية الغرس نوع من التعلم العرضي الناتج عن التعرض لوسائل الاتصال الجماهيرية وخاصة التليفزيون، حيث يتعرف الجمهور على حقائق الواقع الاجتماعي نتيجة التعرض لوسائل الاتصال، كما أن مداومة التعرض لوسائل الإعلام ولاسيما التليفزيون لفترات طويلة تنمي لدى المشاهد اعتقاداً بأن العالم الذي يراه على شاشة التليفزيون ما هو إلا صورة مماثلة للعالم الواقعي الذي يعيش فيه"(2).
فالإعلام يشكل عالم افتراضي يوجه المنظومات الفكرية والاجتماعية كيفما شاء، بل وقد يصل الأمر حد إيهام الشعوب بأمر ما ليس له وجود بالأساس ولعل هنا تبرز بأذهاننا العديد من الذكريات لعل أبرزها ايهام العالم بأن الرئيس الراحل صدام حسين رحمة الله عليه يمتلك أسلحة دمار شامل ليصوره لنا الإعلام بأنه ذاك البعبع الذي سيأكل الأخضر و اليابس إن لم نوقفه عند حده حتى صرنا نراه وكانه خليفة هتلر في حين أن كل ذلك التهويل الإعلامي ما هو إلا طبخة غربية طبخت بها عقولنا على مهل لتمرر بعض السياسات والأجندات الصهيوأمريكية فبتحليل عميق لبواطن وفلسفات أسباب ذاك الغزو نجدها ضاربة في الفلسفة الدينية للصهيونية العالمية المتعلقة بما يسمونه بجبل الذهب عندهم المعروفة في أدبيات طائفة "الميسوديت" التي قليل هم الذين يعرفون بأن جورج بوش الابن ينتمي لها بل يعتبر الابن المدلل لهم !!!
فالدوائر السياسية التي تتحكم فيها برديغمات عنصرية هناك تتعلق كلها بتلك البذور الدينية الحاقدة على كل ما يمت للإسلام بصلة فقدوا وجدوا حسب الدراسات التي أقاموها بأن تلك العوالم الوهمية التي تؤمن بها طائفة الميسوديت تنطبق كليا على دولة العراق الشقيقة لذلك عثو فيها فسادا وخرابا بعدما كانت دولة العراق دولة الحضارة والأمن والأمان، فلا نستغرب من كل هذه البهارات التي تفعل بالعراق من فتن طائفية وقتل باسم الاسلام وغيرها في حين أن الإسلام كم كل هذا براء وانما شدة قوة تلك الطبخة والادوات المكونة لك أوجدت ردة فعل عدائية وهو أمر طبيعي عاكس لتلك السياسات الاستعلائية الفوقية المترجمة للمركزية الغربية Central Western وجنون العظمة عند قادة الغرب الذين أفنوا حياتهم لإعداد وجبات التسميم لعقولنا بل وصلوا حد التفنن في اعداد تلك الطبخات ضربا و تفكيكا لهويتنا الإسلامية.
قد يقول البعض أننا نأمن بنظرية المؤامرة التي يوصم بها كوصمة مذمة كل من يتحدث في هذه الأمور بأن ذلك مطية الضعفاء لتبرير ما هو حاصل وإعفاء النفس من المسؤولية تجاه ما هو حاصل، لكن يا سادة فلتعلموا أن جبل الذهب هذا ايمان راسخ وشديد الرسوخ عند طائفة الميسوديت وقد فجر الموضوع الكاتب المصري المعروف مصطفى بكري كاشفا عن الملابسات الحقيقية لاحتلال العراق مزيلا بذلك اللثام عن حقائق مخفية أماق تلك الطبخة المزركشة والمطلية من الخارج بطلاء ساحر شهي جاذب للعقول وسالبا للألباب فرحنا نلهث اشتهاء لتلك الطبخة العفنة، فالعراق يا قوم احتلت جزءا كبيرا من أدبيات الميسوديت حيث يرون بأن المسيح سيخرج للعالم وهو محاط بالذهب من كل جانب فهذا الذهب حسب ما يؤمنون به قريب جدا من أرشليم كما يزعمون وحينما ننظر بالكمرا من زاوية معينة بحيث نستقطب كامل الزوايا من الأعلى نقف كلنا على طبيعة نسق وسير الأحداث على حقيقتها دون زيف ذاك الطلاء الكاذب.
