ملامح الثقافة الحقيقية
-
تتعدد وتتلون أوجه الثقافة المعاصرة لتحاول أن تأخذ لها مكانا في العقول والقلوب سواء للمؤلفين أو للقراء على السواء، وفي تنوع وتطور وسائل التواصل الحالية تضفي هذه الأخيرة على الثقافة وجها آخر من التجاوب والتقبل فيصبح القلم ينافس الواقع بأكثر ارتجالية وبأسرع الحروف وصولا للفكر النير، فحبذا لو تبقى الغاية هكذا من غير متغيرات أو مغيرات قد تغير مبدأ الثقافة الحقيقية وجهها الجميل، وهي أن تكون أكثر انضباط على الرغم من شموليتها وتلون مضامينها الفكرية والأدبية، لكن ما يجعلنا نحاور ثقافة اليوم هي تلك المنافسة الدخيلة على المبادئ والثوابت عبر وسائل التكنولوجيا الإعلامية الحديثة من انترنت وتلفاز وأجهزة حاسوب والكترونيات أخرى، وعليه كمجتمع وكأمة تسعى دائما لأن تحافظ على تقاليد وزمام التأليف والفن والتنوع في الأداء الثقافي علينا أن نختار لثقافتنا المعاصرة ما يوافق الطموح العربي والإسلامي بأكثر حرص على التفاعل بذاك الانتقاء الجيد للمواضيع الثقافية وكذا أسانيد النشر والتأليف والبث، لنقحم الإعلام الهادف كوصي له المبادرة الأولى في الحفاظ على ما تسعى إليه الأقلام الجادة والرزينة رزانة العقل النير والواعي بحتمية الحفاظ على الرسالة الثقافية التي بها تتنور العقول وتتقدم الأمم وترقى لأسمى الدرجات العالية من التفوق ومن ثم الريادة، فلزاما على كل قلم حي ان يحافظ على وتيرته المميزة ولا ينساق وراء شبهات التقليد التي قد تفقده نكهته المألوفة لدى القراء، ونفس الشيء بالنسبة للمنتجات الإبداعية أيا كان مضمونها ووسيلة النشر والإرسال للأفراد هي أيضا مطالبة بان تسعى جاهدة لأداء الرسالة الحقيقية المنوطة بها وهي توعية المجتمعات وتذكيرهم بالانتماء الحقيقي لخير أمة أخرجت للناس، لأنه بقدر المحافظة على الثوابت والحضارات الأصيلة بقدر ما تبدو الأمم في أوج تفاعلها الحقيقي المنوط بها منذ القدم أي منذ ظهور بوادر الحضارة العربية الأصلية.
وفك خيوط التعقيد والتضليل تبدأ بالانتقاء الجيد للحرف والاصطفاف المنضبط للأفكار المستقاة من العادات والتقاليد المعاشة، فحتى لو فيه نوع من المعاصرة يجب الحرص على أن تصب في قالب الهوية والوطنية حتى لا ينسلخ الجلد عن اللحم ..
وفي حالة الحيدة عن الطرق القويم يمكن العودة إلى المنبع والأصل من الفكر الرائع عبر مشارب اللجوء مرة ومرات إلى المرجعية الثابتة ثبوت الجذور في قلب الأرض والمستقاة من ضوابط الشرع الوسطي، وعليه فالمسؤولية كبيرة وكبيرة جدا وليست بالسهلة كما تظن الكثير من الأقلام المبدعة أو المسارح الناشرة لفنون التمثيل الجاد .
نبقى دائما بحاجة إلى الحفاظ على القديم المتطور وليس الجديد الملمع كل يوم ولكنه خاوي المضمون، فالعقول تتأثر وتتفاعل وتنساق على حسب موجات التواصل والخطاب ولغة الحوار، فلنحسن الحفاظ على مكاسبنا ولنختر لها بيئة ثقافية ملائمة لتلبس لها ثوب الحقيقة والواقعية الصحيحة بعيدا عن كل ما من شأنه التغيير في الطابع واللون والمقاس، فكل أمة تلبس المقاس المناسب لها من اللغة والمعارف والمدركات للأمور وأساليب العيش السوي والمتوازن، ويبقى الحمل مثقلا على من يطلق عليهم اسم مثقفون، لأنهم أولى بالحفاظ على الإرث العلمي والفكري، وتبقى الثقافة الحقيقية هي بمثابة الأمانة على كاهل كل من يحمل أمانة الحرف والمداد.