مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
ورطة الأمريكـان في بلاد الأفغـان
هويدي 22-10-2002

حين يعلن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد أن القوات الأمريكية لن تغادر أفغانستان إلا اذا استقرت الأوضاع هناك‏,‏ في حين يقول الرئيس الأفغاني الأسبق برهان الدين رباني إن أفغانستان لن تعرف الاستقرار إلا اذا خرج الأمريكان‏,‏ فان ذلك يعيدنا إلي سؤال البيضة والدجاجة‏,‏ وأيهما قبل الأخري‏,‏ الأخطر من الاجابة علي السؤال أن مجرد طرحه يعني أن مبدأ وجود قوات أجنبية في بلد آخر برغم انف شعبه اصبح مسألة تحتمل تعدد الاجتهادات‏,‏ وإذ أسجل هاتين الملاحظتين‏,‏ فأنني ازعم انه من المفيد قبل أي مناقشة لهما أن تعرف ماالذي يفعله الأمريكيون هناك؟

‏(1)‏
كان الرئيس حامد كرزاي هو المتحدث الرئيسي في افتتاح المؤتمر الذي أقيم بمناسبة حلول الذكري الأولي لوفاة القائد الشهير أحمد شاه مسعود‏(‏ يوم‏9/7‏ الماضي‏)..‏ وحين دخل إلي القاعة كان يحيط به أربعة من الجنود الأمريكيين الذين ارتدوا ثيابهم العسكرية‏,‏ ووضعوا علي عيونهم نظارات سوداء‏,‏ وفي آذانهم سماعات موصولة بناقل للصوت امام الفم‏,‏ في حين كان كل واحد منهم قابضا بيديه علي مدفع رشاش صغير الحجم‏,‏ وقد علق علي كتفيه‏,‏ وتدلت من خصره أشياء لم استطع التعرف عليها عن بعد‏,‏ لكنني استنتجت أنها أسلحة تكميلية من مستلزمات أداء واجب الحراسة‏(‏ قيل لي إن جندي القوات الخاصة يحمل معه حين ينطلق لأداء مهمته ما متوسطه‏15‏ سلاحا مختلفا‏).‏ وقف جنديان وراءه علي المنصة‏,‏ بينما وقف الاثنان الآخران امام بابين متقابلين الذي دخل منه‏,‏ والذي سيخرج منه‏,‏ وبرغم أنها لم تكن المرة الأولي التي يظهر فيها الرئيس الأفغاني أمام حشد من الناس‏,‏ وهو محاط بالحراس الأمريكيين‏,‏ فإنني لاحظت ان بعض الجالسين حولي تبادلوا النظرات لحظة الدخول‏,‏ وهزوا رءوسهم في صمت‏,‏ لكن أحدهم ما لبث أن ارتسمت علي وجهه ابتسامة باهتة‏,‏ وتحدث ببعض كلمات في أذن جاره‏,‏ حين أشار الرئيس كرزاي في بداية حديثه إلي اسفه لغياب الشهيد مسعود عن مشهد تحرير أفغانستان‏.‏ وإذ التقط مرافقي الكلمات التي قالها صاحبنا‏,‏ فانه بدوره مال علي أذني وقال هامسا‏:‏ لا يعجبه كلام كرزاي عن تحرير البلاد بينما هو لايتحرك إلا في حراسة الأمريكان‏.‏

