محمد النظامي
خلَق الله الإنسان في أحسن صورة وأحسن تقويم، وجعله مكوَّنًا من شيئين: جسد، ورُوح، أما الجسد: فغذاؤه ودواؤه فيما يخرج من الأرض، وفيما تُنبِته الأرض، يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، وقال أيضًا: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ﴾ [الإنسان: 2]؛ (أي نُطْفة مُختلَطة، بعض مكوناتها الماء، وبعض مكوناتها التراب، وبعض مكوناتها المعادن، وبعض مكوناتها النباتات).
أما الرُّوح فإن غذاءها ودواءها في التمسك بما أنزل الله من مبادئ في كتابه الكريم على لسان رسوله الأمين - صلوات الله عليه وسلامه - بحيث تصبح هذه المبادئ سلوكًا تُحكَم بها التصرفات؛ قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]، ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].
والرُّوح والجسد عنصران مُتلازِمان في إنسان واحد، يؤثِّر أحدهما في الآخر ويتأثر به الآخر، فإذا تَعِبت الناحية النفسيَّة لدى إنسان، فإن الجسم يتعب ويمرض ويهزل، ولا يُحِس الإنسان براحة أو اطمئنان في هذه الحياة.
وإذا تَعِبت الناحية الجسمية لدى الإنسان، فإن الرُّوح تتعب وتمرض وتؤرَّق، ويحيا الإنسان في اضطراب وقلق، ولا يُحِس براحة أو اطمئنان في الحياة.
وبما أن الروح والجسد متلازمان في جميع التصرفات في الدنيا، فإن الثواب والعقاب يحل بهما معًا في الآخرة، تحقيقًا للعدل بقول الله - تبارك وتعالى-: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 41]، ويقول رسول الله - صلوات الله عليه -: ((لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه؟ وعن عِلْمه ماذا فَعِل به)).
وسعادة الإنسان في التمسُّك بمبادئ الخالق - سبحانه وتعالى - في اتزان، فلا يطغى الجسد على الرُّوح فيصبح الإنسان شهوانيًّا، تستحوذ عليه نفسه وشيطانه وهواه، فيَرتَكِب ما حرَّم الله، ويستحق بذلك سخط الإله؛ قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10].
ويقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ناصحًا أحد الولاة - إياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة مرَّت بوادٍ خصيب، فلم يكن لها من همٍّ إلا السِّمن، وإنما حتْفها في السمن، وفي السِّمن هلاكها’’، وما أجمل قول القائل:
يا مسلمًا يدَّعي الإسلام مجانا
هلا أقمتَ على دعواك برهانا
من لم يكن بالنبي والصحب قدوته
فهو الذي يقتفي لا شك شيطانا
وكذلك، فإن سعادة الإنسان في ألا تطغى الرُّوح على الجسد، فيصبح الإنسان زاهدًا في الحياة، سلبيًّا لا يُشارِك في تعمير الكون والحياة بالعمل المُثمِر المفيد؛ يقول الحق - تبارك وتعالى -: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32]. ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]؛ أي: أمة عادلة معتدلة غير مُتطرِّفة وغير مُنحازة.
ويقول عمر - رضي الله عنه - لوفد من أهل اليمن سلبيين متواكلين: ’’مَن أنتم؟ قالوا: متوكِّلون، قال: ’’كذبتم إنما المتوكِّل من ألقى الحبَّ في الأرض واعتمد على الله’’، ويقول - رضي الله عنه -: ’’إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول: لا سَقَط من عيني!’’.
وذات مرة شاهد شابًّا يصيح في المسجد مجذوبًا متماوتًا فعلاه بالدرة ضربًا، وقال: ’’أمَتَّ ديننا أماتك الله .. الإسلام يريد شبابًا’’.
والذي يُحقِّق للإنسان السعادةَ في دنياه وأخراه، ويحفظ لرُوحه وجسده العيش في اتزان هي المبادئ التي أنزلها الله - تبارك وتعالى - في كتابه الكريم فيرسُم للناس طريقَ الاستقامة، طريق السعادة في الدارين؛ قال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]، ويقول - جل شأنه -: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 7].
ومبادئ الحق - تبارك وتعالى - تدور حول نواحٍ ثلاث: هي العقيدة والأخلاق والأحكام.
