مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
إنجاز المقاومة وغلطها الكبير
هويدي 26-11-2002

إذا كان أكبر إنجاز للمقاومة الفلسطينية أنها نجحت في إسقاط مشروع شارون‏,‏ وفي ضرب منظومة الأمن الإسرائيلي‏,‏ فإن أكبر غلط تقع فيه المقاومة هو أن توقف عملياتها الآن‏,‏ استجابة لوهم التأثير في نتائج الانتخابات المقبلة‏,‏ بحيث يخلي مجرمو الحرب الراهنون مكانهم لفريق آخر من مجرمي الحرب الجدد‏!‏

‏(1)‏
إحدي مشكلات الإعلام عندنا أنه ينقل إلينا كل يوم صورة شبه مفصلة لما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين‏,‏ في حين لا يتابع علي نحو دقيق التفاعلات الحاصلة داخل إسرائيل نفسها‏.‏ أعني أننا نستشعر جيدا الوجع الفلسطيني لكننا لا نعرف الكثير عن الوجع الإسرائيلي‏,‏ باستثناء الأرقام التي تعلن عن ضحايا كل عملية استشهادية أو فدائية‏,‏ وحتي هذه الأرقام والمعلومات تخضع للرقابة‏,‏ وعادة ما تكون أقل من الحقيقة‏,‏ لتخفيف حجم الصدمة داخل المجتمع الإسرائيلي‏.‏
في ظل استمرار المقاومة‏,‏ والعمليات الاستشهادية بوجه أخص‏,‏ فإنه لا يكاد يخلو يوم من شكل من أشكال قمع الفلسطينيين وترويعهم‏.‏ خلال الأيام العشرين الأولي من الشهر الحالي‏(‏ نوفمبر‏)‏ ظل يقتل كل يوم فلسطينيان ويصاب‏17‏ بجروح‏,‏ ذلك فضلا عن عمليات التهديم والقصف والتجريف والتجويع‏,‏ التي لم تنج منها مدينة أو قرية في القطاع والضفة‏.‏ والسعار الذي أصاب الحكومة الإسرائيلية بعد عملية القدس الأخيرة خير شاهد علي ذلك‏.‏
إن شئت فقل‏:‏ إنه مسلسل للقتل البطيء‏,‏ ينقل إلي كثيرين منا شعورا بالإحباط واليأس‏,‏ لا يخرج الناس من أجوائه ولا ينتشلهم من مستنقعه إلا أخبار العمليات الاستشهادية‏,‏ التي تذكرهم بأن الله أكبر‏,‏ وأن ثمة شيئا في الأمة لم يمت بعد‏,‏ وإن كان الترويع الذي حل بالفلسطينيين لم ينل من إصرارهم علي الخلاص‏,‏ ولا أطفأ في أعماقهم جذوة المقاومة‏.‏
المفارقة المثيرة واللافتة للنظر في هذا الصدد هي أن المجتمع الفلسطيني الأعزل علي الرغم من كل ما أصابه من تقتيل ودمار‏,‏ لم يعرف الخوف‏,‏ ويزداد صلابة وعنادا يوما بعد يوم‏,‏ كما أن العمليات التي يقوم بها الفدائيون الاستشهاديون تكشف عن درجة عالية من تراكم الخبرة ورفعة الأداء والإقدام منقطع النظير‏.‏ أما المجتمع الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة في البر والجو‏,‏ والمحتمي بالقوة النووية فضلا عن المظلة الأمريكية‏,‏ فإنه هو الذي أصبح مسكونا بالخوف حتي ارتد إلي صدره ذلك الترويع الذي حاول قادته إشاعته بين الفلسطينيين‏,‏ وذلك جوهر الفرق بين الذين يريدون الدنيا والذين يريدون الآخرة‏.‏
في‏11/18‏ نشرت صحيفة هاآرتس أن الجيش الإسرائيلي يشهد أزمة تهرب خطيرة من الخدمة العسكرية‏,‏ ازدادت بشكل حاد خلال الفترة الأخيرة مع تزايد الأوضاع الاقتصادية المتدهورة‏.‏ وأشارت الصحيفة إلي أن عدد الفارين من الخدمة العسكرية في العام الحالي‏(2002)‏ وصل إلي‏2616‏ جنديا‏,‏ أغلبهم من جنود الاحتياط‏,‏ وكان عدد هؤلاء في العام الماضي‏1564‏ شخصا‏,‏ الأمر الذي يعني أن ثمة ارتفاعا في عدد الفارين من الخدمة العسكرية بنسبة‏76.2%.‏