لايستطيع المرء أن يدرك حجم الدوي الذي أحدثه قرار الرئيس الأفغاني الاستعانة بحراس أمريكان إلا اذا استمع إلي تعليقات الناس العاديين في كابول حول الموضوع‏,‏ والتي تمتزج فيها الدهشة بالسخرية‏,‏ وقد أشرت في الاسبوع الماضي إلي أن هذا الموضوع كان أحد أسباب الخلاف بين كرزاي ونائبه وزير الدفاع الجنرال محمد فهيم‏,‏ الذي لم يكن وحده‏,‏ ولكن بعضا من قادة التحالف اعتبروا هذه الخطوة بمثابة إهانة للدولة ولجيشها ولجهازه الأمني‏,‏ وللرئيس ذاته‏,‏ وقال لي أحد أبرز قادة التحالف‏,‏ الشيخ عبدالرسول سياف زعيم الاتحاد الإسلامي إنها اكثر من إهانة‏,‏ إنها صفعة وفضيحة‏,‏ وبمرارة قال الرئيس الأسبق برهان الدين رباني انه عاجز عن تصديق المشهد‏,‏ ولم يتصور يوما أن يكون الأمريكيون هم الذين يحددون للرئيس الأفغاني الأماكن التي يستطيع أن يذهب إليها‏,‏ وتلك التي عليه أن يتجنبها‏,‏ وهم الذين يحددون له أي طريق يسلك‏,‏ وأين يتعين عليه أن ينام‏.‏
أكثر من ذلك‏,‏ فان الوزراء الذين يذهبون إلي مكتب الرئيس أو يذهبون للمشاركة في الاجتماعات التي تعقد برئاسته يصادفون علي بابه بعض أولئك الحراس‏,‏ الذين يصطحبون معهم كلابا بوليسية تشم حقائبهم‏,‏ وهم يهمون بالدخول‏,‏ وحين كنت هناك كان اللغط لايزال يدور حول حفل الاستقبال الذي اقامه كرزاي للرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي‏,‏ وكان الحراس الأمريكيون هناك‏,‏ في حين ظلت كلابهم البوليسية تمارس فضولها‏,‏ وهي تتجول في أرجاء حديقة القصر الرئاسي الذي أقيم فيه الاحتفال‏,‏ علي نحو فاجأ الجميع وأثار استياءهم‏.‏

‏(2)‏
اطرق الشيخ سياف برأسه لحظة حين فتحت معه الموضوع‏,‏ ثم قال إن الأمر بات مخجلا حقا‏,‏ فنحن واخواننا لم نحارب طيلة أكثر من عشرين عاما‏,‏ حتي تكون هذه هي النهاية‏,‏ فنحكم وتدار شئون بلدنا بواسطة اثنين‏:‏ المندوب السامي الأمريكي‏(‏ قصد زلماني خليل الأمريكي ذا الأصل الأفغاني الذي يعمل مستشارا للبيت الأبيض‏,‏ ومكلفا بملف أفغانستان‏),‏ ثم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة‏(‏ الأخضر الإبراهيمي‏)‏ الذي لايستطيع أن يتجاوز الخطوط التي رسمها الأمريكيون‏,‏ فالاثنان رتبا اختيار أعضاء الحكومة في بون‏,‏ ثم أخيرا في كابول‏,‏ وهما اللذان حسما أمر اختيار أعضاء اللويا جيركا‏,‏ وحددا جدول أعماله‏,‏ وقررا إنهاء جلسات اجتماع ممثلي الشعب الأفغاني‏,‏ وهما اللذان أجلا مناقشة موضوع الدستور‏,‏ وإجراء الانتخابات التشريعية‏,‏ لكيلا يكون للشعب صوت في إدارة شئون بلده‏.‏
وهو يعلق علي ماجري‏,‏ قال إننا لانعرف مايرتب لمستقبلنا‏,‏ لكن الذي لا أشك فيه أن هناك أشياء كثيرة تتم من وراء ظهورنا‏,‏ ونفاجأ بها بين الحين والآخر‏,‏ وحين سألته عما اذا كان بذلك يعني شيئا اخر غير الذي جري في اجتماعات بون‏,‏ قال‏:‏ سأروي لك طرفا مما صادفناه حين دخلنا إلي كابول في شهر نوفمبر الماضي‏,‏ فقد كان هناك أناس من أركان حركة طالبان لايزالون موجودين في ضواحي المدينة‏,‏ ولهم سجلهم المشهود في ممارسة القمع والهجوم علي قواتنا‏.‏ وكان علينا بعد الدخول أن نلاحقهم ونعتقلهم شأنهم في ذلك شأن غيرهم‏,‏ أو عند الحد الأدني نجردهم من السلاح‏,‏ غير أننا فوجئنا وذهلنا لأمرين‏:‏ الأول أن الأمريكيين طلبوا منا أن نترك بعضهم‏,‏ وشأنه‏,‏ فلا نحاول ملاحقتهم باعتبارهم من أصدقائهم المتعاونين معهم‏,‏ وأحد هؤلاء لايزال مقيما إلي الآن في منطقة وردك وقد أقام أخيرا احتفالا كبيرا بمناسبة زواج ابنه‏,‏ حضره مندوب من السفارة الأمريكية‏!‏
الأمر الثاني الذي فوجئنا به أن مندوبا عن المخابرات البريطانية ذهب إلي سفارتنا في لندن‏,‏ والتقي أحد مسئوليها‏,‏ حيث حدثه بشأن تأمين سلامة أحد القادة الذين كانوا ضمن أركان طالبان‏,‏ باعتبار أن أمره يهم الأجهزة البريطانية المعنية بالمنطقة‏,‏ وقد نقلت إلينا الرسالة في حينها‏,‏ ولايزال القيادي الطالباني طليقا حتي الآن‏!‏

