مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
عقول من النوع السنجابي‏!!‏
بقلم : جمال الشاعر

إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا‏..

‏ جاء في حكم وقصص الصين القديمة أن ملكا أراد أن يكافئ أحد مواطنيه فقال
له‏:‏ امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيرا علي
قدميك‏..‏ فرح الرجل وشرع يزرع الأرض مسرعا ومهرولا في جنون‏..‏ سار مسافة طويلة
فتعب وفكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها‏..‏ ولكنه غير رأيه
وقرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد‏..‏ سار مسافات أطول وأطول وفكر في أن
يعود للملك مكتفيا بما وصل إليه‏..‏ لكنه تردد مرة أخري وقرر مواصلة السير
ليحصل علي المزيد والمزيد‏..‏ ظل الرجل يسير ويسير ولم يعد أبدا‏..‏ فقد
ضل طريقه وضاع في الحياة‏,‏ ويقال إنه وقع صريعا من جراء الإنهاك
الشديد‏..‏ لم يمتلك شيئا ولم يشعر بالاكتفاء والسعادة لأنه لم يعرف حد الكفاية‏.‏

النجاح الكافي صيحة أطلقتها لوراناش وهوارد ستيفنسون‏..‏ يحذران فيها من
النجاح الزائف المراوغ الذي يفترس عمر الإنسان فيظل متعطشا للمزيد دون أن
يشعر بالارتواء‏..‏ من يستطيع أن يقول لا في الوقت المناسب ويقاوم الشهرة
والأضواء والثروة والجاه والسلطان‏.‏

لا سقف للطموحات في هذه الدنيا‏..‏ فعليك أن تختار ما يكفيك منها ثم تقول
نكتفي بهذا القدر‏..‏ ونواصل الإرسال بعد الفاصل‏..‏ بعد فاصل من التأمل
يتم فيه إعادة ترتيب أولويات الأجندة‏..‏


الطموح مصيدة‏..‏ تتصور إنك تصطاده‏..‏ فإذا بك أنت الصيد الثمين‏..‏ لا
تصدق؟‏!..‏ إليك هذه القصة‏..


‏ ذهب صديقان يصطادان الأسماك فاصطاد أحدهما سمكة كبيرة ووضعها في حقيبته
ونهض لينصرف‏..‏ فسأل الآخر‏:‏ إلي أين تذهب؟‏!..‏ فأجابه الصديق‏:‏ إلي
البيت‏ لقد اصطدت سمكة كبيرة جدا تكفيني‏..‏ فرد الرجل‏:‏ انتظر لتصطاد
المزيد من الأسماك الكبيرة مثلي‏..‏ فسأله صديقه‏:‏ ولماذا أفعل ذلك؟‏!..‏
فرد الرجل‏..‏ عندما تصطاد أكثر من سمكة يمكنك أن تبيعها‏..‏ فسأله صديقه‏:‏
ولماذا أفعل هذا؟‏..‏ قال له كي تحصل علي المزيد من المال‏..‏ فسأله
صديقه‏:‏ ولماذا أفعل ذلك‏.‏ فرد الرجل‏:‏ يمكنك أن تدخره وتزيد من رصيدك في
البنك‏..‏ فسأله‏:‏ ولماذا أفعل ذلك‏.,‏ فرد الرجل‏:‏ لكي تصبح ثريا‏..‏
فسأله الصديق‏:‏ وماذا سأفعل بالثراء؟‏!‏ فرد الرجل تستطيع في يوم من الأيام
عندما تكبر أن تستمتع بوقتك مع أولادك وزوجتك‏..‏


فقال له الصديق العاقل‏ هذا هو بالضبط ما أفعله الآن و لا أريد تأجيله
حتي أكبر ويضيع العمر‏..‏ رجل عاقل‏..‏ أليس كذلك‏!!‏

يقولون المستقبل من نصيب أصحاب الأسئلة الصعبة‏,‏ ولكن الإنسان ـ كما يقول
فنس بوسنت ـ أصبح في هذا العالم مثل النملة التي تركب علي ظهر الفيل‏..‏
تتجه شرقا‏,‏ بينما هو يتجه غربا‏..‏ فيصبح من المستحيل أن تصل إلي ما
تريد‏..‏ لماذا لأن عقل الإنسان الواعي يفكر بألفين فقط من الخلايا‏,‏ أما
عقله الباطن فيفكر بأربعة ملايين خلية‏.‏

