مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الرهان الصهيوني على إسقاط أردوغان
صالح النعامي
على الرغم من أن التعليمات الصارمة التي أصدرها رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتياهو لوزرائه وكبار موظفي حكومته بعدم الإدلاء بتصريحات تتعلق بالأزمة الداخلية في تركيا حالياً، حتى لا يستغلها أردوغان، إلا إن النخبة الصهيونية لم تضبط نفسها وتعبر بكل قوة عن سعادتها بما يحدث، ولا تتردد في التأكيد على أنه يحدوها الأمل أن تسفر الأزمة الحالية عن التخلص من أردوغان. ويأملون في تل أبيب أن تتراجع شعبية أردوغان وحزبه في الانتخابات القادمة بشكل كبير بفعل الأحداث الجارية في تركيا، مما يؤدي إلى خسارته الانتخابات القادمة. إن أحد أهم الرهانات الصهيونية على إسقاط أردوغان هو استعادة القوى العلمانية دورها ومكانتها، وتحديداً قيادة الجيش.و تجاهر النخبة الصهيونية بالقول إن ’’ التخلص ’’ من أردوغان سيؤدي حتماً إلى تحسين البيئة الإستراتيجية للكيان الصهيوني، ويمثل تطوراً مهماً في تقليص مخاطر الربيع العربي. اللافت أن هناك ما يؤشر على أن إسرائيل مرتاحة تماماً لموقف فتح غولون، زعيم جماعة ’’ حزمت ’’، والذي يتربص بأردوغان الدوائر، ويفتعل ضده الأزمات.

استعادة الشراكة الإستراتيجية

ويقوم المنطق الصهيوني على افتراض مفاده أن قيادة تركية ستخلف أردوغان في زعامة تركيا ستعمل على استعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني وتبتعد عن العالم العربي. ولقد كان ألون ليفين، وكيل وزارة الخارجية الصهيوني الأسبق والذي شغل منصب سفير إسرائيل في أنقرة من أوضح المحتفين بما يحدث في تركيا، حيث أكد أن ’’ إسرائيل هي أكثر الأطراف استفادة من سقوط أردوغان ’’.وتمنى ليفين، الذي يعمل أستاذاً للعلوم السياسية في الجامعة العبرية، والذي يعتبر أهم الخبراء في الشأن التركي أن تسفر المواجهة أردوغان مع جماعة غولن إلى فشل حزب أردوغان في الانتخابات القادمة. واعتبر ليفين أن هناك ما يؤشر إلى تأثر الوضع الاقتصادي التركي بالأزمة الأخيرة، مشيراً إلى تراجع الأسهم في البورصة التركية، في الوقت الذي ازدهرت فيه كل البورصات الكبرى في العالم.ونوه ليفين إلى أن تراجع الأوضاع الاقتصادية في تركيا سيضر بمستقبل أردوغان على اعتبار أن التأييد الواسع الذي يحظى به نجم عن تحسن الأوضاع الاقتصادية في عهده، مدعياً أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا حالياً هي الأخطر منذ عام 2001، مشيراً إلى أن تراجع قيمة الليرة التركية بشكل أضر بمكانة تركيا كدولة ناقلة للطاقة، مشيراً إلى أنها تنقل النفط والغاز من آسيا لأوروبا.

ومن الواضح أن ليفين يحاول طمأنة نفسه من خلال تعقب تأثير الأوضاع الاقتصادية في تركيا على مستقبل أردوغان، في الوقت الذي تدلل كل المعطيات العالية على أن الاقتصاد التركي هو من أكثر الاقتصاديات العالمية نمواً. ويمكن فهم سلوك ليفين من باب ’’ الاستئناس ’’، ولا يرتكز على معطيات حقيقية. أما تساحي هنغبي وزير الأمن الداخلي الأسبق، ورئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست فيرى أن أحد التحديات الملحة التي تواجه إسرائيل هو الحرص على منع تواصل تدهور العلاقات مع تركيا، والعمل بكل قوة من أجل إعادتها لسابق عهدها، سواء ظل أردوغان أو غادر. وبخلاف ليفين، فأن هنغبي يعبر عن يأسه من إمكانية أن تفضي أية انتخابات قادمة إلى إضعاف أردوغان، مشيراً إلى أن الاستفتاء السابق على التعديلات الدستورية أظهرت ضعف معارضيه من العلمانيين الذين وصفهم بـ ’’ الكماليين ’’. ونوه هنغبي إلى أن ما يثير اليأس هو حقيقة أن إظهار العداء لإسرائيل يمثل وسيلة لمراكمة التأييد، مشيراً إلى أن أردوغان سيواصل التشدد في الأقوال والأفعال ضد إسرائيل، كلما أيقن أن مثل هذا السلوك سيؤدي إلى تعاظم قوته السياسية على الصعيد الداخلي. ويزعم هنغبي أن تطرف القيادة التركية يرجع بشكل أساس إلى التطرف الذي يهيمن على تركيا والعالم الإسلامي بشكل عام، بحيث أن أردوغان يعبر عن هذا التطرف. لكن هنغبي يؤكد بشكل واضح وصريح أن توقف الجيش التركي عن لعب دور حامي العلمانية أفقد إسرائيل أهم مركب أسهم في تعزيز التعاون الإستراتيجي. من هنا، فقد تولد الانطباع وترسخ داخل الكيان الصهيوني بأن التخلص من أردوغان سيكون مقترن بعودة الشراكة الإستراتيجية مع تركيا، على اعتبار أن ذهاب أردوغان سيتبعه عودة العسكر، الذين ينظر إليهم كحلفاء من الطراز الأول للكيان الصهيوني.

