في لجة اليأس والضيق التي يكابدها المسلمون في كل أنحاء العالم؛ تتأكد سنة الله في هذا الكون: أن أمره غالب ودينه منتصر، ونوره لا ينطفيء ولا يخبو؛ مهما حاول الكارهون والمغفلون أن يفعلوا لتحقيق حلمهم في أن يطفئوا نور الله!
ورغم كل ما يعانيه الإسلام من ذراريه قبل أعدائه من تشويه لمبادئه، وتبديل وتحريف لعظمة رسالته المؤسسة على العدل والحرية والمساواة؛ فإن هذا الدين ما يزال هو دين المستقبل.. شاء من شاء وأبى من أبى!
بل كلما اشتدت عداوة الحاقدين وسفاهة الذراري كلما زاد سطوع هذا الدين في سماء الكون مبشرا اليائسين ألا تيأسوا.. والحائرين ألا تقنطوا فلديكم في الأرض نور من السماء يهدي به الله إلى سبل السلام والطمأنينة في وسط الظلماء.. لا يقلل من ذلك تحريف المحرفين، وتجديف المنحرفين لأن جوهر هذا الدين محفوظ من التحريف والـاولات الباطلة التي تفسر الإسلام وفق الأهواء والمصالح!
من أدق التشبيهات التي سمعتها مرة من أحد العلماء الدعاة أن الإسلام مثل الكرة كلما ضربتها في الجدار أو الأرض ارتدت بقوة أكبر من الضربة إلى أعلى أو إلى وجه الضارب!
كان الكلام حينها في الأيام الصعبة التي تلت أحداث الهجوم الانتحاري ضد مبنيي التجارة العالمي في نيويورك، ومقر وزارة الدفاع الامريكية في واشنطن في 11 سبتمبر 2001! ويومها كان كثيرون يظنون أن تلك الأحداث الدموية والتي لحقتها في العالم الإسلامي قد رسمت خط النهاية لدعوة الإسلام والتبشير ببشارة أن الإسلام هو الحل للتائهين والقانطين؛ فإذا بها تكون بداية جديدة لها وفي الغرب بالذات وليس في أي مكان آخر! نور يسري في كل مكان!
أليس غريبا أن يكون سطوع ضياء الإسلام من وسط الظلمات ومن الغرب ذاته؛ عندما أطبقت ظلمات الشر والتآمر على هذا الدين؟ وأليس غريبا أن يكون هذا الغرب الذي يقود معركة الهيمنة، ويستخدم جزءا من ذراري المسلمين لتحقيق أهدافه هو المحل الذي تتأكد فيه حقيقة أن الإسلام هو البلسم الذي يبحث عنه الحائرون والتائهون والباحثون عن الحق والطمأنينة ؟
مع بداية الألفية الجديدة؛ حضرت واقعة إسلام شاب فرنسي في جمعية يمنية كانت تعنى بنشر حقائق الإسلام بين غير المسلمين الذين يعيشون في اليمن، كان الأخ المهتدي يعمل مهندسا في شركة بترولية، وارتبط بعلاقة ودية قوية مع مجموعة من زملائه الشباب اليمنيين في العمل، والذين كانوا سببا في تعريفه بدين محمد صلى الله عليه وسلم و هدايته إلى اعتناق الإسلام.. وفي الغرفة الصغيرة التي جرت فيها مراسيم نطق الشهادتين: جلس المهندس الفرنسي ذو الوجه الوسيم الذي يجعله صالحا ليكون ممثلا سينمائيا هادئا بين زملائه اليمنيين الذين كانوا في حالة من السرور والسعادة وكأنهم يزفون إلى عرائسهم، وكنت معهم أرقب هذه التجربة وأسجل تفاصيلها لأول مرة في حياتي.. وبدأ الداعية اليمني إدارة اللقاء بتقديم موجز بلغة إنجليزية راقية لمبادىء الإسلام حتى يكون الرجل على بينة من أمره قبل نطق الشهادتين.. وكان واضحا أن الفرنسي المهتدي قد قرأ وعرف كثيرا عن الإسلام كما يتضح من إيماءات رأسه وعبارة (نعم أعرف) التي كان يرددها بالإنجليزية التي كان يجيدها هو أيضا!
المشهد السابق ليس نادرا ومثله تحدث آلاف من حالات اعتناق الإسلام ؛ومثلها حالات اعتناق مسلمين للمسيحية.. لكن شتان بين الحالتين فالفارق الجوهري في رأينا أن هؤلاء الذين يرتدون عن الإسلام وخاصة في الغرب أو الذين يفعلون ذلك في مناطق بؤس المسلمين وفقرهم يفعلون ذلك تحت ضغط الانتصار المادي الكبير للعالم المسيحي وتفوقه العلمي والتقني.. وفي المقابل فإن هؤلاء الذين يعتنقون الإسلام من أبناء الغرب يقدمون على ذلك في مواجهة أشرس حملات التشويه والتنفير التي يواجهها الإسلام والمسلمون، وهم في حالات كثيرة جدا من خلاصة النابغين في المجتمعات الغربية: فكرا وعلما ومهنية ومستويات مادية رفيعة.. لم يعتنقوا الإسلام وراء مصلحة مادية تقدمها لهم جمعية تنصيرية؛ إن لم نقل إنهم سيواجهون بمواقف متعنتة في بيئتهم الخاصة والعامة.. وليسوا مراهقين يبحثون عن منحة دراسية أو سلة طعام تقيهم الموت جوعا! وهذا هو الفرق بين دين يجتذب المهتدين الجدد من أرقى النوعيات الفكرية العلمية والمهنية؛ رغم كل ما يحاك ضده من مؤامرات وتشويهات وأكاذيب.. وبين أديان لم يعد لديها ما تقدمه لروح الإنسان وعقله ونفسه إلا الخرافات والتعاليم الغامضة، والمتناقضات التي تزري بالعقول!
