مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
شروخ في جدار الوطن.. أيعود الحبُّ والقُبَلُ ؟
د. عبد الولي الشميري
أما آن ياريح أن تهدئي
وياراكب الريح أن تتعبا؟
ماذا يريد بنا المغامرون القدمى وإلى أين يتجهون بسفينة اليمن المظلوم الفقير، المقهور، المتخلف مدنياً، واجتماعياً؛ وسياسياً، شماله وجنوبه، وشرقه وغربه؟ إلى أين الرحلة القادمة بعد خمسين سنة من الضياع، ومن التدليس، ومن التضليل، ومن الشعارات الوطنية، والاحتفالات الشكلية بيوم رحيل الاستعمار عن جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية سابقًا، وعن الإطاحة بالنظام الملكي الإمامي للدولة المتوكلية، وأوسعناهما شتماً وسباباً، على كل المنصات، وفي كل المناسبات، والذكريات، وكلما فشلنا في بلوغ هدف، أو أخفقنا عن تحقيق نجاح، حمَّلناهما كامل المسئولية، فما شبعنا ولا شبعوا من الشتائم للرجعية الملكية المتوكلية، ولا من لعن الاستعمار البريطاني، وهذه هي حصادات ما استفاده الشعب اليمني جنوباً وشمالاً من ثمار الثورتين، سبتمبر، وأكتوبر.
نعم هي هذه كل إنجازات المغامرين الذين استأثروا بالسلطة والحكم، ثم هاهم يلهثون مع أبنائهم وأقاربهم اليوم للحصول على الجنسية الاستعمارية البريطانية وهي أقصى ما يتمنونه، ثم هاهم يفترشون الأبواب ويلثمون التراب، سعياً لما تجود به الأنظمة الملكية الرجعية في المنطقة التي علمونا أنها كانت تقف ضد نهضة البلاد، ووراء الاحتلال البريطاني، والتسلط الملكي الإمامي، إن طوابير الجنرالات من المغامرين على أبواب سفارات تلك الدول طويلة، يلهثون للحصول على تأشيرة دخول أو إقامة في تلك البلدان، أكثر من وقوفهم بين يدي الله الذي خلقهم، فما هي إنجازات المغامرين الذين قادوا موكب الثورتين اليمنيتين خمسين سنة تقريباً؟.
اليوم ونحن في شهر نوفمبر الذكرى بعد خمسٍ وأربعين سنة؛ لرحيل بريطانيا عن اراضي جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية سابقًا، نتصل بأحد الذين نعتبرهم من الثوار القدامى لثورة 14 اكتوبر لنهنأه بذكرى الاستقلال؛ وكان يغضب إن مرت المناسبة دون أن اتصل به وأهنأه، وهذه المرة عاد لصوابه؛ وبلغ سن الحلم، واقترب من الثمانين، فيرد لي شكرًا دكتور أنك تهنئني بأكبر غلطة ارتكبناها ضد الوطن؟!
كم هو مذهل أن يبلغ زعماء الماضي اليمني سن الحلم عند الثمانين من العمر، وليصححوا التاريخ، أهم يصححون أم يخربون أم يخرِّفون!!!
(فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) صدق الله العظيم.
واليوم يتساءل معي أحد بقايا الثوار السبتمبريين الذين سجنوا في حجة وفروا من سيف الإمام قبل 1962م ذهبت كالمعتاد أهنؤه بيوم ثورة سبتمبر فبكى وهو على سرير المرض، وعينه تذرف بالدمع قال: يا ولدي ظلمناهم، كنا نظن أننا سنكون شيئاً وسنقدِّم البلاد فما قدرنا على فعل أكثر من تقديم الثورة للمرتزقه الذين مايزالون يركضون بسياراتهم الفارهة بين الحديدة وصنعاء على نفس طريق الإمام أحمد، ويستوردون قمحهم عبر نفس ميناء الحديدة التي عملها الإمام أحمد، أو ميناء عدن التي عملتها بريطانيا، ويتعالجون في نفس الخرابات التي كانت مستشفيات في عهد الإمام ، بكى وأبكاني عندما سمعنا أن اليمن مطفأة من الكهرباء، فقال عملوا 500 ميجا كهرباء وصنعوا جنبها خمسة آلاف قاطع طريق، ومفجر أنابيب، وهنا شاركته الدمع على موطني الذي ولدت ثورته بالتزامن مع نهاية الدمار في اليابان، وفي ألمانيا، وقبل اتحاد الإمارات بإحدى عشر سنة، وبالرغم من ذلك رددنا معاً: ’’رددي أيتها الدنيا نشيدي’’، فابتسم المناضل بحرقة وحزن قائلاً بعد أن مسحت عنه الدمع: يا ولدي قل: عصيدي بدل نشيدي، (شوفنا أموت بالمرض ولا أحد سأل عني فكيف بالمساكين الغلبانين! فما فعلت الثورتان، وما فعل المغامرون إذن، سوى الخطب الرنانة الطنانة، والمهرجانات الجماهيرية، والأضواء والأبهات).
