روافد العباقرة
ليس التفكير المبدع عادي في الإقبال على الكتابة أو في لقطة حمل القلم ..إنها مسؤولية و ثقل كبير على العقل المفكر..فمن يستلهم قلوب القارئين و يغني قلوبهم يكون قد قطع شوطا كبيرا من الإتقان في ضم حروف الكلمة الرائعة التي تنساب بسهولة حيث الفهم و الاستنتاج و التعلم من بنوده التي اجتثت من تقاسيم المعاناة و المحاكاة و المناداة لكل ما ينفع و يفيد في الكيان الآدمي و بالأخص ما يغذي العقل المفكر.
تأتي الأفكار من كل صوب و تتصادم الرغبات الفكرية من كل فوج لصدور زخم الإبداع..هو وحدة و بالقلم ألفة و تمازج و تقارب فيما بين الدوافع و الأهداف ، و هذا ينحصر فقط لدى العباقرة الذين اختاروا لعقولهم الصحو دائما حتى في الليل لأن الفكرة المميزة تنطلق في أي لحظة و في أي ظرف و في أي موضع ، و عليه فصنف هؤلاء البشر لا يختارون لهم مجلسا و لا مجمعا و لا بيئة توافق طموحهم الفكري بل يتركون السجية لفطرتهم و لذكائهم في أن يصنعوا الحدث و لا يهم في ذلك أن يكون كبيرا أو عظيما حتى يتقلد اسم الحدث و لكن ما يكفي هو أن يترك آثار الإعجاب و الإقبال الكبير لدى القراء و هذا هو التميز الإبداعي بعينه و ليس كل من يحمل قلما يتقن هذا الفن لأنه حصريا على ذوي العقول اللبيبة التي حباها الله بنعمة التفكير الصائب و المفرز للسلبيات و المفضل للايجابيات و بأقل تكلفة في التفكير ، فالسهل عندهم ممتنع و المانع عندهم موجود بل متمكن ، لأن العبقرية تصنع كل شيء و تخترق الحدود العميقة و تصارع الرداءة أينما اصطدمت بها و برأي هذا هو التفوق الحقيقي للتفكير الجاد و المغير.
فأهداف العبقرية هي إحداث شيء جديد و تغيير الوضع من حال لا تدب فيها الحياة إلى حياة تنشط فيها كل مقومات الحياة لتمد بذلك جسورا للتواصل مع نفس العينة من المفكرين عبر روافد محكمة البناء و متقنة لأداء الرسالة النبيلة رسالة الفكر و العلم الهادف.
لسنا نختار لنا رزمة من الأقلام لنفرز الأجود و الأروع من بين وسط و كم هائل من المتسابقين لكننا كبشر نملك عقولا واعية نبحث دائما عما ينير فكرنا و ينور بصيرتنا فنختار لنا ما يعجبنا و يريحنا ، و عليه تكون للعبقرية الحالية رهانات كثيرة لتحافظ لها على الصدارة و التي هي أصلا موجودة فيها و لكن الاحترافية و الامتهانية أكسبتاها حلية الريادة ووسام الشرف ، ثم ليس سهلا أن تلقن العبقرية دروسا للتفرد بهذا المنوال من العطاء لأنها نعمة و هبة من الله و يمكن تطويرها و صقلها بالتجارب المعاشة و العلم المكتسب و الخلاصات المستنتجة من واقع الحياة الحافل بالكثير من المترادفات و المتناقضات، و لو لم يكن للعبقرية مكتسبات ثابتة لما استطاعت أن تجدد و تغير و من ثم تبني و تزين و تتفنن في مناحي الخريطة الحياتية.
يبقى أنه على أصحاب العبقرية أن يحافظوا على هذا المكسب الفريد و المتميز من عوامل الركود و الضعف و الملل و لا بد من كسر الروتين في كل شيء بدءا من التفكير ووصولا إلى ساقية المشرب الصافي.