فنجد أن الطريق يعبد لذلك تدريجيا بعد أن تم تخريب العراق هاهو الابن المدلل الآخر للصهيونية العالمية ترامب يعلنها صراحة بأن القدس عاصمة "اسرائيل" ذاك الكيان الذي لا علاقة له ببيت المقدس تمهيدا لقيام الاقتتال العنيف الذين سيكون حسبهم في العراق ويتم طبخه على مهل عبر تجهيز العقول بتفعيل لنظرية الغرس الثقافي بداية بالأطفال عبر تلك الرسوم التي تسلب لب عقول اطفالنا يوميا في حين غفلة من الأم بدعوى أتركيه يشاهد التلفزيون ولا يزعجنا بصراخه وبكائه، وهي لو علمت ما يبث من ايحاءات هناك لبكت دما لا دموعا على ما يحصل لفلذة كبدها، لكن هيهات وتلك الخطابات تحاصرنا من طل جانب ورائحة الطبخة تتعقبنا في طل مكان وزمان.
فتلك البهارات الشديدة الفعالية المكونة لها تزرع المعتقدات وتشكل النماذج الفكرية لتلك الطبخة الهلامية لصناعة الأوهام في تلك الشخصيات التي يحتفي بها الشباب ويتخذها قدوات لهم بداية من رمبو ووصولا لمهند فضلا عن السوبرمان الذي يعشقه أطفالنا حد الثمالة، وغالبا ما تكون تلك الأنماط الثقافية المبثوثة هدامة ومخالفة للهوية الإسلامية الصحيحة مشبعة بمعاني العنف والغلو والتطرف فينتشر ذلك في المجتمع تدريجيا بطريقة القوة الناعمة التي لطالما تكلم عنها المنظر الأول لها جوزاف ناي Joseph Ny (19 يناير 1937) المفكر استراتيجي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد العالمية، فها هو رمبو وها هو مهند وها هو بريسلي وها هو ألبتشينو الذي يراه شبابنا كأنه النجم الثاقب الذي لا يأفل بريقه وصار النموذج الأول لهم خاصة مع تعالي أصوات ما اصطلح عليه ب"الحرقة"...وغيرهم من النماذج السينمائية الكثير والكثير فما رمبو أو مهند أو ألبتشينو هذا إلا هالات إعلامية خداعة تم استغلالهم في لحظات تلفزيونية لتمرير الخطاب وأكل المتلقي المغلوب على أمره الطبخة المسمومة لا غير.
كلها نماذج مرت علينا وفعلت فعلها بأذهاننا فأكلنا الطبخة حتى التخمة بل صرنا نطلب الاستزادة من نماذج جينفر انستون ومهند وعمار وبريسلي لإشباع رغبات زائفة في حين أن هويتنا نتيجة ذلك تسمم تدريجيا وتنسف على مهل، فكثيرا ما سمعنا بطلاق هذه وضرب تلك لا بل قتل تلك كلها نتيجة ذاك الزيف الاعلامي المصور في لحظة يقال بأنها رومنسية وهم بعيدين كل البعد عن الرومنسية الحقيقية التي جسدها حبيبنا عليه الصلاة والسلام فها هو مهند يمثل هناك ليتم نسف بيوت هنا، وتزداد البهارات فعالية أكثر لنسمع عن القتل نتيجة التأثر بتلك الشخصيات الكرتونية وبعدها شخصيات تمثيلية في أفلام تروج لخطابات فكرية زائفة تعكس قمة العبث الذي وصل إليه الإنسان الغربي الفاقد لله في حياته ولا يعرف أي غذاء لروحه فلا يبحث إلا عن الطبخات المتعفنة ليرضي ليسد بها جوعه للحظة ويموت جوعا للحظات كثيرة بعدها.