هويدي 5-11-2002
أضيف اللكودة إلي عناوين المرحلة التي نعيشها, لكي تنضم إلي ما ذكرته في الأسبوع الماضي عن الاستباحة والملطسة أو الملطشة, واللكودة مشتقة من الليكود في طبعته الشارونية, التي تتبني نهجا احاديا مفترسا, يلغي السياسة ولايستخدم إلا لغة القوة التي تخاطب الجميع بالقبضة الحديدية, ولايتردد في الاطاحة بأي شيء يعترض طريق الوصول إلي الأهداف المرصودة, دون اعتبار لأحد أو قيمة, حتي إذا ادي ذلك إلي هدم المعبد علي من فيه.
(1)
لست صاحب مصطلح اللكودة فالذي صكه استاذ أمريكي في جامعة جورجتاون اسمه جون ايكنبري, وقد أطلقه اخيرا علي إدارة الرئيس بوش, التي تضم عناصر شديدة الحماس لليكود, وتبدي استعدادا مدهشا لتقديم مصالحه علي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية, وقد استطاعت تلك الفئة أن تؤثر في السياسة الأمريكية, وجعلتها تتبني مواقف غلاة اليمين الإسرائيلي, ولاترد لشارون طلبا حتي إذا تحدي إرادة المجتمع الدولي, كما حدث في رفضه استقبال اللجنة التي شكلها مجلس الأمن لتقصي الحقائق في مذبحة جنين.
مصطلح اللكودة لقي هوي لدي بعض الباحثين الغربيين, حتي استخدمته الباحثة البريطانية هيلينا كوبان, وعقدت مقارنة بين سياسة الرئيس بوش الخارجية وسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون, بينت التشابه بين نهج الرجلين في عسكرة السياسة والانفراد بالتصرف بعيدا عن الإرادة الدولية, وقارنت أيضا بين علاقة الجمهوريين بالديمقراطيين في الولايات المتحدة, وبين علاقة الليكود مع حزب العمل في إسرائيل, مبينة أن الجمهوريين جروا الديمقراطيين وراءهم, كما فعل الليكود مع حزب العمل.
وجدت أن اللكودة تحولت إلي مدرسة في الأداء السياسي, تناسبت مع أجواء المزاج الحربي والقمعي الذي ساد بعد11 سبتمبر, وفي ظله فرضت علي العالم الاجندة الأمريكية التي تحتل الاولوية الأولي فيها مسألة الحملة ضد الإرهاب, وأريد لدول العالم أن تنشغل بتلك الحملة, وان تقدمها حتي علي أولوياتها وهمومها الخاصة.
وحتي أكون دقيقا فان تلك اللكودة وما تستصحبه من افتراء واستقواء واستهتار بحياة الآخرين وحقوقهم, لاتمارس إلا حين يكون الآخرون من العرب والمسلمين, ذوي الدم الرخيص, وهم الذين تحولوا إلي منطقة رخوة, تغري أي طرف بان يتغول فيها ويتمدد, وهو مطمئن إلي انه سيظل آمنا, وسيخرج من مغامرته سالما وغانما, في الأجل القصير علي الأقل.
كل ما فعلته أنني توسعت في مفهوم اللكودة, ووجدت أن المصطلح يحتمل معني الغلو في التحيز لمصلحة إسرائيل في مواجهة العرب والتأييد المستمر لسياستها الوحشية ازاء الفلسطينيين, كما انه يحتمل أيضا ممارسة تلك السياسة الوحشية من جانب أي دولة في مواجهة العرب والفلسطينيين.
(2)
ماحدث في موسكو اخيرا نموذج للكودة بمعناها الثاني, وهو مشهد أرجو أن تدقق فيه جيدا, فقد قام نحو50 من الشيشانيين باحتجاز800 شخص داخل قاعة للمسرح, واشترطوا لإطلاقهم ان تنسحب القوات الروسية من بلادهم, وكان ذلك خطأ لاريب, دفع ثمنه نحو200 شخص من الابرياء قتلوا في أثناء عملية اقتحام المسرح, من جراء الغاز السام الذي سرب إلي داخل القاعة, فشل حركة المجموعة الشيشانية وادي إلي وفاة ذلك العدد الكبير من رواد المسرح, وقد نقل منهم600 إلي المستشفيات لعلاجهم من آثار الغاز السام الذي تكتمت السلطات الروسية طبيعته, حتي الآن علي الأقل.