توظيف الضغوط الاقتصادية

و هناك في الكيان الصهيوني من يرى إنه لا يكفي الرهان على الأزمة الداخلية الحالية من أجل التخلص من أردوغان، أو على الأقل اجباره على تغيير سياساته تجاه إسرائيل، بل يجب توظيف أوراق أخرى. وتشير الكثير من المحافل الصهيونية إلى ضرورة توظيف حاجة أردوغان إلى مواصلة الازدهار الاقتصادي على اعتبار أنه الضمانة الأساس لنجاح حزبه، وضمان مواصلة تحقيق هذا الهدف يتطلب مواصلة تعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة وأوروبا. وتدعي هذه المحافل أن سياسات أردوغان تثير الانتقاد في كل من الولايات المتحدة، سيما في الكونغرس، وفي دول رائدة في الإتحاد الأوروبي. وهناك في تل ابيب من يزعم أن سلوك أردوغان أثار تساؤلات في الغرب، مثل قراره إعادة السفير التركي من إسرائيل، الغاء مشاركة إسرائيل في المناورة المشتركة ANATOLIAN EAGLE ، ومحاولات تركيا لإفشال الجهود العالمية لإحكام العقوبات على إيران. بل أن هناك في أوساط الحكومة الصهيونية من قام بتسريب خبر مفاده أن هناك من بات يسأل في الغرب إن كان بوسع تركيا البقاء في حلف الناتو، الذي تنتمي إليه منذ 50 عاماً، علاوة على تعاظم الرفض لضم تركيا للإتحاد الأوروبي.

وأشارت ورقة صادرة عن ’’ مركز يروشليم ’’، الذي يرأسه دوري غولد، كبير مستشاري نتنياهو إلى أن هناك قلق كبير في الأوساط الأمريكية من توجهات حكومة أردوغان، حيث تم التعبير عن هذا القلق في وثائق صدرت عن وزارة الخارجية الأمريكية. وزعم المركز أن السياسة التركية تقوم على توجهات وزير الخارجية أحمد أغلو الذي يهدف إلى إعادة الاحتلال أراضي كانت تحت السيطرة العثمانية وللانتقام من الغرب بسبب انتصاراته على العثمانيين في الماضي. ويربط المركز بين توجهات الإخوان المسلمين وتوجهات حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، حيث يدعي أن هذا الحزب يتبنى توجهات الإخوان الهادفة إلى استعادة السيطرة على المناطق التي كانت خاضعة للمسلمين في أوروبا ونشر الإسلام في هذه القارة.

وتراهن إسرائيل على أنه لازالت هناك مصلحة لدى تركيا للبقاء كجسر إستراتيجي بين الشرق والغرب، علاوة على أنه ليس لديها الرغبة في الانضمام للجهات المتطرفة المعنية بالمس بالاستقرار في المنطقة، مما يستدعي محاولة بناء الثقة مع الأتراك.

الدعاية والشيطنة

تعي القيادة الصهيونية حجم الحساسية التي ينظر بها الغرب للحركات الإسلامية، سيما جماعة الإخوان المسلمين، لذا تسعى هذه القيادة إلى توظيف الأزمة الداخلية الحالية في تركيا عبر إضافة ملفات أخرى على كاهل أردوغان، عبر اتهامه بأنه عضو بارز في قيادة جماعة الإخوان المسلمين. ونقلت موقع ’’ نعناع ’’ عن مصدر كبير في الحكومة الإسرائيلية قوله: ’’ أردوغان هو رجل جماعة الإخوان المسملين ومؤيد لحركة حماس ومعاد لإسرائيل، وهو لاسامي، وليس لديه أية نية لإصلاح العلاقة مع إسرائيل، ولا يوجد لدينا أية آمال عليه ’’. وتماماً كما يفعل إعلام الفلول في مصر، فقد حرصت الحكومة الصهيونية على تسريب تقرير ’’ استخباري ’’ صهيوني يزعم أن ديوان أردوغان كان له ضلع في تنظيم أسطول الحرية إلى قطاع غزة أواخر مايو 2010. وزعم التقرير، الذي تم دحضه من قبل وسائل الإعلام الغربية، ولم تتعاط معه الحكومات الأوروبية، إن جماعة الإخوان المسلمين هي التي أملت على حكومة أردوغان تنظيم أسطول الحرية، مشيراً إلى أنه لجماعة الإخوان المسلمين كان دور واضح في دفع قادة الحكومة للمشاركة في المظاهرات التي نظمت في تركيا ضد إسرائيل للتضامن مع الفلسطينيين.

