مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مفاجــآت المشهد الانتخابي المغربي
هويدي 8-10-2002

أستأذن في انعطافة صوب المغرب‏,‏ الذي جرت فيه انتخابات نيابية في الأسبوع الماضي‏,‏ جاءت نتائجها بمثابة ضوء لمع فجأة في الأفق العربي المعتم‏,‏ المسكون بالإحباط وآيات الانكسار‏.‏ إن شئت فقل إنها نموذج لذلك الأمل الذي تمنيناه في المشرق فأطل علينا بصيصه من المغرب‏,‏ ففرحنا به فرحة القرعاء بشعر أختها‏,‏ كما يقول المثل الشائع‏.‏ لا بأس بطبيعة الحال‏,‏ إذ حين يزحف التصحر علي ربوعنا السياسية‏,‏ ويسود الجدب الديمقراطي عالمنا العربي‏,‏ علي النحو الذي تعرف‏,‏ فإن أي نبت أخضر نراه في محيطنا يصبح جديرا بالحفاوة‏,‏ إذ المهم أن نلمح إشارة انفراج الكرب من أي باب‏,‏ باعتبار أن تلك الإشارة علامة علي بزوغ الأمل‏,‏ الأمر الذي يسمح لنا بالتفاؤل بالمستقبل‏,‏ وإن كان بعيدا‏.‏

‏(1)‏
قلت إنها انعطافة لأنني في الأسبوع الماضي شرعت في الحديث عن الدعايات والأكاذيب المغشوشة التي تروج هذه الأيام في سياق التمهيد لضرب العراق‏,‏ وبدأت بأم الأكاذيب التي تمثلت في حكاية الدفاع الأمريكي عن الديمقراطية‏,‏ ثم وعدت بمواصلة الحديث هذا الأسبوع‏,‏ ولكن المشهد المغربي فاجأنا وفرض نفسه علي السياق‏,‏ الأمر الذي اقتضي تأجيل استئناف الحديث عن مسلسل الأكاذيب إلي الأسبوع المقبل بإذن الله‏.‏
لقد اعتبرتها حدثا مهما‏,‏ ليس فقط لما تبعثه فينا من أمل في أجواء الكآبة التي نعيشها‏,‏ ولكن أيضا لأنها تميزت بأمور ثلاثة هي‏:‏

‏*‏ أنها تمت بدرجة عالية من النزاهة والشفافية لأول مرة منذ أربعة عقود تقريبا‏(‏ أول انتخابات تشريعية في المغرب جرت عام‏1963),‏ ولأنها كذلك فإنها كانت معبرة بصدق عن حقيقة وتضاريس الخريطة السياسية في المغرب‏,‏ بحيث جاءت الصورة مطابقة للأصل إلي حد كبير‏,‏ بغير تزويق أو تزوير‏.‏
‏*‏ أن نسبة الإقبال عليها كانت متواضعة نسبيا‏,‏ وامتلك جهاز الإدارة شجاعة الإعلان عن أن نسبة الذين اشتركوا في التصويت كانت في حدود‏52%(‏ عدد الناخبين‏14‏ مليونا‏),‏ ولم يخف أحد من المعلقين أن إحجام كثيرين عن التصويت بعث برسالة إلي الحكومة عنوانها الاستياء وعدم الرضا‏,‏ من جانب المجتمع الذي يئن تحت وطأة الضغوط الاقتصادية المتفاقمة‏.‏

‏*‏ أن حزب التنمية والعدالة المعروف بتوجهه الإسلامي حقق فوزا كبيرا في حظوظه الانتخابية‏,‏ علي نحو جعله ثالث قوة سياسية في البلاد‏,‏ إذ ضاعف مقاعده ثلاث مرات‏,‏ بالمقارنة بانتخابات المرة السابقة‏(‏ عام‏1997).‏
لقد وضعت نزاهة الانتخابات في المرتبة الأولي من الأهمية‏,‏ لأنها ضمن مؤشرات جدية الرغبة في التغيير‏,‏ ومن ثم فإنها من المبشرات التي نرجو لها أن تستمر وتتواصل‏,‏ وهي عندي أهم من الفوز الذي حققه حزب التنمية والعدالة‏,‏ لأنني بعد أن تواضعت طموحاتنا وتآكلت أحلامنا واحدا بعد الآخر‏,‏ ما عاد يهمني كثيرا من يفوز ومن يخسر‏,‏ وإنما أصبحت غاية المني أن تجري الانتخابات في ظل شفافية حقيقية‏,‏ حتي وإن جاءت نتائجها علي غير ما نهوي ونحب‏.‏

