عبد الرحمن فرقاني
ممّا لاشكّ فيه أنّ المشروع الذي ناضل من أجله و الطّريقة التي ناضل بها الإخوان في مصر، و حزب العدالة والتنمية في تركيا، و حزب النّهضة الإسلاميّ في تونس بعد سقوط الخلافة الإسلاميّة لإحياء النّظام الإسلاميّ والإجراءات التي اختارتها هذه الأحزاب لكفاحها من أجل تحقيق مشروعها لا مثيل لها في ساحة نضال الحركات الإسلاميّة، وعلى قدر ذلك النّضال، و تلك الإجراءات يُحقّق الجانب العمليّ للإسلام في أمور الحياة الإنسانيّة، وعلى قدر ذلك النّضال وتلك الإجراءات يحدّد الإسلام م?انته في تنظيم جميع الشّؤون، سواء أكانت سياسيّة، أو اجتماعيّة، أو اقتصاديّة.
وتحاول بقايا نظام حسني مبارك في مصر، وبقايا نظام أتاتورك العلمانيّ في تركيا، وبقايا نظام زين العابدين بن علي في تونس جاهدة إفشال ذلك الكفاح حتى لا يأخذ طريقه إلى النّجاح، و إقامة النّظام الإسلاميّ علی الأرض، ويسعون جاهدين أن يبعدوا أصحاب تلك الحركات الإسلاميّة عن الوصول للسّلطة وإرسالهم ثانية خلف قضبان السّجون.
من منّا كان يتصوّر سقوط حسني مبارك المستبدّ والطّاغية فی مصر، الذي ?انت يتلقّی الدّعم اللامحدود من الدّول الغربيّة الاستعماريّة، والذي كان يرعى وينفّذ مؤامرات ودسائس الدّول الاستعماريّة على المنطقة، وخاصّة ما يتعلق بقضيّة فلسطين الحبيبة؟!
و كان لصوت الشّعب و وحدته أثر كبير، حتى القوى الاستعماريّة الغاصبة لم تتجرّأ أن تدافع عن مصالحها و مصالح الحكومة الموالية لها في مصر، و يجب ألاّ ننسی، بأنّ الفرق الذي نتلمّسه بين الثّورة في مصر وسائر ثورات الدّول العربيّة في محيط الرّبيع العربيّ، يرجع إلى المشروع و طريقة الإخوان السّليمة، العاقلة والرّزينة في كفاحها الدّائم، والوحدة التي رأيناها في انتفاضة مصر كانت أيضًا بفضل تلك الدّعوه التي كانت تتطابق مع معايير الإسلام المنيرة.
من منّا كان يستطيع أن يتصوّر إسقاط حكومة مؤسّس تركيا العلمانيّة الحديثة مصطفی كمال أتاتورك الملقّب بـ (أبو الاتراك) على يد حزب العداله والتنمية الإسلاميّ في تركيا، وأنّ الحزب الحاكم الذي يعيش فترة شباب لم ينقطع زخمها- وإن كان هذا الزّخم قد تأثّر بعوامل مختلفة منها الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالعالم وأوروبا، والقضيّة السّوريّة التي تعتبرها تركيا «قضية داخليّة» لها- وفي النّهاية ينتصر ويغيّر وجه جمهورية تركيا في عشر سنوات، وتكون خلال حكمها تركيا أكثر تقدّمًا على الصّعيدين الاقتصاديّ والسّياسيّ.
يجب ألاّ ننسى بأنّ تركيا في مشروعها الإسلاميّ السّياسيّ الصّاعد لا يعيرها الغرب اهتمامًا، بل هو يخلق المشاكل لها كما يخلق لمصر من المشاكل على يد بقايا النّظام السّابق، و قد يرجع ذلك إلى مسألة البديل، والذي يكون مطروحًا في أغلب المشاريع الاستعماريّة الغربيّة، وليكن واضحًا بأنّ المشروع التركيّ في صميمه مشروع إسلاميّ نقيّ و نزيه، و لا مجال للشّكّ في إسلاميّته، ولكنّ الغرب قد يحاول أن يستخدمه لمصالحه في المستقبل، ويلعب على وتر القوميّة واللّسان في هذا الموضوع، و يجب ألاّ تترك سبيلاً حتى تتوحّد جهود المشروع التّركيّ الإسلاميّ مع المشروع المصريّ في سبيل إحياء النّظام الإسلاميّ، و كلّنا أمل بأنّ التّجربتين في النّهاية تخدمان الإسلام.
