بقلم د/ فيصل القاسم
دعكم من العقوبات الغربية على إيران. ودعكم من عنتريات الإسرائيليين وتهديداتهم بضرب المفاعل النووي الإيراني، فإسرائيل دمرت المفاعل النووي العراقي وهو قيد البناء، بينما يتفاوض الغرب مع إيران حول مفاعلها النووي منذ أكثر من عشر سنوات بعد أن اكتمل. ودعكم من النغمة العدائية التي تظهر أحياناً في وسائل الإعلام الغربية ضد إيران. ففي السياسة ليس المهم ما تسمعه، بل ما تراه يتحقق على أرض الواقع. ولو نظرنا إلى الإنجازات التي تحققها إيران في المنطقة على حساب الآخرين وبمباركة غربية وأميركية تحديداً لوجدناها إنجازات كبرى وتاريخية بكل المقاييس. فلا تغرنكم البلهلوانيات الأميركية الإعلامية والسياسية ضد إيران، فقد ذكر أحد كبار الخبراء الإستراتيجيين الأميركيين في بحث إستراتيجي قبل أكثر من عقد من الزمان وفي خضم الهيجان الإعلامي الأميركي ضد إيران أن ’’أهم حدث في بداية القرن الحادي والعشرين هو التحالف الأميركي الإيراني’’. نعم التحالف الأميركي الإيراني. ولو نظرنا إلى تطورات الأحداث في المنطقة منذ بداية القرن الحالي لوجدنا ذلك التحالف يتجلى في أكثر من مكان خلف ستار شفاف من العداء الغربي المفتعل والمبرمج لذر الرماد في عيون العرب والمسلمين الآخرين في المنطقة، ومنهم تركيا طبعاً.
ليس صحيحاً أبداً ما يشاع بأن الغرب يناصر المسلمين السنة في الشرق الأوسط، وأن روسيا والصين وبقية مجموعة بريكس تناصر المسلمين الشيعة ممثلين بإيران وحلفائها. على العكس تماماً، فهناك ما يشبه الإجماع بين القوى الكبرى في الشرق والغرب على تقوية إيران ودعمها على حساب القوى الأخرى في المنطقة، رغم أن بلداً سنياً مهماً كتركيا هو عضو في حلف الناتو. ولا نقول هذا الكلام جزافاَ. فلو نظرنا إلى التمدد الإيراني في الشرق الأوسط على حساب تركيا والعرب لوجدنا أنه يتوسع بشكل لا تخطئه عين. خذ مثلاَ النفوذ الإيراني في العراق وقارنه مع النفوذ التركي والعربي، لرأيت أن إيران سحبت البساط من تحت الكثيرين في هذا الجزء الحيوي جداَ من المنطقة، خاصة أن العراق يقع في مكان إستراتيجي يحاذي تركيا وبلداناً عربية. وحتى في أفغانستان التي تحالف الأميركان والعرب السنة لتحريرها من السوفيات، أصبح لإيران فيها نفوذ يفوق نفوذ الكثيرين المعنيين بالأمر. ولا ننسى المقولة التاريخية لنائب الرئيس الإيراني وقتها علي أبطحي عندا جاهر بالتحالف مع أميركا لتعزيز النفوذ الإيراني قائلاً: ’’لولا إيران لما استطاعت أميركا غزو العراق وأفغانستان’’. ومن الواضح أنه كان لتلك المقولة الثمينة ما بعدها على صعيد إطلاق اليد الإيرانية في المنطقة.
ولا ننسى طبعاً كيف أن النفوذ الإيراني في لبنان يتفوق كثيراً على النفوذ العربي والإسلامي الآخر من خلال الذراع العسكري المتمثل بحزب الله. وحدث ولا حرج كيف أن لها تأثيراً لا يستهان به في البحرين.
ولو نظرنا إلى النفوذ الإيراني في سوريا لوجدنا أنه بات يتفوق على النفوذ التركي والعربي، وبمباركة غربية واضحة. دعكم من السخافات والتنديدات الغربية بالتدخل الإيراني في سوريا. فهناك ضوء أخضر واضح لتفويز الجانب الإيراني في سوريا على حساب الآخرين، بدليل أن الغرب والشرق أوعز لإيران بالتدخل لصالح النظام في سوريا بدعم من العراق وحزب الله لترجيح كفة القوات السورية عندما بدأت تشتد عليها هجمة قوات المعارضة. ماذا نفهم عندما نجد أن النظام السوري يحصل على السلاح من كل حدب وصوب، بينما تمنع أميركا والغرب عموماً الأسلحة عن المعارضين؟ ألا يعني ذلك عملياً تفويز إيران وحلفها في سوريا على حساب الجهات الداعمة للمعارضة، خاصة تركيا والعرب؟
إن من ساعد إيران على الاستحواذ على العراق لا يمكن أن يسمح بأن تخسر إيران في سوريا. بعبارة أخرى، فإن تمكين إيران في العراق كان مجرد البداية لجعلها تتمدد أكثر فأكثر. قد يقول البعض إن سوريا كانت مجالاً استراتيجياً لإيران من قبل. وهذا صحيح، لكن لماذا تغاضى الشرق والغرب عن التدخل الإيراني العسكري الواضح لصالح النظام في سوريا لو لم يكونا يدعمان فكرة تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة بدل إضعافه؟ ولو انتصرت إيران في سوريا، فهذا سيغير وجه الشرق الأوسط ليصبح بنكهة إيرانية لا تخطئها عين وبترتيب وبمباركة أميركية روسية إسرائيلية.