‏(3)‏
كنت قد تابعت عبر الإذاعات تصريحات مستشارة الأمن القومي الأمريكي كوندوليزا رايس‏,‏ التي قالت فيها إن الولايات المتحدة ستلقي بكل ثقلها لإعادة تعمير العراق‏,‏ بعد إسقاط نظامه‏,‏ وهو ماشجعني علي محاولة تحري ماحدث في أفغانستان علي ذلك الصعيد‏,‏ خصوصا أن التصريحات الأمريكية في بداية الحملة العسكرية الأمريكية علي أفغانستان تبنت نفس الأفكار‏,‏ ربما بنفس الصياغة والمفردات‏,‏ بحيث لم يتغير فيها سوي اسم المكان‏,‏ وقد أسفرت عملية البحث عن المعلومات التالية‏:‏
‏*‏ لم تقدم الولايات المتحدة شيئا لإعمار أفغانستان‏,‏ ومساعداتها اقتصرت علي المساعدات التي تلقاها الجيش وأجهزة الأمن‏,‏ أما الإعمار فقد تركته لما سمي الدول المانحة‏,‏ وهي الدول التي شجعتها أمريكا علي تقديم المساعدات المالية لنظام كابول‏,‏ أو تلك التي بادرت من جانبها إلي ذلك لسبب أو لآخر‏.‏
‏*‏ ماقدمته الدول المانحة‏,‏ التي اشتد حماسها في البداية ثم تراخي نسبيا بعد ذلك‏(‏ كانت قد وعدت بمليار و‏800‏ مليون دولار‏,‏ ولم تتلق أفغانستان سوي‏850‏ مليون دولار فقط‏)‏ والتمويل الذي قدم إما استخدم في تغطية انشطة منظمات الأمم المتحدة أو وزع علي الجمعيات الأهلية‏,‏ أما الحكومة الأفغانية‏,‏ فإنها لاتتقاضي سوي ما يغطي رواتب موظفيها‏,‏ وفي المقدمة منهم رئيس الدولة والوزراء‏.‏

‏*‏ يقول المسئولون الأفغان إن ما بين‏60‏ و‏70%‏ من الموارد المالية التي تقدمها الدول المانحة تستهلك في تغطية النفقات الإدارية لموظفي الامم المتحدة والجمعيات الأهلية‏,‏ وللأمم المتحدة هناك نحو أربعة ألاف موظف‏,‏ يتقاضي بعضهم رواتب تصل إلي‏7‏ و‏9‏ آلاف دولار في الشهر‏,‏ ويستأجرون مباني ومكاتب فاخرة هم وممثلو الجمعيات الأهلية‏,‏ كما انهم يقتنون سيارات جيب من أحدث الطرازات اليابانية وأغلاها ثمنا‏.‏
‏*‏ النتيجة ان الإعمار يتحرك ببطء شديد للغاية‏,‏ ليس فقط بسبب كم الخراب الموجود‏,‏ ولكن أيضا بسبب شح الموارد التي تصرف في هذا الاتجاه‏,‏ وبسبب من ذلك فان تطورا طفيفا للغاية طرأ علي المشهد الأفغاني من هذه الزاوية خلال الأشهر العشرة الأخيرة‏.‏

‏*‏ النتيجة الأخري الأسوأ أنه إزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية فان كثيرين عادوا إلي زراعة الحشيش والأفيون‏,‏ وهي العملية التي كانت قد تراجعت كثيرا في أواخر حكم طالبان‏,‏ حتي عادت أفغانستان الآن مرة أخري كأحد المصادر المهمة لزراعة المخدرات‏.‏
الخلاصة التي يخرج بها المرء من متابعته للمشهد الأفغاني في هذه الزاوية أن الاهتمام الدولي بشكل عام والأمريكي بوجه أخص‏,‏ موجه في أفغانستان نحو الوضع الأمني والشق السياسي‏,‏ أما ما هو اجتماعي واقتصادي وإنساني‏,‏ فلا يبدو أن هناك جهة معنية به‏,‏ وهو أمر يمكن أن يسفر عن أوضاع كارثية مع قدوم فصل الشتاء‏.‏

