مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/02/28 23:08
هكذا أريد أن اكون

هكذا أريد أن أكون

 

خيَّرني أناس مقرَّبون بين أن أكون على شاكلة جميلة من السمع والطاعة والتنفيذ؛ حيث قول "لا" ممنوع في ساحة الخطاب الموجَّه، راجعت قوانين المرور فيما إن كانت لي أولوية القبول أو الرفض للتقدم نحو العرض المقدَّم، وأيهما أسبق من الآخر، فوجدت اللوائح تشير علي بالاتجاه يمنة؛ حيث الطلب كثير على وجودي بالقرب من عطشى ضعاف الإرادة، الْتَفَتُّ يسرة لأنقل إيماء الرفض المبرَّر، فوجدت تعليمة تشير إلي بالقبول والصمت ولزوم الهدوء من غير تظاهر ولا رفض ولا تفوُّه بحرف واحد، فقمت أقلب مواضع الكتب والأقلام؛ لأبعثر الانتظام فيها، فالنظام فارق مسيرتي مع موقف كهذا ومع منطق كهذا من التسلُّط، ثارت أوراقي تتمايل مرة ثقالاً ومرة خفافًا بحسب قوة غضبي، وأيها كان أكثر وقعًا في لقطة لإدارة يدي على مكنونات مكتبي، وصرخت في وجه من حسب نفسه وليًّا بغير ولاية: أن منذ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟! فأجاب عن طرحي مشدود الرقبة من النفور لطيب الدفاع عن نفسي وكيان أراد لنفسه حرية تحلق كجانحي الطير؛ فرارًا من قفص الإذلال والإهانة، هكذا تعلمتُ منذ الصبا؛ أنْ لا طأطأة لرأسي لما يناقض مبادئي وعقيدتي، سارعت اللفظ بقولي: أن حذارِ من تصويب السهم نحو عزيمتي؛ لأن النصال ستبدو من أول وهلة منكسرة على النصال، فكان من العناد أنْ وفدوا كالطارق في وقت الظلمة؛ حتى لا أميِّز بين ملامح من كانوا مثل الكتيبة الشهباء في كثرة سلاح اللفظ لي تهديدًا جارفًا، طاوعت نفسي في استماع مُرهَف لرنَّة لحن الخنوع عنوة؛ حتى أعي ثقافة التفكير من رغبة جامحة وغامضة الهدف، فكان في بزوغ الفجر معالم واضحة في إدراكي أن من طاردني في مرضي أراد افتكاك كنز التألُّق، قلت: لا يمنح للأسير مفتاح أسْرِه إلا بعد ثبوت البراءة، ولو أني إخالكم مثل من يقول حينما يسرق الغني: إنه أخطأ، وحينما يخطئ الفقير يُقال له: إنه سرق، أعرف هذا التناقض والتكالب على الخيرين جيدًا، ولست أقتفي أثر الجريمة؛ لأن سير الأعرج دليل على أثر الجرم بانحراف المسار عن أصله، ففي العلة مدركات ودلائل توفر للباحث عن الحقيقة سعيًا حثيثًا، وتوصله إلى الأسماء ولو بالكناية، سموني قبلها: رائدة الصمت المبجَّل، وغيَّروا المناداة بالمتمردة النازحة إلى حيث عمق الحقيقة، قلت: سلوا أنفسكم: لمَ هذا التغيير واللقب لقبكم؟ لو لم تتغير النيات في قلوبكم، فإن كان على قوتي فهي في ارتداد بحسب الموقف، وإن كان على الصمت فهو في انشطار للكلام الصارخ أن الألم بلغ مداه من الإيلام المتكرِّر، وإن كان على المتمردة فإن لاندفاع الغضب بتأثير جهلكم وتجاهلكم ليس يوقفه لين بعد قسوة جمَّدت الدم في عروقي، زيدوني أوصافًا وإني لها في هجاء الجواب لكم قناعة.

 

إذًا خذوا عني مكركم وارحلوا بعيدًا لتعيشوا في صومعة[1]، بعيدًا عن كل حضارة، فمملكتي حصلتها بتحصيل شديد الجد والعمل، ووضعت أساساها عمدًا على ماء البحر، ولم أخشَ ذوبان المقام إلى عمقه.

 

فالوداعة أضمنها حيث الخطر، ولست أبقيها على سلام حيث الأمين الكاذب، ولي في أكل طير خفيف الظل رزقًا مع فيل ثقيل البنية - أوضحُ البيانِ أن الجوار مستحب ومضمون الغراس في تربة سهلة الانجراف، سمِّها كما شئت، لكنها الثقة حينما ترسو في غير مكانها فنفاجأ بنتيجة تلغي كل المخاوف.

 

لست أبغيها فلسفة مضللة لطموحي، ولكنها ضريبتي للنجاة من هول الزلزال المدمِّر، في عاصفة الغيرة المسبقة وأنا بعد لم أستيقظ من نوم الراحة بعد كفاية لي من سؤال الحاجة، وطرق أبواب قلعتي التي لم تكن عالية الأسوار لكنها كانت محميَّة البناء، من هذه القلعة كان هولكم في اتباعي يوقفه صمتي، وويل الشر فيكم يمحيه إحساني ببعدي عن منابع مشاربكم، ذقت طوعًا وكرهًا مشاربَ عديدة، ولم أستسغ مشربًا واحدًا، هو ما كان مقدمًا بلطف من أيديكم الملتوية، فمرة تحسن بهدوء لتنقلب حبل مشنقة بعد اطمئنان الصغير وغير الفقيه للغة المكر منكم.

 

سكن بداخلي بكائي بعد أن لملمت حوائجي، واستقر بي المطاف إلى حيث الإبداع يزين صفحات تمردي: أن هنا أبني مملكتي الجديدة لأكون كما أريد أن أكون، وليس كما أردتموني أن أكون، ولو لم أكسر منجل الحرث المتهور، لما نجوت من حصيلة الزرع؛ حيث غثَّ علي المكان الذي لم يوافقني لا في أفكاري ولا في سيرورة إبداعي، فقلت للجميع: هنا سأكون وهكذا أريد أن أكون، وسأختار لي مكانة بعد أن أغاثني الله غوثًا، ومن لي بغيره أسجد له باكية، لأن كان الفضل له في حمايتي ورعايتي.

 

من هنا اطمأننتُ أن الله كبير ولا يخفى عليه شيء، ومن هنا أدركت أن الإيمان به يُسهِّل طريق النجاة، ويجعل المؤمن يختار له مكانة راقية يداوم فيها العيش، وعليه اخترت قلمًا جريئًا يكف عني سؤال القيل والقال، بل ينقلني إلى حيث معاني الكلمات من قاموس اللغة الفصيحة الغالية، وباللغة العربية الواضحة أقولها للعلن: هكذا أريد أن أكون حرَّة أصيلة، ولست أطير إلا بجناحَي التواضع؛ خفة في روحي، ونبراسًا في فكري، وفانوسًا في طريقي، هو علم أنثر عبق الغنى من محتواه لكل مَن مررت عليه في طريق الكفاح غير منتهٍ بخطِّ الوصول، لكنه سينتهي بانتهاء الأجل، الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا، نعم هكذا أريد أن أكون بمعية الله كافية مستكفية الحاجة في الغاية ومرفوعة الهامة في المسير، ومدركة للراية في نقطة الوصول، حيث المراد بإذن الله تعالى.



[1] صومعة: منعزل عن اللحاق بتطور العصر.




مقالات اخرى
أضافة تعليق