نعم لو عددنا جوانب تلك المنجزات التي حققها المغامرون الذين أضاعوا نصف قرن من حياة الشعب، والأجيال، لوجدنا من أهم إنجازاتهم: انعدام كافة المؤسسات الخدمية اللائقة للشعب، وانعدام الحياة السياسية الصحيحة، وانعدام شبه كامل للأمن، وانعدام شبه كامل لنزاهة القضاء واستقلاله، وانعدام جوهر الحرية الحقيقية، وبالمقابل سنجد إنجازات لهم الحق أن يمنّوها على الشعب، وتحسب لهم في موازين أعمالهم في الدنيا، والآخرة، من تلك الإنجازات، أولاً: تعميق العداوة بين الأهالي على مستوى القرية والقرية، ونشر ثقافة الكراهية، على مستوى الشمال والجنوب، وترسيم قوانين ثارات القبيلة، وبسط سيادة القات على الجزر البعيدة، والمحافظات النائية التي كانت لا تعرف عنه شيئاً، وتشجيع ودعم الثارات، ونشر فرص الاستثمارات ولكن بالسلاح واستيراده باسم الجيش ثم بيعه للعاطلين عن العمل والتهادي به بين الشخصيات والمجاملات. وأستغفروا الله لا أنكر أن هناك تنافس جهود متبادلة بين صنعاء وعدن، كل يحاول فرض صادراته وثقافته على المدينة الأخرى، ومثال على ذلك استطاعت عدن أن تكتسح صنعاء وقبائلها بالقات الضالعي، والفوطة الجاوة، والدرع النسائي العدني، ومقلى السمك، بينما تمكنت قوة الدولة المركزية في صنعاء من فرض ثقافة الكوت، والعسيب، والسلتة، ونشرها في عدن، ونشر السلاح بأنواعه في كافة مدن وقرى المحافظات الجنوبية، وهزيمة الفن العدني، واللحجي، والسواحلي، والدان الحضرمي والانتصار للبال والبلبال الحميني الصنعاني. وانتصر فن البرع الصنعاني على الرقص اللحجي!! هذه أبرز إنجازات الثورتين سبتمبر وأكتوبر وإنجازات وحدة علي صالح، وعلي البيض، التي صدعوا بها رؤس الشعب، وشرخوا بها المجتمع، وكلها من أجل سواد عيون حلفائهم، وهروبهم من فضائح العصر الشطري لعهديهما قبل اتفاقية الوحدة.
هل نحن معذورن أن لا نتساءل عن مدن يمنية بلا ماء، ومدن تحت خط الاستواء بلا كهرباء، وشعب عاطل بلاعمل، اللهم إلا أنه لم يحرم من نعمة الاستثمار في بيع القات والسلاح، والشعارات، ونشر الكراهية والبغضاء، والتطبيل للمغامرين.
وهذا ما جعلني أقف بفكري نحو ما يجري من محاكمات للزعماء الذين اسموهم مجرمين في الشعوب الأخرى، من السياسيين المستبدين الذين أضاعوا زمناً من أعمار شعوبهم، في الدول التي استيقضت بحق؛ على فجر مشرق، لتصحيح المسار والعود إلى اليقضة.
ولكن مما راعني أن أرى موكب اليمن في الشمال وفي الجنوب تتواصل فيه عملية التضليل للأجيال، من المغامرين القدامى، الذين مايزالون يعولون الزمارين بثروات الشعب، للمزيد من إطالة رحلة الضياع، ويعيدون إنتاج أنفسهم، كأبطال جدد لإعادة حروب داحس والغبراء.
