إخليهن محمد الأمين
علامة مقت الله للعبد مخالفة قوله لفعله، ومن هنا كان عتب الله عز وجل على المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
في الآية الكريمة استفهام إنكاري على الذين يقولون ما لا يفعلون. وقد جاء هذا الإستنكار مقرونا بوصف في غاية التفظيع لهذا الأمر، وهو مقت الله لمن يخالف قوله فعله، وقد اختير (لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه)( ).
والمقت هو (البغض من أجل ذنب أو ريبة أو دناءة يصنعها الممقوت)( ). و’’المقت’’ من الله لفعل العبد وسلوكياته أمر مهول، وشيء مخيف، فكيف إذا كان هذا ’’المقت’’موصوفا بأنه مقت كبير؟!!
إن الذين يملؤون آذان الناس بالكلام الجميل، وطيب القول، ويكثرون الضجيج وانتقاد الآخرين ثم لا تكون فعالهم تصديقا لما نطقت به ألسنتهم لا يصح أن يوصفوا بشيء إلا بقلة العقل والبلادة، ولما كان بنو إسرائيل كذلك وصفهم الله بقوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
ذلك أن (عمل الإنسان بضد ما يعلم، وضد ما يأمر به غيره، لا يصدر عن إنسان سوي في عقله، ناضج في فكره، إنما هو ضرب من الجنون)( )، ولذلك جاءت النصوص تذم هذا الصنف من الناس، وتتوعده بغضب الله، وبعذابه الأليم: روى مسلم، عن أسامة بن زيد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان! مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه).
وما أروع ما قال أبو الأسود الدوئلي رضي الله عنه:
يا أيهـــا الرجـــــــــــل المعلــم غيـــره**هلا لنفســـك كان ذا التعليــــم؟
ابدأ بنفســـك فانههــــا عن غيهـا**فإذا انتهت فأنت حكــــــــــيم
فقبيح بالمرء أن يتصدر لتعليم الناس، وتقويم اعوجاجهم، ويكثر انتقاده لتصرفاتهم، ويكون ذو لسان عريض ومقال طويل ثم لا يرتفع في تصرفاته، وسلوكياته عن مستوى الدهماء.
(ولعمري، كم من فقيه يقول للناس: هذا حرام، فلا يزيد هذا الحرام إلا ظهورا وانكشافا؛ ما دام لا ينطق إلا نطق الكتب، ولا يحسن أن يصل بين النفس والشرع، وقد خلا من القوة التي تجعله روحا تتعلق الأرواح بها وتضعه بين الناس في موضع يكون به في اعتبارهم كأنه آت من الجنة منذ قريب، راجع إليها بعد قريب)( ).
والمؤمن الصادق يفصح بحاله، وفعاله قبل أن ينطق بأقواله، ويروى أن زاهدا قُدِّمَ إلى المحراب ليصلي بالناس ، فقال : استووا رحمكم الله! ثم تراجع إلى الصف وأبى، وقال : ’’إني استحيت من ربي أن آمركم بالاستواء وأكون مقيما على عوج’’.
(وتأخره مرجوح، وفي ذلك مسحة تكلف يميزها الفقيه، لكن المربي يجد في القصة عظة. فالداعية إمام لمن حوله، يقول لهم: استووا على أخلاق وأدب وحكم شرعي وإصلاح، فأنى ينبغي له إفتاء نفسه بعوج يحرف استقامتهم؟ بل يشدد على نفسه ويأبى أن يكون أول مخالف!! )( ).
فــ( الناس تطلب ممن يرشح نفسه لمهمات الإصلاح الصعبة صرامة، وإصرارا على حمل الأمانة، ودلائل صدق، وتلبسا بما يدعو إليه، وتقديم البرهان على أنه السابق وأول الفاعلين، وعندئذ تطيب نفوس الناس لبذل وتضحية ومسارعة إلى ما يشير إليه القدوة)( ).