ولعل أكبر دليل على أن حصة الأسد ستكون من نصيب إيران في الشرق الأوسط الجديد أن هناك الآن كتلة شيعية متحدة ومتحالفة توازي، إن لم نقل، تفوق حجم وقوة الأكثرية القديمة في سوريا والعراق ولبنان. ويذكر الباحث اللبناني المخضرم إلياس الزغبي في هذا السياق أن حجم الكتلة الشيعية في المنطقة أصبح يزيد الآن على مائة مليون نسمة موزعين على إيران والعراق وسوريا ولبنان. وبذلك يكون الهلال الشيعي الذي تحدث عنه العاهل الأردني قبل سنوات أمراً واقعاً من الناحية السكانية والعقدية. بعبارة أخرى أصبح للشيعة ثقل يوازن الثقل السني تقريباً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأخير ليس متحداً ومتحالفاً كالتحالف الشيعي.
لا نقول هذا الكلام تحريضاً على أحد.لا أبداً. بل نكشف كيف أن شرقاً أوسط جديداً يتشكل أمام أعيننا تلعب فيه إيران دور القيادة، بينما تجري المياه تحت أقدام الكثيرين من العرب وغير العرب دون أن يدروا. لا شك أن من حق الغرب وعلى رأسه أميركا أن تصوغ المنطقة على هواها بالتنسيق مع من تشاء، لكن من حق العرب وتركيا أيضاً أن يسألوا أميركا: هل أنت حليفتنا فعلاً؟
*مارب برس*
دعكم من العقوبات الغربية على إيران. ودعكم من عنتريات الإسرائيليين وتهديداتهم بضرب المفاعل النووي الإيراني، فإسرائيل دمرت المفاعل النووي العراقي وهو قيد البناء، بينما يتفاوض الغرب مع إيران حول مفاعلها النووي منذ أكثر من عشر سنوات بعد أن اكتمل. ودعكم من النغمة العدائية التي تظهر أحياناً في وسائل الإعلام الغربية ضد إيران. ففي السياسة ليس المهم ما تسمعه، بل ما تراه يتحقق على أرض الواقع. ولو نظرنا إلى الإنجازات التي تحققها إيران في المنطقة على حساب الآخرين وبمباركة غربية وأميركية تحديداً لوجدناها إنجازات كبرى وتاريخية بكل المقاييس. فلا تغرنكم البلهلوانيات الأميركية الإعلامية والسياسية ضد إيران، فقد ذكر أحد كبار الخبراء الإستراتيجيين الأميركيين في بحث إستراتيجي قبل أكثر من عقد من الزمان وفي خضم الهيجان الإعلامي الأميركي ضد إيران أن ’’أهم حدث في بداية القرن الحادي والعشرين هو التحالف الأميركي الإيراني’’. نعم التحالف الأميركي الإيراني. ولو نظرنا إلى تطورات الأحداث في المنطقة منذ بداية القرن الحالي لوجدنا ذلك التحالف يتجلى في أكثر من مكان خلف ستار شفاف من العداء الغربي المفتعل والمبرمج لذر الرماد في عيون العرب والمسلمين الآخرين في المنطقة، ومنهم تركيا طبعاً.
