د. سلمان بن فهد العودة
انتشر الإسلام في المجتمعات وكانت حافلة بعاداتها وتقاليدها في الزواج والأفراح والمآتم والختان والسكن واللباس، واتخذ موقفاً مبدئيا كالتالي: 1- تقويم العادات وفرزها إلى حسن وقبيح ومزيج منهما، مع تقدير عمق العادة وتجذّرها أو سطحيتها وسهولة دفعها، فإن حجب الناس عما اعتادوه شديد. 2- تأييد وتشجيع العادات الفاضلة والسامية؛ كحق الجار، والضيف، والفقير، والمحتاج، والقريب، والغريب، والضعيف، وقد يتطلب الأمر إعادة صياغة بعضها. 3- محاربة العادات الفاسدة وتقديم البدائل الملبية للحاجات، مع مراعاة التدرج؛ كما في قصة معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن، وهي مشهورة. وفي كل الأحوال ولدى كل المجتمعات ظل الصراع قائماً بين القيم الإسلامية وبين عادات تاريخية تستعصي على التغيير، بمعنى أن التأثر بالقيم لم يكن حاسماً وتاماً، وهذا لم يكن مفاجأة فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم- : «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةُ وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ». (رواه أحمد، وابن ماجه، والدارمي، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما)، وفي لفظ متفق عليه:«سَدِّدُوا وَقَارِبُوا». وقال - صلى الله عليه وسلم-: «أَرْبَعٌ فِى أُمَّتِى مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُبالأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ» (رواه مسلم)، ومع الوقت أصبح موروث الأجيال التالية مزيجاً من القيم والفضائل الإسلامية، ومن العادات القبليّة أوالقوميّة التي ظلت كما هي أوتهذَّبت شيئاً ما ولكنها لا تشكل تطابقاً مع الروح الإسلامية. وهذا شأن المجتمعات كلها بلا استثناء على تفاوت بينها، اللهم إن كان المجتمع النبوي الأول منارة خاصة بحكم وجود النبي - عليه الصلاة والسلام- بشخصه وبحكم نزول الوحي فيه فكان أنموذجاً يُحتذى مع وجود النصوص الصريحة؛ التي تدل على أن الأمة عبر تاريخها كله لن تصل إلى المقام الذي وصل إليه الجيل القرآني الفريد. الأجيال التالية قد تتلقى ذلك الموروث كله بمعيار واحد، والإلف والاعتياد يساعد على تقبُّل شيء ورفض نظيره! إدراك هذا المعنى اللطيف مهم لمجاميع إصلاحية تحاول النهوض بالأمة ويتوجب عليها ألا تتعسف الأمور، ولا تحرق المراحل، ولا تتجاهل الطبع الإنساني الغلاب. العرف له اعتبار في الشريعة وفي تفسير أقوال الناس وأفعالهم. والسائد له سطوة على عقل الإنسان وقلبه ولو كان هذا الإنسان فقيهاً مخلصاً. كيف يمكن أن يكون المجتمع مستقراً ومتغيِّراً في الوقت ذاته؟ مواكبة المتغيِّر البشري تقتضي القدرة على التغيير. والوفاء للعادة يحمل على البقاء والاستقرار. والاستقرار والتغيير متعادلان في أهميتهما للحياة الإنسانية رغم تعارضهما الظاهري. المحافظة على الثوابت المكوِّنة للهوية مع مرونة تسمح بالتغيير هو الذي مكَّن مجتمعات شرقية في اليابان والصين وكوريا أن تحافظ على روح الهوية والاستقلال مع مواكبة التطور المعرفي والحضاري. وثمَّ مجتمعات تميَّزت بالجمود فبقيت دون تفاعل، وأخرى فقدت خصائصها وملامحها وذابت في غيرها. وشيطان المسألة يكمن في التفاصيل {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} )العنكبوت:43)، وفي هذا السياق تبدو الحاجة إلى الدراسة والبحث المتأنِّي مع الاعتراف بحق الاختلاف!