من منّا كان يتصوّر، سقوط حكومة زين العابدين بن علي المستبدّة العميلة للاستكبار والاستعمار الغربيّ، الحكومة كانت تمنع النّاس من الذّهاب إلى المساجد، وتثير الرّعب فيمن يتردّدون على بيوت الله. وكانت قد ملأت السّجون من الدّعاة الإسلاميّين، وقد أبعدوا بعضهم عن البلاد، أمّا عامّة النّاس فكان حالهم قد أدّى إلى أن يحرقوا أنفسهم من أجل الحصول على لقمة العيش، و في النّهاية واجه ابن علي تلك النّهاية المأساويّة، و ترك البلاد والحكم فرارًا من عاقبة أعماله الإجراميّة واللاّ إنسانيّة.
من كان يتصوّر، أن حكومات وأنظمة مستبدّة في ليبيا، سورية، واليمن .. تواجه ذلك المصير، من كان يتصوّر، بأن تقتنع أو تعتقد الطّبقة المفكّرة في الغرب بأنّ تلك الأنظمة لطالما خدعت الغرب من أجل بقائها في السّلطة، واستمراريّتها بناءّ على الفرضيّة التي تقول: إنّ الحركات الإسلاميّة خطر كبير على مصالح الغرب التّوسعيّة؛ لذلك فليس لها أن تأخذ بزمام الحكم أبد الدّهر.
أمّا ومنذ الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، والتي كانت أزمة عالميّة خطيرة هدّدت النّظام الاقتصاديّ العالميّ، وخصوصًا أنظمة الغرب المالية، فقد تساءل مفكرو الغرب: كيف يمكن للإسلام أن لايكون عنده أنظمة و تصوّر واضح و كامل لإدارة شؤون الحياة السّياسيّة، والاجتماعيّة، والأخلاقيّة و الصّحيّة.. وفيما إذا كان لدى الإسلام حلول لأزمة المصارف الغربيّة تستطيع أن تنقذها من أزمتها، و إن كان لدى الإسلام تلك الأنظمة لكنّهم لم يكن لديهم تصوّر عن الإسلام أكثر من أنّه نظام قديم و متخلّف، وأنّه نظام لا يتطابق مع متطلّبات العصر الرقمي الجديد.
و الدّراسات المستفيضة حول النّظام المالي الإسلاميّ في مراكز الدّراسات الغربيّة أبرزت تغيّرًا كبيرًا في قناعات مفكري الغرب في المجتمع الغربيّ، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ كفاح الدّعاة الأحرار الذين أبعدتهم الحكومات المستبدّة من بلدانهم الأم، و هاجروا إلى الدّول الغربيّة عملوا جاهدين وذلك بأن يشرحوا و يفسّروا نظام الإسلام الحقيقيّ لعلماء و مفكري الغرب، وهذا أحدث نوعًا ما تغيّرًا إيجابيًّا وكبيرًا في عقليّة مفكّري الغرب تجاه الإسلام، والحكومات العميلة للنّظام الاستعماريّ الغربيّ في العالم الإسلاميّ والعربيّ، و قد أخذ قناعة الفرضيّة -عدم الاعتماد- تنمو في المحيط الغربي و في غرف اتّخاذ القرارت السّياديّة والمصيريّة على سطح الحكومات الغربيّة، وصارت النّتيجة بأنّ الحكومات الغربيّة التي لا ترى ولا تعرف في سياستها وأيديولوجيّتها الماديّة إلاّ مصالحها الماديّة، أخذت تتنازل نوعًا ما عن حكوماتها العميلة في العالم العربيّ والإسلاميّ. فاليوم في مصر حسني مبارك الذي خدم الغرب ثلاثين عامًا طيلة حكمه يجرّ إلى المحكمة، والغرب لا يحرّك ساكنًا ولا يدافع عن عميله الوفيّ.
