مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/09/16 20:01
مقتطفات من كتاب عروبة الفكر و الثقافة أولا
مقتطفات من كتاب
عروبة الفكر و الثقافة أولا

كنت أبحث عن كتاب في حقوق الانسان لأنقل فكرة تدوين معاهدات حفظ الحقوق في الأزمات الدولية  ،فاذا بي أجد على رف مكتبة البيت كتاب شدني عنوانه " عروبة الفكر و الثقافة أولا" للأديب الجزائري  الدكتور المرحوم  عبد الله الركيبي و الذي طبع سنة 1986 بالمؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر ، فتجاهلت سبب بحثي الأول و اخذت أقرأ آخر صفحة من غلاف الكتاب و التي شدت انتباهي لفكر المؤلف و جرأته في وضع الخطوط على كل كلمة قيلت خطأ أو تحديا لواقع الأدب و الفكر ، فكان أن قرأت ما كتبه المؤلف في غلاف الكتاب قائلا :
ان الاستعمار بعد أن خرج بجنوده أراد أن يبقي فكره و تبقى ثقافته و آراءه ، و لا نغالي اذا قلنا ان هذه ظاهرة عامة في كافة البلدان التي ابتليت بالاستعمار في العصر الحديث، لكنها في الجزائر و المغرب العربي عامة ،اتخذت طابعا منظما مدروسا تسنده جهات رسمية تخطط و تعمل له بدأب لإبقاء الفكر و الثقافة الأجنبيتين بدعوى التفتح و المعاصرة ، و ما الى ذلك من الصيغ التي تحمل في ظاهرها الرحمة و في باطنها العذاب...

كما أشار المؤلف في احدى صفحات الكتاب الى أن آفاق الوحدة في نهاية القرن تبدو لنا أقرب من حبل الوريد ليس فقط لأن الايمان بها وحده يكفي و انما الظروف ستجبر العرب على الوحدة:
أولا : لأن العصر عصر تكتل ثقافيا و اقتصاديا و سياسيا و حضاريا و عسكريا.
ثانيا: لأن قضية فلسطين بحسب رأي المؤلف ستلعب دورا رئيسيا في دفع أقطار العرب نحو الوحدة و الا فسيقع لها مثلما وقع لفلسطين،  فالصهيونية لن تكتفي بما أخذت و انما هي تعد و تخطط لتلتهم أجزاء أخرى ،لذلك فان الوحدة أمر حتمي في السنوات القادمة يفرضها الدفاع عن النفس و الحفاظ على الوجود للفرد و الأمة معا.
 
و يتصور أن بدايات القرن القادم بداية لعلم عربي واحد يخفق فوق هذه المساحة الشاسعة التي تمتد بين قارتي آسيا و افريقيا من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي ، و من الصحراء الغربية العربية و موريتانيا الى ارتيريا و الصومال.
و قد كشف عن جدور الفكر الاشتراكي في النثر الجزائري قائلا أن عمر راسم هو أحد رواد الفكر الاشتراكي في الأدب و الصحافة الجزائرية و هو من القلائل الذين هاجموا في ذلك الوقت المتفرنسين في المشرق العربي أو في الجزائر ، رغم أنه كان يكتب بالفرنسية و أحد الذين ثقفوا ثقافة واسعة و لكنه درس الفرنسية كلغة تساعده على الاطلاع و المعرفة و متابعة ما يجري في العالم ،و في نفس الوقت اتخذها سلاحا يدافع به عن وطنه و آرائه و عن الإسلام .
ففي العدد الثالث من جريدته " ذو الفقار" يهاجم هؤلاء المتفرنسين فيقول:
"ان متفرنجي الشرق يريدون أن يكونوا افرنج ، أما متفرنجونا يريدون أن يكونوا يهود ، أيهما أكفر و أنجس و أرجس ، خيب الله سعيهم و لعنة الله على جميعهم".
و هذا ما يفسر دعوته الملحة الى تعليم اللغة العربية القومية التي أصبحت كأنها لغة ميتة في وطنها.
فجملة القول كما يقول المؤلف أن اللغة الفصحى ليست كاللغة الكلاسيكية بالمفهوم المطلق لهذا المصطلح و ليست مقابلا للهجة الدارجة أو العامية و اطلاق  هذا المصطلح على اللغة العربية في جميع الأعصر فيه اجحاف و تعسف و فيه ظلم للغة العربية و أدبها و فيه ظلم لتاريخها و ماضيها المجيد و ظلم لحاضرها الجديد.