‏(4)‏
ليس مستغربا والأمر كذلك أن يبدأ التململ في الظهور في أوساط النخبة الأفغانية‏,‏ بل وفي داخل بعض قيادات التحالف ذاته‏,‏ الذي يضم شرائح من المناضلين المخلصين الذين بدأوا يتساءلون‏:‏ إلي متي ستظل أفغانستان تحت الوصاية الأمريكية؟ ـ وما قاله الأستاذ رباني في هذا الصدد لايختلف كثيرا عما يقوله الشيخ سياف‏,‏ ومايهمس به بعض المسئولين في الحكومة ذاتها‏.‏
حين حاولت البحث عن اجابة السؤال وجدت أن كثيرين يقولون إن الأمريكيين لايعتزمون الرحيل في الأجل المنظور‏,‏ وان مدة بقائهم يقدر لها أن تستمر مابين عشر و عشرين سنة‏,‏ وحين سألت عن الأساس الذي بني عليه ذلك التقدير‏,‏ كان الرد أن بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي صرحوا للصحفيين بذلك في أثناء زيارة قاموا بها قبل حين للعاصمة الأفغانية‏,‏ وأضاف آخرون أن الكلام تؤيده طبيعة المنشآت الضخمة التي يقيمها الأمريكيون في قاعدة بجرام العسكرية‏,‏ التي تبعد نحو‏50‏ كيلو مترا عن كابول‏,‏ ويمنع علي الأفغان والأجانب الاقتراب منها‏.‏

ليس هذا فقط‏,‏ وإنما يتحدث الدبلوماسيون والمطلعون علي ما يجري في الكواليس عن مساع أمريكية لنشر قوات لهم في ولاية بدخشان الطاجيكية المتاخمة للصين‏,‏ بحجة متابعة نشاط عناصر القاعدة وطالبان‏,‏ في حين أن الجميع يعرفون أن تلك العناصر لايمكن ان تلجأ إلي هذه المنطقة‏,‏ لسبب جوهري هو أنها خاضعة بالكامل‏,‏ حتي في عهد حكومة طالبان‏,‏ لقيادة التحالف الشمالي‏,‏ وليس هناك عاقل يمكن أن يتصور احتمال احتماء أو اختفاء عناصر القاعدة وطالبان في ولاية يفترض أنها معادية لهم تماما‏,‏ لذلك فالمرجح أن الأمريكيين يريدون بالوجود في تلك المنطقة أن يبعثوا برسالة إلي الصينيين‏.‏ تعلمهم انهم يقفون بالباب‏,‏ كما أنهم يريدون أن يحولوا دون احتمال مساندة الصين لأية معارضة أفغانية للوجود الأمريكي‏,‏ وكانت بكين قد قامت بذلك الدور الذي كان فعالا‏,‏ إبان الاحتلال السوفيتي لافغانستان‏,‏ وهو الجهد المحجوب‏,‏ والمسكوت عليه إلي الآن‏,‏ في حين سلطت كل الأضواء علي الدور الأمريكي في دعم مقاومة السوفييت‏.‏
من أنباء كابول ايضا في هذا الصدد أن القوات الأمريكية ترتب الآن وجودا آخر في ولاية هيرات‏(‏ في بلدة دوبوشتا التي تبعد بمسافة‏40‏ كيلو مترا عن الحدود مع إيران‏)‏ وقد أقام الأمريكيون بالفعل ثكنة عسكرية هناك‏,‏ وبثت وكالة رويترز تقريرا في‏9/24‏ أكد هذه المعلومات‏,‏وأضافت أن الأمريكيين بدأوا يفاوضون سكان بلدة دوبوشتا في شراء أرض بالمنطقة لكي يقيموا عليهما أبنيتهم‏,‏ وترتيبات من ذلك القبيل حين تقوم بها الولايات المتحدة تجاه الصين او ازاء ايران‏,‏ وكل منهما له شأنه المعلوم‏,‏ لايقدم عليها قوم عابرون أو راحلون‏,‏ ولكنها جزء من الإعداد للبقاء الطويل في مناطق ما كان يحلم المخطط الاستراتيجي الأمريكي أن يبلغها يوما ما‏.‏