‏(2)‏
كانت المعركة حامية الوطيس وحافلة بالضجيج والتوتر‏,‏ وهو أمر غير مستغرب في ظل اشتراك‏26‏ حزبا تقدموا بستة آلاف مرشح‏,‏ تنافسوا علي‏325‏ مقعدا في البرلمان‏,‏ مع ذلك فإن الصراع الحقيقي والأكثر حدة كان بين دعاة العلمانية والفرانكفونية من جانب‏,‏ ودعاة التوجه الإسلامي من ممثلي حزب العدالة والتنمية من جانب آخر‏(‏ حركة العدل والإحسان الأهم والأكبر قاطعت الانتخابات لأسباب تتعلق برؤية قيادتها لمجمل النظام السياسي‏,‏ والجماعات الأخري حضرت بأصوات عناصرها وليس بمرشحيها‏).‏
لم يعرف عن المغرب أنه كان يوما ما تربة للتطرف أو الإرهاب‏,‏ لذلك فإن الحركات الإسلامية الأساسية تبنت منذ نشأتها سياسة اللاعنف‏,‏ وأهم هذه الحركات هي‏:‏ العدل والإحسان ـ التوحيد والإصلاح ـ العدالة والتنمية ـ البديل الحضاري‏,‏ غير أن الأمر لم يخل من شذوذ علي القاعدة طرأ في السنوات الأخيرة‏,‏ أفرز مجموعتين صغيرتين جنحتا إلي التطرف والعنف هما‏:‏ جماعة التكفير والهجرة‏,‏ والسلفية الجهادية‏,‏ غير أن الأبواق الإعلامية المضادة وضعت الجميع في سلة واحدة‏,‏ ودأبت خلال الأسابيع التي سبقت موعد الانتخابات علي تحذير الناس وتخويفهم من التصويت للإسلاميين‏,‏ وكان استدعاء النموذج الجزائري إلي المغرب هو الفزاعة التي جري التلويح بها لترويع الناخبين‏,‏ وظلت الصحف العلمانية والفرانكفونية تروج طوال الوقت لاحتمال جزأرة المغرب‏,‏ أي تحويلها إلي جزائر أخري‏,‏ تغرق في بحور الدم والفوضي‏,‏ هذا ما دأبت عليه صحف مثل‏:‏ الأحداث المغربية‏,‏ والاتحاد الاشتراكي‏,‏ وليبراسيون‏,‏ ولاجازيت دوماروك‏,‏ وتحدثت صحيفتا المستقل ولوجورنال عن تقرير سري قدم إلي الملك محمد الخامس يحذر من الغزو الوهابي للمغرب‏,‏ وكان لأسبوعية جون افريك نصيبها في الحملة‏,‏ حيث ذكرت أن واحدة من عناصر الخلية النائمة لتنظيم القاعدة التي تم ضبطها قبل شهر في المغرب‏,‏ عضو في حزب العدالة والتنمية‏,‏ ولم يكن مستغربا والأمر كذلك أن تنشر الأحداث المغربية تعليقا علي الخبر المسرب قالت فيه‏:‏ إن الإرهابيين والحزب أصبحوا شيئا واحدا‏.‏

كانت لحزب التنمية والعدالة خلفيته الدالة علي نهجه السلمي وحرصه علي العمل من خلال مؤسسات المجتمع وقنواته الشرعية‏,‏ منذ شارك في انتخابات عامي‏93‏ و‏97,‏ ومع ذلك فإن قيادته تعاملت مع الحملة المضادة بأسلوب رصين وحذر‏..‏ ماذا فعلوا؟
منذ بداية المعركة الانتخابية عملوا علي طمأنة من ساورهم الشك أو القلق‏,‏ فأعلنوا علي الملأ أنهم لا يطمحون في تجاوز نسبة‏18%‏ أو‏20%‏ من أصوات الناخبين‏,‏ أي أنهم لا يتطلعون إلي الحصول علي أغلبية كبيرة في المجلس النيابي‏,‏ تقلب الموازين وتقودهم إلي رئاسة الحكومة‏.‏