وقد حرص الإعلام الإسرائيلي على شيطنة بولانت يلدريم، مدير منظمة الإغاثة التركية ( IHH )، التي لعبت دور كبير في تنظيم أسطول الحرية، حيث أشارت بعض الصحف الإسرائيلية إلى أن يلدريم إسلامي متطرف، يهمه فقط التحرش بإسرائيل. وزعمت وسائل إعلام صهيونية أن أعضاء منظمة ( IHH) كانوا في أعضاء جماعات جهادية قاتلت في البوسنة إلى جانب المسلمين، إلى جانب قيام المنظمة في بنقل مجاهدين إلى مناطق قتال في أفغانستان والبوسنة، بالإضافة إلى أن المنظمة أرسلت المعونات للمحاصرين في الفالوجة اثناء العدوان عليها بمثابة دليل على إنها ذات طابع إرهابي، علاوة على دور في دعم عمليات القاعدة.

فحتى باحث وكاتب صهيوني مثل تسفي برئيل لم تنطلي عليه الدعاية الصهيونية وربط أردوغان بالإخوان المسلمين، مشيراً إلى دعم القضية الفلسطينية يمثل قاسم مشترك للغالبية الساحقة من الأتراك، حاثاً الحكومة الصهيونية على البحث عن أسباب أخرى لتبرير هجومها على أردوغان.

يحتفون بغولن

لقد احتفى الإعلام الصهيوني كثيراً بشخصية وسلوك فتح غولن، خصم أردوغان، مشيدة برفضه تنظيم ’’ أسطول الحرية ’’ وانفتاحه على الإسرائيليين. وفي تحقيق حول شخصية غولن، أشارت صحيفة معاريف إلى أن الصراع بين أردوغان و حركة ’’ حزمت ’’، التي يقودها غلون وجولن بدأ بسبب الانتقادات التي وجهها الأخير لقرار حكومة أردوغان منح مظلة لأسطول الحرية، الذي توجه لفك الحصار عن غزة أواخر مايو 2010.ويذكر أن تسة من المواطنين الأتراك قد قتلوا عندما هاجمت وحدة عسكرية إسرائيلية خاصة سفينة مرمرة. ’’.ونقلت ’’ معاريف ’’ عن الصحافي التركي كريم بلتسي، الذي يعمل محرراً في إحدى الصحف التابعة لجماعة ’’ غولن ’’ قوله أن ’’ حزمت ’’ عارضت تسيير أسطول الحرية لأنها: ’’ قيمها ترفض العنف وتؤيد أنشطة معتدلة تضمن استقرار البيئة الإقليمية ’’.وأضاف بلستي قائلاً أن غولن انتقد بشدة سلوك حكومة أردوغان لأنها لم تحل دون تنظيم ’’ أسطول الحرية ’’، مشيراً إلى أن غولن كان يرى ضرورة أن يتم نقل المساعدات لغزة عبر إسرائيل، مشيراً إلى أن ما حدث يبرز الفرق بين ’’ حزمت ’’ وأردوغان. ولفتت ’’ معاريف ’’ الأنظار إلى أن غولن، زهو شاعر قصائد عاطفية، لم يتردد في الموافقة على أن يقوم الملحن الإسرائيلي كوبي فرحي بتلحين إحدى قصائده، مشيرة إلى أن هذه القصيدة وردت في ديوان نشر تحت عنوان ’’ ألون السلام ’’، منوهة إلى أن الملحن فرحي ينتمي إلى فرقة ’’ Orphaned Land ’’ الإسرائيلية. وتمنت ’’ معاريف ’’ أن ينجح غولن في الدفع عن إسدال الستار على حقبة أردوغان في السياسة الشرق الأوسطية، مشيرة إلى أن دعم جماعة غولن كانت حاسماً في تحقيق أردوغان انتصاراته الانتخابية.

من الواضح، إن هناك حالة ترقب ورهان كبيرة داخل ’’ إسرائيل ’’، حيث يحذو القيادة الصهيونية أن تؤدي الأزمة الحالية في تركيا إلى إسدال الستار على مرحلة أردوغان.
*مجلة البيان
أضافة تعليق