‏(5)‏
لاتكاد تري القوات الأمريكية في كابول‏,‏ حيث الوجود المنظور مقصور علي القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة‏,‏ التي تجوب سياراتها شوارع العاصمة طول الوقت‏,‏ وتؤمن مواقعها الاستراتيجية لكن الوجود الأمريكي كله خارج العاصمة‏,‏ ولان القوات الدولية وجودها رمزي‏,‏ وصلاحيتها محدودة للغاية‏,‏ فان دورها له من التأثير الأدبي والمعنوي اكبر مما فيه من الدور العملي أو المادي‏,‏ لذلك فان وظيفة القوات الدولية في كابول هي أقرب ماتكون إلي مهمة المحلل الذي تحتمي به وتتخفي وراءه العمليات العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة خارج العاصمة في البر ومن الجو‏,‏ وبقدر ما أن أيدي القوات الدولية شبه مكبلة في داخل كابول‏,‏ فان الأيدي الأمريكية مطلقة ومخولة في فعل أي شيء في جميع أنحاء افغانستان‏,‏ فهي تقصف المواقع وتدك المغارات وتهدم القلاع وتحاصر القري‏,‏ وتقتل لأي شبهة‏,‏ وتحتجز كل من تشك فيه‏,‏ وكثيرا ما قصفت بيوتا وتجمعات‏,‏ وقتلت عشرات من البشر‏,‏ بسبب أخطاء في التصويب أو في التبليغ‏.‏
ولان نشاط الأمريكيين وعملياتهم يتركز خارج العاصمة‏,‏ فما تفعله يظل بعيدا عن الأعين‏,‏ ومايصل من أفعالها وأخبارها إلي العاصمة‏,‏ إما أنه يأتي متأخرا أو مبتسرا أو معدلا من جانب الحكومة‏,‏ والأجهزة المعنية‏,‏ والأصل أن القيادة الأمريكية تتحكم في الأخبار المذاعة‏,‏ من ثم فليس كل مايحدث يقال وينشر‏,‏ لان الحرص شديد في واشنطن علي أن تخفف للغاية جميع الاخبار المتعلقة بالخسائر الأمريكية في أفغانستان‏,‏ لان معرفة الحقيقة من شأنها أن تحدث أصداء سلبية لدي الرأي العام الأمريكي‏,‏ الأمر الذي قد يؤثر بالسلب ليس فقط علي الحملة العسكرية في أفغانستان‏,‏ ولكن أيضا علي الحملة المفترضة علي العراق‏,‏ بل علي مستقبل الرئيس بوش ذاته‏.‏

حين كنت هناك كان الجميع يتحدثون عن إسقاط طائرتي هليكوبتر أمريكيتين‏,‏ ومقتل تسعة من ركابها العسكريين‏,‏ لكن الحادث تم التكتم عليه بسرعة‏,‏ ولم تشر إليه وسائل الاعلام من قريب أو بعيد‏.‏ وهذا الحادث ليس فريدا في بابه‏,‏ برغم أن الخسائر فيه اكبر بصورة نسبية من غيرها في حالات أخري‏,‏ ذلك انه لايكاد يمر أسبوع إلا ويقتل أو يخطف فيه جندي أمريكي أو أكثر‏,‏ او يحدث هجوم علي موقع او قافلة للقوات الأمريكية‏,‏ او يكتشف كمين يستهدف الأمريكيين الأمر الذي لايعرف في ظله إلي أي مدي يمكن احتمال وضع من ذلك القبيل‏.‏
طالعت رسما كاريكاتوريا صور الورطة الأمريكية‏,‏ نشرته صحيفة هيرالدتريبيون في منتصف شهر سبتمبر الماضي‏,‏ وفيه العم سام‏(‏ الأمريكي‏)‏ وقد أطبق علي رجله فخ حاد الأسنان كتبت عليه كله أفغانستان‏,‏ بينما يهم بوضع رجله الأخري في فخ ثان يحمل اسم العراق‏,‏ في حين يمسك الأمريكي في يده بمطرقة كبيرة يريد أن يهوي بها علي رأس الرئيس صدام حسين‏,‏ القابع في قلب الفخ العراقي‏,‏ غير أني سمعت من أحد الأفغان تصويرا اخر للورطة ربما كان أكثر دقة‏,‏ فقد قال صاحبنا أن الأمريكيين في أفغانستان كمن بلع الموسي لا هو قادر علي هضمه‏,‏ ولا هو قادر علي استخراجه والخلاص منه‏.‏ والله أعلم
أضافة تعليق