الشيشانيون لم يقتلوا المائتي شخص, ولكن الجهة الروسية التي تولت عملية اطلاق الرهائن هي التي قتلتهم, واستبعد تماما ان يكون لجوؤها إلي استخدام الغاز السام قد تم دون موافقة الرئيس بوتين, وهو ما يسوغ لنا ان نقول إن العمل الإرهابي الذي قام به الشيشانيون ردت عليه الحكومة الروسية بعمل إرهابي آخر اشد جسامة وابعد أثرا, فالذين احتلوا المسرح كانوا مجموعة أفراد, هددوا بقتل الموجودين تباعا إذا لم تستجب السلطات الروسية لطلبهم, وتلك نتيجة كان يمكن تجنبها عن طريق التفاوض والبحث عن حل سلمي للموقف, أما الذين اصدروا الأمر باستخدام الغاز السام المحظور دوليا فقد كانوا يعلمون أن بعض الروس الموجودين داخل القاعة سيقتلون بسببه حتما, ومن ثم فان القتل اذا كان أحد الاحتمالات في حسابات الشيشانيين, فانه كان امرا مؤكدا عند صاحب القرار الروسي, الذي أعطي الأولوية لسحق الخاطفين, مطيحا بإمكان التفاهم حول حل سلمي أو مخرج سياسي يقبل ببعض التراجع ويتجنب ذلك المصير البائس الذي لقيه الضحايا, وفي الاستسلام للعناد والكبرياء الليكودي فان الرئيس بوتين لم يتردد أيضا في استخدام الغاز السام, مطيحا بالحظر الدولي المفروض عليه لاحظ ان الرئيس صدام حسين يؤاخذ الآن لاستخدام ذات الغاز السام ضد الاكراد, وان بلاده مهددة بالغزو بزعم تدمير مالديها من مخزون اسلحة الدمار الشامل!
(3)
لقد قريء الحادث بحسبانه مجرد عمل إرهابي, وهو كذلك بالفعل, وحين سئلت عما إذا كان الشيشانيون شهداء أم انتحاريين, قلت ذلك تحدده نياتهم, لكني احسب ان ما قاموا به يعد عملا انتحاريا, لان الابرياء الذين قتلوا بسببهم أو كان يمكن ان يقتلوهم هم ليسوا محاربين ولا مغتصبين كما في الحالة الإسرائيلية, لذلك فأرجو ألا يلتبس الأمر علي أحد في هذه الجزئية, لان ازهاق أرواح الابرياء خط أحمر عقديا, قبل أن يكون سياسيا أو قانونيا.
اللكودة التي اتحدث عنها لم تتجل فقط في عملية اقتحام المسرح, ولكن أيضا في مجمل التعامل الوحشي مع الملف الشيشاني, وهي الخلفية التي تجاهلها كثيرون, وهم يصفقون لنجاح العملية, ذلك أن الشيشانيين الذين استولت روسيا علي بلادهم منذ ثلاثة قرون تقريبا يناضلون منذ ذلك الوقت دفاعا عن استقلال بلادهم, وفي المرحلة السوفيتية اعتبرت شيشينيا احدي الجمهوريات التي تمتعت شكليا بالحكم الذاتي, وقد راودهم حلم الاستقلال بعد سقوط الاتحاد السوفيتي, وأعلنوه بالفعل في عام94, وكنت آنذاك ممن تحفظوا علي تلك الخطوة, وكتبت مفضلا أن يعيش الشيشانيون ضمن الكيان الكبير ليس فقط بسبب وضعهم الجغرافي وتشابك مصالحهم ومواردهم مع موسكو, ولكن ايضا لان امكاناتهم لاتساعدهم علي اقامة دولة مستقلة, وهم بحاجة إلي وقت لكي يقفوا علي أقدامهم, وهو ما فعلته جمهوريات إسلامية أخري مثل تتارستان وداغستان وانجوشيا, وكان الشرط الذي تمنيته أن يتاح لهم في ظل الكيان الكبير أن يحافظوا علي حرياتهم العامة فضلا عن حرياتهم الدينية بطبيعة الحال.
