د. عبدالعزيز المقالح
جميل ورائع أن يكون للغة العربية يوم عالمي يتوقف عنده أبناؤها أو بالأصح الناطقون بها لدراسة ما تعانيه في الأقطار التي توصف بالعربية، وبالوطن الذي يوصف بالعربي . والأجمل من كل ذلك أن الأوفياء والمخلصين
لآدابها ونتاجاتها الروحية والفكرية يجدون في هذا اليوم مناسبة للتذكير بما لهذه اللغة من فضل على الأمة في تدوين تاريخها وتسوية لسانها .
والغريب أن الأحاديث التي تكاثرت في السنوات الأخيرة عن الهوية والثوابت لم تأخذ في حسبانها اللغة بوصفها أساس هذه الهوية والثابت الأهم في حياة أية أمة من أمم الأرض، ليس لأن اللغة وسيلة التفاهم بين المنتمين إلى الأمة وحسب، وإنما لكونها الوعاء الحافظ لتراثها وآدابها . ولا يقوم وجودٌ لأمة من الأمم أو شعبٍ من الشعوب إلاّ إذا كانت له أرض وكانت له لغة، ومن دون هذين المكونين الأساسيين لا وجود لشيء اسمه شعب أو أمة . وقد قامت اللغة العربية إلى جانب العقيدة الإسلامية بدور منقطع النظير في تكوين الأمة العربية وصياغة حضارتها الخالدة .
ولم يعد خافياً أن اللغة العربية كانت وسيلة رواد النهوض العربي في بداية العصر الحديث، وبها حملوا مشاعل التنوير شعراً ونثراً فكراً وإبداعاً . وفي فترة تلك الصحوة الفكرية والوطنية والقومية ظهرت المجامع الأولى للغة العربية في كل من دمشق والقاهرة ثم في بغداد، لكن المسيرة النهضوية لم تأخذ مجراها الصحيح فقد عاقتها كثير من العوائق وتحولت الريادة من دعاة النهوض إلى دعاة التخلف والارتكاس، وبدأ الوهن يطارد اللغة العربية في المدارس والجامعات .
كما بدأت الأُسر القادرة تبعث بأبنائها للدراسة إلى خارج الوطن أو في مدارس اللغات الأجنبية لكي توفر لهم - كما تزعم - مستقبلاً كريماً ولم تدرك أنه لا مستقبل كريم لأبناء أمة تتخلى عن لغتها وهويتها، وهذا لا يعني بحال ألا تنشط المدارس والجامعات في تعليم اللغات الأخرى جنباً لجنب مع اللغة الأم .
ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى فشل شعار التعريب بدلاً عن التغريب، فقد كان العكس هو الصحيح إذ سادت في بعض أقطار الوطن العربي الدعوة إلى التغريب وبدأت معظم الجامعات العربية تدرّس العلوم باللغة الإنجليزية أو الفرنسية وكأن اللغة العربية لم تكن لغة العلم والمعرفة، ومنها استمد الآخرون أوليات العلوم الأساسية في الطب والرياضيات والهندسة .
وفي هذا الصدد أيضاً يمكن الإشارة إلى تلك الحقيقة التي صارت سائدة في الأوساط الثقافية العربية من أن اللغة - أية لغة - هي كائن حي ينمو ويتطور، ولكن نسي هؤلاء أو تناسوا أن ذلك يقتضي وجود الكائن الإنساني الحي الذي ينمو وبدوره يتطور فإذا كان -كما هو حاله اليوم في الوطن العربي - فاقداً أبسط مقومات الحيوية والحياة فإن لغته ستكون انعكاساً حقيقياً لحالته، وفاقد الشيء لا يعطيه .
وما هو جدير بالإحاطة والتنبيه في هذه الظروف الحرجة والدقيقة من تاريخ الأمة العربية أن لغتنا تمر بأسوأ مراحلها، وأن المجامع العربية التي كانت مصادر إشعاع قد وصلت أدنى مستوى لها بعد إغلاق المجمع في بغداد وما يمر به المجمع في دمشق، إضافة إلى بقية المجامع العربية في الأقطار التي شغلتها السياسة والحروب وافترست العاميات لغتها، ولم يبق من الوسائل الإعلامية الفضائية سوى القليل ممن لا نزال نحافظ قدر الإمكان على قواعد اللغة ونطقها الصحيح . وإذا كان هدف الآخرين الواضح والمعمول به من عشرات السنين يتجه إلى ضرب اللغة العربية بوصفها صمام أمان الهوية والوحدة، فإن دائرة ذلك الهدف اللعين تتسع أكثر فأكثر في زمن العولمة والانقضاض الثقافي والاقتصادي على الشعوب التي افتقدت إرادتها وثقتها بنفسها وقبلت أن تعيش على الهامش .