أولئك هم الذين أضاعوا الشعب اليمني شماله وجنوبه خمسين عاماً كاملة، في حروب شطرية ثلاث مرات، وكل حروبهم ضد بعضهم، داخل العواصم سبع مرات، وسبع حروب في الريف اليمني، وسبعة انقلابات عسكرية حمراء وبيضاء وسوداء. واغتيال مشروع سيادة الدولة باغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي سنة 1977م. ومضى 34 سنة من عمر الزمن لم تفرغ الثورتان والوحدة لتشكيل فرقاء تحقيق، أو محاكم لتلك الجريمة التي لم تعد كما يظن الكثيرون أنها غامضة. ولم تحظ بنسبة 1 % مما حظيت به مجزرة يناير 1986 في عدن أو تفجير جامع النهدين في صنعاء 2011م.
هذه هي الإنجازات الحقيقية التي يحتفل بها اليمنيون منذ خمسين سنة، كل عام مرتين وثلاث مرات، وننفق من أجل الاحتفالات بها مئات الملايين من الدولارات، هذه هي إنجازات الثورتيين أكتوبر وسبتمبر، وإنجازات وحدة علي صالح وعلي البيض، بل إن ما نشهده اليوم من شقاق وتوترات هو بسبب تلك الإنجازات الوهمية والمظاهرالشكلية التي ثقفتنا بالتطبيل للمغامرين وشخصنة الدولة، وتمجيد الاستبداد.
لقد اتضح أخيراً أن الاتفاق للتوحد السياسي سنة 1990م بين البيض وعلي صالح لم يكن قادمًا من إرادة الأمة، ولا تحقق من أجل أهداف ثورتي أكتوبر وسبتمبر، وليس من أجل الشعب في الشطرين. لقد حصحص الحق، تكشفت الحقائق أنها لعب بمشاعر الشعب، وبهرجة على عرش من القش، وكلها كانت لهدفين سريين مختلفين، ليس من بينهما خدمة الشعب ، ولا تاريخ الشعب، بل من أجل مصالح وأجندات خارجية، من أبرزها - جنوبياً - هروب البيض من سقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان يقف وراء نظامه في الجنوب وبأيديولوجيته. وأبرزها - شمالياً - هو تنفيذ علي صالح رغبة الرئيس صدام حسين الذي كان يهدف لإسقاط ملكيات الخليج من خلال تحالف اليمن وعلي صالح معه، ثم تسبب المغامران في عصر التقاسم الانتهازي، في نكبة أكثر من مليوني عامل ومستثمر يمني في دول الخليج، وعادوا بهم ليصطفوا في طوابير المصفقين، على الطرقات، وليموتوا جوعاً، وما إن تغيرت قواعد اللعبة الإقليمية بهزيمة صدام حسين وطرد جيشه مهزوماً من الكويت، فتأتي الإرادة الخارجية الإقليمية من دول المال في الجزيرة العربية بإلغاء الوحدة لعقوبة شخص علي صالح الذي أيَّد احتلال الكويت، فيعلنان عن أزمة سياسية، وبمكر وأطماع في صراع نفوذ، بين عروسي الوحدة، ثم يقف الملك حسين الأردني باقتراح وثيقة عهد واتفاق، بدفع من الرئيس المنهزم صدام حسين، ثم إعلان حرب، ثم انفصال وانشقاق، ثم حرب لمنع الانفصال، ثم حرب ضد الحرب، ثم ظهرت الحاجة الإقليمية لاتفاقية ترسيم الحدود السعودية، وكانت من متطلباتها بعض التهدئة مؤقتاً، ثم هاهي المغامرات تعود وتعود وتعود في ظل قطبين إقليميين هما: إيران، ومنظومة دول الخليج، هذه هي الحقائق المفزعة التي تكشفت عنها أقنعة المغامرين الذين يعزفون اليوم على وتر المستقبل.
وإذا حان وقت المراجعة الدقيقة والحقيقية لثورة صحيحة بعيدة عن المغالطات وبعيدة عن تزوير التاريخ فهناك اسئلة حائرة للجيل الجديد يتوجه بها للمغامرين القدامى الذين أفنوا أموال الشعب في طبع صورهم، ونشر سخافاتهم، وأغرقوا الشمال والجنوب في ديون بالمليارات لشراء أسلحة ثقيلة وخفيفة ليتقاتلوا بها، وما هي إنجازات ثورة سبتمبر، 1962م وما هي إنجازات ثورة أكتوبر 1963م.
أما بعد:
اليمن هي اليمن منذ خلقت، اسمها اليمن، وقبائلها يمنية، وأرومتها واحدة، نسباً وحسباً، قبل أن تكون إيران وبعدها، وقبل أن تكون هناك دول الخليج وبعدها، وقبل عصر المغامرين، وبعد آلاف السنين حتى تقوم الساعة.