والعقيدة إيمان بالله ومبادئ الله التي أُنزِلت في كتاب الله الكريم، والتي سنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيث يصبح الإيمان دستورًا يحكم التصرفات، فيؤدي المرء ما أمر به الله من عبادات، وينتهي عما نهى عنه الله من مُحرَّمات؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]، ويقول رسول الله: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
والأخلاق وهي المقصد الثاني من مقاصد الدين، إنما هي الثمرة للإيمانِ الصادق بمبادئ الخالق - تبارك وتعالى - يقول الله لرسوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ويقول رسول الله - صلوات الله عليه -: ((اضمنوا لي ستًّا أَضمن لكم الجنَّة: اصدُقوا إذا حدَّثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتُمِنتم وغُضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكُفوا أيديكم)).
أما الأحكام فهي المقصد الثالث من مقاصد الدين كما رسمها القرآن الكريم، وكما سنَّتها شريعة المختار - عليه الصلاة والسلام - وهي تنظيمٌ لعَلاقة الإنسان بربه، وعلاقته بأخيه الإنسان؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ﴾ [الأنعام: 153].
ولقد كان سلوك رسول الله تطبيقًا علميًّا لمبادئ القرآن وأخلاقيات القرآن، فكان - عليه الصلاة والسلام - قرآنًا يسير في الحياة، فكان القرآن ممتزجًا بأقواله وأفعاله وذاته ونفْسه ورُوحه وقلبه، ما خرجه للناس عقيدة وأخلاقًا، وتشريعًا ومعاملات؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46].
ولقد تمسَّك المسلمون الأوائل بمبادئ الدين، وطبَّقوه تطبيقًا علميًّا، وحوَّلوا مبادئه إلى سلوك وتصرفات، فعزُّوا وسادوا وسعِدوا، وخلَّدوا على صفحات التاريخ أعمالاً وأقوالاً، وتصرفات وتضحيات هي خير شاهد وأعظم برهان على مقدار ما يتركه التمسك بالمبادئ من آثار تُخلد مع الدهر، وتُحوِّل تيار الحياة إلى ما هو خير وأفضل؛ قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 4]، ويقول - جل شأنه -: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90].
والأمثلة على تطبيقِ المبادئ وتحويلها إلى سلوكٍ لدى المسلمين الأوائل أكثر من أن تُحصى، ولكنا نُورِد مِثالاً منها ليكون كزهرة تَدلُّ على بستان عامر، ذلك الإمام علي زين العابدين - رضي الله عنه - كان لا يعلم أحدًا من أصحابه عليه دَين إلا تَحمَّل عنه الدين، ذهب لزيارة محمد بن أسامة بن زيد، وهو مريض مرَض الموت، فبكى محمد، ولما علِم أن سبب بكائه وجود دَين عليه مقداره خمسة عشر ألف دينار قام فأدَّى الدَّين عنه، وكان يحمِل إلى المحتاجين بالمدينة حاجاتهم ليلاً يضعها أمام منازلهم وهم لا يعرفونه، فلما مات انقطعتْ أعطياتهم، فعلِموا أنه هو الذي كان يُعطيهم، وعندما غُسِّل وجدوا أثر حملِ الجراب في كتفيه وظهره، وصدَق قول رسول الله: ((أيما مسلم أطعم مسلمًا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم كسا مسلمًا على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة)).
ونحن نحيا في جيلين؛ جيل قائم هو جيل الآباء، وجيل قادم وهو جيل الأبناء، وكلا الجيلين في حاجة إلى التمسك بمبادئ الدين، حتى تُصبح المبادئ سلوكًا لهم وضوابط تحكم التصرفات، وحتى تَخلُق المبادئ منهم قوَّة تعميرٍ وبناء، وحُبٍّ وإخاء، وتضحية وفداء، وصدق قول الله - تبارك وتعالى - عن المؤمنين بالمبادئ: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران 173 : 174].