وقد ورد في الكتاب العزيز قول الله تعالى على لسان سيدنا شعيب عليه السلام في خطابه لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
إن الكلمات التي تتردد على الألسن لن تغير من واقع الناس شيئا، ولن تحدث انجازا ذا قيمة ما لم تجد ناسا يطبقونها في واقع الحياة، و يجسدونها في سلوك واقعي، ويجعلون منها مثلا حيا يراه الناس، لأن الكلام قد لا يستوعبه الكل، وقد ينسى، وقد يبقى حتى في شكل نظريات يجهل الناس تطبيقها أو يطبقونها بشكل خاطئ، ولكنه إذا تجسد في شكل عملي ورآه الناس سهل عليهم تطبيقه، والاقتناع به، ولأن الأفعال أبلغ من الأقوال، والقول الذي لا يسنده الفعل لن يكتب له البقاء، واستمع إلى الشهيد سيد قطب رحمه الله، وهو يعظك، ويذكرك بأنه: (ليست كل كلمة تبلغ إلى قلوب الآخرين فتحركها وتجمعها وتدفعها، إنها الكلمات التي تقطر دماء لأنها تقتات قلب إنسان حي، كل كلمة عاشت قد اقتات قلب إنسان، أما الكلمات التي ولدت في الأفواه وقذفت بها الألسنة ولم تتصل بذلك النبع الإلهي الحي فقد ولدت ميتة، ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى الأمام، إن أحدا لن يتبناها لأنها ولدت ميتة والناس لا يتبنون الأموات )( ).
وإنما هي الكلمات التي تقتات قلوب المصلحين، وحدها هي التي تصنع الحياة، ويحتفي بها الناس، ( إذ ليس المصلح من فكر وكتب، ووعظ وخطب، ولكنه الحي العظيم الذي تلتمسه الفكرة العظيمة لتحيا فيه... فيكون تاريخه ووصفه هو وصف تلك الفكرة وتاريخها )( ).
وقد وعى هذه المعاني سلفنا الصالح فكان الواحد من إذا أمر بشيء كان أول المبادرين لتنفيذه، وإذا انتقد سلوكا سيئا كان أو التاركين له، وكان عبد الواحد بن زياد رحمه الله يقول: (ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم عنه).
وقد قال الشيخ أبو العباس الغبريني عن شيخه العلامة أحمد بن عثمان القيسي الفقيه المالكي، (ولما وقع بصري عليه أدركني من الوقار والخشية لله ما لم أقْدره، ورمقت عيناي ووجدت في نفسي نشاطا وسرورا)( ).
علامة مقت الله للعبد مخالفة قوله لفعله، ومن هنا كان عتب الله عز وجل على المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
في الآية الكريمة استفهام إنكاري على الذين يقولون ما لا يفعلون. وقد جاء هذا الإستنكار مقرونا بوصف في غاية التفظيع لهذا الأمر، وهو مقت الله لمن يخالف قوله فعله، وقد اختير (لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه)( ).
والمقت هو (البغض من أجل ذنب أو ريبة أو دناءة يصنعها الممقوت)( ). و’’المقت’’ من الله لفعل العبد وسلوكياته أمر مهول، وشيء مخيف، فكيف إذا كان هذا ’’المقت’’موصوفا بأنه مقت كبير؟!!
إن الذين يملؤون آذان الناس بالكلام الجميل، وطيب القول، ويكثرون الضجيج وانتقاد الآخرين ثم لا تكون فعالهم تصديقا لما نطقت به ألسنتهم لا يصح أن يوصفوا بشيء إلا بقلة العقل والبلادة، ولما كان بنو إسرائيل كذلك وصفهم الله بقوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
ذلك أن (عمل الإنسان بضد ما يعلم، وضد ما يأمر به غيره، لا يصدر عن إنسان سوي في عقله، ناضج في فكره، إنما هو ضرب من الجنون)( )، ولذلك جاءت النصوص تذم هذا الصنف من الناس، وتتوعده بغضب الله، وبعذابه الأليم: روى مسلم، عن أسامة بن زيد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان! مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه).
وما أروع ما قال أبو الأسود الدوئلي رضي الله عنه:
يا أيهـــا الرجـــــــــــل المعلــم غيـــره**هلا لنفســـك كان ذا التعليــــم؟
ابدأ بنفســـك فانههــــا عن غيهـا**فإذا انتهت فأنت حكــــــــــيم
فقبيح بالمرء أن يتصدر لتعليم الناس، وتقويم اعوجاجهم، ويكثر انتقاده لتصرفاتهم، ويكون ذو لسان عريض ومقال طويل ثم لا يرتفع في تصرفاته، وسلوكياته عن مستوى الدهماء.