في‏11/5‏ نشرت صحيفة معاريف مقالة كتبها ايتان رابين عن قرية أنشئت لعلاج الجنود الإسرائيليين الذين يتم تسريحهم من الجيش‏,‏ أشار فيها إلي أن تجاربهم مع الانتفاضة صدمتهم وهزتهم حتي شوهتهم نفسيا‏,‏ حيث إن كثيرين منهم يحاولون البحث عن الهدوء والسكينة بعد تسريحهم‏,‏ لذلك فإنهم يسافرون إلي الهند وتايلاند وغيرهما من دول الشرق الأقصي‏,‏ لكنهم هناك يدمنون المخدرات ويعودون أشخاصا آخرين في حالة انهيار شبه تام‏,‏ ولا يصلحون لشيء‏!‏
تحدث الكاتب عن ضابط من المسرحين كان ضمن وحدة الأركان‏,‏ وقاتل الفلسطينيين لمدة عامين‏,‏ وبعد انتهاء مدة خدمته سافر إلي تايلاند للهروب مما حدث له‏,‏ لكنه لم ينجح‏,‏ واتجه إلي تعاطي المخدرات‏,‏ وبعد عودته تدهور أكثر وبدأ في إدمان الكوكايين‏,‏ وشرع أهله في علاجه لكنهم بعد عدة أيام وجدوه ميتا‏,‏ ولم يعرف أحد سبب وفاته‏.‏
هل سمعتم عن شيء من ذلك حدث بين الفلسطينيين؟‏!‏

‏(2)‏
في أوائل شهر نوفمبر الحالي أصدرت مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية تقريرا كشف النقاب عن مجموعة من المؤشرات ذات الدلالة التي برزت بعد الانتفاضة‏,‏ منها ـ علي سبيل المثال ـ أن عدد الفقراء في إسرائيل تجاوز بعد عام الانتفاضة الأول‏1.2‏ مليون نسمة يمثلون‏20%‏ من السكان‏,‏ بحيث أصبح الدخل السنوي للواحد منهم في حدود‏356‏ دولارا فقط‏.‏
وأضاف التقرير في هذه النقطة أن‏13‏ ألف عائلة جديدة انضمت إلي دائرة الفقراء‏,‏ بالمقارنة مع سنة‏2000,‏ ويشكل العرب‏29%‏ من أولئك الفقراء‏.‏
في الوقت نفسه أصدر بنك إسرائيل المركزي تقريرا آخر عن الوضع الاقتصادي في البلاد‏,‏ ذكر أن نسبة البطالة هذا العام تجاوزت‏10.5%,‏ وأنها ستتجاوز‏12%‏ في السنة المقبلة‏.‏ ومن المعلومات المثيرة التي أوردها التقرير أن نسبة العجز في الميزان التجاري ستصل إلي‏95%,‏ وأن الاستثمارات الأجنبية ستنخفض بنسبة‏6.3%,‏ وأن مستوي المعيشة سينخفض بنسبة‏2.2%.‏
ماذا تعني هذه الأرقام؟
حين يصل عدد الإسرائيليين الذين تجاوزوا خط الفقر إلي‏1.2‏ مليون نسمة‏,‏ فمعناه أن خمس السكان مرشحون لحزم حقائبهم والرحيل عن البلاد عند أول فرصة‏,‏ ذلك أن هؤلاء إذا كانوا قد جاءوا إلي ما زعموا أنه أرض الميعاد بحثا عن الأمن وتحت إغراء تحسين مستوي معيشتهم‏,‏ وإذا كان حلم الأمن قد تبخر للأسباب المعروفة‏,‏ ولحق به حلم الرخاء‏,‏ فما الذي يحفزهم علي البقاء في إسرائيل الآن؟‏!‏
علي صعيد آخر فإذا كان العجز التجاري ينشأ عن الاختلال فيما بين الصادرات والواردات‏,‏ فإن ذلك العجز حين يصل إلي‏85%‏ فمعناه أن الدولة الإسرائيلية لم تعد تصدر شيئا‏,‏ ولن تخطئ إذا قلت إنها لم تعد تنتج شيئا لكي تصدره‏,‏ معناه أن إسرائيل أصبحت تعتمد بشكل أكبر علي الاستيراد من الخارج‏,‏ مع تناقص إنتاج سلع التصدير إلي الخارج‏.‏
