نزاع مع قلم..
أريد أن أكتبَ كما تعودتُ.. يمنعني في فشلٍ ذَريع منك أنَّ الكلمات الصَّادقة غير موجودة، لكنِّي أكدتُ لك أنَّ الفِكرة تلد الفكرةَ وتصل غيرها من الحروف حتى تَعي مَهمَّتك النَّبيلة أنَّك حيٌّ، لكنَّك تجبرني على العزوف عن الكتابة، ما الخَطب يا ترى؟ إن كان العجز منِّي فإنِّي أُبدع في قمَّة مرَضي، وإن كان فيَّ شكٍّ منك في مفاضلة الجُمل، فذاك حوارُك مع الأسطر، فلا تخيِّرني بين أن أكتبَ من غير تمهُّل أو أكتب من غير صِدق، ولستُ أقبل اقتراحًا كهذا.. عتابي عليك يا قلم أنَّك لم تلبِّ لي حاجَتي لأكتب عن رَفع الحِصار في ظُلمة باتَت وشيكة الدَّوام على قصري المتواضع..
لماذا السُّكوت على الهوان والشَّعب كلُّه في الحِصار وتبغي الانكسار بعُذر أنَّك تفتقد القوَّة، قلتُ بنفسي للزَّمان: اشهد أنَّ أمجاد الفَخر لحقَت المعذَّبين والحيارى، ستَكتب وبإتقان.. قلتُ: بإرادتي، حاسِبوا الضمائرَ؛ فالدنيا لا تزال بخير، ولا تُلزموها الصمتَ الأبديَّ؛ فهذا ليس شعارنا العتيد، المهم أن يتحقَّق التغيير في سجن الحريَّة لتنفكَّ العقدة تِلو الأخرى، عتبي عليك يا قَلمُ أنَّك تردُّني في طلَبي وأنا في قِمَّة الحبِّ لنَقش أنفاسي لأطبعها رِسالةً من عشقٍ كلُّه نورٌ وحريَّة.
اتبعني في طلبيَّتي، وانسج معي قصيدةً من مدادك العنيد، لا أقدر على لزوم خطِّ الاستواء في قمَّة تعنُّتك، لكنِّي سأَلزم قمَّة الصُّمود لحين أكتب ما أشاء وبصِدقي المعهود، بعدها إن شِئتَ سيكون سلامًا وليس استسلامًا بيني وبينك، وإن رحلتَ بعدها حتمًا ستشتاق لرفقتي، أمَّا إن بقيتَ فربَّما أتنحَّى في أن أطلبك للكتابة لأنِّي سأكتب بأحاسيسي التي أراها في واقعي، مَن يدري ربَّما أنا من تعبتُ ولستَ أنتَ من يرفض طلقات رَصاصي أن تخرِق مجالَ الظلام، دَعه وشأنه، ولا تتكبَّر على سدائله، هو ظَلام ومن حقِّه أن يرسل السَّواد في كلِّ مكان.
أُحبُّ الإنصاف في نسمات الصباح حينما تهبُّ من أمامي، ولستُ ألومُ هبوب الرِّياح على حين فجأة، فالكون في تفَاعُل مستمرٍّ، ولصخبك يا قلم أبياتٌ جميلة لقصيدتي، أقولها وأنشدها؛ فالمقام الوَحيد لفهم لغزِ تمرُّدي هو تَرجمتك لإرادتي، ولستُ أصفها كما هي؛ بل أنتَ من سيَكتب عن أخطائي حينما تبدر منِّي كوني بشرًا ومن حقِّي الخطأ، وإلاَّ فلِم جُبلنا على النِّسيان؟!
في نزاعِي معك سيكون الإبداعُ هو رَابط تواصُلي بِك، فإن كنتَ بريد قلبِي فأنتَ تخبر بحالي من غير أن تَرى ما أودعتُه فيه من أسرار، وإن كنتَ شجرة فثمارها أَفكاري، ولو أنِّي أحسبك مطرًا رابيًا، ماؤه دموع فرحي وحزني، وحتى إن نازعتَني على أحقية في صدق الكلمات فمدادك لُبُّ العَدل من منطقي، وقوامةُ لونِك فصاحة عَقلي قَبل لساني.. أترانا بعد لطفي هذا نتفاهَم؟ نزاعي فيه شَقاوة وحُسن أدب حتى يلين الحديد، ولو بقسوة في المضرب..
قاوِم بعنادك لي فإنِّي من طِينة الصُّمود أتجاوز مِحنةَ الضَّباب، وأتنحَّى عن مسار الضَّعف، وأنسب لنفسي الكثيرَ من التمهُّل.. ولك أن تعرِف مِن أول إمضاءة يدي رنَّة الكلام بمدادك، لكنِّي اللَّحظة أصارِحك أنَّك أقلقتَني حينما رفضتَ مدَّ يدي لاحتوائك، وأذهبتَ عنِّي نشوة الإبداع حينما نشبَ النِّزاع، لا لشيء سوى أنِّي لم أكن صادِقة وقتها لمرَضي، ولم أشأ أن أكتبَ لكنَّك تبغي جَرد الكلمات بغير حَلاوة في القراءة والفهم، لستُ ألبِّي رغبتي الآن حتى أَستشعر من جديد نَكهة الذَّوق في الكتابة، فحريٌّ بي أنا وأنت أن نَحترم غيابَ الجرأة والتألُّق لئلاَّ نفقد طعمَ الحياة في صُحبة وفيَّةٍ، فأنت تحرِّر وتمرِّر وتكرِّر، وربما تغرِّر، وهذا ما أخشاه في نِهاية مهمَّتك؛ لذلك اختَر لك أن تكون أسيرَ فِكري ولن أقبل أن أكون أسيرة غُرورك، صحيح أنَّك تصقل مَوهبتي وما كنتُ لأَنفِي عنك نُبل الواجب معي، لكنِّي أمتنِع في ضعفي أن أحمِلَك بين أنامِلي لأنِّي أخشى أن تكون مشبوهًا ولست تُشبه كبريائي في الحقيقة، فلا تستفزني ولا تُفزعني؛ بل كُن لي كالشهدِ شاهدًا أو شهيدًا معي لو ارتجف الخوفُ منِّي إن أنا قرَّرتُ إلغاء مشواري معك.. لذلك أكرِّر أن لا تستفزني فأَعجز عن الصُّلح معك، ويا ليتَ أشعاري تَنفع بعدها في جَبر الكَسر لتصبح جديدًا، وهل تجدَّد في مشوار التجارب انكسارُ الزجاج من علوٍّ شاهق؟ وإن استوعبتَ الجواب فلا تمازِحني في حُزني ولا تُغضِبني في حِلمي، ولنكن معًا في قَبضة يدي نخطُّ رسالةَ الإبداع، فالمقلوبُ يصبح معي مطلوبًا، والمغلوب على أَمره سيصبح منصورًا.. فقط كن وفيًّا معي..