مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الصخرة
العيش في ظل القهر يُعلم الإنسان كيف يعيش بلا رأس ، والعيش تحت الفقر يعلمه عيش الحشرة.

ومع الانسحاق تنتفي إمكانية الاختيار، وتنعدم القدرة على اتخاذ القرار، لا يعود بوسع المرء إلا أن يكون ذلك المنسحق المقهور،الذي يختار له قاهره كل شئ ،يختار له الفكرة،والموقف،الوظيفة السكن، الطريق، وسيلة النقل، اللقمة اللباس، الكتاب،المدرسة ، حيز الوجود والحركة، مستوي المشاركة ،سقف الحرية، لون الجدار ،الصورة المعلقة ،الكلمة الصالحة ، الإدانة، التهمة،الحكم ،السجن ، الميتة ،القبر

لا يعود بوسعك التطلع إلى شئ أو عمل أي شئ ، لا يعود بوسعك سوى العيش متشيئاً تحت القهر، تحت الفقر، تحت الرعب ، تحت الكارثة ، تحت الصخرة.

هي الحكاية : تشبه تماماً حكاية قرية سيئة الحظ وجدت نفسها نائمةً تحت صخرةٍ متجهمة تربض في الأعالي مهددةً متوعدة.

في البدء رآها أهل القرية حامية تقيهم السيل ولفح الشموس الحارقة ، لم يفكروا بما يمكن أن يفعله طول البقاء،وبما يمكن أن تفعله عوامل التعرية

لم يحسبوا أنها ستصير مهدد حياتهم الكبير

كان بإمكانهم تحريكها بعيداً، لكنهم لم يفعلوا، كان بإمكانهم تفتيتها، لكنهم لم يفعلوا، كل ما فعلوه أنهم استكانوا ورضخوا للعيش تحت التهديد ، ظلت الصخرة تهوى عليهم ليل نهار، قلقاً وخوفاً،وكوابيس مرعبة،ظلت الصخرة تكبر في رؤوسهم في صدورهم صاروا يقيمون لها الموالد كي تظل ثابتة،راحوا يتطلعون إليها بخوف أصبحت الصخرة حزباً ، حكومةً ،صارت حاكمة ، غدت مزاراً،أضحت رمزاً، ووجدت القرية نفسها على هامش الصخرة مكرسةً لخدمتها طوال الوقت

صارت الصخرة سيدة الصورة ومليكة الحضور عالية فوق كل الرؤوس الخفيضة.

أضحى للصخرة سدنة وأتباع، شعراء ،مغنون ، كتب وكتاب، وصحائف تسطر مناقبها ومآثرها ،وسائل إعلام مصخرة،حراس صخريون وأجهزة حارسة ومخبرون،عيون وأذان مطبقة تتصنت وتلتقط ما يدور من همس بين الدور، للصخرة سلطة مطلقة وقوانين قدت من صخر، تحرم لمسها والمساس بها تحضر انتقادها تجرم تحريكها ولو على صعيد الحلم،’’صخرتنا إلى الأبد’’ خيارنا الوحيد ممثل القرية الأوحد، الحارس الأمين، هي من وحد القرية وحمتها من الانجراف في فترات ساحقة،هي عنوان المجد والعزة والكبرياء والأنفة.

غدت الصخرة من ثوابت القرية،صارت هي القرية، هي الناس،هي التاريخ والعراقة والأصالة هي الحدث والحديث،الخطب والخطبة، لها الأساطير الممجدة لها البقاء وللقرية تحتها عيش العصور الحجرية.

صار للصخرة أعداء ومعارضون يشككون في ديمقراطيتها وينعتونها بالجمود مازالوا هدفاً للرجم والإنكار.

التقارير تشير الى خطورة وضع الصخرة تؤكد انهيارها الوشيك، لكن القرية تبدو غير مكترثة لطول عيشها تحت الكارثة،لاتبالي بالتوقعات لطول رضوخها للقهر الواقع.

التقارير تشير إلى خطورة الوضع، إلى أهمية تحريك الصخرة ودحرجتها إلى أسفل، النداءات المحذرة تستصرخ القرية ان تتحرك الآن،ان تكسر مخاوفها قبل أن تقع اللعنة على الرؤؤس المتحجرة.

أضافة تعليق