من أسف أن القيادة الروسية في عهد الرئيس بوتين واجهت طموحات الشعب الشيشاني بالأسلوب الليكودي والشاروني, حيث عمدت إلي سحق الشيشانيين واخضاعهم بأبشع الأساليب, واستبعدت اي حل سياسي يلبي الحد الادني من طموحات ذلك الشعب المقاتل والعنيد, اذ بعد انهاء الانفصال وتدمير العاصمة ومظاهر العمران في شيشينيا كثفت موسكو من وجودها العسكري هناك, وواصلت نهج القهر والقمع, وهو ما عمق من مشاعر الغضب لدي الشيشانيين, الذين اشتدت مقاومتهم وأصروا علي مواصلة النضال ضد الهيمنة الروسية.
بعد11 سبتمبر, وإعلان واشنطن عن حملتها الدولية ضد الإرهاب, انتهزت موسكو الفرصة واعتبرت المقاومة الشيشانية إرهابا يبرر القمع والقهر, وهو ما رحبت به واشنطن, فضلا عن ان المناخ الدولي كان مواتيا آنذاك, وإذ وجدت القيادة الروسية غطاء أطلق يدها في سحق الشيشانيين, فانها حاولت اغلاق الملف مستبعدة أي حل سياسي, ورافضة أي تفاهم مع قيادة المقاومة, وإذ ادرك الشيشانيون ان الابواب سدت في وجوههم, وان قضيتهم تراجعت في الساحة الدولية, في حين ان القوات الروسية واصلت افتراس شعبهم وبلادهم مرتكبة ما لاحصر له من جرائم الحرب, فان مجمل هذه الظروف أوصلتهم إلي شفا اليأس, وكان لجوؤهم إلي تلك العملية الانتحارية, التي احسب انهم يعلمون جيدا انها لن تجلب لهم الاستقلال, لكنها ربما لفتت الانتباه إلي قضيتهم, واستدعت ملفها إلي الواجهات مرة أخري.
(4)
ظاهر الأمر أن الرئيس بوش ماض علي طريق اللكودة في تعامله مع العراق, اذ تدل مختلف الشواهد علي أنه مصر علي إشهار العصا الغليظة, وشن الحرب مهما كلفه ذلك, برضا المجتمع الدولي أو رغما عنه, وذلك رغم قبول العراق بالسماح بعودة المفتشين الدوليين دون قيد أو شرط, وثمة كلام كثير عن التكلفة المالية المقررة للحملة العسكرية, التي قيل انها ستصل إلي مائة مليار دولار, يأمل الامريكيون في تعويضها في حال وضع أيديهم علي ثروة العراق النفطية, وهناك كلام آخر عن حكومة مابعد الاجتياح, تخلله حديث عن احتمال تعيين حاكم عسكري أمريكي مؤقت للعراق, وهناك جدل حول احتمالات استخدام العراق لأسلحة غير تقليدية في الرد علي الاجتياح الأمريكي, وفي بعض الدول المجاورة تدريبات واحتياطات لمواجهة ذلك الاحتمال.
ما لم تسلط عليه أضواء كافية في اللغط الدائر هو أصداء اجتياح العراق علي الصعيد السياسي في العالم العربي والإسلامي, نعم تحدث البعض عن انقضاض إسرائيل علي الفلسطينيين يستثمر لحظة انشداد الأبصار إلي الحاصل في العراق, لكن تداعيات الاجتياح في المحيط العربي الإسلامي الكبير تحتمل العديد من التوقعات التي تتراوح بين الزالزال والهزات الأرضية, الأمر الذي يفتح الابواب لمختلف تجليات الفوضي والعنف, وحتي لا أكون مبالغا أو متشائما, فإنني استشهد بتعليق علي التفجير الذي وقع في بالي وراح ضحيته190 شخصا من رواد أحد الملاهي التي يرتادها السياح الغربيون للجزيرة الاندونيسية, التعليق نشرته صحيفة جاكرتا بوست وكتبه واحد من ابرز المحللين السياسيين الاندونيسيين, وهو يوسف ونندي مؤسس مركز جاكرتا للدراسات الاستراتيجية والدولية, وفيه ربط بين واقعة التفجير والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط, وقال إنه ما لم تمارس واشنطن سياسة أكثر توازنا في الصراع العربي ـ الإسرائيلي, فان القادة المسلمين المعتدلين في جنوب شرق آسيا سيجدون صعوبة في مواجهة نفوذ المسلمين الراديكاليين علي الرأي العام المحلي, وأضاف ان الناس في اندونيسيا يشاهدون
علي شاشات التليفزيون كل يوم القمع الوحشي لاخوانهم المسلمين واهانتهم, الأمر الذي يملؤهم سخطا علي السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل التي تصر علي احتلال بيت المقدس وتدنيسه.