ليس صحيحاً أبداً ما يشاع بأن الغرب يناصر المسلمين السنة في الشرق الأوسط، وأن روسيا والصين وبقية مجموعة بريكس تناصر المسلمين الشيعة ممثلين بإيران وحلفائها. على العكس تماماً، فهناك ما يشبه الإجماع بين القوى الكبرى في الشرق والغرب على تقوية إيران ودعمها على حساب القوى الأخرى في المنطقة، رغم أن بلداً سنياً مهماً كتركيا هو عضو في حلف الناتو. ولا نقول هذا الكلام جزافاَ. فلو نظرنا إلى التمدد الإيراني في الشرق الأوسط على حساب تركيا والعرب لوجدنا أنه يتوسع بشكل لا تخطئه عين. خذ مثلاَ النفوذ الإيراني في العراق وقارنه مع النفوذ التركي والعربي، لرأيت أن إيران سحبت البساط من تحت الكثيرين في هذا الجزء الحيوي جداَ من المنطقة، خاصة أن العراق يقع في مكان إستراتيجي يحاذي تركيا وبلداناً عربية. وحتى في أفغانستان التي تحالف الأميركان والعرب السنة لتحريرها من السوفيات، أصبح لإيران فيها نفوذ يفوق نفوذ الكثيرين المعنيين بالأمر. ولا ننسى المقولة التاريخية لنائب الرئيس الإيراني وقتها علي أبطحي عندا جاهر بالتحالف مع أميركا لتعزيز النفوذ الإيراني قائلاً: ’’لولا إيران لما استطاعت أميركا غزو العراق وأفغانستان’’. ومن الواضح أنه كان لتلك المقولة الثمينة ما بعدها على صعيد إطلاق اليد الإيرانية في المنطقة.
ولا ننسى طبعاً كيف أن النفوذ الإيراني في لبنان يتفوق كثيراً على النفوذ العربي والإسلامي الآخر من خلال الذراع العسكري المتمثل بحزب الله. وحدث ولا حرج كيف أن لها تأثيراً لا يستهان به في البحرين.
ولو نظرنا إلى النفوذ الإيراني في سوريا لوجدنا أنه بات يتفوق على النفوذ التركي والعربي، وبمباركة غربية واضحة. دعكم من السخافات والتنديدات الغربية بالتدخل الإيراني في سوريا. فهناك ضوء أخضر واضح لتفويز الجانب الإيراني في سوريا على حساب الآخرين، بدليل أن الغرب والشرق أوعز لإيران بالتدخل لصالح النظام في سوريا بدعم من العراق وحزب الله لترجيح كفة القوات السورية عندما بدأت تشتد عليها هجمة قوات المعارضة. ماذا نفهم عندما نجد أن النظام السوري يحصل على السلاح من كل حدب وصوب، بينما تمنع أميركا والغرب عموماً الأسلحة عن المعارضين؟ ألا يعني ذلك عملياً تفويز إيران وحلفها في سوريا على حساب الجهات الداعمة للمعارضة، خاصة تركيا والعرب؟
إن من ساعد إيران على الاستحواذ على العراق لا يمكن أن يسمح بأن تخسر إيران في سوريا. بعبارة أخرى، فإن تمكين إيران في العراق كان مجرد البداية لجعلها تتمدد أكثر فأكثر. قد يقول البعض إن سوريا كانت مجالاً استراتيجياً لإيران من قبل. وهذا صحيح، لكن لماذا تغاضى الشرق والغرب عن التدخل الإيراني العسكري الواضح لصالح النظام في سوريا لو لم يكونا يدعمان فكرة تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة بدل إضعافه؟ ولو انتصرت إيران في سوريا، فهذا سيغير وجه الشرق الأوسط ليصبح بنكهة إيرانية لا تخطئها عين وبترتيب وبمباركة أميركية روسية إسرائيلية.
ولعل أكبر دليل على أن حصة الأسد ستكون من نصيب إيران في الشرق الأوسط الجديد أن هناك الآن كتلة شيعية متحدة ومتحالفة توازي، إن لم نقل، تفوق حجم وقوة الأكثرية القديمة في سوريا والعراق ولبنان. ويذكر الباحث اللبناني المخضرم إلياس الزغبي في هذا السياق أن حجم الكتلة الشيعية في المنطقة أصبح يزيد الآن على مائة مليون نسمة موزعين على إيران والعراق وسوريا ولبنان. وبذلك يكون الهلال الشيعي الذي تحدث عنه العاهل الأردني قبل سنوات أمراً واقعاً من الناحية السكانية والعقدية. بعبارة أخرى أصبح للشيعة ثقل يوازن الثقل السني تقريباً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأخير ليس متحداً ومتحالفاً كالتحالف الشيعي.
لا نقول هذا الكلام تحريضاً على أحد.لا أبداً. بل نكشف كيف أن شرقاً أوسط جديداً يتشكل أمام أعيننا تلعب فيه إيران دور القيادة، بينما تجري المياه تحت أقدام الكثيرين من العرب وغير العرب دون أن يدروا. لا شك أن من حق الغرب وعلى رأسه أميركا أن تصوغ المنطقة على هواها بالتنسيق مع من تشاء، لكن من حق العرب وتركيا أيضاً أن يسألوا أميركا: هل أنت حليفتنا فعلاً؟
*مارب برس*