نبيل البكيري
القول بأن نجاح جماعة الحوثي، في تقدمها على الأرض، يرجع إلى قوة هذه الجماعة أو قدرتها على تحقيق اختراق ما للمكونات القبلية والمذهبية، مقولة تحتاج إلى أدلة لإثباتها على أرض الواقع بعيدا عن مجرد الافتراض الذهني.
صحيح هناك تقدم ملحوظ للجماعة على الأرض، ولكنه لم يتحقق بفعل قوتها بل لأسباب عدة موضوعية وراء ذلك، لا يمكن إغفالها في تقييم وضع هذه الجماعة المسلحة. الجماعة، التي حققت أخيرا حضورا لافتا بفعل ما يفترض أنه توسع عسكري، تسعى لتحقيق هدفها العقائدي الكبير متمثلا بعودة نظام الإمامة الثيوقراطي من جديد بعد خلاص اليمنيين منه في الـ26 من سبتمبر (أيلول) 1962م.
ولكن في المقابل، لا يمكن إغفال أو فصل ما تقوم به جماعة الحوثي من تقدم على الأرض، بعدما حسمت بالكامل مسألة سيطرتها على محافظة صعدة، بفعل الانسحاب المفاجئ لسلفيي كتاف ودماج في بداية هذا العام، عن جملة تفاعلات المشهد السياسي اليمني برمته، بعد تنازل الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن الرئاسة يوم 3-6-2012م، وعما شهدته بعد ذلك خريطة التحالفات السياسية من تحولات دراماتيكية واضحة.
لا يخفى على المراقب العادي جملة الأسباب التي جعلت جماعة الحوثي تظهر بهذا الشكل المبالغ فيه إعلاميا إلى حد ما. وفي مقدمة تلك الأسباب يأتي التحالف غير المعلن بين الرئيس السابق وجماعة الحوثي، الذي بموجبه تم تمكين هذه الجماعة من كل إمكانيات ليس فقط حزب المؤتمر الشعبي، الذي ما زال صالح يتربع على رئاسته، بل تمكينها من كل الإمكانيات العسكرية التي سبقت مصادرتها من مؤسسات الجيش ووحداته الخاصة، من قبل أفراد أسرة الرئيس صالح، الذين كانوا ممسكين بأهم تلك الوحدات، حتى وقت قريب.
ومن الأسباب أيضا، يأتي الدعم الإيراني الكبير ماليا ولوجيستيا وإعلاميا لهذه الجماعة، التي يجري تدريب أفرادها على أيدي «الحرس الثوري الإيراني» في لبنان وبعض المعسكرات على الأراضي الإريترية، كاستراتيجية إيرانية بعيدة المدى تجاه اليمن، باعتباره عمقا استراتيجيا لدول الخليج وحزامها الأمني الجنوبي وخاصة للمملكة العربية السعودية.
فيما يتعلق بتحالف صالح والحوثي، أعتقد أنه وفر للحوثيين الكثير من الجهد والوقت، ذلك أن معظم المشايخ القبليين الذين تواطأوا مع جماعة الحوثي في قبيلة حاشد، هم أصلا حلفاء للرئيس صالح، الذي قدم بدوره أموالا طائلة لبعض هؤلاء المشايخ، مقابل سماحهم بدخول ميليشيا الحوثي إلى حاشد لضرب خصومه الألداء بيت الأحمر. ومن ثم، فإن الحديث عن قدرة الحوثي على اختراق القبائل في ضوء كل ما قلناه، يسقط تماما أمام مثل هذه الحقائق. وهذا بالإضافة إلى أن معظم المواجهات التي هزمت فيها جماعة الحوثي كانت كلها أمام رجال القبائل كما حصل في أرحب والجوف والرضمة. وبالتالي فـ«الاختراقات» التي يجري الحديث عنها ليست للقبائل بقدر ما هي عمليات تهدف لإعادة التحالفات بين رموز النظام السابق - من جناح الرئيس صالح - وجماعة الحوثي... نكاية بالقوى الثورية التي ينظر لها صالح وأفراد نظامه أنها كانت سبب إزاحته عن السلطة، فيحاول الانتقام منها بجماعة الحوثي، التي غدت المستفيد الوحيد من هذه الخصومة للقضاء على الجميع. إلا أن الجزء الأهم والأخطر، بحسب بعض المراقبين، هو أن الدعم الإقليمي، الذي ما زال يقدم للرئيس صالح، يذهب جله لجماعة الحوثي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما ظهر في مواجهات الجماعة الأخيرة مع وحدات الجيش في محافظة عمران.