في الوقت نفسه فإن تراجع الاستثمارات الخارجية لا يعني سوي شيء واحد هو‏:‏ فقدان الثقة في مؤسسات وأوضاع ذلك البلد المضطرب‏,‏ وفي حالة إسرائيل فإنها كانت تتمتع بميزة الدولة الأكثر رعاية في الاتفاقات التي عقدتها مع مختلف دول العالم‏,‏ كما أنها كانت تحظي برعاية ودعم مباشرين وغير مباشرين عن طريق استثمار مبالغ خيالية فيها‏,‏ حتي إن معظم النشاطات الاقتصادية الإسرائيلية لم تكن سوي فروع من المشروعات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية‏,‏ وحين تتناقص الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل‏,‏ فإن ذلك يعني أنها فقدت الصفات التي جعلت الآخرين يتعاملون معها بأفضلية‏.‏
ذلك بعض ما حدث خلال عامين للانتفاضة‏,‏ ولك أن تتخيل ما يمكن أن يحدث في إسرائيل لو قدر للانتفاضة أن تستمر لعامين مقبلين أو أكثر؟

‏(3)‏
أهم مما سبق أن العمليات الاستشهادية الجسورة التي تلاحقت خلال الأسبوعين الماضيين في تل أبيب والخليل والقدس‏,‏ بعثت برسالة إلي كل مواطن إسرائيلي تبلغه بأن حياته في خطر حيثما ذهب‏,‏ وإذا قال قائل إن ذلك هو حال الفلسطينيين أيضا فهذا صحيح‏,‏ لكني أضيف أن إنجاز المقاومة الفلسطينية نجح في أن يرد الرسالة بمثلها‏,‏ وأحيانا بأحسن منها‏.‏ وإذا تساوي الطرفان في الشعور بالخطر‏,‏ فالفلسطينيون هم الفائزون‏,‏ باعتبار أن وجودهم في فلسطين هو قدر وليس أمامهم بديل آخر‏,‏ أما الإسرائيليون فقدومهم إلي إسرائيل اختيار‏,‏ وأمامهم بدائل أخري‏,‏ بدليل أن آلافا منهم حزموا حقائبهم وعادوا إلي حيث أتوا‏.‏
الضحية الحقيقية لهذا التطور هي المشروع الصهيوني نفسه‏,‏ الذي ادعي رواده أن وجود اليهود فيما زعموا أنه أرض الميعاد هو ملاذهم الآمن والأخير‏,‏ وإذ عاودهم الخوف في عقر دورهم التي اغتصبوها فإن فكرة الملاذ لم يعد لها معني‏.‏ أما ضحية الساعة ـ إذا جاز التعبير ـ فهو السيد أرييل شارون الذي هو الآن في النزع الأخير‏,‏ ولن نستغرب إذا ما أنهت الانتفاضة حياته السياسية نهاية بائسة‏,‏ وهو الذي جاء إلي السلطة علي وعد بأن يقضي علي الانتفاضة خلال ثلاثة أشهر‏,‏ وها قد مر عشرون شهرا والانتفاضة مستمرة‏,‏ وتزداد تمرسا وقوة حينا بعد حين‏,‏ وتوجه إلي الجسم الإسرائيلي ضربات موجعة كل حين‏.‏
إن عبارة فشل حكومة شارون وسياسته أصبحت قاسما مشتركا في كتابات العديد من الكتاب والمعلقين الإسرائيليين‏,‏ وهو ما يسجله عكيفا الدار ـ مثلا ـ في هاآرتس‏(‏ عدد‏11/18)‏ قائلا عن عدد القتلي الإسرائيليين في حرب الاستنزاف الحالية‏(‏ التي يشنها الفلسطينيون‏)‏ ينافس في حجمه عدد قتلاهم خلال‏18‏ عاما من الحرب في لبنان‏,‏ وقد دعا في مقالته إلي الانسحاب وراء الجدار العازل خلال عام حتي إذا لم يتم التوصل إلي اتفاق‏,‏ وانتقد بشدة الجمهور الإسرائيلي الذي تصوت أغلبيته لمصلحة شارون وسياسته قائلا‏:‏ إنه لا يزال يتصرف مثل المرأة المضروبة التي تصر علي العودة إلي أحضان الرجل الشرير‏.‏