وقعت علي تعليق ونندي في ثنايا مقالة كتبها الصحفي البريطاني باتريك سيل, انتقد فيها الدروس الخاطئة التي استخلصتها العواصم الغربية من تفجير ملهي بالي نشرتها الحياة اللندنية في10/18 في مقالته ذكر الكاتب أن واشنطن استخفت كثيرا بالأثر المروع لدي الرأي العام العربي والإسلامي, وهو يشهد اضطهاد الفلسطينيين ومقتلهم كل يوم, بالإضافة إلي التدمير الكامل لمجتمعهم الذي كانت الفضائيات تنقله علي شاشات التليفزيون, ونبه إلي أن ذلك الأثر ليس مقصورا علي الشرق الأوسط وحده, وانما هو ممتد إلي مختلف ارجاء العالم الإسلامي, حيث العواطف الإسلامية في أطرافه الآسيوية خاصة أقوي وأشد بسبب البعد الجغرافي, الأمر الذي ضاعف من غضب المسلمين علي إسرائيل والولايات المتحدة المساندة لها.
في رأي باتريك سيل انه اذا ما هاجمت أمريكا العراق, فان النقمة علي الولايات المتحدة ستتحول إلي حقد وكراهية حقيقيين.
وهو رأي أيده بتقرير نشرته صحيفة هيرالدتريبيون لواحد من أهم المراقبين علي الساحة الآسيوية, اسمه فيليب بارونج, جاء فيه أن سياسة واشنطن نحو العراق لاتلاقي إلا القليل من التأييد في شرق آسيا.. حيث ألحق الخطاب الحربي ضررا بالغا بصورة أمريكا, ومن الصعب أن تجد بين الآسيويين من يصدق أن صدام يهدد أمريكا أو أن للولايات المتحدة الحق في أن تفرض تغيير النظام في بغداد.
(5)
لايزال الحريق مشتعلا ولم تهدأ ناره بعد, منذ اجتياح افغانستان واسقاط نظام كابول في شهر نوفمبر الماضي, ومنذ ذلك الحين لم تتوقف حلقات العنف وتجليات الإرهاب, ذكرنا ما حدث في موسكو وبالي, وأضيف ما أصاب الناقلة الفرنسية في المياه اليمنية ومقتل أحد الجنود الأمريكيين في الكويت ثم تصفية أحد الدبلوماسيين الأمريكيين في عمان, والباب مفتوح للمزيد, بالتوازي مع ذلك فان اللكودة الشارونية في فلسطين ماضية في طريقها بعدما استظلت بحكاية الحملة ضد الإرهاب, التي استفادت منها دول أخري لممارسة القهر بحق المسلمين, اذ فضلا عن روسيا في الشيشان فقد تعلقت الصين بذات الذريعة في قمع مسلمي تركستان الشرقية سينكيانج وهو ما فعلته الهند في قهر تطلعات المسلمين في كشمير. إن طبول الحرب ضد العراق تتعالي أصداؤها يوما بعد يوم, مستصحبة معها غيوما قاتمة تتجمع في الأفق, منذرة بسقوط زخات من المطر الأسود علي امتداد العالم العربي والإسلامي, الذي لم يستنبت سوي الشوك والمر.
لانحتاج إلي قراءة الكف والطالع لكي نقول اننا مقبلون علي احتمالات عنف وفوضي لايعلم إلا الله شكلها ومداها, واخشي ما اخشاه ان تجرفنا الموجة فنظل نصيح مع الصائحين المنددين بالإرهاب بأهله وسنينه, دونما تفرقة أو تمييز بين انتاج الإرهاب واخراجه, ودونما انتباه إلي أن اللكودة هي المنتج الحقيقي للإرهاب, وهي الراعي الرسمي له.
إن إخراج الإرهاب هو المتهم الثاني أما من ينتجه فهو المتهم الأول بامتياز.
