بقايا الماضي... ام طلائع المستقبل
الأحد, 31 أغسطس 2014 21:42
معن بشور
(مهداة الى ابطال المقاومة في ذكرى الانتصار على العدوان)
في يوم من ايام حزيران 1992، وكان كل شيء في المنطقة يشي بتردي الاوضاع بدءً من حرب الخليج الأولى التي احدثت انقساما مدوياً في الصف العربي،وأدت إلى تدمير بلد بحجم العراق ووضع شعبه تحت الحصار، وتمكنت الادارة الامريكية ان تفرض على الدول العربية المشاركة في مؤتمر مدريد لتسوية نهائية للصراع مع العدو الصهيوني وان تفرض على منظمة التحرير الفلسطينية ان تشارك في ذلك المؤتمر من خلال الوفد الاردني.
في ذلك اليوم زار وزير خارجية الجمهورية الاسلامية الايرانية الدكتور علي اكبر ولايتي لبنان وسط تسريبات اعلامية تفيد ان أحد أهم اسباب الزيارة هي "ضبضبة" حزب الله في لبنان بهدف التكيف مع الجو السائد في المنطقة، والتقى الوزير آنذاك - الذي اصبح مستشارا لمرشد الثورة الاسلامية السيد علي خامنئي- ممثلي القوى الوطنية والاسلامية اللبنانية وكان بينهم السيد حسن نصر الله (المنتخب حديثاً أميناً عاماً لحزب الله)، وكذلك "الوزير" نبيه بري، لم يكن قد انتخب بعد رئيساً للمجلس النيابي، والوزير وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، والامناء العامون لاحزاب وتنظيمات وطنية وقومية ويسارية بات أكثرهم فيما بعد نائباً أو وزيراً.
لم استطع في ذلك الاجتماع ان أخفي قلقي ومخاوفي مما كنت اسمعه وأقرأه، بل كنت اريد تبديدهما بشكل نهائي فقلت للوزير ولايتي:
"لقد قرأنا وسمعنا ان لزيارتكم علاقة باقناع حزب الله بالتخلي عن المقاومة والانخراط في العمل السياسي اللبناني، وبغض النظر عما سمعت وقرأت، ورغم انه ليس لي علاقة بحزب الله وقادته آنذاك، بل ربما كان نشاطي "القومي العربي" مثيراً للشكوك والريبة آنذاك في بعض اوساط الحزب، لكنني اود ان أقول للذين يقولون لكم ان المقاومة في لبنان هي من بقايا مرحلة انتهت، أن حزب الله ومقاومته هما من طلائع المستقبل الذي ستتغير على يدها معادلات وتسقط اوهام ويندحر الاحتلال".
لمحت يومها بعض الاستغراب في وجه الدكتور ولايتي، والاندهاش في عيون كثير من الحاضرين الذين فوجئوا بهذا الكلام، وفوجئوا اكثر بصدوره عمن يعتقدون انه يقف في مكان بعيد فكريا وسياسياً عن حزب الله.
لكنني استطردت قائلاً: "نعم يا معالي الوزير، ندرك ان الظروف التي نمر بها ظروف صعبة وقاسية، وان قطار التسوية هو القطار الوحيد في المنطقة، وان من لا يركب فيه يصبح خارج المعادلة، بل خارج المنطقة بأسرها، لكنني اعتقد ان بامكاننا ان نقلب الطاولة على المعسكر الامريكي- الصهيوني عبر بناء جبهة شرقية منيعة ممتدة من الناقورة في جنوب لبنان حتى طهران في قلب ايران مروراً بدمشق وبغداد، متجاوزين كل خلاف أو تناقض أو تناحر من اجل حشد الطاقات لمواجهة عدو الأمة كلها".
وبعد الجلسة، حرص الدكتور ولايتي ان ينفرد بي على هامش الاستراحة لكي يعرف مني اكثر عن اسباب قلقي، وعن آفاق رؤيتي، وقال لي يومها بصوته الهادئ: "أطمئن، فمقاومة المشروع الصهيوني بالنسبة لنا هي مسألة عقائدية، ووحدة الاقليم هي احدى ابرز غاياتنا وعناوين استراتيجيتنا".
حين اذكر اليوم تلك وقائع الجلسة الهامة ادرك بالطبع ان التزام الجمهورية الاسلامية بالمقاومة اللبنانية، كما بالمقاومة الفلسطينية، لم يكن بسبب ملاحظاتي المتواضعة، ولكن لكي ندرك اليوم جميعاً، ونحن نرى تموز الفلسطيني يعانق تموز اللبناني، ان التناوب في المواجهة بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، (بل بينهما وبين المقاومة العراقية للاحتلال، وكل مقاومة عربية واسلامية)، سيبقى رغم كل الصعوبات والمؤامرات والتضحيات هو عنوان مرحلة ليست المقاومة فيها من بقايا ماضٍ، بل هي استمرار لتصميم نعتز به وندخل من خلال المقاومة إلى رحاب العصر والمستقبل في آن...
في العيد الثامن لانتصار لبنان المقاوم (شعباً ورئيساً ومقاومة وجيشاً)، وفي خضم انتصار جديد يخرج من رحم البطولات والتضحيات في غزة، نتطلع إلى وعي عربي متجدد يرفض ان ينزلق اهله إلى مهاوي الاحتراب والتعصب والتمذهب والتوحش ويسقطون في مزالق الابتعاد عن اولوية مواجهة العدو الرئيسي للأمة.
في هذا العيد يحق لنا ان نستمد من وهج النصر في تموز 2006 حكمة نراجع معها مساراتنا جميعاً، وان نمتلك كلنا شجاعة نتخلص بها من أخطاء واساءة تقدير وقعنا بهما، ومن أي حساسيات فئوية أو ذاتية أغرقت بعضنا احياناً، فننتصر على أخطائنا وامراضنا تماماً، كما انتصرنا على أعدائنا ومحتلي ارضنا.
*التجديد
*التجديد