الأمر الثاني أنهم لم يرشحوا عناصر حزب العدالة والتنمية في كل الدوائر الانتخابية‏,‏ وإنما قدموا‏55‏ مرشحا فقط‏,‏ غطوا بالكاد ثلثي الدوائر وتركوا الثلث الباقي لكي تنفرد به الأحزاب الأخري دون منافسة من جانبهم‏,‏ وكان هذا السلوك العملي محاولة لتأكيد صدق تواضع طموحات الحزب‏,‏ وحرصه علي الاحتفاظ بحدود المشاركة مع الآخرين‏.‏
في الوقت نفسه فإن الحزب قدم علي قوائمه‏30‏ شخصية نسائية‏(‏ نجح منهن أربع‏)‏ الأمر الذي أضفي ملمحا جديدا إلي صورته‏,‏ خصوصا أن الانطباع العام عن الحركات الإسلامية أنها لا تقدم العنصر النسائي ضمن صفوفها الأولي‏,‏ وهو ما أشاع جوا عاما من الارتياح هدأ بصورة نسبية من قلق بعض المترددين والمتوجسين‏.‏

‏(3)‏
حين انقشع غبار المعركة كان أهم ما أسفرت عنه ما يلي‏:‏
‏*‏ تصدرت قائمة الفائزين أربعة أحزاب يعتبرها كثيرون ركائز الحياة السياسية في المغرب‏,‏ والأحزاب الأربعة هي‏:‏
ـ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يقود الائتلاف الحاكم‏(‏ حصل علي‏49‏ مقعدا‏),‏ وهو حزب يساري أقرب إلي الاشتراكية الدولية المعتدلة‏(‏ عضو نشيط في مؤسسة الاشتراكية الدولية‏),‏ وكان معارضا عنيدا طيلة العقود الأربعة الماضية‏,‏ ثم غير سياسته بحيث انتقل من موقف تغيير النظام إلي موقف التعايش معه والعمل من خلال مؤسساته‏,‏ وفي آخر عهد الملك الحسن الثاني‏(‏ عام‏1998)‏ عين زعيم الحزب عبد الرحمن اليوسفي رئيسا للوزراء في تطور مفاجئ قال البعض إنه تمهيد لإعادة ترتيب البيت المغربي الداخلي‏,‏ بعدما تسربت الأنباء عن مرض الملك السابق‏,‏ وكانت تلك خطوة أولي مهمة في اتجاه توسيع قاعدة استيعاب النظام المغربي للقوي السياسية المعارضة‏.‏

ـ حزب الاستقلال الذي احتل المرتبة الثانية‏(48‏ مقعدا‏)‏ وهو الذي كان حليفا دائما للاتحاد الاشتراكي‏,‏ وظل موقفه وسطا بين المرجعية الإسلامية الهادئة الممزوجة بتأثيرات اشتراكية وليبرالية‏,‏ وكان حزب الاستقلال هو الأوحد في البلاد حتي الخمسينيات حيث اجتمع تحت رايته كل المناضلين ضد الاحتلال الفرنسي‏,‏ إلي أن انشق عنه جناحه اليساري في وقت لاحق‏(‏ بقيادة المهدي بن بركة‏),‏ وأنشأ أعضاؤه حزب الاتحاد الاشتراكي‏.‏
ـ حزب العدالة والتنمية‏(42‏ مقعدا‏)‏ الذي برز في العقد الأخير‏,‏ وعمل أعضاؤه حينا في إطار حركة التوحيد والإصلاح ذات الطابع الاجتماعي‏,‏ إلي أن اعترف بهم رسميا في عام‏93,‏ وبدأوا منذ ذاك إبحارهم في المعترك السياسي كمعارضين في البرلمان‏,‏ واستفادوا كثيرا من مقاطعة جماعة العدل والإحسان للانتخابات‏,‏ لأنهم حصلوا علي أصوات مؤيديها الكثيرين‏,‏ إضافة إلي استعادتها من القواعد العريضة المتعاطفة مع التوجه الإسلامي في ربوع المغرب‏.‏