أضيف اللكودة إلي عناوين المرحلة التي نعيشها, لكي تنضم إلي ما ذكرته في الأسبوع الماضي عن الاستباحة والملطسة أو الملطشة, واللكودة مشتقة من الليكود في طبعته الشارونية, التي تتبني نهجا احاديا مفترسا, يلغي السياسة ولايستخدم إلا لغة القوة التي تخاطب الجميع بالقبضة الحديدية, ولايتردد في الاطاحة بأي شيء يعترض طريق الوصول إلي الأهداف المرصودة, دون اعتبار لأحد أو قيمة, حتي إذا ادي ذلك إلي هدم المعبد علي من فيه.
(1)
لست صاحب مصطلح اللكودة فالذي صكه استاذ أمريكي في جامعة جورجتاون اسمه جون ايكنبري, وقد أطلقه اخيرا علي إدارة الرئيس بوش, التي تضم عناصر شديدة الحماس لليكود, وتبدي استعدادا مدهشا لتقديم مصالحه علي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية, وقد استطاعت تلك الفئة أن تؤثر في السياسة الأمريكية, وجعلتها تتبني مواقف غلاة اليمين الإسرائيلي, ولاترد لشارون طلبا حتي إذا تحدي إرادة المجتمع الدولي, كما حدث في رفضه استقبال اللجنة التي شكلها مجلس الأمن لتقصي الحقائق في مذبحة جنين.
مصطلح اللكودة لقي هوي لدي بعض الباحثين الغربيين, حتي استخدمته الباحثة البريطانية هيلينا كوبان, وعقدت مقارنة بين سياسة الرئيس بوش الخارجية وسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون, بينت التشابه بين نهج الرجلين في عسكرة السياسة والانفراد بالتصرف بعيدا عن الإرادة الدولية, وقارنت أيضا بين علاقة الجمهوريين بالديمقراطيين في الولايات المتحدة, وبين علاقة الليكود مع حزب العمل في إسرائيل, مبينة أن الجمهوريين جروا الديمقراطيين وراءهم, كما فعل الليكود مع حزب العمل.
وجدت أن اللكودة تحولت إلي مدرسة في الأداء السياسي, تناسبت مع أجواء المزاج الحربي والقمعي الذي ساد بعد11 سبتمبر, وفي ظله فرضت علي العالم الاجندة الأمريكية التي تحتل الاولوية الأولي فيها مسألة الحملة ضد الإرهاب, وأريد لدول العالم أن تنشغل بتلك الحملة, وان تقدمها حتي علي أولوياتها وهمومها الخاصة.
وحتي أكون دقيقا فان تلك اللكودة وما تستصحبه من افتراء واستقواء واستهتار بحياة الآخرين وحقوقهم, لاتمارس إلا حين يكون الآخرون من العرب والمسلمين, ذوي الدم الرخيص, وهم الذين تحولوا إلي منطقة رخوة, تغري أي طرف بان يتغول فيها ويتمدد, وهو مطمئن إلي انه سيظل آمنا, وسيخرج من مغامرته سالما وغانما, في الأجل القصير علي الأقل.
كل ما فعلته أنني توسعت في مفهوم اللكودة, ووجدت أن المصطلح يحتمل معني الغلو في التحيز لمصلحة إسرائيل في مواجهة العرب والتأييد المستمر لسياستها الوحشية ازاء الفلسطينيين, كما انه يحتمل أيضا ممارسة تلك السياسة الوحشية من جانب أي دولة في مواجهة العرب والفلسطينيين.
(2)
ماحدث في موسكو اخيرا نموذج للكودة بمعناها الثاني, وهو مشهد أرجو أن تدقق فيه جيدا, فقد قام نحو50 من الشيشانيين باحتجاز800 شخص داخل قاعة للمسرح, واشترطوا لإطلاقهم ان تنسحب القوات الروسية من بلادهم, وكان ذلك خطأ لاريب, دفع ثمنه نحو200 شخص من الابرياء قتلوا في أثناء عملية اقتحام المسرح, من جراء الغاز السام الذي سرب إلي داخل القاعة, فشل حركة المجموعة الشيشانية وادي إلي وفاة ذلك العدد الكبير من رواد المسرح, وقد نقل منهم600 إلي المستشفيات لعلاجهم من آثار الغاز السام الذي تكتمت السلطات الروسية طبيعته, حتي الآن علي الأقل.