فهناك من نادى باستخدام اللهجة الدارجة لكتابة الأدب و الفن و لكن هذه الدعوة لم تجد من يصغي لها أو يأخذها مأخذ الجد باستثناء طائفة قليلة من الكتاب جاروا الأجانب في هذه الدعوة أو كانت لهم دوافع و نيات غير خالصة لوجه الأدب. ذلك أن اللهجة الدارجة مهما
كانت قريبة من نفوس الناس لأنها هي وسيلتهم للتعبير اليومي و أداتهم العادية في حياتهم المعاشية فإنها لا يمكن أن تكون لغة أدب و فن و لغة فكر راقية ، فلغة الفن ينبغي أن تكون قادرة على استحداث الجديد و تتبع هذا الجديد و التعبير عنه في جميع الظروف و الأحوال.
و هنا يتضح أن اللغة الفصحى في كفة و العامية في كفة أخرى و اطلاق الكلاسيكية على الأولى والعصرية على الثانية ، و هذا الاطلاق و هذه التسمية ليست نظرة علمية فهي فكرة مستعارة ، كان الدافع لها تشويه اللغة الفصحى و اتهامها بأنها لغة جامدة.

و يردف الكاتب يقول أن الأمة العربية في المرحلة الراهنة تحاول أن تعي ذاتها من خلال تاريخها و من خلال ما تركته من أثر في الآخرين ، ثم انها تعمل على صياغة هذا الوعي لتحقيق أملها في المستقبل و تحقيق وحدتها و مصيرها الواحد الذي تصبو اليه باستمرار.
و من بين الذين اعترفوا بما في تراثنا من قيم إنسانية أديب روسيا  الشهير "تولوستوي" ، فهو واحد من بين العشرات ممن نوهوا بالحضارة العربية الإسلامية و تأثروا بها و بما حملته من هدى و نور و خير ، و أصبحت الكتب تطبع بوفرة حول هذه الحضارة و تنوه ببناتها و تحاول أن تكفر عن عصور الجحود و النكران التي عملت على طمس معالم هذه الحضارة و فكرها و عطائها و غذى ذلك كله بعض المستشرقين و بعض رجال الكنيسة في الماضي الطويل.
و قد فوجئ الكاتب بهذا الأديب الروسي العظيم ينوه في الديانة الإسلامية من فكر، و يظهر تعاطفا واضحا مع ما اطلع عليه من أحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فالف كتابه "حكم النبي محمد" الذي نقله الى العربية "سليم قبعين" و الكتاب أصلا هو ترجمة لأحاديث نبوية كثيرة فاختار منها "تولوستوي" بعض ما يناسب اتجاهه و فكره.
على أن المترجم لم يكتف بهذه الأحاديث التي ترجمها تولوستوي بل ترجم شواهد كثيرة من أقوال بعض المفكرين ممن يعترف بعبقرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو من يتحامل عليه و على الاسلام ، و قد اهتم بأحوال المسلمين في روسيا في بداية القرن من حيث واقعهم  
 و ثقافتهم و اعدادهم و أعمارهم و محافظتهم على الإسلام و اللغة العربية ،حيث أن حفظ القرآن عم الكبار  و الصغار بل كانت الفتيات يتعلمن العربية الى جانب الروسية و يتفوقن في حفظ القرآن و تلاوته أمام الجمهور ، كما عرض الى نبوغ كثير من المسلمين مثل "أحمد بك" الذي كان يرد على المطاعن التي يرددها الأوروبيون ضد الإسلام و المسلمين أو يفند الترهات التي ألصقوها بالرسول و شارك فيها الكتاب و الرسامون أمثال شكسبير و فولتير الذي التمس الغفران من البابا بواسطة تقديمه له رسالة الطعن المشهورة التي عنوانها محمد و قد نسب بها الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أمورا منكرة لم تخطر بباله ،  و منافية على خط مستقيم لروح تعاليمه و مبادئه. ثم يعرض المترجم الى التغيير الذي طرأ على هذه العقلية المتعصبة بعد انتشار العلم و المنطق، و بعد أن ساد التفكير العلمي المجرد ،فاعترف كثير من الغربيين بمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم و تعاليهم فأصبح " ذلك المصلح العظيم الذي هز العالم بتعاليمه و مبادئه و أفكاره السامية".

كانت وقفات من كتاب تنوع فيه الفكر و المنطق بين المفكرين و الحقيقة هي أننا في الوطن العربي لا نفكر عربيا فتفكيرنا في كافة القضايا أو معظمها يوشك ان يكون "مستوردا" جاءنا من الغير، و تبنيناه نحن بلا تمحيص أو تدقيق ووضعناه في رؤوسنا و حاولنا صبغه بصبغتنا ، فلا هو تفكيرنا و لا هو نابع منا ،و لعل هذا هو السبب فيما نعانيه في بيئتنا  العربية من اضطراب في الفكر و السلوك معا و لعله السبب في الضباب الذي يغلف أفكارنا و مفاهيمنا و تصورنا للقضايا المختلفة و لاسيما الجوهرية منها.

مقالات اخرى
أضافة تعليق