حينما تتمثّل إرادة الشّعب في مصر نرى النّور في المحادثات المتعثّرة بين أطراف النّزاع الفلسطينيّ فتح/ حماس، و حينما تتمثّل إرادة الشّعب الذي كلّ و ملّ من النّظام القمعيّ- نظام حسني مبارك- نرى رئيس وزراء مصر يحضر بنفسه إلى غزة في الحرب الأخيرة التي شنّتها إسرائيل، و يتفقّد أحوال إخوانه الفلسطينيّين، و هذه نقطة تحوّل أساسيّة أرهبت إسرائيل الغاصبة الغاشمة، فسارعت إلى اتّخاذ موقف حادّ و حازم، و من تلك اللّحظة حتى الآن تقوم إسرائيل ومن خلفها الماكينة الاستعماريّة باصطناع مشاكل لمصر على يد بقايا نظام حسني مبارك، و العلمانيّين.
وبقي أن نذكر أنّ الحركات الإسلاميّة التي صمدت في وجه الحكومات الاستبداديّة، القمعيّة و الوحشيّة، و صمدت في وجه عداوة القوّة الاستعماريّة الغربيّة طيلة كفاحها- في النّهاية حظيت بدعم لا محدود من شعوبها، و وصلت إلى أهدافها المرسومة.
أثناء الجهاد ضد القوّات الرّوسيّة المحتلّة في أفغانستان شُكّلت أحزاب و جماعات سياسيّة متعدّدة، و عامّتها برز في ساحة أفغانستان السّياسيّة على أنّها أحزاب وجماعات إسلاميّة – جهاديّة، و كانت تؤكّد على إسلاميّة مشروعها السّياسيّ، و لأنّ الجهاد ضدّ الرّوس كان فريضة إسلاميّة، و الأحزاب و الجماعات التي شاركت فيه شاركت على أساس إسلاميّ، و لكن حينما وصلت المهمّة الجهاديّة إلى نهايتها فإنّ كثيرًا من تلك الأحزاب و الجماعات الإسلاميّة في سبيل الوصول إلى سدّة الحكم عدلوا عن مبادئهم الإسلاميّة، وأخذوا يوسّعون رقعة علاقاتهم مع الغرب و الرّوس حتي يكونوا شركاء في الحكم الأفغاني عن طريقهم، و قد حدث ذلك في بداية الأمر، و وجد بعضهم عن -طريق بقايا النّظام الشّيوعيّ- طريقًا إلى الحكم في أفغانستان.
أمّا ما وصل إليه أفغانستان الآن فهو واقع مليء بالمحن والمشاكل، والجميع يسأل: ماذا سيحدث بعدعام 2014 م؟! إلى أين تتّجه أفغانستان بعد 2014م؟ مستقبل أفغانستان لايستطيع أحد أن يتصوّره بشكل واضح و دقيق. الأطراف المختلفة في قضيّة أفغانستان تسوق عام 2014 م لأهدافها، المجتمع الأفغاني حائر ومتشتّت الذّهن، والأطراف لا تجد ضالّتها (الصّلح)، و لاتعرف من أين تحصّلها، و لا تعرف من يمسك بيدها ليوصلها إلى برّ الأمان!؟ و قد فصّلت القوْل في مقال مستقلّ تحت عنوان: أفغانستان، مهلة عام 2014 م إلى أين تأخذها؟
ولكنّ الأمر الذي نحن بصدده هنا هو أنّ الحركات و الأحزاب الإسلاميّة في أفغانستان أيضًا لهم مسؤوليّات و واجبات تجاه شعوبها، وعليها أن تتنازل عن امتيازاتها في سبيل إرساء الاستقرار، الأمن و الصّلح في أفغانستان الجريحة، وعليهم يفكّروا و يقرّروا بحساب التّعقّل قبل العواطف، و على حساب المسؤوليّة قبل الامتياز.