الشيشانيون لم يقتلوا المائتي شخص, ولكن الجهة الروسية التي تولت عملية اطلاق الرهائن هي التي قتلتهم, واستبعد تماما ان يكون لجوؤها إلي استخدام الغاز السام قد تم دون موافقة الرئيس بوتين, وهو ما يسوغ لنا ان نقول إن العمل الإرهابي الذي قام به الشيشانيون ردت عليه الحكومة الروسية بعمل إرهابي آخر اشد جسامة وابعد أثرا, فالذين احتلوا المسرح كانوا مجموعة أفراد, هددوا بقتل الموجودين تباعا إذا لم تستجب السلطات الروسية لطلبهم, وتلك نتيجة كان يمكن تجنبها عن طريق التفاوض والبحث عن حل سلمي للموقف, أما الذين اصدروا الأمر باستخدام الغاز السام المحظور دوليا فقد كانوا يعلمون أن بعض الروس الموجودين داخل القاعة سيقتلون بسببه حتما, ومن ثم فان القتل اذا كان أحد الاحتمالات في حسابات الشيشانيين, فانه كان امرا مؤكدا عند صاحب القرار الروسي, الذي أعطي الأولوية لسحق الخاطفين, مطيحا بإمكان التفاهم حول حل سلمي أو مخرج سياسي يقبل ببعض التراجع ويتجنب ذلك المصير البائس الذي لقيه الضحايا, وفي الاستسلام للعناد والكبرياء الليكودي فان الرئيس بوتين لم يتردد أيضا في استخدام الغاز السام, مطيحا بالحظر الدولي المفروض عليه لاحظ ان الرئيس صدام حسين يؤاخذ الآن لاستخدام ذات الغاز السام ضد الاكراد, وان بلاده مهددة بالغزو بزعم تدمير مالديها من مخزون اسلحة الدمار الشامل!
(3)
لقد قريء الحادث بحسبانه مجرد عمل إرهابي, وهو كذلك بالفعل, وحين سئلت عما إذا كان الشيشانيون شهداء أم انتحاريين, قلت ذلك تحدده نياتهم, لكني احسب ان ما قاموا به يعد عملا انتحاريا, لان الابرياء الذين قتلوا بسببهم أو كان يمكن ان يقتلوهم هم ليسوا محاربين ولا مغتصبين كما في الحالة الإسرائيلية, لذلك فأرجو ألا يلتبس الأمر علي أحد في هذه الجزئية, لان ازهاق أرواح الابرياء خط أحمر عقديا, قبل أن يكون سياسيا أو قانونيا.
اللكودة التي اتحدث عنها لم تتجل فقط في عملية اقتحام المسرح, ولكن أيضا في مجمل التعامل الوحشي مع الملف الشيشاني, وهي الخلفية التي تجاهلها كثيرون, وهم يصفقون لنجاح العملية, ذلك أن الشيشانيين الذين استولت روسيا علي بلادهم منذ ثلاثة قرون تقريبا يناضلون منذ ذلك الوقت دفاعا عن استقلال بلادهم, وفي المرحلة السوفيتية اعتبرت شيشينيا احدي الجمهوريات التي تمتعت شكليا بالحكم الذاتي, وقد راودهم حلم الاستقلال بعد سقوط الاتحاد السوفيتي, وأعلنوه بالفعل في عام94, وكنت آنذاك ممن تحفظوا علي تلك الخطوة, وكتبت مفضلا أن يعيش الشيشانيون ضمن الكيان الكبير ليس فقط بسبب وضعهم الجغرافي وتشابك مصالحهم ومواردهم مع موسكو, ولكن ايضا لان امكاناتهم لاتساعدهم علي اقامة دولة مستقلة, وهم بحاجة إلي وقت لكي يقفوا علي أقدامهم, وهو ما فعلته جمهوريات إسلامية أخري مثل تتارستان وداغستان وانجوشيا, وكان الشرط الذي تمنيته أن يتاح لهم في ظل الكيان الكبير أن يحافظوا علي حرياتهم العامة فضلا عن حرياتهم الدينية بطبيعة الحال.