أما فيما يتعلق بموضوع الفيدرالية، فلا شك في أن مسألة الفيدرالية أو الأقاليم تمثل واحدة من القضايا الإشكالية، التي حسمت معظم تفاصيلها... فيما ينقسم الفاعلون السياسيون حول بعضها الآخر. وفي مقدمة هؤلاء الفاعلين تأتي جماعة الحوثي بموقفها المريب من مسألة «الأقاليم» بين القبول المشروط أدبيا، والرفض التام واقعيا وعمليا.
إن مقترح التقسيم الأولي لليمن، بحسب مخرجات «الحوار الوطني»، إلى ستة أقاليم... وضع جماعة الحوثي في موقف صعب، بالنظر إلى موقفها الرافض للفكرة من أساسها.
وهنا أشير إلى أن الجماعة طرحت شروطا للقبول بهذا التقسيم من قبل، في مقدمها تمكينها من محافظة الجوف التي تشير بعض التقارير إلى وجود كميات نفطية واعدة فيها، فضلا عن مطالبتها بمحافظة حجة التي تطل على البحر الأحمر من خلال ميناء ميدي، الذي تريده جماعة الحوثي منفذا بحريا لها يربطها بالعالم.
كثيرون من المراقبين يرون أن التوسع الحوثي المسلح - بعد هزيمة الحوثيين في الجوف - فيما بات يسمى بـ«إقليم أزال» الذي يضم محافظات صنعاء وذمار وعمران وصعدة، حيث التركز الزيدي، يأتي من قبيل استعادة ما تعتبره الجماعة «حقا تاريخيا». وهي تريد قاعدة انطلاق لتمددها وتوسيع نفوذها إلى ما هو أبعد من الإقليم... إلى عموم اليمن. فحسب أدبيات هذه الجماعة وممارساتها على الأرض، نرى أنها تنطلق من منحى عقائدي تاريخي صرف... لا يؤمن مطلقا بكل مفردات الحداثة السياسية والمعاهدات والمواثيق الدولية.
* صحافي وباحث يمني يرأس المنتدى العربي للدراسات
القول بأن نجاح جماعة الحوثي، في تقدمها على الأرض، يرجع إلى قوة هذه الجماعة أو قدرتها على تحقيق اختراق ما للمكونات القبلية والمذهبية، مقولة تحتاج إلى أدلة لإثباتها على أرض الواقع بعيدا عن مجرد الافتراض الذهني.
صحيح هناك تقدم ملحوظ للجماعة على الأرض، ولكنه لم يتحقق بفعل قوتها بل لأسباب عدة موضوعية وراء ذلك، لا يمكن إغفالها في تقييم وضع هذه الجماعة المسلحة. الجماعة، التي حققت أخيرا حضورا لافتا بفعل ما يفترض أنه توسع عسكري، تسعى لتحقيق هدفها العقائدي الكبير متمثلا بعودة نظام الإمامة الثيوقراطي من جديد بعد خلاص اليمنيين منه في الـ26 من سبتمبر (أيلول) 1962م.
ولكن في المقابل، لا يمكن إغفال أو فصل ما تقوم به جماعة الحوثي من تقدم على الأرض، بعدما حسمت بالكامل مسألة سيطرتها على محافظة صعدة، بفعل الانسحاب المفاجئ لسلفيي كتاف ودماج في بداية هذا العام، عن جملة تفاعلات المشهد السياسي اليمني برمته، بعد تنازل الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن الرئاسة يوم 3-6-2012م، وعما شهدته بعد ذلك خريطة التحالفات السياسية من تحولات دراماتيكية واضحة.
لا يخفى على المراقب العادي جملة الأسباب التي جعلت جماعة الحوثي تظهر بهذا الشكل المبالغ فيه إعلاميا إلى حد ما. وفي مقدمة تلك الأسباب يأتي التحالف غير المعلن بين الرئيس السابق وجماعة الحوثي، الذي بموجبه تم تمكين هذه الجماعة من كل إمكانيات ليس فقط حزب المؤتمر الشعبي، الذي ما زال صالح يتربع على رئاسته، بل تمكينها من كل الإمكانيات العسكرية التي سبقت مصادرتها من مؤسسات الجيش ووحداته الخاصة، من قبل أفراد أسرة الرئيس صالح، الذين كانوا ممسكين بأهم تلك الوحدات، حتى وقت قريب.
