توزعت مواقف الدول الغربية وتنوعت على ما يجري في الشرق الأوسط فكانت بين شامتٍ وساخرٍ ومتفرج، دولاً تتصارع، تحترب، تتفكك، دولاً ظلت طريقها وعميت عن مكامن الأخطار المحدقة بها فذهبت تبحث عن أعداء وهميين لا وجود لهم إلا في الخيال، دولاً تحارب باستراتيجيات الوهم ومفهوم استعراض القوة النابعة من عقلية الغاب وتركب سفن السياسة مهيضة الشراع معطلة البوصلة فظلت الوجهة وفقدت الاتجاه.
حُورِبَ الزعيم جمال عبد الناصر مؤسس حركات القوميين العرب بطريقة وحشية من كل قوى الغرب لأنه كان الصوت الحر في عصره الذي آمن أنه لا يمكن أن يكون الوطن حراً إلا إذا كان المواطن حراً متحرراً من كل قيود الاستغلال والتسلط، فكان الداعم لكل حركات التحرر ضد الاحتلال والأنظمة المتخلفة وكان أحد مؤسسي حركة عدم الانحياز، ولأنه كان كذلك عاداه الغرب وعلى رأسهم رأس حربتهم وربيبتهم إسرائيل في الشرق الاوسط طوال مرحلة حكمه.
أغتيل الملك فيصل بن عبدالعزيز لأنه ناهض الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وبكى ظلم الفلسطينيين بحرقة وحرارة ورفض الانتظار لصحوة الضمير العالمي والارتهان لأكاذيبه ودعا إلى استخدام سلاح النفط للضغط على كل القوى التي تقف وراء الصهيونية العالمية حكومات وشركات.
حُورِبَ الرئيس صدام حسين مهندس إحياء الأمة العربية تاريخاً وديناً وتراث، لأنه مثل الشخصية القوية للإنسان العربي وحمل مشروع السيادة والكرامة الوطنية ووقف على عتبات بوابة الشرق العربي ليصد المد الفارسي الساعي لإعادة امبراطورية فارس المتستر بأغطية الدين الإسلامي والتي لم يكتشفها العرب إلا بعد أن رحل صدام حسين ووصلت كرة النار الإيرانية إلى كل بلد عربي، صدام الرجُل الداعم للقضايا العربية المنادي بحرية فلسطين من النهر الى البحر.
والآن أتى الدور على حركة الاخوان المسلمين، لماذا يتم وضعها اليوم على رأس قائمة الأعداء والحرب عليها داخليا علناً وخارجياً من تحت الطاولة؟ وبصرف النظر عن الانتماءات الحزبية والدينية والتمذهب، هل من حق الكتَّاب تحديداً المحايدين في كتاباتهم الموضوعيين في أطروحاتهم التطرق لموضوع الحرب الموجهة ضد جماعة الاخوان المسلمين من كل الاتجاهات شاملةً جوها وبحرها والبر انطلاقاً من المسؤولية الأخلاقية وتحقيقاً لمبادئ الأمانة العلمية؟
هل الكتابة ومناقشة هذا الموضوع صار جريمة كبرى يعاقب عليها القانون! عند بعض الأنظمة دون سواها من باقي الشعوب العربية، الشرقية والغربية، المسيحية واللادينية، الهندوسية والبوذية وحتى الكونفوشيوسية؟
إذا ما اتخذت دولةً ما قراراً يتساوق مع موقف من مواقف تلك الحكومات، بلا شك دوافعه إيعاز وتأثير من الأنظمة المعادية لتلك الجماعة والذين هم في الأصل أعراب العرق مسلمي الديانة على مذهب أهل السنة والجماعة مذهب 95% من مسلمي العالم مؤمنين بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله الذي يؤمن به كل مسلم معتقدين به دستوراً ومنهجا، الداعي للسلم الرافض للحرب، المحرم للغش والكذب وانتهاك حقوق الانسان، المتبني للعلم المؤسس الأول لمبادئ مكارم الاخلاق، المنادية بإقامة حكم ديموقراطي عادل يتم تحقيقه بطرق ديموقراطية حرة وشفافة يؤسس للتداول السلمي للسلطة ويحقق رغبة الجماهير المتطلعة إلى حياة آمنة، حرة وكريمة.
حركة حماس المحاصرة والتي تمثل جل الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال الإسرائيلي وفقاً لكل القوانين الدولية والشرائع السماوية، والمدافعة عن الأرض والعرض، تعاقب بالحصار في أراضيها وتلاحق قياداتها وتعاقب الدول الداعمة لها بجريرة أنها فقط امتداداً افتراضياً لحركة الاخوان المسلمين المصرية، وماذا لو كانت حركة عربية قومية بعثية أو يسارية تحمل نفس الهدف؟ بالتأكيد سيمارس عليها نفس الظلم وسيطبق عليها نفس الحصار، نعم لأن الهدف الرئيس هو إطفاء روح المقاومة التي تسعى للتخلص من الهيمنة وطرد الاحتلال.
ترُكت ْكل الحركات الراديكالية الدينية واللادينية تسرح وتمرح وتقتل وتنسف وتهدم وتسجن في كل اتجاه في اليمن وليبيا والعراق والشام، وتم غض الطرف عن الصوفية التي تداهن وتفتي، والشيعية التي تقتل وتعذب وتصنع السلاح وتصدر وتجمع الأموال وتمول الحروب في كل مكان، تُركت كلها واتجهت السهام إلى جماعة الاخوان المسلمين التي تمثل الإسلام الوسطي والتي لم تسعَ يوماً لامتلاك مصنعاً للسلاح أو مخزناً للذخائر ولم تمتلك مصدراً للعيش أو بئر نفط تخلق به الفوضى وتثير من خلاله النعرات الطائفة والعرقية والمذهبية في أية قارةٍ أو أي بلد!
والحقيقة أنه لم يخل أي نظام أو دولة أو جماعة لها طموحاتها السياسية والاقتصادية والسيادية والنفوذ من الإرهاب والتطرف، بداية بشيخ العالم أمريكا وانتهاءً بعصابات قطاع الطرق في بلاد المحرومين من أبسط مقومات الحياة جراء إرهاب الدولة كبر حجمها أوقل شأن أياديها وخيوطها.
ما يجري في عصر النظام العالمي الجديد هو ممارسة إرهاب الدول الكبرى على الدول الصغرى التي تلعب دور محاربة الإرهاب بالوكالة ضد من تشاء وعلى من تراه مهدداً لأمنها ومصالحها، أو حاملاً لفكرة الاستقلال والتحرر من ربقة الاستعمار الساعي لبناء دولته على أرضه بعيداً عن الوصاية والتدخل في صناعة قرارها السياسي والتحكم بمصير حاضره ومستقبله.
ما يجب علينا كعرب أن ندركه الآن أن عبد الناصر لم يُحارب كقائد قومي بل لأنه كان فكرة تحرر ومشروع استقلال، ولم يتم محاربة صدام حسين كزعيم عربي فحسب بل لأنه كان مشروع رفض للهيمنة الفارسية الاقليمية والأجنبية الغربية تحت أي غطاء، ولم توجه حراب العداء إلى جماعة الاخوان المسلمين اليوم لأنها جماعة راديكالية متطرفة بحسب المزاعم والأكاذيب بل لأنها الوجه الحضاري الممثل للإسلام السياسي الوسطي المتنور المنطلق من عقيدة الأمة وتاريخها، الوجه الحضاري الباحث عن مشروع بناء الدولة المدنية الذي يصون ثروات الأمة ويدافع عن مقدساتها ويحمي حماها ومحارمها.