عوني صادق
واحد وخمسون يوماً، هي مدة الحرب "الإسرائيلية" الثالثة على غزة، كانت حصيلتها أكثر من ألفي شهيد، بينهم قادة كبار، وأكثر من أحد عشر ألفاً من الجرحى، كثير منهم جراحهم خطيرة، من دون الحديث عن الدمار الواسع الذي لحق بالمنازل والمؤسسات والبنى التحتية، وما أدى إليه هذا الدمار من تشريد لمئات العائلات، وتفاقم صعوبة الحياة اليومية لأكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون على تراب القطاع الصامد. حصيلة تفسح المجال واسعاً لمن يتباكون على الدم الذي سال ويسيل في غزة، والذين هم في الحقيقة يريدون الطعن في المقاومة "وما جرّته" على القطاع وأهله! أولئك لا يريدون أن يروا ما حققته المقاومة الفلسطينية من إنجازات عسكرية ومعنوية في ميدان المعركة، جعلتها نداً حقيقياً للآلة العسكرية الهائلة للعدو "الإسرائيلي"، وجعلت الكثيرين من المحللين، بمن فيهم "الإسرائيليون"، يرون فيها وفي صمود الشعب نصراً لا شك فيه، آخذين في الاعتبار ذلك الاختلال الكبير في ميزان القوى لمصلحة العدو، وفي الوقت نفسه فشله في تحقيق الانتصار العسكري الذي كان يأمله، والأهداف التي كان يريد. أولئك المتباكون لا يعنيهم الدم الذي يتباكون عليه مثقال خردلة، لكنهم يخشون أن تنتصر المقاومة، لذلك يسعون جاهدين إلى إجهاض انتصارها بكل طريقة ممكنة ومنذ اللحظة الأولى للعدوان، اتضح أن هدف القيادة "الإسرائيلية" الحقيقي منه هو تجريد المقاومة من سلاحها، بعد توجيه ضربة تصورت أنها ستكون قاضية. ووصل الغرور بهذه القيادة أن توقعت أن الأمر لن يستغرق عدد أيام الأسبوع، ولكن المفاجآت التي فجرتها المقاومة الفلسطينية في وجوههم شكّلت صدمة لهم، وأوصلتهم بسرعة إلى استنتاج مفاده أن الوسائل العسكرية لن تحقق الهدف، فبدأ التفكير فوراً في الوسائل البديلة عبر الوساطات و"مبادرات" وقف إطلاق النار، فكانت "المبادرة المصرية" أولى المبادرات مقابل "مبادرات" الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي تحقق له معظم مطالبه، وأمس الأول تم الاتفاق على رفع الحصار عن غزة. وإذ تقف المقاومة الفلسطينية في غزة وحيدة، تواجه الضغوط من كل الاتجاهات، لا ننتظر ولا نتوقع أن يأتي العون من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، أو حتى من الأمم المتحدة، ولا نستغرب انحيازهم جميعاً للعدو "الإسرائيلي"، لأسباب يعرفها الجميع. لكن ما يحزّ في النفس، ويدفع إلى الشعور بالإحباط والقهر، ومن ثمّ إلى السخط، هو تلك المواقف العربية الهزيلة، فمعظم هذه الدول لم يخطر ببالها، إدانة العدوان، ومن شعر بالحرج تحدث عن "المأساة الإنسانية" في غزة من دون أن يحدد المسؤول عنها. وقد يرى البعض أن موقف السلطة الفلسطينية من العدوان "الإسرائيلي" "يشفع" لبعض المواقف العربية. فأثناء وجوده في القاهرة، قبل أيام، أدلى الرئيس محمود عباس بتصريحات أثارت استياء العديد من مسؤولي وكوادر حركة (فتح)، الذين قالوا: "إن دعوة عباس لوقف إطلاق النار، في ظل ميزان القوى الراهن، تعني فتح المجال لإملاءات "إسرائيل"". ورأى أولئك المسؤولون أن تصريحات عباس تظهره محايداً، وليس طرفاً في الصراع"! وتعليقاً على التباكي على الدم المراق في غزة، لاحظوا أن عباس "غلف موقفه بالحرص على الدماء في قطاع غزة، ولكن الدماء التي سفكت والأرواح التي أزهقت تستحق من الرئيس تبني مطالب غزة"! (عرب 48- 25/8/2014). إن الأمر لا يحتاج إلى اجتهاد طويل لمعرفة دوافع الخوف والخشية من انتصار المقاومة في غزة. فانتصار المقاومة يضع أمام الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية كلها، استنتاجات قديمة استطاع الصهاينة وأنصارهم إهالة التراب عليها في سنوات المفاوضات والاستبداد. وأول تلك الاستنتاجات، على الصعيد الفلسطيني، عقم سياسة المفاوضات ونجاعة سياسة المقاومة المسلحة. إن عشرين سنة من المفاوضات بعد "اتفاق أسلو" لم تحقق شيئاً من حقوق ومطالب الفلسطينيين، بل أضاعت ما كان تحت أيديهم عند توقيع الاتفاق - المؤامرة. أما على الصعيد العربي، فيؤكد سقوط سياسات الخنوع العربية، وفشلها في الدفاع عن أبسط حقوق المواطن العربي في الحرية والسيادة الوطنية. والخوف كل الخوف أن يؤدي انتصار المقاومة الفلسطينية إلى وعي الشعوب العربية للدرس الفلسطيني واتباعه، في ظروف تساعد وتشجع على ذلك.