الكل يتّفق بأنّ مشروع (شوری صلح) والتقنية الموجودة لإرساء الأمن والاستقرار في أفغانستان مشروع ناقص و غير مجدٍ، و من أجل أدلّة مختلفة غير قابلة لقبول أطراف النّزاع، وإذا كان المشروع طيلة سنوات عملها لم تستطع أن تقدّم حلولاً قابلة للتّنفيذ، حلولاً تضمّ أساسات و إمكانيّات كفيلة بإرساء الصّلح في البلاد وإستراتيجية فاعلة. فعلى الحركات الإسلاميّة والشّخصيات ذات النفوذ في السّاحة الأفغانيّة أن تتنازل عن مواقفها، وتعمل في سبيل إرساء الأمن و الاستقرار في أفغانستان، حتى ينجو أفغانستان من الحروب الأهليّة بعد خروج قوات الاحتلال الأمريكيّة من أفغانستان.
كثير من الأفغان يعتقدون أنه إذا تركت المنظّمات و الشّخصيّات الإسلاميّة في أفغانستان الامتيازات جانبًا و فكّرت، و أخذت تحلّل باستخدام العقل فإنّهم يستطيعون أن يجلبوا لأفغانستان الأمن و السّلام الدائمين، وإلاّ فهم أيضًا سيواجهون غضب الشّعب المنكوب، والذي كلّ و ملّ من الظّلم و القمع طيلة ثلاثين عامًا.
و التّاريخ شاهد على أنّ الاستعمار الغربيّ لا يهتمّ إلاّ لمصالحه الماديّة، لذا فأيّ حزب سياسيّ يحاول أن يصل إلى مقاليد الحكم بدعم من الدّول الاستعماريّة فإنّه يومًا ما سيواجه غضب شعبه، كما حدث في كثير من الدّول، و النّصر الحقيقيّ يكون حليف الأحزاب الذي تستمدّ قوّتها من الشّعوب، و تستمدّ مبادئها من عقيدة الإسلام السّمحة، و تبني كفاحها على أسس عقليّة و منطقيّة لا على العواطف و الامتيازات.
وما ذلك على الله بعزيز.
*الإسلام اليوم
ممّا لاشكّ فيه أنّ المشروع الذي ناضل من أجله و الطّريقة التي ناضل بها الإخوان في مصر، و حزب العدالة والتنمية في تركيا، و حزب النّهضة الإسلاميّ في تونس بعد سقوط الخلافة الإسلاميّة لإحياء النّظام الإسلاميّ والإجراءات التي اختارتها هذه الأحزاب لكفاحها من أجل تحقيق مشروعها لا مثيل لها في ساحة نضال الحركات الإسلاميّة، وعلى قدر ذلك النّضال، و تلك الإجراءات يُحقّق الجانب العمليّ للإسلام في أمور الحياة الإنسانيّة، وعلى قدر ذلك النّضال وتلك الإجراءات يحدّد الإسلام م?انته في تنظيم جميع الشّؤون، سواء أكانت سياسيّة، أو اجتماعيّة، أو اقتصاديّة.
وتحاول بقايا نظام حسني مبارك في مصر، وبقايا نظام أتاتورك العلمانيّ في تركيا، وبقايا نظام زين العابدين بن علي في تونس جاهدة إفشال ذلك الكفاح حتى لا يأخذ طريقه إلى النّجاح، و إقامة النّظام الإسلاميّ علی الأرض، ويسعون جاهدين أن يبعدوا أصحاب تلك الحركات الإسلاميّة عن الوصول للسّلطة وإرسالهم ثانية خلف قضبان السّجون.
من منّا كان يتصوّر سقوط حسني مبارك المستبدّ والطّاغية فی مصر، الذي ?انت يتلقّی الدّعم اللامحدود من الدّول الغربيّة الاستعماريّة، والذي كان يرعى وينفّذ مؤامرات ودسائس الدّول الاستعماريّة على المنطقة، وخاصّة ما يتعلق بقضيّة فلسطين الحبيبة؟!