(ولعمري، كم من فقيه يقول للناس: هذا حرام، فلا يزيد هذا الحرام إلا ظهورا وانكشافا؛ ما دام لا ينطق إلا نطق الكتب، ولا يحسن أن يصل بين النفس والشرع، وقد خلا من القوة التي تجعله روحا تتعلق الأرواح بها وتضعه بين الناس في موضع يكون به في اعتبارهم كأنه آت من الجنة منذ قريب، راجع إليها بعد قريب)( ).
والمؤمن الصادق يفصح بحاله، وفعاله قبل أن ينطق بأقواله، ويروى أن زاهدا قُدِّمَ إلى المحراب ليصلي بالناس ، فقال : استووا رحمكم الله! ثم تراجع إلى الصف وأبى، وقال : ’’إني استحيت من ربي أن آمركم بالاستواء وأكون مقيما على عوج’’.
(وتأخره مرجوح، وفي ذلك مسحة تكلف يميزها الفقيه، لكن المربي يجد في القصة عظة. فالداعية إمام لمن حوله، يقول لهم: استووا على أخلاق وأدب وحكم شرعي وإصلاح، فأنى ينبغي له إفتاء نفسه بعوج يحرف استقامتهم؟ بل يشدد على نفسه ويأبى أن يكون أول مخالف!! )( ).
فــ( الناس تطلب ممن يرشح نفسه لمهمات الإصلاح الصعبة صرامة، وإصرارا على حمل الأمانة، ودلائل صدق، وتلبسا بما يدعو إليه، وتقديم البرهان على أنه السابق وأول الفاعلين، وعندئذ تطيب نفوس الناس لبذل وتضحية ومسارعة إلى ما يشير إليه القدوة)( ).
وقد ورد في الكتاب العزيز قول الله تعالى على لسان سيدنا شعيب عليه السلام في خطابه لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
إن الكلمات التي تتردد على الألسن لن تغير من واقع الناس شيئا، ولن تحدث انجازا ذا قيمة ما لم تجد ناسا يطبقونها في واقع الحياة، و يجسدونها في سلوك واقعي، ويجعلون منها مثلا حيا يراه الناس، لأن الكلام قد لا يستوعبه الكل، وقد ينسى، وقد يبقى حتى في شكل نظريات يجهل الناس تطبيقها أو يطبقونها بشكل خاطئ، ولكنه إذا تجسد في شكل عملي ورآه الناس سهل عليهم تطبيقه، والاقتناع به، ولأن الأفعال أبلغ من الأقوال، والقول الذي لا يسنده الفعل لن يكتب له البقاء، واستمع إلى الشهيد سيد قطب رحمه الله، وهو يعظك، ويذكرك بأنه: (ليست كل كلمة تبلغ إلى قلوب الآخرين فتحركها وتجمعها وتدفعها، إنها الكلمات التي تقطر دماء لأنها تقتات قلب إنسان حي، كل كلمة عاشت قد اقتات قلب إنسان، أما الكلمات التي ولدت في الأفواه وقذفت بها الألسنة ولم تتصل بذلك النبع الإلهي الحي فقد ولدت ميتة، ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى الأمام، إن أحدا لن يتبناها لأنها ولدت ميتة والناس لا يتبنون الأموات )( ).
وإنما هي الكلمات التي تقتات قلوب المصلحين، وحدها هي التي تصنع الحياة، ويحتفي بها الناس، ( إذ ليس المصلح من فكر وكتب، ووعظ وخطب، ولكنه الحي العظيم الذي تلتمسه الفكرة العظيمة لتحيا فيه... فيكون تاريخه ووصفه هو وصف تلك الفكرة وتاريخها )( ).
وقد وعى هذه المعاني سلفنا الصالح فكان الواحد من إذا أمر بشيء كان أول المبادرين لتنفيذه، وإذا انتقد سلوكا سيئا كان أو التاركين له، وكان عبد الواحد بن زياد رحمه الله يقول: (ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم عنه).
وقد قال الشيخ أبو العباس الغبريني عن شيخه العلامة أحمد بن عثمان القيسي الفقيه المالكي، (ولما وقع بصري عليه أدركني من الوقار والخشية لله ما لم أقْدره، ورمقت عيناي ووجدت في نفسي نشاطا وسرورا)( ).