وهكذا يعيش الإنسان معركتين‏..‏ معركة مع نفسه ومع العالم المتغير
المتوحش‏..‏ ولا يستطيع أن يصل إلي سر السعادة أبدا‏.‏

يحكي أن أحد التجار أرسل ابنه لكي يتعلم سر السعادة لدي أحكم رجل في
العالم‏..‏ مشي الفتي أربعين يوما حتي وصل إلي قصر جميل علي قمة جبل‏..‏ وفيه
يسكن الحكيم الذي يسعي إليه‏..‏ وعندما وصل وجد في قصر الحكيم جمعا كبيرا
من الناس‏..‏ انتظر الشاب ساعتين حين يحين دوره‏..‏ انصت الحكيم بانتباه
إلي الشاب ثم قال له‏:‏ الوقت لا يتسع الآن وطلب منه أن يقوم بجولة داخل
القصر ويعود لمقابلته بعد ساعتين‏..‏ وأضاف الحكيم وهو يقدم للفتي ملعقة
صغيرة فيها نقطتين من الزيت‏:‏ امسك بهذه الملعقة في يدك طوال جولتك وحاذر أن
ينسكب منها الزيت‏.‏

أخذ الفتي يصعد سلالم القصر ويهبط مثبتا عينيه علي الملعقة‏..‏ ثم رجع
لمقابلة الحكيم الذي سأله‏:‏ هل رأيت السجاد الفارسي في غرفة الطعام؟‏..‏
الحديقة الجميلة؟‏..‏ وهل استوقفتك المجلدات الجميلة في مكتبتي؟‏..‏ ارتبك
الفتي واعترف له بأنه لم ير شيئا‏,‏ فقد كان همه الأول ألا يسكب نقطتي الزيت
من الملعقة‏..‏ فقال الحكيم‏:‏ ارجع وتعرف علي معالم القصر‏..‏ فلا يمكنك
أن تعتمد علي شخص لا يعرف البيت الذي يسكن فيه‏..‏ عاد الفتي يتجول في
القصر منتبها إلي الروائع الفنية المعلقة علي الجدران‏..‏ شاهد الحديقة
والزهور الجميلة‏..‏ وعندما رجع إلي الحكيم قص عليه بالتفصيل ما رأي‏..‏ فسأله
الحكيم‏:‏ ولكن أين قطرتا الزيت اللتان عهدت بهما إليك؟‏..‏ نظر الفتي إلي
الملعقة فلاحظ أنهما انسكبتا‏..‏ فقال له حكم الحكماء‏:‏

تلك هي النصيحة التي أستطيع أن أسديها إليك سر السعادة هو أن تري روائع
الدنيا وتستمتع بها دون أن تسكب أبدا قطرتي الزيت‏.‏

فهم الفتي مغزي القصة فالسعادة هي حاصل ضرب التوازن بين الأشياء‏,‏ وقطرتا
الزيت هما الستر والصحة‏..‏ فهما التعويذة الناجحة ضد التعاسة‏.‏

يقول إدوارد دي بونو أفضل تعريف للتعاسة هو انها تمثل الفجوة بين قدراتنا
وتوقعاتنا‏..‏

اننا نعيش في هذه الحياة بعقلية السنجاب‏..‏ فالسناجب تفتقر إلي القدرة
علي التنظيم رغم نشاطها وحيويتها‏..‏ فهي تقضي عمرها في قطف ثمار البندق
بكميات أكبر من قدرتها على الاستهلاك‏..‏ فتأكل بعضه‏..‏ ثم تخبئ الكميات
الباقية وتدفنها في مخابئ ثم تنسى أماكن هذه الحفر‏..‏ وتذهب لتعيش عبثية حفر
كينز التي أصبحت علامة علي من يعيش في عبثية لا نهائية‏..‏ يحفر ثم
يردم‏..‏ ولا يحصل بعد كل هذا العذاب‏..‏ لا علي البندق ولا علي قشر البندق
حتي‏.‏

ألا توافقني بأنها حقا‏..‏ عقول من النوع السنجابي‏!!‏
أضافة تعليق