و كان لصوت الشّعب و وحدته أثر كبير، حتى القوى الاستعماريّة الغاصبة لم تتجرّأ أن تدافع عن مصالحها و مصالح الحكومة الموالية لها في مصر، و يجب ألاّ ننسی، بأنّ الفرق الذي نتلمّسه بين الثّورة في مصر وسائر ثورات الدّول العربيّة في محيط الرّبيع العربيّ، يرجع إلى المشروع و طريقة الإخوان السّليمة، العاقلة والرّزينة في كفاحها الدّائم، والوحدة التي رأيناها في انتفاضة مصر كانت أيضًا بفضل تلك الدّعوه التي كانت تتطابق مع معايير الإسلام المنيرة.
من منّا كان يستطيع أن يتصوّر إسقاط حكومة مؤسّس تركيا العلمانيّة الحديثة مصطفی كمال أتاتورك الملقّب بـ (أبو الاتراك) على يد حزب العداله والتنمية الإسلاميّ في تركيا، وأنّ الحزب الحاكم الذي يعيش فترة شباب لم ينقطع زخمها- وإن كان هذا الزّخم قد تأثّر بعوامل مختلفة منها الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالعالم وأوروبا، والقضيّة السّوريّة التي تعتبرها تركيا «قضية داخليّة» لها- وفي النّهاية ينتصر ويغيّر وجه جمهورية تركيا في عشر سنوات، وتكون خلال حكمها تركيا أكثر تقدّمًا على الصّعيدين الاقتصاديّ والسّياسيّ.
يجب ألاّ ننسى بأنّ تركيا في مشروعها الإسلاميّ السّياسيّ الصّاعد لا يعيرها الغرب اهتمامًا، بل هو يخلق المشاكل لها كما يخلق لمصر من المشاكل على يد بقايا النّظام السّابق، و قد يرجع ذلك إلى مسألة البديل، والذي يكون مطروحًا في أغلب المشاريع الاستعماريّة الغربيّة، وليكن واضحًا بأنّ المشروع التركيّ في صميمه مشروع إسلاميّ نقيّ و نزيه، و لا مجال للشّكّ في إسلاميّته، ولكنّ الغرب قد يحاول أن يستخدمه لمصالحه في المستقبل، ويلعب على وتر القوميّة واللّسان في هذا الموضوع، و يجب ألاّ تترك سبيلاً حتى تتوحّد جهود المشروع التّركيّ الإسلاميّ مع المشروع المصريّ في سبيل إحياء النّظام الإسلاميّ، و كلّنا أمل بأنّ التّجربتين في النّهاية تخدمان الإسلام.
من منّا كان يتصوّر، سقوط حكومة زين العابدين بن علي المستبدّة العميلة للاستكبار والاستعمار الغربيّ، الحكومة كانت تمنع النّاس من الذّهاب إلى المساجد، وتثير الرّعب فيمن يتردّدون على بيوت الله. وكانت قد ملأت السّجون من الدّعاة الإسلاميّين، وقد أبعدوا بعضهم عن البلاد، أمّا عامّة النّاس فكان حالهم قد أدّى إلى أن يحرقوا أنفسهم من أجل الحصول على لقمة العيش، و في النّهاية واجه ابن علي تلك النّهاية المأساويّة، و ترك البلاد والحكم فرارًا من عاقبة أعماله الإجراميّة واللاّ إنسانيّة.
من كان يتصوّر، أن حكومات وأنظمة مستبدّة في ليبيا، سورية، واليمن .. تواجه ذلك المصير، من كان يتصوّر، بأن تقتنع أو تعتقد الطّبقة المفكّرة في الغرب بأنّ تلك الأنظمة لطالما خدعت الغرب من أجل بقائها في السّلطة، واستمراريّتها بناءّ على الفرضيّة التي تقول: إنّ الحركات الإسلاميّة خطر كبير على مصالح الغرب التّوسعيّة؛ لذلك فليس لها أن تأخذ بزمام الحكم أبد الدّهر.