ونحن الآن وكما نعمل جاهدين للتقدم في أمور حياتنا، يجب علينا أن نعمل للتقدم بخطوات نحو الله، وأن نُقبِل بعقولنا وقلوبنا على مبادئ الله، وعلى كتاب الله، بحيث يصبح كتاب الله ربيع قلوبنا وقلوب أبنائنا، وبحيث تظهر آثار مبادئه في سلوكنا وتصرُّفاتنا، فنحن إن تركْنا الأنفس بمنأى عن الله وكتابه، كنا أشبه بمن يحيا في غابة من الوحشية والخوف والهلع، يسود حياته القلق والاضطراب، قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29]، وقال أيضًا: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71]، ويقول رسول الله: ((إني تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتُم به، فلن تَضِلوا أبدًا، كتاب الله وسنتي)).
ونحن اليوم في معارك النصر ضد عدو الله وعدونا - يجب علينا أن تصبح المبادئ سلوكًا لنا، وألا نَستمِع إلى آيات الله غافلين، وألا نَمر على مبادئه ساهين حتى لا يَصدُق علينا قوله - جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2].
وقبل كل شيء يجب علينا أن نعملَ على غرْس الإيمان في نفوس الأبناء؛ لأنهم عُدة الوطن وعَتاده، ومستقبل الأمة وحياتها، حتى نستطيع معهم وبهم أن نَنتزِع الحقَّ من أنياب الوحوش الضاربة، وحتى نقضي على السلبيَّة والتخنث والتميُّع، وحتى نتغلَّب معهم وبهم على غريزة حبِّ البقاء التي تؤدِّي إلى الجُبْن والحرص، فيُقبِلون على الجهاد أملاً في الاستشهاد، ويدافعون عن إيمان بالله وثقة بالنفس؛ إذ الجيش المدافع عن عقيدة وإيمان لا يُهزَم أبدًا؛ قال تعالى: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 74].
والأبناء أمانة في أعناقنا، فمن الواجب أن نربِّيهم تربية دينية تَنقُل العقول إلى عمل، والمبادئ إلى سلوكٍ، حتى نقضي على ظاهرة السلبية والتخنث والتميع.
وإذا كانت مسؤولية التربية تقع على عاتق المنزل أولاً، فإنها تقع بدرجة أكبر على عاتق المدرسة والمعهد والكلية.
وتدريس الدين بالقَدْر الذي هو عليه في مدارسنا الآن، وبالطريقة النظرية التلقائية التي يُدرَّس بها، يؤدي إلى ألا يؤثِّر في النفس، ولا يثبُت في القلب، ولا يظهر أثره على السلوك والتصرفات.
فمن الواجب أن يُعمَّم الدين في جميع المدارس والمعاهد والجامعات، وأن يكون تدريسه تدريسًا عمليَّا؛ حتى يصبح سلوكًا وتصرفًا وعملاً، فيؤدي المدرسون الصلاة مع الطلاب في المدرسة في وقت الفضيلة حتى يشعر التلاميذ بجدية التعليم، ويتبرَّع المدرسون للمحتاج من مجتمعهم، ويتبرَّع التلاميذ اقتداء بهم، حتى تصبح الزكاة والصدق عادة لديهم وعبادة، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن لبس ثوبًا جديدًا، فقال الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمَّل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي أخلَق [أي صار قديمًا] فتصدَّق به كان في حِفْظ الله وفي كنَف الله حيًّا وميتًا)).
وأن يكون الدين مادة أساسيَّة في الشهادات العامة، تُضاف درجاته إلى المجموع، وتكون هناك نِسبة مئوية وحوافز للمبرزين، حتى تلقى مادة الدين القدر الواجب لها من اهتمام الطلاب والمدرِّسين.
وإلا كان مَثَلُنا في الحرص على تعليم أبنائنا أقوالاً لا تؤثِّر في السلوك والتصرفات كمثَل أب يَحرِص على حشْد معلومات في عقل ابن قلبه مريض .. ورُوحه مريضة .. فكان من الواجب أن يَصرِف جهده أولاً إلى علاج قلبه حتى يصبح عقله متفتِّحًا وروحه مُتقبلة .. يقول رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه: ((مَثل ما بعثني به الله من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نقية قَبِلت الماء، فأنبتتِ الكلأ والعُشبَ الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء [أي على ظهرها]، فنفع الله بها الناس فشربوا وسَقَوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تُمسِك ماءً ولا تُنبِت كلأ، فذلك مثَل مَن فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعَلِم وعلَّم، ومَثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أُرسِلت به)).