*المجتمع
انتشر الإسلام في المجتمعات وكانت حافلة بعاداتها وتقاليدها في الزواج والأفراح والمآتم والختان والسكن واللباس، واتخذ موقفاً مبدئيا كالتالي: 1- تقويم العادات وفرزها إلى حسن وقبيح ومزيج منهما، مع تقدير عمق العادة وتجذّرها أو سطحيتها وسهولة دفعها، فإن حجب الناس عما اعتادوه شديد. 2- تأييد وتشجيع العادات الفاضلة والسامية؛ كحق الجار، والضيف، والفقير، والمحتاج، والقريب، والغريب، والضعيف، وقد يتطلب الأمر إعادة صياغة بعضها. 3- محاربة العادات الفاسدة وتقديم البدائل الملبية للحاجات، مع مراعاة التدرج؛ كما في قصة معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن، وهي مشهورة. وفي كل الأحوال ولدى كل المجتمعات ظل الصراع قائماً بين القيم الإسلامية وبين عادات تاريخية تستعصي على التغيير، بمعنى أن التأثر بالقيم لم يكن حاسماً وتاماً، وهذا لم يكن مفاجأة فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم- : «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةُ وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ». (رواه أحمد، وابن ماجه، والدارمي، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما)، وفي لفظ متفق عليه:«سَدِّدُوا وَقَارِبُوا». وقال - صلى الله عليه وسلم-: «أَرْبَعٌ فِى أُمَّتِى مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُبالأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ» (رواه مسلم)، ومع الوقت أصبح موروث الأجيال التالية مزيجاً من القيم والفضائل الإسلامية، ومن العادات القبليّة أوالقوميّة التي ظلت كما هي أوتهذَّبت شيئاً ما ولكنها لا تشكل تطابقاً مع الروح الإسلامية. وهذا شأن المجتمعات كلها بلا استثناء على تفاوت بينها، اللهم إن كان المجتمع النبوي الأول منارة خاصة بحكم وجود النبي - عليه الصلاة والسلام- بشخصه وبحكم نزول الوحي فيه فكان أنموذجاً يُحتذى مع وجود النصوص الصريحة؛ التي تدل على أن الأمة عبر تاريخها كله لن تصل إلى المقام الذي وصل إليه الجيل القرآني الفريد. الأجيال التالية قد تتلقى ذلك الموروث كله بمعيار واحد، والإلف والاعتياد يساعد على تقبُّل شيء ورفض نظيره! إدراك هذا المعنى اللطيف مهم لمجاميع إصلاحية تحاول النهوض بالأمة ويتوجب عليها ألا تتعسف الأمور، ولا تحرق المراحل، ولا تتجاهل الطبع الإنساني الغلاب. العرف له اعتبار في الشريعة وفي تفسير أقوال الناس وأفعالهم. والسائد له سطوة على عقل الإنسان وقلبه ولو كان هذا الإنسان فقيهاً مخلصاً. كيف يمكن أن يكون المجتمع مستقراً ومتغيِّراً في الوقت ذاته؟ مواكبة المتغيِّر البشري تقتضي القدرة على التغيير. والوفاء للعادة يحمل على البقاء والاستقرار. والاستقرار والتغيير متعادلان في أهميتهما للحياة الإنسانية رغم تعارضهما الظاهري. المحافظة على الثوابت المكوِّنة للهوية مع مرونة تسمح بالتغيير هو الذي مكَّن مجتمعات شرقية في اليابان والصين وكوريا أن تحافظ على روح الهوية والاستقلال مع مواكبة التطور المعرفي والحضاري. وثمَّ مجتمعات تميَّزت بالجمود فبقيت دون تفاعل، وأخرى فقدت خصائصها وملامحها وذابت في غيرها. وشيطان المسألة يكمن في التفاصيل {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} )العنكبوت:43)، وفي هذا السياق تبدو الحاجة إلى الدراسة والبحث المتأنِّي مع الاعتراف بحق الاختلاف!
*المجتمع