أمّا ومنذ الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، والتي كانت أزمة عالميّة خطيرة هدّدت النّظام الاقتصاديّ العالميّ، وخصوصًا أنظمة الغرب المالية، فقد تساءل مفكرو الغرب: كيف يمكن للإسلام أن لايكون عنده أنظمة و تصوّر واضح و كامل لإدارة شؤون الحياة السّياسيّة، والاجتماعيّة، والأخلاقيّة و الصّحيّة.. وفيما إذا كان لدى الإسلام حلول لأزمة المصارف الغربيّة تستطيع أن تنقذها من أزمتها، و إن كان لدى الإسلام تلك الأنظمة لكنّهم لم يكن لديهم تصوّر عن الإسلام أكثر من أنّه نظام قديم و متخلّف، وأنّه نظام لا يتطابق مع متطلّبات العصر الرقمي الجديد.
و الدّراسات المستفيضة حول النّظام المالي الإسلاميّ في مراكز الدّراسات الغربيّة أبرزت تغيّرًا كبيرًا في قناعات مفكري الغرب في المجتمع الغربيّ، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ كفاح الدّعاة الأحرار الذين أبعدتهم الحكومات المستبدّة من بلدانهم الأم، و هاجروا إلى الدّول الغربيّة عملوا جاهدين وذلك بأن يشرحوا و يفسّروا نظام الإسلام الحقيقيّ لعلماء و مفكري الغرب، وهذا أحدث نوعًا ما تغيّرًا إيجابيًّا وكبيرًا في عقليّة مفكّري الغرب تجاه الإسلام، والحكومات العميلة للنّظام الاستعماريّ الغربيّ في العالم الإسلاميّ والعربيّ، و قد أخذ قناعة الفرضيّة -عدم الاعتماد- تنمو في المحيط الغربي و في غرف اتّخاذ القرارت السّياديّة والمصيريّة على سطح الحكومات الغربيّة، وصارت النّتيجة بأنّ الحكومات الغربيّة التي لا ترى ولا تعرف في سياستها وأيديولوجيّتها الماديّة إلاّ مصالحها الماديّة، أخذت تتنازل نوعًا ما عن حكوماتها العميلة في العالم العربيّ والإسلاميّ. فاليوم في مصر حسني مبارك الذي خدم الغرب ثلاثين عامًا طيلة حكمه يجرّ إلى المحكمة، والغرب لا يحرّك ساكنًا ولا يدافع عن عميله الوفيّ.
حينما تتمثّل إرادة الشّعب في مصر نرى النّور في المحادثات المتعثّرة بين أطراف النّزاع الفلسطينيّ فتح/ حماس، و حينما تتمثّل إرادة الشّعب الذي كلّ و ملّ من النّظام القمعيّ- نظام حسني مبارك- نرى رئيس وزراء مصر يحضر بنفسه إلى غزة في الحرب الأخيرة التي شنّتها إسرائيل، و يتفقّد أحوال إخوانه الفلسطينيّين، و هذه نقطة تحوّل أساسيّة أرهبت إسرائيل الغاصبة الغاشمة، فسارعت إلى اتّخاذ موقف حادّ و حازم، و من تلك اللّحظة حتى الآن تقوم إسرائيل ومن خلفها الماكينة الاستعماريّة باصطناع مشاكل لمصر على يد بقايا نظام حسني مبارك، و العلمانيّين.
وبقي أن نذكر أنّ الحركات الإسلاميّة التي صمدت في وجه الحكومات الاستبداديّة، القمعيّة و الوحشيّة، و صمدت في وجه عداوة القوّة الاستعماريّة الغربيّة طيلة كفاحها- في النّهاية حظيت بدعم لا محدود من شعوبها، و وصلت إلى أهدافها المرسومة.
أثناء الجهاد ضد القوّات الرّوسيّة المحتلّة في أفغانستان شُكّلت أحزاب و جماعات سياسيّة متعدّدة، و عامّتها برز في ساحة أفغانستان السّياسيّة على أنّها أحزاب وجماعات إسلاميّة – جهاديّة، و كانت تؤكّد على إسلاميّة مشروعها السّياسيّ، و لأنّ الجهاد ضدّ الرّوس كان فريضة إسلاميّة، و الأحزاب و الجماعات التي شاركت فيه شاركت على أساس إسلاميّ، و لكن حينما وصلت المهمّة الجهاديّة إلى نهايتها فإنّ كثيرًا من تلك الأحزاب و الجماعات الإسلاميّة في سبيل الوصول إلى سدّة الحكم عدلوا عن مبادئهم الإسلاميّة، وأخذوا يوسّعون رقعة علاقاتهم مع الغرب و الرّوس حتي يكونوا شركاء في الحكم الأفغاني عن طريقهم، و قد حدث ذلك في بداية الأمر، و وجد بعضهم عن -طريق بقايا النّظام الشّيوعيّ- طريقًا إلى الحكم في أفغانستان.