جميل ورائع أن يكون للغة العربية يوم عالمي يتوقف عنده أبناؤها أو بالأصح الناطقون بها لدراسة ما تعانيه في الأقطار التي توصف بالعربية، وبالوطن الذي يوصف بالعربي . والأجمل من كل ذلك أن الأوفياء والمخلصين
لآدابها ونتاجاتها الروحية والفكرية يجدون في هذا اليوم مناسبة للتذكير بما لهذه اللغة من فضل على الأمة في تدوين تاريخها وتسوية لسانها .
والغريب أن الأحاديث التي تكاثرت في السنوات الأخيرة عن الهوية والثوابت لم تأخذ في حسبانها اللغة بوصفها أساس هذه الهوية والثابت الأهم في حياة أية أمة من أمم الأرض، ليس لأن اللغة وسيلة التفاهم بين المنتمين إلى الأمة وحسب، وإنما لكونها الوعاء الحافظ لتراثها وآدابها . ولا يقوم وجودٌ لأمة من الأمم أو شعبٍ من الشعوب إلاّ إذا كانت له أرض وكانت له لغة، ومن دون هذين المكونين الأساسيين لا وجود لشيء اسمه شعب أو أمة . وقد قامت اللغة العربية إلى جانب العقيدة الإسلامية بدور منقطع النظير في تكوين الأمة العربية وصياغة حضارتها الخالدة .
ولم يعد خافياً أن اللغة العربية كانت وسيلة رواد النهوض العربي في بداية العصر الحديث، وبها حملوا مشاعل التنوير شعراً ونثراً فكراً وإبداعاً . وفي فترة تلك الصحوة الفكرية والوطنية والقومية ظهرت المجامع الأولى للغة العربية في كل من دمشق والقاهرة ثم في بغداد، لكن المسيرة النهضوية لم تأخذ مجراها الصحيح فقد عاقتها كثير من العوائق وتحولت الريادة من دعاة النهوض إلى دعاة التخلف والارتكاس، وبدأ الوهن يطارد اللغة العربية في المدارس والجامعات .
كما بدأت الأُسر القادرة تبعث بأبنائها للدراسة إلى خارج الوطن أو في مدارس اللغات الأجنبية لكي توفر لهم - كما تزعم - مستقبلاً كريماً ولم تدرك أنه لا مستقبل كريم لأبناء أمة تتخلى عن لغتها وهويتها، وهذا لا يعني بحال ألا تنشط المدارس والجامعات في تعليم اللغات الأخرى جنباً لجنب مع اللغة الأم .
ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى فشل شعار التعريب بدلاً عن التغريب، فقد كان العكس هو الصحيح إذ سادت في بعض أقطار الوطن العربي الدعوة إلى التغريب وبدأت معظم الجامعات العربية تدرّس العلوم باللغة الإنجليزية أو الفرنسية وكأن اللغة العربية لم تكن لغة العلم والمعرفة، ومنها استمد الآخرون أوليات العلوم الأساسية في الطب والرياضيات والهندسة .
وفي هذا الصدد أيضاً يمكن الإشارة إلى تلك الحقيقة التي صارت سائدة في الأوساط الثقافية العربية من أن اللغة - أية لغة - هي كائن حي ينمو ويتطور، ولكن نسي هؤلاء أو تناسوا أن ذلك يقتضي وجود الكائن الإنساني الحي الذي ينمو وبدوره يتطور فإذا كان -كما هو حاله اليوم في الوطن العربي - فاقداً أبسط مقومات الحيوية والحياة فإن لغته ستكون انعكاساً حقيقياً لحالته، وفاقد الشيء لا يعطيه .
وما هو جدير بالإحاطة والتنبيه في هذه الظروف الحرجة والدقيقة من تاريخ الأمة العربية أن لغتنا تمر بأسوأ مراحلها، وأن المجامع العربية التي كانت مصادر إشعاع قد وصلت أدنى مستوى لها بعد إغلاق المجمع في بغداد وما يمر به المجمع في دمشق، إضافة إلى بقية المجامع العربية في الأقطار التي شغلتها السياسة والحروب وافترست العاميات لغتها، ولم يبق من الوسائل الإعلامية الفضائية سوى القليل ممن لا نزال نحافظ قدر الإمكان على قواعد اللغة ونطقها الصحيح . وإذا كان هدف الآخرين الواضح والمعمول به من عشرات السنين يتجه إلى ضرب اللغة العربية بوصفها صمام أمان الهوية والوحدة، فإن دائرة ذلك الهدف اللعين تتسع أكثر فأكثر في زمن العولمة والانقضاض الثقافي والاقتصادي على الشعوب التي افتقدت إرادتها وثقتها بنفسها وقبلت أن تعيش على الهامش .