من أسف أن القيادة الروسية في عهد الرئيس بوتين واجهت طموحات الشعب الشيشاني بالأسلوب الليكودي والشاروني, حيث عمدت إلي سحق الشيشانيين واخضاعهم بأبشع الأساليب, واستبعدت اي حل سياسي يلبي الحد الادني من طموحات ذلك الشعب المقاتل والعنيد, اذ بعد انهاء الانفصال وتدمير العاصمة ومظاهر العمران في شيشينيا كثفت موسكو من وجودها العسكري هناك, وواصلت نهج القهر والقمع, وهو ما عمق من مشاعر الغضب لدي الشيشانيين, الذين اشتدت مقاومتهم وأصروا علي مواصلة النضال ضد الهيمنة الروسية.
بعد11 سبتمبر, وإعلان واشنطن عن حملتها الدولية ضد الإرهاب, انتهزت موسكو الفرصة واعتبرت المقاومة الشيشانية إرهابا يبرر القمع والقهر, وهو ما رحبت به واشنطن, فضلا عن ان المناخ الدولي كان مواتيا آنذاك, وإذ وجدت القيادة الروسية غطاء أطلق يدها في سحق الشيشانيين, فانها حاولت اغلاق الملف مستبعدة أي حل سياسي, ورافضة أي تفاهم مع قيادة المقاومة, وإذ ادرك الشيشانيون ان الابواب سدت في وجوههم, وان قضيتهم تراجعت في الساحة الدولية, في حين ان القوات الروسية واصلت افتراس شعبهم وبلادهم مرتكبة ما لاحصر له من جرائم الحرب, فان مجمل هذه الظروف أوصلتهم إلي شفا اليأس, وكان لجوؤهم إلي تلك العملية الانتحارية, التي احسب انهم يعلمون جيدا انها لن تجلب لهم الاستقلال, لكنها ربما لفتت الانتباه إلي قضيتهم, واستدعت ملفها إلي الواجهات مرة أخري.
(4)
ظاهر الأمر أن الرئيس بوش ماض علي طريق اللكودة في تعامله مع العراق, اذ تدل مختلف الشواهد علي أنه مصر علي إشهار العصا الغليظة, وشن الحرب مهما كلفه ذلك, برضا المجتمع الدولي أو رغما عنه, وذلك رغم قبول العراق بالسماح بعودة المفتشين الدوليين دون قيد أو شرط, وثمة كلام كثير عن التكلفة المالية المقررة للحملة العسكرية, التي قيل انها ستصل إلي مائة مليار دولار, يأمل الامريكيون في تعويضها في حال وضع أيديهم علي ثروة العراق النفطية, وهناك كلام آخر عن حكومة مابعد الاجتياح, تخلله حديث عن احتمال تعيين حاكم عسكري أمريكي مؤقت للعراق, وهناك جدل حول احتمالات استخدام العراق لأسلحة غير تقليدية في الرد علي الاجتياح الأمريكي, وفي بعض الدول المجاورة تدريبات واحتياطات لمواجهة ذلك الاحتمال.
ما لم تسلط عليه أضواء كافية في اللغط الدائر هو أصداء اجتياح العراق علي الصعيد السياسي في العالم العربي والإسلامي, نعم تحدث البعض عن انقضاض إسرائيل علي الفلسطينيين يستثمر لحظة انشداد الأبصار إلي الحاصل في العراق, لكن تداعيات الاجتياح في المحيط العربي الإسلامي الكبير تحتمل العديد من التوقعات التي تتراوح بين الزالزال والهزات الأرضية, الأمر الذي يفتح الابواب لمختلف تجليات الفوضي والعنف, وحتي لا أكون مبالغا أو متشائما, فإنني استشهد بتعليق علي التفجير الذي وقع في بالي وراح ضحيته190 شخصا من رواد أحد الملاهي التي يرتادها السياح الغربيون للجزيرة الاندونيسية, التعليق نشرته صحيفة جاكرتا بوست وكتبه واحد من ابرز المحللين السياسيين الاندونيسيين, وهو يوسف ونندي مؤسس مركز جاكرتا للدراسات الاستراتيجية والدولية, وفيه ربط بين واقعة التفجير والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط, وقال إنه ما لم تمارس واشنطن سياسة أكثر توازنا في الصراع العربي ـ الإسرائيلي, فان القادة المسلمين المعتدلين في جنوب شرق آسيا سيجدون صعوبة في مواجهة نفوذ المسلمين الراديكاليين علي الرأي العام المحلي, وأضاف ان الناس في اندونيسيا يشاهدون
علي شاشات التليفزيون كل يوم القمع الوحشي لاخوانهم المسلمين واهانتهم, الأمر الذي يملؤهم سخطا علي السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل التي تصر علي احتلال بيت المقدس وتدنيسه.