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/58924/#ixzz2dQMgbm8c
خلَق الله الإنسان في أحسن صورة وأحسن تقويم، وجعله مكوَّنًا من شيئين: جسد، ورُوح، أما الجسد: فغذاؤه ودواؤه فيما يخرج من الأرض، وفيما تُنبِته الأرض، يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، وقال أيضًا: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ﴾ [الإنسان: 2]؛ (أي نُطْفة مُختلَطة، بعض مكوناتها الماء، وبعض مكوناتها التراب، وبعض مكوناتها المعادن، وبعض مكوناتها النباتات).
أما الرُّوح فإن غذاءها ودواءها في التمسك بما أنزل الله من مبادئ في كتابه الكريم على لسان رسوله الأمين - صلوات الله عليه وسلامه - بحيث تصبح هذه المبادئ سلوكًا تُحكَم بها التصرفات؛ قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]، ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].
والرُّوح والجسد عنصران مُتلازِمان في إنسان واحد، يؤثِّر أحدهما في الآخر ويتأثر به الآخر، فإذا تَعِبت الناحية النفسيَّة لدى إنسان، فإن الجسم يتعب ويمرض ويهزل، ولا يُحِس الإنسان براحة أو اطمئنان في هذه الحياة.
وإذا تَعِبت الناحية الجسمية لدى الإنسان، فإن الرُّوح تتعب وتمرض وتؤرَّق، ويحيا الإنسان في اضطراب وقلق، ولا يُحِس براحة أو اطمئنان في الحياة.
وبما أن الروح والجسد متلازمان في جميع التصرفات في الدنيا، فإن الثواب والعقاب يحل بهما معًا في الآخرة، تحقيقًا للعدل بقول الله - تبارك وتعالى-: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 41]، ويقول رسول الله - صلوات الله عليه -: ((لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه؟ وعن عِلْمه ماذا فَعِل به)).
وسعادة الإنسان في التمسُّك بمبادئ الخالق - سبحانه وتعالى - في اتزان، فلا يطغى الجسد على الرُّوح فيصبح الإنسان شهوانيًّا، تستحوذ عليه نفسه وشيطانه وهواه، فيَرتَكِب ما حرَّم الله، ويستحق بذلك سخط الإله؛ قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10].
ويقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ناصحًا أحد الولاة - إياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة مرَّت بوادٍ خصيب، فلم يكن لها من همٍّ إلا السِّمن، وإنما حتْفها في السمن، وفي السِّمن هلاكها’’، وما أجمل قول القائل:
يا مسلمًا يدَّعي الإسلام مجانا
هلا أقمتَ على دعواك برهانا
من لم يكن بالنبي والصحب قدوته
فهو الذي يقتفي لا شك شيطانا
وكذلك، فإن سعادة الإنسان في ألا تطغى الرُّوح على الجسد، فيصبح الإنسان زاهدًا في الحياة، سلبيًّا لا يُشارِك في تعمير الكون والحياة بالعمل المُثمِر المفيد؛ يقول الحق - تبارك وتعالى -: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32]. ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]؛ أي: أمة عادلة معتدلة غير مُتطرِّفة وغير مُنحازة.
ويقول عمر - رضي الله عنه - لوفد من أهل اليمن سلبيين متواكلين: ’’مَن أنتم؟ قالوا: متوكِّلون، قال: ’’كذبتم إنما المتوكِّل من ألقى الحبَّ في الأرض واعتمد على الله’’، ويقول - رضي الله عنه -: ’’إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول: لا سَقَط من عيني!’’.
وذات مرة شاهد شابًّا يصيح في المسجد مجذوبًا متماوتًا فعلاه بالدرة ضربًا، وقال: ’’أمَتَّ ديننا أماتك الله .. الإسلام يريد شبابًا’’.
والذي يُحقِّق للإنسان السعادةَ في دنياه وأخراه، ويحفظ لرُوحه وجسده العيش في اتزان هي المبادئ التي أنزلها الله - تبارك وتعالى - في كتابه الكريم فيرسُم للناس طريقَ الاستقامة، طريق السعادة في الدارين؛ قال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]، ويقول - جل شأنه -: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 7].
ومبادئ الحق - تبارك وتعالى - تدور حول نواحٍ ثلاث: هي العقيدة والأخلاق والأحكام.