*التجديد
واحد وخمسون يوماً، هي مدة الحرب "الإسرائيلية" الثالثة على غزة، كانت حصيلتها أكثر من ألفي شهيد، بينهم قادة كبار، وأكثر من أحد عشر ألفاً من الجرحى، كثير منهم جراحهم خطيرة، من دون الحديث عن الدمار الواسع الذي لحق بالمنازل والمؤسسات والبنى التحتية، وما أدى إليه هذا الدمار من تشريد لمئات العائلات، وتفاقم صعوبة الحياة اليومية لأكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون على تراب القطاع الصامد. حصيلة تفسح المجال واسعاً لمن يتباكون على الدم الذي سال ويسيل في غزة، والذين هم في الحقيقة يريدون الطعن في المقاومة "وما جرّته" على القطاع وأهله! أولئك لا يريدون أن يروا ما حققته المقاومة الفلسطينية من إنجازات عسكرية ومعنوية في ميدان المعركة، جعلتها نداً حقيقياً للآلة العسكرية الهائلة للعدو "الإسرائيلي"، وجعلت الكثيرين من المحللين، بمن فيهم "الإسرائيليون"، يرون فيها وفي صمود الشعب نصراً لا شك فيه، آخذين في الاعتبار ذلك الاختلال الكبير في ميزان القوى لمصلحة العدو، وفي الوقت نفسه فشله في تحقيق الانتصار العسكري الذي كان يأمله، والأهداف التي كان يريد. أولئك المتباكون لا يعنيهم الدم الذي يتباكون عليه مثقال خردلة، لكنهم يخشون أن تنتصر المقاومة، لذلك يسعون جاهدين إلى إجهاض انتصارها بكل طريقة ممكنة ومنذ اللحظة الأولى للعدوان، اتضح أن هدف القيادة "الإسرائيلية" الحقيقي منه هو تجريد المقاومة من سلاحها، بعد توجيه ضربة تصورت أنها ستكون قاضية. ووصل الغرور بهذه القيادة أن توقعت أن الأمر لن يستغرق عدد أيام الأسبوع، ولكن المفاجآت التي فجرتها المقاومة الفلسطينية في وجوههم شكّلت صدمة لهم، وأوصلتهم بسرعة إلى استنتاج مفاده أن الوسائل العسكرية لن تحقق الهدف، فبدأ التفكير فوراً في الوسائل البديلة عبر الوساطات و"مبادرات" وقف إطلاق النار، فكانت "المبادرة المصرية" أولى المبادرات مقابل "مبادرات" الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي تحقق له معظم مطالبه، وأمس الأول تم الاتفاق على رفع الحصار عن غزة. وإذ تقف المقاومة الفلسطينية في غزة وحيدة، تواجه الضغوط من كل الاتجاهات، لا ننتظر ولا نتوقع أن يأتي العون من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، أو حتى من الأمم المتحدة، ولا نستغرب انحيازهم جميعاً للعدو "الإسرائيلي"، لأسباب يعرفها الجميع. لكن ما يحزّ في النفس، ويدفع إلى الشعور بالإحباط والقهر، ومن ثمّ إلى السخط، هو تلك المواقف العربية الهزيلة، فمعظم هذه الدول لم يخطر ببالها، إدانة العدوان، ومن شعر بالحرج تحدث عن "المأساة الإنسانية" في غزة من دون أن يحدد المسؤول عنها. وقد يرى البعض أن موقف السلطة الفلسطينية من العدوان "الإسرائيلي" "يشفع" لبعض المواقف العربية. فأثناء وجوده في القاهرة، قبل أيام، أدلى الرئيس محمود عباس بتصريحات أثارت استياء العديد من مسؤولي وكوادر حركة (فتح)، الذين قالوا: "إن دعوة عباس لوقف إطلاق النار، في ظل ميزان القوى الراهن، تعني فتح المجال لإملاءات "إسرائيل"". ورأى أولئك المسؤولون أن تصريحات عباس تظهره محايداً، وليس طرفاً في الصراع"! وتعليقاً على التباكي على الدم المراق في غزة، لاحظوا أن عباس "غلف موقفه بالحرص على الدماء في قطاع غزة، ولكن الدماء التي سفكت والأرواح التي أزهقت تستحق من الرئيس تبني مطالب غزة"! (عرب 48- 25/8/2014). إن الأمر لا يحتاج إلى اجتهاد طويل لمعرفة دوافع الخوف والخشية من انتصار المقاومة في غزة. فانتصار المقاومة يضع أمام الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية كلها، استنتاجات قديمة استطاع الصهاينة وأنصارهم إهالة التراب عليها في سنوات المفاوضات والاستبداد. وأول تلك الاستنتاجات، على الصعيد الفلسطيني، عقم سياسة المفاوضات ونجاعة سياسة المقاومة المسلحة. إن عشرين سنة من المفاوضات بعد "اتفاق أسلو" لم تحقق شيئاً من حقوق ومطالب الفلسطينيين، بل أضاعت ما كان تحت أيديهم عند توقيع الاتفاق - المؤامرة. أما على الصعيد العربي، فيؤكد سقوط سياسات الخنوع العربية، وفشلها في الدفاع عن أبسط حقوق المواطن العربي في الحرية والسيادة الوطنية. والخوف كل الخوف أن يؤدي انتصار المقاومة الفلسطينية إلى وعي الشعوب العربية للدرس الفلسطيني واتباعه، في ظروف تساعد وتشجع على ذلك.
*التجديد