عوفر شيلح من كتاب يديعوت أحرونوت ذهب إلي أبعد‏,‏ إذ إنه لم يتهم شارون بالفشل فحسب‏,‏ وإنما شكك في قدرة الجيش‏(‏ بقرتهم المقدسة‏!)‏ علي التصدي للمقاومة الفلسطينية‏.‏ فعقب عملية الخليل‏(‏ التي قام بها شباب الجهاد الإسلامي وقتل فيها‏12‏ عسكريا إسرائيليا‏)‏ كتب يوم‏11/19‏ قائلا‏:‏ إذا كان ثلاثة من العرب قادرين علي المس بهذه الشدة بعشرات من حملة السلاح من رجالنا‏,‏ فإن ذلك يضعف ثقتنا في القوة التي نعتمد عليها‏,‏ وإذا كانوا قادرين علي الانتصار في معركة صغيرة واحدة‏,‏ فلعل ثقتنا بأننا سننتصر في الصراعات الكبري تستند إلي الوهم‏.‏
بعد عشرين شهرا من وعد شارون بإنهاء الانتفاضة كتب حيمي شليف في معاريف‏(11/17)‏ يقول‏:‏ إن الإسرائيليين جميعا أصبحوا عالقين في زقاق الموت‏,‏ وهو ما عبر عنه أيضا ناحوم برنياع في يديعوت أحرونوت‏(11/18)‏ الذي وصف عملية الخليل بأنها إعلان مهين عن فشل سياسة حكومة شارون‏,‏ وقال‏:‏ إن الوضع قد أصبح خطيرا الآن‏,‏ فمن الأفضل ألا نجعله أشد خطورة من خلال نشاط حكومي‏(‏ قمعي‏)‏ آخر‏.‏

‏(4)‏
مثلما يحدث في كل ملاحم التحرير‏,‏ فمعركة الفلسطينيين مازالت طويلة‏,‏ وكلما اشتد ساعد المقاومة ازداد الإسرائيليون شراسة‏,‏ وغاية ما يمكن أن يقال في الوقت الراهن إن شارون وأمثاله فشلوا في كسر إرادة الفلسطينيين‏,‏ الذين أحرزوا نقاطا في الجولة الراهنة تفوق ما حصله خصومهم المتعجرفون والمختالون بقوتهم‏,‏ وفي هذا الصدد ينبغي ألا تفوتنا ملاحظة أنه في حين بدأت الأرض تهتز تحت أقدام شارون‏,‏ ظهر في الأفق زعيم جديد لحزب العمل هو السيد عمران متسناع‏,‏ الذي أطل علينا قائلا‏:‏ إنه يسعي للتفاوض مع الفلسطينيين إذا تسلم الحكم‏,‏ وأنه مقتنع بعدم جدوي العنف‏,‏ وبضرورة إخلاء غزة من القوات والمستوطنين‏.‏
لكن أغرب ما في المشهد أن ينطلي الملعوب علي بعضنا‏,‏ فيستدعوا المقولة التي عفا عليها الزمن وكذبها التاريخ‏,‏ تلك التي تزعم أن حزب العمل أفضل للفلسطينيين والعرب من الليكود‏,‏ وهو ما لمسناه في أمرين‏,‏ الأول تلك التصريحات والكتابات التي ظهرت مرحبة بالسيد متسناع ومحتفية بكلامه‏,‏ ومن تلك التصريحات ما صدر عن الرئيس ياسر عرفات‏(‏ في‏11/20)‏ حين رحب بالتعاون مع الزعيم الجديد لحزب العمل‏,‏ وأعرب عن ثقته في أنه سيكمل الطريق الذي بدأه شريك السلام إسحاق رابين‏(‏ من المفارقات أن رابين هو الذي دعا إلي تكسير عظام الفلسطينيين في انتفاضة عام‏87,‏ وأن الرجل الذي كلف بتنفيذ تلك السياسة في الضفة الغربية كان السيد متسناع شخصيا‏!),‏ أما الكتابات التي نعنيها فمن نماذجها ذلك التعليق الذي نشرته الحياة اللندنية في‏11/21‏ للأستاذ غسان شربل‏,‏ وتساءل فيه عما إذا كان باستطاعة الفلسطينيين القيام بشيء لمنع بقاء شارون‏(‏ في السلطة‏),‏ وزيادة حظوظ الجنرال متسناع‏,‏ الذي يبدو كمن جاء متأخرا‏.‏