والعقيدة إيمان بالله ومبادئ الله التي أُنزِلت في كتاب الله الكريم، والتي سنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيث يصبح الإيمان دستورًا يحكم التصرفات، فيؤدي المرء ما أمر به الله من عبادات، وينتهي عما نهى عنه الله من مُحرَّمات؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]، ويقول رسول الله: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
والأخلاق وهي المقصد الثاني من مقاصد الدين، إنما هي الثمرة للإيمانِ الصادق بمبادئ الخالق - تبارك وتعالى - يقول الله لرسوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ويقول رسول الله - صلوات الله عليه -: ((اضمنوا لي ستًّا أَضمن لكم الجنَّة: اصدُقوا إذا حدَّثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتُمِنتم وغُضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكُفوا أيديكم)).
أما الأحكام فهي المقصد الثالث من مقاصد الدين كما رسمها القرآن الكريم، وكما سنَّتها شريعة المختار - عليه الصلاة والسلام - وهي تنظيمٌ لعَلاقة الإنسان بربه، وعلاقته بأخيه الإنسان؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ﴾ [الأنعام: 153].
ولقد كان سلوك رسول الله تطبيقًا علميًّا لمبادئ القرآن وأخلاقيات القرآن، فكان - عليه الصلاة والسلام - قرآنًا يسير في الحياة، فكان القرآن ممتزجًا بأقواله وأفعاله وذاته ونفْسه ورُوحه وقلبه، ما خرجه للناس عقيدة وأخلاقًا، وتشريعًا ومعاملات؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46].
ولقد تمسَّك المسلمون الأوائل بمبادئ الدين، وطبَّقوه تطبيقًا علميًّا، وحوَّلوا مبادئه إلى سلوك وتصرفات، فعزُّوا وسادوا وسعِدوا، وخلَّدوا على صفحات التاريخ أعمالاً وأقوالاً، وتصرفات وتضحيات هي خير شاهد وأعظم برهان على مقدار ما يتركه التمسك بالمبادئ من آثار تُخلد مع الدهر، وتُحوِّل تيار الحياة إلى ما هو خير وأفضل؛ قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 4]، ويقول - جل شأنه -: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90].
والأمثلة على تطبيقِ المبادئ وتحويلها إلى سلوكٍ لدى المسلمين الأوائل أكثر من أن تُحصى، ولكنا نُورِد مِثالاً منها ليكون كزهرة تَدلُّ على بستان عامر، ذلك الإمام علي زين العابدين - رضي الله عنه - كان لا يعلم أحدًا من أصحابه عليه دَين إلا تَحمَّل عنه الدين، ذهب لزيارة محمد بن أسامة بن زيد، وهو مريض مرَض الموت، فبكى محمد، ولما علِم أن سبب بكائه وجود دَين عليه مقداره خمسة عشر ألف دينار قام فأدَّى الدَّين عنه، وكان يحمِل إلى المحتاجين بالمدينة حاجاتهم ليلاً يضعها أمام منازلهم وهم لا يعرفونه، فلما مات انقطعتْ أعطياتهم، فعلِموا أنه هو الذي كان يُعطيهم، وعندما غُسِّل وجدوا أثر حملِ الجراب في كتفيه وظهره، وصدَق قول رسول الله: ((أيما مسلم أطعم مسلمًا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم كسا مسلمًا على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة)).
ونحن نحيا في جيلين؛ جيل قائم هو جيل الآباء، وجيل قادم وهو جيل الأبناء، وكلا الجيلين في حاجة إلى التمسك بمبادئ الدين، حتى تُصبح المبادئ سلوكًا لهم وضوابط تحكم التصرفات، وحتى تَخلُق المبادئ منهم قوَّة تعميرٍ وبناء، وحُبٍّ وإخاء، وتضحية وفداء، وصدق قول الله - تبارك وتعالى - عن المؤمنين بالمبادئ: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران 173 : 174].