وقعت علي تعليق ونندي في ثنايا مقالة كتبها الصحفي البريطاني باتريك سيل, انتقد فيها الدروس الخاطئة التي استخلصتها العواصم الغربية من تفجير ملهي بالي نشرتها الحياة اللندنية في10/18 في مقالته ذكر الكاتب أن واشنطن استخفت كثيرا بالأثر المروع لدي الرأي العام العربي والإسلامي, وهو يشهد اضطهاد الفلسطينيين ومقتلهم كل يوم, بالإضافة إلي التدمير الكامل لمجتمعهم الذي كانت الفضائيات تنقله علي شاشات التليفزيون, ونبه إلي أن ذلك الأثر ليس مقصورا علي الشرق الأوسط وحده, وانما هو ممتد إلي مختلف ارجاء العالم الإسلامي, حيث العواطف الإسلامية في أطرافه الآسيوية خاصة أقوي وأشد بسبب البعد الجغرافي, الأمر الذي ضاعف من غضب المسلمين علي إسرائيل والولايات المتحدة المساندة لها.
في رأي باتريك سيل انه اذا ما هاجمت أمريكا العراق, فان النقمة علي الولايات المتحدة ستتحول إلي حقد وكراهية حقيقيين.
وهو رأي أيده بتقرير نشرته صحيفة هيرالدتريبيون لواحد من أهم المراقبين علي الساحة الآسيوية, اسمه فيليب بارونج, جاء فيه أن سياسة واشنطن نحو العراق لاتلاقي إلا القليل من التأييد في شرق آسيا.. حيث ألحق الخطاب الحربي ضررا بالغا بصورة أمريكا, ومن الصعب أن تجد بين الآسيويين من يصدق أن صدام يهدد أمريكا أو أن للولايات المتحدة الحق في أن تفرض تغيير النظام في بغداد.
(5)
لايزال الحريق مشتعلا ولم تهدأ ناره بعد, منذ اجتياح افغانستان واسقاط نظام كابول في شهر نوفمبر الماضي, ومنذ ذلك الحين لم تتوقف حلقات العنف وتجليات الإرهاب, ذكرنا ما حدث في موسكو وبالي, وأضيف ما أصاب الناقلة الفرنسية في المياه اليمنية ومقتل أحد الجنود الأمريكيين في الكويت ثم تصفية أحد الدبلوماسيين الأمريكيين في عمان, والباب مفتوح للمزيد, بالتوازي مع ذلك فان اللكودة الشارونية في فلسطين ماضية في طريقها بعدما استظلت بحكاية الحملة ضد الإرهاب, التي استفادت منها دول أخري لممارسة القهر بحق المسلمين, اذ فضلا عن روسيا في الشيشان فقد تعلقت الصين بذات الذريعة في قمع مسلمي تركستان الشرقية سينكيانج وهو ما فعلته الهند في قهر تطلعات المسلمين في كشمير. إن طبول الحرب ضد العراق تتعالي أصداؤها يوما بعد يوم, مستصحبة معها غيوما قاتمة تتجمع في الأفق, منذرة بسقوط زخات من المطر الأسود علي امتداد العالم العربي والإسلامي, الذي لم يستنبت سوي الشوك والمر.
لانحتاج إلي قراءة الكف والطالع لكي نقول اننا مقبلون علي احتمالات عنف وفوضي لايعلم إلا الله شكلها ومداها, واخشي ما اخشاه ان تجرفنا الموجة فنظل نصيح مع الصائحين المنددين بالإرهاب بأهله وسنينه, دونما تفرقة أو تمييز بين انتاج الإرهاب واخراجه, ودونما انتباه إلي أن اللكودة هي المنتج الحقيقي للإرهاب, وهي الراعي الرسمي له.
إن إخراج الإرهاب هو المتهم الثاني أما من ينتجه فهو المتهم الأول بامتياز.