الأمر الثاني الذي لمسناه في السياق الذي نحن بصدده هو تلك الجهود العربية التي بذلت لإقناع منظمتي فتح وحماس بوقف العمليات داخل إسرائيل‏,‏ بدعوي أن ذلك الإيقاف‏,‏ وما يستصحبه من تهدئة مفترضة‏,‏ سوف يسحب ورقة الأمن من يد شارون في الانتخابات المقبلة التي ستتم هناك بعد شهرين‏,‏ وإذا ما تحقق ذلك فإن الموضوع السياسي سوف يصبح المهيمن علي أجواء الانتخابات‏,‏ الأمر الذي يتصور معه أولئك الناصحون أنه قد يوفر فرصة مواتية لفوز حزب العمل‏,‏ وتسلم السيد متسناع للسلطة‏,‏ ومعه فريقه الذي يتقدمه بن إليعازر وبيريز‏(‏ تاني‏!!).‏
لا أعرف إن كانت الفكرة تستحق المناقشة أم لا؟‏!‏ لكنني لا أتردد في وصفها بأنها عبثية من أولها إلي آخرها‏,‏ وقد عري عبثيتها الدكتور زياد أبو عمرو رئيس اللجنة السياسية في المجلس التشريعي الفلسطيني‏,‏ الذي كتب مقالا في نقدها نشرته صحيفة القدس العربي‏(‏ في‏11/21),‏ ومما ذكره في هذا الصدد أنه من العبث الاعتقاد بإمكان مساعدة حزب العمل من وراء ظهر شارون‏,‏ الذي لن يستجيب للمبادرة‏,‏ إذا ما طلب منه أن يقدم شيئا لفتح وحماس مقابل إيقافهما للعمليات‏.‏
كما أنه من العبث المراهنة علي حزب العمل وتفضيله علي الليكود‏,‏ في حين يعلم الجميع أن كلا منهما أسوأ من الآخر‏,‏ ناهيك عن أن حزب العمل ليست أمامه فرصة للفوز‏,‏ وهو ما أجمعت عليه استطلاعات الرأي الإسرائيلية‏,‏ ومن العبث أيضا تصور إمكان تغييب ورقة الأمن عن الانتخاب لمجرد اتفاق حماس وفتح‏(‏ لاحظ أن حركة الجهاد الإسلامي استبعدت‏)‏ علي وقف العمليات داخل إسرائيل‏,‏ لأن السماح باستمرار العمليات ضد المستوطنات المقامة في الضفة مثلا‏,‏ والتي لن يشملها الاتفاق‏,‏ سيجدد إثارة موضوع الأمن الذي يتعذر استبعاده طالما ظل للاحتلال وجود‏.‏

‏(5)‏
بعد الثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون من دمائهم وفلذات أكبادهم‏,‏ فإن خيار المقاومة أصبح محسوما‏,‏ خصوصا بعد ما ثبت أن الخيارات الأخري التي طرحت عبر أوسلو وأخواتها‏,‏ كانت للتمويه أو لتقنين الاحتلال‏,‏ وقد طوي القادة الإسرائيليون تلك الصفحة علي أي حال‏,‏ حين أعلنوا أن كل ما فات بينهم وبين الفلسطينيين قد مات‏,‏ والمشكلة التي نواجهها ليست في تعب المقاومة الفلسطينية التي ما برحت تلقن المحتلين دروسا موجعة كل حين‏,‏ ولا في انكسار إرادة ذلك الشعب البطل المتمسك بحقه في الاستقلال‏,‏ ولكنها في تعب الآخرين الذين يمسكون بالملف الفلسطيني من قريب أو بعيد‏,‏ وإذا فهم أنه في أي قضية إذا تعب فريق الوكلاء والوسطاء أو عجز فإنه يتنحي كي يفسح المجال لفريق آخر‏,‏ إلا أن الأمر اختلف في القضية الفلسطينية‏,‏ الذي تعب فيها هؤلاء فاختاروا أن يكون التنحي من نصيب القضية لا من نصيبهم‏,‏ في حين أنهم يقدمون أكبر خدمة للقضية لو أنهم رفعوا أيديهم عنها‏,‏ خصوصا أن رجال المقاومة أثبتوا أنهم أهل لها‏,‏ ليس فقط لأن التاريخ معهم ولأن لكل احتلال نهاية‏,‏ ولكن قبل ذلك لأن الله ينصر من ينصره‏.‏
اللهم احم المقاومة من أصدقائها‏,‏ أما أعداؤها فهي كفيلة بهم‏.‏
أضافة تعليق