ومن الأسباب أيضا، يأتي الدعم الإيراني الكبير ماليا ولوجيستيا وإعلاميا لهذه الجماعة، التي يجري تدريب أفرادها على أيدي «الحرس الثوري الإيراني» في لبنان وبعض المعسكرات على الأراضي الإريترية، كاستراتيجية إيرانية بعيدة المدى تجاه اليمن، باعتباره عمقا استراتيجيا لدول الخليج وحزامها الأمني الجنوبي وخاصة للمملكة العربية السعودية.
فيما يتعلق بتحالف صالح والحوثي، أعتقد أنه وفر للحوثيين الكثير من الجهد والوقت، ذلك أن معظم المشايخ القبليين الذين تواطأوا مع جماعة الحوثي في قبيلة حاشد، هم أصلا حلفاء للرئيس صالح، الذي قدم بدوره أموالا طائلة لبعض هؤلاء المشايخ، مقابل سماحهم بدخول ميليشيا الحوثي إلى حاشد لضرب خصومه الألداء بيت الأحمر. ومن ثم، فإن الحديث عن قدرة الحوثي على اختراق القبائل في ضوء كل ما قلناه، يسقط تماما أمام مثل هذه الحقائق. وهذا بالإضافة إلى أن معظم المواجهات التي هزمت فيها جماعة الحوثي كانت كلها أمام رجال القبائل كما حصل في أرحب والجوف والرضمة. وبالتالي فـ«الاختراقات» التي يجري الحديث عنها ليست للقبائل بقدر ما هي عمليات تهدف لإعادة التحالفات بين رموز النظام السابق - من جناح الرئيس صالح - وجماعة الحوثي... نكاية بالقوى الثورية التي ينظر لها صالح وأفراد نظامه أنها كانت سبب إزاحته عن السلطة، فيحاول الانتقام منها بجماعة الحوثي، التي غدت المستفيد الوحيد من هذه الخصومة للقضاء على الجميع. إلا أن الجزء الأهم والأخطر، بحسب بعض المراقبين، هو أن الدعم الإقليمي، الذي ما زال يقدم للرئيس صالح، يذهب جله لجماعة الحوثي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما ظهر في مواجهات الجماعة الأخيرة مع وحدات الجيش في محافظة عمران.
أما فيما يتعلق بموضوع الفيدرالية، فلا شك في أن مسألة الفيدرالية أو الأقاليم تمثل واحدة من القضايا الإشكالية، التي حسمت معظم تفاصيلها... فيما ينقسم الفاعلون السياسيون حول بعضها الآخر. وفي مقدمة هؤلاء الفاعلين تأتي جماعة الحوثي بموقفها المريب من مسألة «الأقاليم» بين القبول المشروط أدبيا، والرفض التام واقعيا وعمليا.
إن مقترح التقسيم الأولي لليمن، بحسب مخرجات «الحوار الوطني»، إلى ستة أقاليم... وضع جماعة الحوثي في موقف صعب، بالنظر إلى موقفها الرافض للفكرة من أساسها.
وهنا أشير إلى أن الجماعة طرحت شروطا للقبول بهذا التقسيم من قبل، في مقدمها تمكينها من محافظة الجوف التي تشير بعض التقارير إلى وجود كميات نفطية واعدة فيها، فضلا عن مطالبتها بمحافظة حجة التي تطل على البحر الأحمر من خلال ميناء ميدي، الذي تريده جماعة الحوثي منفذا بحريا لها يربطها بالعالم.
كثيرون من المراقبين يرون أن التوسع الحوثي المسلح - بعد هزيمة الحوثيين في الجوف - فيما بات يسمى بـ«إقليم أزال» الذي يضم محافظات صنعاء وذمار وعمران وصعدة، حيث التركز الزيدي، يأتي من قبيل استعادة ما تعتبره الجماعة «حقا تاريخيا». وهي تريد قاعدة انطلاق لتمددها وتوسيع نفوذها إلى ما هو أبعد من الإقليم... إلى عموم اليمن. فحسب أدبيات هذه الجماعة وممارساتها على الأرض، نرى أنها تنطلق من منحى عقائدي تاريخي صرف... لا يؤمن مطلقا بكل مفردات الحداثة السياسية والمعاهدات والمواثيق الدولية.
* صحافي وباحث يمني يرأس المنتدى العربي للدراسات