ونحن الآن وكما نعمل جاهدين للتقدم في أمور حياتنا، يجب علينا أن نعمل للتقدم بخطوات نحو الله، وأن نُقبِل بعقولنا وقلوبنا على مبادئ الله، وعلى كتاب الله، بحيث يصبح كتاب الله ربيع قلوبنا وقلوب أبنائنا، وبحيث تظهر آثار مبادئه في سلوكنا وتصرُّفاتنا، فنحن إن تركْنا الأنفس بمنأى عن الله وكتابه، كنا أشبه بمن يحيا في غابة من الوحشية والخوف والهلع، يسود حياته القلق والاضطراب، قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29]، وقال أيضًا: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71]، ويقول رسول الله: ((إني تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتُم به، فلن تَضِلوا أبدًا، كتاب الله وسنتي)).
ونحن اليوم في معارك النصر ضد عدو الله وعدونا - يجب علينا أن تصبح المبادئ سلوكًا لنا، وألا نَستمِع إلى آيات الله غافلين، وألا نَمر على مبادئه ساهين حتى لا يَصدُق علينا قوله - جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2].
وقبل كل شيء يجب علينا أن نعملَ على غرْس الإيمان في نفوس الأبناء؛ لأنهم عُدة الوطن وعَتاده، ومستقبل الأمة وحياتها، حتى نستطيع معهم وبهم أن نَنتزِع الحقَّ من أنياب الوحوش الضاربة، وحتى نقضي على السلبيَّة والتخنث والتميُّع، وحتى نتغلَّب معهم وبهم على غريزة حبِّ البقاء التي تؤدِّي إلى الجُبْن والحرص، فيُقبِلون على الجهاد أملاً في الاستشهاد، ويدافعون عن إيمان بالله وثقة بالنفس؛ إذ الجيش المدافع عن عقيدة وإيمان لا يُهزَم أبدًا؛ قال تعالى: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 74].
والأبناء أمانة في أعناقنا، فمن الواجب أن نربِّيهم تربية دينية تَنقُل العقول إلى عمل، والمبادئ إلى سلوكٍ، حتى نقضي على ظاهرة السلبية والتخنث والتميع.
وإذا كانت مسؤولية التربية تقع على عاتق المنزل أولاً، فإنها تقع بدرجة أكبر على عاتق المدرسة والمعهد والكلية.
وتدريس الدين بالقَدْر الذي هو عليه في مدارسنا الآن، وبالطريقة النظرية التلقائية التي يُدرَّس بها، يؤدي إلى ألا يؤثِّر في النفس، ولا يثبُت في القلب، ولا يظهر أثره على السلوك والتصرفات.
فمن الواجب أن يُعمَّم الدين في جميع المدارس والمعاهد والجامعات، وأن يكون تدريسه تدريسًا عمليَّا؛ حتى يصبح سلوكًا وتصرفًا وعملاً، فيؤدي المدرسون الصلاة مع الطلاب في المدرسة في وقت الفضيلة حتى يشعر التلاميذ بجدية التعليم، ويتبرَّع المدرسون للمحتاج من مجتمعهم، ويتبرَّع التلاميذ اقتداء بهم، حتى تصبح الزكاة والصدق عادة لديهم وعبادة، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن لبس ثوبًا جديدًا، فقال الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمَّل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي أخلَق [أي صار قديمًا] فتصدَّق به كان في حِفْظ الله وفي كنَف الله حيًّا وميتًا)).
وأن يكون الدين مادة أساسيَّة في الشهادات العامة، تُضاف درجاته إلى المجموع، وتكون هناك نِسبة مئوية وحوافز للمبرزين، حتى تلقى مادة الدين القدر الواجب لها من اهتمام الطلاب والمدرِّسين.
وإلا كان مَثَلُنا في الحرص على تعليم أبنائنا أقوالاً لا تؤثِّر في السلوك والتصرفات كمثَل أب يَحرِص على حشْد معلومات في عقل ابن قلبه مريض .. ورُوحه مريضة .. فكان من الواجب أن يَصرِف جهده أولاً إلى علاج قلبه حتى يصبح عقله متفتِّحًا وروحه مُتقبلة .. يقول رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه: ((مَثل ما بعثني به الله من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نقية قَبِلت الماء، فأنبتتِ الكلأ والعُشبَ الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء [أي على ظهرها]، فنفع الله بها الناس فشربوا وسَقَوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تُمسِك ماءً ولا تُنبِت كلأ، فذلك مثَل مَن فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعَلِم وعلَّم، ومَثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أُرسِلت به)).
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/58924/#ixzz2dQMgbm8c