الإعجاز العلمي من أسباب هدايتهم!
سوف نستعرض في الأسابيع القادمة بإذن الله؛ نماذج من قصص الهداية للإسلام التي حدثت في هذا العام لعدد من المشاهير في الغرب.. لكن قبل ذلك هناك ثلاث مسائل بحاجة إلى شيء من التوضيح فيما يتعلق باعتناق نوعيات مهنية راقية من أبناء الغرب للإسلام:
الأولى/ إن عددا من هؤلاء الغربيين الذين أسلموا (وآخرهم النائب الفرنسي الشاب/ مكسينس بوتي -22عاما- عضو الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في عدائها للأجانب الذي أسلم قبل أسابيع) قد فسروا إسلامهم بأنه تم بعد اطلاعهم على المعجزات العلمية الموجودة في ثنايا القرآن الكريم؛ أي مظاهر الإعجاز العلمي وفق المصطلح المشهور في العالم الإسلامي!
هذه الحالة ليست الأولى من نوعها؛ فقد سبقتها حالات عديدة أشهرها هو البروفسور الفرنسي ذائع الصيت/ موريس بوكاي الذي خصص لرحلته العلمية والإيمانية في رحاب الإعجاز العلمي للقرآن كتابه المشهور في العالم الإسلامي: التوراة والإنجيل والقرآن في ضوء العلم الحديث، وأثبت فيه أن ما جاء في القرآن من الإشارات والمعلومات العلمية دقيقة وتتوافق مع ما كفشه العلم الحديث على العكس مما هو موجود في التوراة والإنجيل!
الشاهد المؤلم هنا أن عددا من الحزبيين والإعلاميين من أبناء المسلمين (اليمن واحد منها)جعلوا هدفهم في الحياة هو إنكار وجود إعجاز علمي في القرآن.. ووصل الأمر بعدد منهم إلى السخرية من الأمر والتهريج عليه في مقالاتهم، واتهامه بأنه نوع من الدجل بحجة أن القرآن كتاب دين وهداية وليس كتابا علميا! ولكيلا يظن المشار إليهم أننا نتهمهم في إيمانهم فها نحن نفسر موقفهم هذا بأنهم كانوا فيه ضحية لمكايدة سياسية وحزبية ليس إلا.. فلأن الشيخ اليماني/ عبد المجيد الزنداني أشهر من بشر بالإعجاز العلمي في القرآن، وهو نفسه الذي درسوا كتابه عن التوحيد في المدارس؛ فقد دفعت بهم الخصومة السياسية والحزبية إلى معاداة الفكرة، وعجزوا عن أن يكونوا موضوعيين فيفرقوا بين الموقف الحزبي والموقف العلمي! وعلى سبيل المثال؛ فإن ملايين من الإسلاميين متيمون بالإعجاز البلاغي في القرآن تأثرا حبا وإعجابا بالشيخ متولي الشعراوي أبزر عالم تفسير قدم هذا الإعجاز في محاضراته ودروسه في القرن العشرين.. هذا الحب والإعجاب لم ينقص منه أن آراء الشيخ الشعراوي السياسية لا تتناسب ومقامه العلمي، فقد كان مثلا يعادي جماعة مثل جماعة الإخوان المسلمين، ولم يتردد مرة أن يعلن أن أعداءه هم الإخوان والشيوعيون! منصفون.. ومخذّلون!
ثانيا/ إن هؤلاء المهتدين إلى الإسلام الذين يتوالى دخولهم في دين الله هم أبناء البيئة الغربية، وهم أكثر الناس معرفة بحقيقة الغرب الرسمي الذي ينتمون إليه، ومدى فجوره ونفاقه عندما يتحدث الرسميون فيه عن الإرهاب والعنف ورفض الكراهية في إطار حملتهم ضد الإرهاب الإسلامي كما يسمونه صراحة! في الوقت الذي لا يرون في إرهاب المنظمات المسيحية واليهودية شيئا من الإرهاب المسيحي أو اليهودي كما يحدث في فلسطين العربية وكما تمثله منظمات مسيحية تتوجد عندهم!
ثالثا/ إن إسلام هؤلاء الغربيين من ذوي العلم والفكر لم يكن مجرد حالة نفسية أو شحطات فكرية، وكثير منهم ألفوا وكتبوا وأبدعوا مؤلفات عميقة عن الإسلام وجوانب العظمة والقوة فيه، ولم يمنعهم ما يعرفونه عن ضعف المسلمين وفقرهم وتخلفهم ان يكونوا موضوعيين ويفرقون بين عظمة الإسلام وبين واقع المسلمين المؤلم!
رابعا/ إن كثيرين في مجتمعاتنا العربية ممن الذين يبدون استياءهم من الحوادث الإرهابية والأفكار المتطرفة بزعم أنها تشوه الإسلام؛ هؤلاء هم أنفسهم من الذين مارسوا دورا مشابها في تشويه الإسلام مرة عندما كانوا يعتنقون نظريات وأفكارا معادية للإسلام حتى وصفوه بأنه رجعي، ومتخلف، وغيبي، ومتناقض مع العلم والتطور.. ومرة ثانية عندما تحولوا إلى أعداء لكل الإسلاميين يصورونهم دون تمييز بأنهم إرهابيون ومتطرفون، وهم أنفسهم الذين طالما وما يزالون يجعلون من حجاب المرأة المسلمة واللحية وكل ما له صلة بالإسلام معركتهم الصليبية التي يخوضونها بزعم رفض التطرف!
موقع *الصحوة نت*
موقع *الصحوة نت*