ـ حزب التجمع الوطني للأحرار‏(40‏ مقعدا‏)‏ الذي يعد معبرا محترما عن الليبرالية في البلاد علي الرغم من حداثة عهده النسبية‏(‏ تشكل في عام‏1977),‏ وقد استطاع أن يحتفظ بموقعه المتقدم بسبب الرصيد الذي يحظي به في الأوساط الليبرالية غير المتشنجة التي تتركز في المدن المغربية الرئيسية‏.‏
‏*‏ بدا واضحا بشدة حجم التراجع النسبي في حظوظ الأحزاب جميعها‏,‏ باستثناء حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية‏.‏ فعلي الرغم من أن حزب الاتحاد الاشتراكي حصل علي‏49‏ مقعدا‏,‏ فإن نصيبه في المجلس التشريعي السابق‏57‏ مقعدا‏,‏ وحزب التجمع الوطني للأحرار خسر‏5‏ مقاعد‏(‏ له الآن‏41‏ مقعدا وكان له في السابق‏46‏ مقعدا‏),‏ أما حزب الحركة الشعبية فقد خسر‏12‏ مقعدا‏,‏ وحزب الاتحاد الدستوري خسر‏34‏ مقعدا‏,‏ وحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية كانت إصابته أكبر‏,‏ فلم يحصل هذه المرة علي أكثر من‏7‏ مقاعد‏,‏ في حين كان له في المجلس التشريعي السابق‏32‏ مقعدا‏,‏ وبينما حدثت التراجعات علي ذلك النحو‏,‏ فإن حزب الاستقلال حصل علي‏48‏ مقعدا‏,‏ وكان له‏32‏ مقعدا فقط في السابق‏,‏ أما حزب العدالة والتنمية فقد ارتفع رصيده من‏14‏ إلي‏42‏ مقعدا‏.‏

‏(4)‏
التقدم الملحوظ لحزب التنمية والعدالة كان له صداه القوي في مختلف الأوساط‏,‏ فقد استقبلته الأطراف العلمانية والفرانكفونية بدرجات متفاوتة من القلق والانزعاج‏,‏ وإذ حدث ذلك علي صعيد الصحافة المحلية‏,‏ فإن عدواه انتقلت إلي الصحافة العربية الصادرة في لندن‏,‏ التي وصفت ما حققه الحزب بأنه اختراق وتحدثت عن احتمالات الخطر والمخاوف من تصاعد دور الإسلاميين في الخارطة السياسية المغربية‏,‏ مشيرة إلي أن ذلك النجاح بمثابة إنذار للطبقة السياسية في البلاد‏,‏ يفرض عليها أن تستنفر وتتحسب لاحتمالات المستقبل‏,‏ وقرأنا تصريحا لمصدر مغربي مسئول حاول أن يخفف من المخاوف الناشئة عن فوز الإسلاميين فقال‏:‏ إن الإسلاميين المغاربة مسئولون ويجب عدم الخوف منهم‏,‏ أو من تأثيرهم علي القرارات داخل البرلمان‏,‏ وغمز أحد الكتاب في ترشيحهم للنساء قائلا‏:‏ إنهم ممن كانوا يدعون إلي بقائهن في البيوت‏,‏ ثم تساءل عما إذا كانت تلك الخطوة من جانبهم تكتيكا أم استراتيجية؟
الملاحظ علي هذه الأصداء أنها في مجموعها تحدثت بلغة الشك وعدم الارتياح‏,‏ وتعاملت مع الإسلاميين باعتبارهم كائنات غريبة وغير سوية‏,‏ الأمر الذي يقتضي طمأنة الناس من احتمال ظهورهم في الأفق السياسي‏,‏ وهذا موقف ليس مستغربا‏,‏ ففي حالات مشابهة وصف نجاح الإسلاميين في الانتخابات بأنه استيلاء علي المقاعد‏,‏ كأنما المفروض عليهم ألا ينجحوا حتي وإن تم ذلك بأصوات الأغلبية وتأييدها‏,‏ تماما كما وصف البعض نجاح حزب التنمية والعدالة بأنه اختراق‏,‏ الأمر الذي يفترض أن الأصل هو أن يقفوا وراء خطوط معينة لا يسمح لهم بتجاوزها‏,‏ فإذا تقدموا خطوة إلي الأمام فإن ذلك يغدو أمرا غير عادي‏,‏ يسوغ وصفه بأنه اختراق أو استيلاء‏,‏ في حين أن غيرهم إذا ما خطا ذات الخطوة إلي الأمام فإن فعله يوصف بأنه فوز أو انتصار‏!‏

