بقلم الكاتبة :مها المحمدي
قد يُقيم السؤال ويُقعد في اليوم ألف مرة ومرة ، لماذا نحاسب ؟ ومن نحاسب ؟ لمَ نغفل ؟ وكيف نغفل ؟ !
لماذا لم نضن بالسؤال ؟ ونجمع استفساراته قطرة قطرة وندخره ساقية ، عندها نستطيع أن نَقول ، أن نُجيب على كل الأسئلة ، فنقوى على الرمز كما نقوى على الإفصاح فنستدبر ضِيقاً ونستقبل سِعة .
سأل رجل عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – أن يُوصيه ويَعظه ، فقال :
إذا أردت أمراً فتدبر عاقبته فإن كان رشداً فامضهِ ، وإن كان غَياً فانته عنه .
وحديث الغفلة والمحاسبة إرهاف للجانب الأخلاقي من كيان الإنسان ، لا لخلق أنواع من الكراهيات ، بل هو النزوع والنزول إلى الأعماق ومسح ظواهر اللامبالاة والخيبات ، إنه خلق حالة روحية هي إلى الخوف أقرب من الاضطراب ،ومن استباق الوقائع النفسية الدقيقة. الخوف من الحساب يوم الحساب حين يكون الحسيب سبحانه وتعالى الفصل في كل المُختلف عليه .
المحاسبة هذه الكلمة واحدة من الكلمات التي أضاع الناس معناها الصحيح أو بالأصح أضاعوا قيمتها ، هي من وسائل الثبات في مشاريع وأعمال إن لم يكن للإشتهاءات الحادة ، والحماسات الملحة والأشواق الملتهبة للصعود ، للتحليق ، لبلوغ أعلى الذرى فليس ثم ثبات .
وحاطب الليل عمله مهما بلغ من الدقة والمهارة والضبط والمعرفة لابد للغفلة من تلبس به فيطرح ظرفاً ويغفل عاملاً ، أو يسهو عن سبب ، أو يجهل موقفاً فتنهار جميع حساباته وتأتي الحوادث فتكشف خطأه عابثة بكل ما عدّ وحسب درس !
كيف تجدنا في كتاب الله عز وجل ؟ يقصد التوراة
سؤال المُلهم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لكعب الأحبار
فقال : ويل لديان الأرض من ديان السماء ، فضربه بالدرة وقال : إلا من حاسب نفسه.
فقال له كعب : والله يا أمير المؤمنين إنها إلى جنبها في التوراة وما بينهما حرف !، إلا من حاسب نفسها .
إنما يخف الحساب يوم القيامة على أقوام حاسبوا أنفسهم في دنياهم ، ويشق الحساب على أقوام أخذوا هذا الأمر بدون محاسبة .
أن يكون المرء وقّاف ، قوام على نفسه أولاً وعلى غيره بعد ذلك ، يستثمر حاسة المقارنات ، والمفارقات ، والعلاقات القائمة بين المعلومات والوقائع ، وعلى الأخص علاقات التلاحق والأسباب والمسببات ، فهذا سلم المجد وتحقيق المآثر والآثار فتمتد به الحياة فكأنما يغلب الموت ويقهر الفناء ، يحيا خلال الزمن وأبعاد الفضاء في كل زمان ومكان فينتهي إلى المجد والرفعة والخلود .
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٢٨١﴾ البقرة