أمّا ما وصل إليه أفغانستان الآن فهو واقع مليء بالمحن والمشاكل، والجميع يسأل: ماذا سيحدث بعدعام 2014 م؟! إلى أين تتّجه أفغانستان بعد 2014م؟ مستقبل أفغانستان لايستطيع أحد أن يتصوّره بشكل واضح و دقيق. الأطراف المختلفة في قضيّة أفغانستان تسوق عام 2014 م لأهدافها، المجتمع الأفغاني حائر ومتشتّت الذّهن، والأطراف لا تجد ضالّتها (الصّلح)، و لاتعرف من أين تحصّلها، و لا تعرف من يمسك بيدها ليوصلها إلى برّ الأمان!؟ و قد فصّلت القوْل في مقال مستقلّ تحت عنوان: أفغانستان، مهلة عام 2014 م إلى أين تأخذها؟
ولكنّ الأمر الذي نحن بصدده هنا هو أنّ الحركات و الأحزاب الإسلاميّة في أفغانستان أيضًا لهم مسؤوليّات و واجبات تجاه شعوبها، وعليها أن تتنازل عن امتيازاتها في سبيل إرساء الاستقرار، الأمن و الصّلح في أفغانستان الجريحة، وعليهم يفكّروا و يقرّروا بحساب التّعقّل قبل العواطف، و على حساب المسؤوليّة قبل الامتياز.
الكل يتّفق بأنّ مشروع (شوری صلح) والتقنية الموجودة لإرساء الأمن والاستقرار في أفغانستان مشروع ناقص و غير مجدٍ، و من أجل أدلّة مختلفة غير قابلة لقبول أطراف النّزاع، وإذا كان المشروع طيلة سنوات عملها لم تستطع أن تقدّم حلولاً قابلة للتّنفيذ، حلولاً تضمّ أساسات و إمكانيّات كفيلة بإرساء الصّلح في البلاد وإستراتيجية فاعلة. فعلى الحركات الإسلاميّة والشّخصيات ذات النفوذ في السّاحة الأفغانيّة أن تتنازل عن مواقفها، وتعمل في سبيل إرساء الأمن و الاستقرار في أفغانستان، حتى ينجو أفغانستان من الحروب الأهليّة بعد خروج قوات الاحتلال الأمريكيّة من أفغانستان.
كثير من الأفغان يعتقدون أنه إذا تركت المنظّمات و الشّخصيّات الإسلاميّة في أفغانستان الامتيازات جانبًا و فكّرت، و أخذت تحلّل باستخدام العقل فإنّهم يستطيعون أن يجلبوا لأفغانستان الأمن و السّلام الدائمين، وإلاّ فهم أيضًا سيواجهون غضب الشّعب المنكوب، والذي كلّ و ملّ من الظّلم و القمع طيلة ثلاثين عامًا.
و التّاريخ شاهد على أنّ الاستعمار الغربيّ لا يهتمّ إلاّ لمصالحه الماديّة، لذا فأيّ حزب سياسيّ يحاول أن يصل إلى مقاليد الحكم بدعم من الدّول الاستعماريّة فإنّه يومًا ما سيواجه غضب شعبه، كما حدث في كثير من الدّول، و النّصر الحقيقيّ يكون حليف الأحزاب الذي تستمدّ قوّتها من الشّعوب، و تستمدّ مبادئها من عقيدة الإسلام السّمحة، و تبني كفاحها على أسس عقليّة و منطقيّة لا على العواطف و الامتيازات.
وما ذلك على الله بعزيز.
*الإسلام اليوم