مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2015/03/15 21:43
كلمات جامعة
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد…
 
أيها الاخ الكريم…
 
حين تسمو النفوسُ الإنسانية وتكبر آمالها, وتُصبحُ الحياةُ عامرةً بالتقوى وصالحِ الأعمال, تتطلعُ هذه النفوسُ إلى معرفة الفضائلِ والمكارمِ, فتصبحُ العبادة مُحبَّبة إلى النفس, كما تصبح الطاعةُ خُلقًا أصيلا من أخلاقها, وسجيةً عُظمى من سجاياها, وبذلك يرتفعُ الإنسانُ فوقَ الشهواتِ والشبهاتِ كما ينأى بنفسه عن المُغويات والمُغريات, ولا يكون للمادة عليه من سبيل, كيف لا… وقد أصبحت المُثل العُلا هي هَمَّهُ وغايتَه, وأصبح حُبُّ الخير غرضًا له وهدفًا…
 
لقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في قبس من نور نبوته صلى الله عليه وسلم كثيرًا من سبل الخير, وأرشدنا إلى مدارج العز والكمال…
 
روى الترمذي وابن ماجة وغيرهما بإسناد حسن عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
 
“من يأخذُ عنى هذه الكلمات فيعملَ بهن أو يعلّمُ من يعملُ بهن ؟
 
قال أبو هريرة : فقلت : أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمساً، فقال: اتق المحارم تكن أعبدَ الناس.
 
وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.
 
وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا.
 
وأحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً.
 
ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب“
 
يبدأ الحديثُ بأسلوب استفهامي يخاطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم صحابتَه؛ ليستنهضَ هِمَمَهم العالية، وليحرِّضَهم على تعلُّم الخير وتعليمِه والعملِ به، ثم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم خمسَ وصايا جامعة:
 
الأولى (اتق المحارم تكن أعبد الناس) والمعنى: تجنَّب ما حرَّمَ اللهُ فعلَه وقولَه على العباد، تكن أكثر الناس عبادة لله، وخشية منه سبحانه. فالجملة إنشائية طلبية، والغرض منها هو النصح والإرشاد، والمقصود بيان معنى العبادة الحقة، ليست العبادة صوراً وأشكالاً، ولا مظاهر وهمية لا صلة لها بدنيا الناس، بل هي الجمال والجلال، والاستقامة على شريعة الله سبحانه .. فإذا اجتنب المرءُ المحارم، ونأى بنفسه عن مزالق الهوى ومصائد الشيطان، وطهر نفسه من أدران الفحش والرذيلة كان العابدَ الزاهدَ حقاً، والتقى النقي الصالحَ صدقاً .. ذلكم هو الذى يحبه الإسلام ويريده، ولله در من قال:
 
واتق الله، فتقوى الله مـا جاورت قلب امرئٍ إلا وَصَلْ
 
ليس من يقطعُ طُرْقاً بطلا إنمـا مـن يتقـى اللهَ البَطَـلْ
 
الوصية الثانية (وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس):
 
أي اقنع بنصيبك الذى قسمه الله لك من الدنيا تكن أغنى الناس، فالقناعة كنز لا يفنى وفى القناعة راحة للقلب والبال، كما قال الشاعر:
 
إذا ما كنتَ ذا قلب قنوع فأنت ومالِكُ الدنيا سواءُ
 
وفى هذا بيان لحقيقة الغنى، إذ ليس الغنى عن كثرة العرض من مال أو عَقار أو ادخار للثروات، ولكن الغنى الحقيقي هو غنى النفس كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث (ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس) (29)
 
ولله در من قال:
 
ولستُ أرى السعادةَ جمعَ مالٍ ولكنَّ التقىَّ هو السعيدُ
 
أخي الحبيب، إن نعم الله تعالى ليست محصورة في المال وما شابهه، بل إن هناك نعمِّا تفوق هذه النعمة، فالإيمان، والعافية، والسلامة، والأمن والسعادة بالطاعة، كل هذا يفوق نعمة المال.
 
والوصية الثالثة أخي المستمع الكريم (وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا):
 
فهي دعوة إلى التعامل مع الآخرين لا سيما الملتصقين بك بالبر والإحسان، وأولى الناس بالإحسان إليه هو جارك، الذى أوصى الله تعالى بالإحسان إليه، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك حين قال ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) (30) وقال [ والله لا يؤمن (قالها ثلاثاً) قالوا من يا رسول الله. قال: الذى لا يأمن جارُه بوائقَه] (31) وفى حديث آخر : “من بات شبعان وجاره جائع” انظر إلى أي مدى يهتم الإسلام بمشاعر الآخرين وأحاسيسهم لا سيما من يخالطهم المرء في حياته، وأولاهم بهذا جيرانُه.
 
والوصية الرابعة هي فرع على سابقتها (وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما): إنها مثالية الإسلام وعظمته فى حب الخير للجميع رحمةً وعطفا وبراً، وليست الأخلاق إلا الإنسانية والنبل، ولقد قال صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) (32)، وقد جاء الأدب القرآني العام في قوله تعالى (وقولوا للناس حسنا) [البقرة 83] فأحبوا الخير للناس كل الناس، وخذوا بأيديهم إلى ما يحبه ربنا و يرضاه..
 
أخي المستمع الكريم .. كما تحب لنفسك الخير في الدنيا والآخرة، فاحرص على أن تحبه لأخيك، بل واسع في تحقيقه له، يتحققْ فيك المعنى الحقيقي للإسلام.
 
وتأتى الوصية الأخيرة في هذا الحديث لِتُحَذِّر مما يُذهب بهاء القلب ونورَه، ويُفقد الإنسانَ شعوره وإحساسَه، فلا يستفيق لنصح ولا يرتدعُ عن غي .. إنها تنهى عن كثرة الضحك الذى هو دليل السفهِ وخفةِ العقل، كما قال القائل:
 
ضَحِكْنا وكان الضَّحْكُ منا سَفَاهةً وحُقَّ لأرباب البريّة أن يَبْكوا
 
إنها دعوة إلى أن يتحلى المرء بخلق رصين، فيتجنب حياة الهزل والسخرية التي تتنافى مع وقار المسلم. فالحياة للمسلم أخي الكريم ليست لهواً وعبثا وليست هزلاً وصخبا، بل فيها الجد والكفاح، وفيها الآمال والتضحيات.
 
نعم، أخي الكريم، وليست الحياة جموداً وكآبة وحزناً، وإنما هي ساعة وساعة كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة في حديث آخر.
 
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يضحك ويمزح، ولكنه لا يقول إلا الصدق، فما نقص الضحك من وقاره أو هيبته صلى الله عليه وسلم بل زاده حبا ووفارا بين أصحابه وأمته.
 
ألا ما أجمل هذه الوصايا إنْ تمسك بها المسلمون
 
جعلنا الله وإياكم من أهل الثبات على الحق
 
ـــــــــــ
 
المصدر : منارات 
أضافة تعليق