ولأن الصورة النمطية للإسلاميين هي أنهم قوم متشددون ومتطرفون وإرهابيون‏,‏ كأنما الإسلام بدأ بالجماعة المسلحة في الجزائر وحركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان‏,‏ فإن تقدمهم حتي وإن كان بأصوات الناخبين يفترض أنه يثير المخاوف‏,‏ ومن ثم يحتاج الناس إلي طمأنة وتهدئه للخواطر العامة‏.‏

‏(5)‏
إذا جاز لنا أن نجري تقويما للمشهد المغربي بعد الانتخابات فلابد أن نقر بأن النظام القائم هو الفائز الأول في حقيقة الأمر‏,‏ لأنه قدم في التجربة الانتخابية نموذجا يستحق الاحترام‏,‏ من حيث إنه التزم إلي حد كبير بضوابط النزاهة والشفافية‏,‏ وهو أمر استثنائي في الأفق السياسي العربي‏.‏
في الوقت نفسه فإننا ينبغي أن نشهد للنظام المغربي بأنه في تعامله مع المخالفين اختار نهج الاحتواء السياسي وليس القمع الأمني‏,‏ وبدا ذلك واضحا منذ عين السيد عبد الرحمن اليوسفي زعيم الاتحاد الاشتراكي رئيسا للوزراء‏,‏ أعني أن النظام استبعد أسلوب الإقصاء والاستئصال الذي رأينا كم دفع الجزائر ثمنا له‏,‏ من استقراره وأرواح أبنائه وسمعته السياسية‏,‏ واختار بدلا من ذلك أسلوب إشراك أولئك المخالفين في التنمية السياسية‏.‏

لقد راهن بعض الكتاب بعد أحداث‏11‏ سبتمبر علي أن ما جري هو بداية النهاية لما يسمي بالتيار الأصولي‏,‏ وأنه سيؤدي إلي أفول نجمه وطي صفحته‏,‏ وأثبتت التجربة أن هذا التقدير كان تعبيرا عن تمنيات من كتبوا‏,‏ ولم يكن يمثل قراءة صحيحة للواقع السياسي‏,‏ نعم ما حدث في‏11‏ سبتمبر كان له تأثيره الحاسم علي فصائل العنف والإرهاب‏,‏ ولا ينكر أحد أنه أضر بأنشطة المسلمين في الغرب‏,‏ لكن التجربة أثبتت أن تيار الاعتدال لم يتأثر بما جري‏,‏ وأن هناك إدراكا متزايدا لأهمية إعطاء الفرصة لذلك التيار‏,‏ ليس الضرورة محبة فيه أو إعجابا به‏,‏ ولكن لأن وجوده يمثل الضمان الحقيقي لكبح جماح التشدد وتقليص دائرته وتوفير الاستقرار المنشود‏.‏ المشهد المغربي جاء لكي يؤكد هذه الحقيقة‏,‏ إذ علي الرغم من عنف حملة التشهير المضادة‏,‏ وعلي الرغم من الإلحاح المستمر علي محاولة الربط بين مجمل العمل الإسلامي والإرهاب‏,‏ وعلي الرغم من أن الانتخابات جرت بعد مضي عام علي حوادث سبتمبر‏,‏ فإن حزب العدالة والتنمية استقطب جمهورا مكنهم من أن يضاعف ممثليه في البرلمان ثلاث مرات‏,‏ وتلك لعمري شهادة تكذب ادعاءات أفول نجم التيار الأصولي وطي صفحته‏.‏
يبقي بعد ذلك السؤال الكبير كيف سيتصرف نواب حزب العدالة والتنمية داخل المجلس النيابي الجديد‏,‏ وهل ستكون أولوياتهم مطابقة لأجندة المجتمع المغربي وأولوياته‏,‏ أم أن تلك الأولويات ستخضع في تحديدها وترتيبها لاجتهادات نواب الحزب الخاصة‏,‏ وأسيرة لمشروعهم وليس مشروع المجتمع أو همومه وأشواقه؟‏!‏ ـ ننتظر حتي نري‏.‏
أضافة تعليق