عقيدتي أن الوحدة السياسية في أي عصر من العصور ليست فريضة شرعية، ولكنها تخضع للمصالح التي يقتنع بها غالبية السكان، وليس من العقل أن نعمل على إخضاع الوطن لسلطات أي مغامرين قدامى أو جدد، أو حزب، أو شخص، أو قبيلة، ثم نقول هي فريضة شرعية، فالحكم هو عقد بين الراعي والرعية، وللرعية تقدير مصلحتهم.
ليس من الدين أن نقحم الدين فيما لا ينبغي إقحامه حتى لا تكون هناك شرعية مقدسة لأي ديكتاتور كان. كما لا ينبغي أن تكون الأمة مركباً هنيئاً لأي مغامر من المغامرين الذين أغرقوا سفينة الوطن، في بحر العداوات ونعرات مذهبية وسلالية ومناطقية وطائفية.
لا انزعاج ولا قلق من أن يتنكر بعض أتباع المغامرين القدامى لاسم اليمن، فنكران اسم اليمن اليوم لا يغير ذلك من حقائق التاريخ شيئا، فبريطانيا هي التي أطلقت تسمية الجنوب العربي على جنوب اليمن، لتبقى حاكمةً له، وقاوم هذه التسمية المناضلون الجنوبيون، وتنادوا لمقاومتها، وللثورة ضد الاحتلال البريطاني وعاندوا بريطانيا، وسموها الجنوب اليمني المحتل، حتى السلطنات الشرقية الحضرمية: الكثيري، والقعيطي، وسلاطين شبوة، وأبين وغيرها، ماتزال ختومات سلطناتهم في جوازات معظم رعايا تلك السلطنات، تحمل نص الجنوب اليمني المحتل، وقدم الجنوبيون الآلاف من النفوس الزكية، وأقاموا على أساس هذه التسمية دولة، وأعلاماً، وعملة، ودستوراً، واتفاقيات، ومناهج مدرسية، جيلاً بعد جيل، فما غيرت بريطانيا في الأمر شيئاً. بل اعترفت أخيراً باليمن الجنوبية، ورحلت عنها، وأقيمت على أنقاضها دولة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، واحتفل الثوار في الجنوب برحيل الاستعمار عن أرض جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية خمساً وأربعين سنة.
إن ما يحدث اليوم هو مجرد تبادل أدوار فبريطانيا اعترفت باليمن الجنوبي، وورثة شهداء الثورة أصبحوا ينكرون يمنية الجنوب الذي مات آباؤهم من أجله؛ وعادوا يحملون الاسم الذي سمته ثم تخلت عنه بريطانيا، فالعملية عبارة عن تناوب الأدوار ولا ضير ولا ضرر، فكما سمي اليمن الطبيعية يمناً من قبل عصر أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، فسيبقى اليمن معروفاً باليمن إلى قيام الساعة، وليست الدول المؤقتة والأنظمة العابرة بقادرة على إصدار إعلان دستوري يعدل التاريخ التليد منذ عشرات الآف من السنين. بل سيمضون كأي بدو رحل في موكب التاريخ اليمني الممتد وسيأتي بعد ذلك جيل جديد وأجيال، تبني وتعيد حضارات اليمن، ومجدها التليد.
إنني أعرف اليمن ويعرفه العالم بشعر عمر بن أبي ربيعة قبل ألف وأربعمائة عام وهو يتغزل من اليمن على سيف البحر من عدن، بحبيبته (أمة الوهاب):
هَيهات من (أمَّةِ الوَهّاب) مَنْزِلُنا
إذا نَزَلْنا بِسِيفِ البحر من عَدَن
وقولَها للثريا وهي باكية
والدَّمعُ مِنْها على الخدَّين ذُو سَنن
بالله قُولي لُه، في غيرِ مَعْـتَبـَةٍ
ماذا أرَدْتَ بطولِ المُكْثِ في اليمن
بل ما نَسِيتُ غداةَ الخيْفِ مَوْقِفها
ومَوْقِفي، وكلانا ثَمَّ ذُو شَجَنِ
إن كنتَ حاولتَ دنيا أو ظَفِرتَ بها
فما أخذتَ بتركِ الحج من ثَمن؟
وسنترك للمحدثين تحقيق حديث الرسول محمد عليه الصلاة والسلام عما بين يدي القيامة (تخرج نار من اليمن من عدن أبين) تسوق النار إلى المحشر. .
*الجمهورية
أضافة تعليق